-
مجموع الأنشطة
1792 -
تاريخ الانضمام
-
آخر نشاط
نوع المحتوي
الاقسام
المدونات
Store
التقويم
التحميلات
مكتبة الصور
المقالات
الأندية
دليل المواقع
الإعلانات
كل منشورات العضو Mr ToDAY
-
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضل الحب في الله أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي ) . وأخرج الترمذي بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله عز وجل : ( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) . معاني المفردات بجلالي : بعظمتي وطاعتي لا لأجل الدنيا يغبطهم : الغبطة تمني مثل نعمة الغير دون تمني زوالها عنه . فضل الحب في الله الحب في الله رابطة من أعظم الروابط ، وآصرة من آكد الأواصر ، جعلها سبحانه أوثق عرى الإسلام والإيمان ، فقال - صلى الله عليه وسلم - أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله والبغض في الله عز وجل )رواه الطبراني وصححه الألباني . بل إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة ، وإخلاص هذه الرابطة قال صلى الله عليه وسلم من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود . ومن أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان ، ولذة المجاهدة للهوى والشيطان فهذا هو السبيل ، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء ، قال - صلى الله عليه وسلم - ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ) رواه ابن حبان وصححه الألباني. وأما الجزاء في الآخرة فهو ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه )أخرجاه في الصحيحين . محبة في الله والأصل في الحب والبغض أن يكون لكل ما يحبه الله أو يبغضه ، فالله يحب التوابين والمتطهرين ، والمحسنين ، والمتقين ، والصابرين ، والمتوكلين والمقسطين ، والمقاتلين في سبيله صفا، ولا يحب الظالمين والمعتدين والمسرفين والمفسدين ، والخائنين ، والمستكبرين . ولهذا فإن شرط هذه المحبة أن تكون لله وفي الله ، لا تكدِّرها المصالح الشخصية ، ولا تنغصها المطامع الدنيوية ، بل يحب كل واحد منهما الآخر لطاعته لله ، وإيمانه به ، وامتثاله لأوامره ، وانتهائه عن نواهيه، ولما سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم ؟ فقال : " العاملون بطاعة الله، المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم " . والمحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين ، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته ، قال سبحانه :{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين }(الزخرف 67)، وقد روى الترمذي أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد ، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - المرء مع من أحب ) . وأما من أحب شخصا لهواه ، أو لدنياه ، أو لمصلحة عاجلة يرجوها منه، فهذه ليست محبة لله بل هي محبة لهوى النفس ، وهى التى توقع أصحابها فى الكفر والفسوق والعصيان عياذاً بالله من ذلك . أمور تعظم بها المحبة وهناك أمور تزيد في توثيق هذا الرباط العظيم وتوطيده ، حث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها : إعلام الأخ - الذي له في نفسك منزلة خاصة ، ومحبة زائدة عن الأخوة العامة التي لجميع المؤمنين بأنك تحبه ، ففي الحديث إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني وفي رواية مرسلة عن مجاهد رواها ابن أبي الدنيا وحسنها الألباني ( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة ) . ومنها تبادل العلاقات الأخوية ، والإكثار من الصلات الودِّية ، فكم أذابت الهدية من رواسب النفوس ، وكم أزال البدء بالسلام من دغل القلوب ، وفي الحديث ( تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) رواه مالك في الموطأ، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد . وقال - صلى الله عليه وسلم - لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم . حقوق المحبة وهناك حقوق بين المتحابين توجبها وتفرضها هذه المحبة ، ويُسْتَدل بها على صدق الأخوة وصفاء الحب ، منها : أن تحسب حساب أخيك فيما تجره إلى نفسك من نفع ، أو ترغب بدفعه عن نفسك من مكروه ، وقد أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بقوله وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، تكن مؤمنا ) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني . ومنها ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات حيث لا يسمعك ولا يراك ، وحيث لا شبهة للرياء أو المجاملة ، قال - صلى الله عليه وسلم - دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل )رواه مسلم ، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه ، دعا لأخيه بتلك الدعوة ، لأنها تستجاب ويحصل له مثلها . ومنها الوفاء والإخلاص والثبات على الحب إلى الموت ، بل حتى بعد موت الأخ والحبيب ببر أولاده وأصدقائه ، وقد أكرم النبي - صلى الله عليه وسلم - عجوزاً جاءت إليه ، وقال :( إنها كانت تغشانا أيام خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان )رواه الطبراني ، ومن الوفاء أن لا يتغير الأخ على أخيه ، مهما ارتفع شأنه ، وعظم جاهه ومنصبه . ومنها التخفيف وترك التكلف ، فلا يكلِّفْ أخاه ما يشق عليه ، أو يكثر اللوم له ، بل يكون خفيف الظل ، قال بعض الحكماء : " من سقطت كلفته دامت ألفته ، ومن تمام هذا الأمر أن ترى الفضل لإخوانك عليك ، لا لنفسك عليهم ، فتنزل نفسك معهم منزلة الخادم " . ومنها بذل المال له ، وقضاء حاجاته والقيام بها ، وعدم ذكر عيوبه فيحضوره وغيبته ، والثناء عليه بما يعرفه من محاسن أحواله ، ودعاؤه بأحب الأسماء إليه . ومنها التودد له والسؤال عن أحواله ، ومشاركته في الأفراح والأتراح ، ومن ذلك أيضاً بذل النصح والتعليم له ، فليست حاجة أخيك إلى العلم والنصح بأقل من حاجته إلى المال ، وينبغي أن تكون النصيحة سراً من غير توبيخ . وإن دخل الشيطان بين المتحابين يوماً من الأيام ، فحصلت الفرقة والقطيعة ، فليراجع كل منهما نفسه ، وليفتش في خبايا قلبه فقد قال عليه الصلاة والسلام ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني . هذه بعض فضائل المحبة في الله وحقوقها ، وإن محبة لها هذا الفضل فيالدنيا والآخرة لجديرة بالحرص عليها ، والوفاء بحقوقها ،والاستزادة منها ، {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } (الحشر 10) . المصدر : الشبكة الإسلامية
-
ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صل الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ... أهـــلا بكـم أحبائنا زوار و رواد و اعضاء منتدى السنة النبوية الشريفة ... قال فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد : فإننا على أبواب أيام مباركة هي : أيام عشر ذي الحجة التي فضلها الله سبحانه وتعالى، وأودع فيها من الخيرات الشئ الكثير لعباده، ولاشك أن حياة المسلم كلها خير إذا اغتنمها في عبادة الله والعمل الصالح، وكلها خير من حين يبلغ سن الرشد إلى أن يتوفاه الله، إذا وفقه الله لاغتنام أيام حياته في الأعمال الصالحة التي يعمر بها آخرته، فمن حفظ دنياه بطاعة الله حفظ الله له آخرته، ووجد ما قدمه مدخرا عند الله عز وجل ومضاعفاً، ومن ضيع دنياه ضاعت آخرته، خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين ، فكل حياة المسلم خير ، و لكن من فضل الله عز وجل أن جعل أوقاتاً فضلها على غيرها من الأيام ، ليزداد فيها المسلم أعمالا صالحة، ويحصل على أجور مضاعفة، فهناك شهر رمضان المبارك، وما فيه من الخيرات، والأعمال الصالحة والمضاعفة للأجور، وفي شهر رمضان ليلة خير من ألف شهر ، وهي ليلة القدر. وهناك هذه العشر، عشر ذي الحجة التي أقسم الله جل وعلا في محكم التنزيل، وقال سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، هذه الليالي العشر هي عشر ذي الحجة على المشهور عند أهل العلم ، والله أقسم بها لشرفها وفضلها، لأنه سبحانه وتعالى يقسم بما يشاء من خلقه، ولا يقسم إلا بشئ له شأن، يلفت العباد إليه، وهو أقسم بهذه لشرفها وفضلها، لأجل أن يتنبه العباد لها، وقيل أنها هي العشر التي أيضا أكملها الله لموسى -عليه السلام-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ)، قالوا والله أعلم هذه العشر هي عشر ذي الحجة، و قال الله سبحانه وتعالي فيها: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)، الأيام المعلومات، وأما الأيام المعدودات المذكورة في قوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات فهي أيام التشريق، في أيام معلومات ، يذكروا اسم الله في أيام معلومات، وسيأتي ما يقال من الذكر في هذه الأيام . ومن فضائل هذه العشر : أنها تشتمل على يوم عرفة، اليوم التاسع منها، الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه، في صيامه : (( احتسب على الله أن يكفر السنة الماضية، والسنة المستقبلة))، وفيه أداء الركن الأعظم من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفة، هذا اليوم العظيم الذي يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في صعيد واحد، هو صعيد عرفة، ليُأدّوا الركن الأعظم من أركان حجهم في هذا اليوم، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل في عشيته إلى سماء الدنيا فيباهي الملائكة بأهل عرفة، فيقول: (( انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أتوني من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم))، وفي اليوم العاشر من هذه العشر يوم الحج الأكبر، وهو يوم عيد النحر الذي يؤدي المسلمون فيه مناسك الحج من طواف وسعي وذبح للهدي وحلق أو تقصير، هذه المناسك الأربعة يبدأ أداؤها في هذا اليوم، ولذلك سمى الله هذا اليوم يوم الحج الأكبر، لأنه تؤدَّى فيه معظم مناسك الحج، وهناك الحج الأصغر وهو العمرة، فهذا اليوم اختصه الله سبحانه وتعالى بهذا الفضل، فالحجاج يؤدون فيه المناسك، وغير الحجاج يصلّون صلاة العيد ويذبحون فيه الأضاحي، يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، فهذه العشر المباركة تشتمل على هذه الفضائل، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه البخاري وغيره : ((ما من أيام العمل أحب من هذه الأيام العشر ، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ ))، فهذه الأيام العشر يكون العمل فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، حتى الجهاد في سبيل الله، الذي هو أفضل الأعمال، العمل في هذه العشر خير من الجهاد في سبيل الله، إلا من استثناه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشئ. فهذه الأيام لها فضائل عظيمة، ويشرع فيها أعمال كثيرة: - صيام هذه الأيام ويستحب صيامها، صيام تسعة أيام لغير الحجاج، وأما الحجاج فلا يصومون اليوم التاسع، لأجل ان يتقووا على الوقوف بعرفة، وأما غير الحجاج فصيام هذا اليوم في حقهم يكفر الله به السنة الماضية والسنة الآتية، وهذا فضل عظيم من الله سبحانه وتعالى، وفي حديث حفصة: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم هذه العشرة)، رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، وأما ما قالته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: ( أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يصم هذه العشر)، هذا نفي، وحفصة حديثها فيه إثبات والمثبت مقدم على النافي، فحفصة أثبتت أن رسول الله يصوم ، وعائشة نفت وهذا في حدود علمها -رضي الله عنها- ، فتكون حفصة علمت شيئا لم تعلمه عائشة . - ومن الأعمال التي تؤدى في هذه الأيام العشر التكبير ، ويبدأ من أول دخول الشهر ، حينما يثبت دخول الشهر يبدأ التكبير في أيام هذه العشر ولياليها، ويكثر المسلم من التكبير فيقول :الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، الله اكبر، ولله الحمد ، يكرر هذا ويرفع به صوته، كان الصحابة يرفعون أصواتهم بالتكبير في هذه الأيام العشر، وهذه ما اختصت به هذه الأيام العشر، ويسمّى هذا بالتكبير المطلق بالليل والنهار. - وكذلك يشرع في هذه العشر الإكثار من الطاعات من صدقات على المحتاجين، وصدقات في سبيل الله، وكذلك من صلوات النوافل في غير أوقات النهي، ولاسيما صلاة الليل، وكذلك لا يفتر المسلم عن ذكر الله فيها بتلاوة القران والتسبيح والتهليل، فيشغل هذا الوقت بالطاعات القولية، والطاعات الفعلية، يغتنمها ويكتسب ما فيها من خير فلا تضيع عليه، يكون فيها صائما في النهار، وقائما في الليل، وتاليا للقران، مكبرا ومهللا ومسبحا، فيشغل لسانه بذكر الله، ويشغل بدنه بالصيام والقيام، وهذا خير كثير في هذه الأيام العشر التي العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، وان كان العمل الصالح محبوبا عند الله جلا وعلا في سائر الأوقات، ولكن الله يفضل بعض مخلوقاته على بعض، ففضل هذه العشر على غيرها من أيام الزمان، وكذلك مما يشرع في هذه العشر أن من أراد إن يضحي عن نفسه، أو عن نفسه وغيره، فانه إذا دخل في العشر لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يذبح أضحيته، لان النبي [b]صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في الحديث الصحيح .[/b] يشرع في يوم النحر ذبح الهدي أو الأضاحي، والهدي سواء كان هديا واجبا للنسك كهدي التمتع والقران، أو كان هديا مستحبا يهديه المسلم إلي بيت الله العتيق، تقربا إلي الله سبحانه وتعالى، فأول ما يبدأ، أول يوم يبدأ فيه الذبح يوم العيد، هذا بالنسبة للحجاج، وأما بالنسبة لغير الحجاج فيذبحون الأضاحي، تقربا إلي الله سبحانه وتعالى، وسنة نبوية سنها أبونا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأحياها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والأضحية قربان عظيم يتقرب بها المسلم إلى الله ويرى بعض العلماء وجوبها، الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- يرى أن ذبح الأضحية واجب على الموسر، وأما جمهور أهل العلم فيرون انه سنة مؤكدة، وليس بواجب؛ وعلى كل حال فذبح الأضاحي والهدي في هذا اليوم وما بعده يدل على فضل هذا اليوم؛ قالوا: وهو المراد بقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، صل صلاة العيد، وأنحر هديك، وأنحر أضحيتك في هذا اليوم ، فهذا اليوم كما أسلفنا تؤدى فيه مناسك الحج، طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمرة ، جمرة العقبة، وذبح الهدي بالنسبة للحجاج وبالنسبة لغير الحجاج ذبح الأضاحي، ومن فضل الله سبحانه انه مدد أيام الذبح إلى ثلاثة أيام بعد العيد، فأيام الذبح أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام بعده ، قال [b]صلى الله عليه وسلم: (( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل))، فهذه عشر مباركة، تقدم على المسلمين بخيراتها وبركاتها من الله، على المسلمين من حجاج، وغير حجاج، وفيها هذه الأعمال الجليلة.[/b] وبالنسبة للهدي والأضاحي فلها أحكام ذكرها أهل العلم من ناحية السن، ومن ناحية السلامة من العيوب، ففي الأضاحي والهدي لا يجزي الا ما بلغ السن المحددة شرعاً، فالضأن يجزء فيه بان يتم ستة أشهر، والماعز ما تم له سنة، والبقر ما تم له سنتان، والإبل ما تم له خمس سنين، هذا من حيث السن في الأضاحي وفي الهدي،وكذلك في العقيقة أيضا لابد ان العقيقة ينطبق عليها ما ينطبق على الهدي و الأضحية، كذلك السلامة من العيوب، من العور والعرج والمرض والهزال ونقص الخلقة بقطع أو بتر أو غير ذلك ، فتكون سليمة من العيوب التي تنقصها من غيرها، وأما ما يفعل بلحم الهدي ، لحم الأضاحي: ( فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر)، (فكلوا منها واطعموا البائس الفقير)، ويستحب أن يقسمها ثلاثة أقسام، ثلاثة أثلاث: ثلث يأكله هو وأهل بيته، وثلث يتصدق به على المحتاجين، وثلث يهديه لأصدقائه وجيرانه، مع العلم بأنه لا يجوز أن يبيع منها شيئا، لا يجوز أن يبيع منها شيئا حتى الجلد لا يبيعه، وكذلك لا يعطي الجزار أجرته من لحم الهدي والأضاحي، بل يتركها لما شرع الله سبحانه وتعالى من الأكل منها، والتصدق والإهداء، وهذه شعائر قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ومنها الهدي والأضاحي، بان يقدم لها من أنفس ما يجده، ومن أطيب ما يجده ،لأنها شعيرة وتقرب إلى الله ، قال الله جلا وعلا: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، المدار على النيات، ولكن مع هذا فلا يقدم شيئا مستنقصا، أو قليل النفع، ولا يقدم شيئا من كسب حرام، قال [b]صلى الله عليه وسلم : ((إن الله طيب ولا يقبل الا طيبا))، إن الله طيب لا يقبل الا طيبا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)، الخبيث: هو الردي، المراد هنا الردي، لا تتصدق بالردي من الطعام من الملابس، من سائر ما ينتفع به ، لا تقدم الردي، ولا تتصدق من كسب حرام، بل تصدق من كسب طيب، لان الله سبحانه طيب لا يقبل الا طيبا، والطيبات لله سبحانه وتعالى.[/b] الحاصل، أن هذه العشر المباركة لها شأن عظيم، فينبغي للمسلم أن يستقبلها بالبشر والفرح والسرور بمقدمها، وان يستغلها فيما شرع الله فيها، حتى تكون كسبا له عند الله سبحانه وتعالى، يجده يوم يقدم على الله سبحانه وتعالى، وكما ذكرنا أن كل حياة المسلم فيها خير إذا استغلها في طاعة الله، ولكن تخصص الأيام والأوقات التي فضلها الله سبحانه وتعالى بمزيد اهتمام، ومزيد اجتهاد، ولكن مع الأسف ان كثيراً من الناس تمر عليهم أعمارهم، وتمر عليهم الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، ولا يستفيدون منها، تذهب عليهم سدى، وقد لا يكفي انهم لا يستفيدون منها، بل يستغلونها في الحرام والمعاصي والسيئات، خصوصا في هذا الزمان الذي فشت فيه الشواغل والملهيات من وسائل الإعلام، والبث الفضائي، والانترنت، والأسواق، والعمل في التجارة، أو العمل في الوظائف، أو غير ذلك، وهذا وان كان انه مطلوب من المسلم انه يطلب الرزق، ولكن لا يشغله ذلك عن اغتنام هذه المواسم، فيجمع بين طلب الرزق وبين اغتنام هذه المواسم، والله جلا وعلا لم يمنعنا من العمل للدنيا ما نحتاج إليه، ولكنه نهانا أن ننشغل بالدنيا عن الآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )، قال سبحانه (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ)، ابتغوا عند الله الرزق واعبدوه، فلا تنساق مع طلب الرزق وتترك العبادة، أو تنساق مع العبادة وتترك طلب الرزق فتكون عالة على غيرك، بل اجمع بين هذا، وهذا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،ولما ذكر المساجد وعمارة المساجد قال:(يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)، فالمسلم يجمع بين الأمرين بين طلب الرزق في وقته ، وأداء العبادة في وقتها ، في حين أن العبادة تعين على طلب الرزق (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالمسلم لا يضيع دينه ، كذلك لا يضيع دنياه ، وإنما يجمع بين مصالح دينه ودنياه ، هذا هو المسلم، فكيف إذا ضيع وقته في اللهو واللعب، وتتبع المسلسلات، التمثيليات، والفضائيات، والأغاني، والنوادي الرياضية، والمباريات، يضيع وقته في هذه الأمور، والعجيب انه لا يمل، لا يمل من السهر، لا يمل من التعب مع هذه الأمور التي هي في مضرته، لا يتعب، بينما يتعب من الطاعة والعبادة، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى. الحاصل، أن المسلم يتنبه لنفسه ويتنبه لأوقات الفضائل ، قبل أن يقول: (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)، قبل أن يواجه ما ذكره الله وتعالى عن أصحاب النار، إذا القوا فيها، قالوا ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، قال الله جلا وعلا: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير)، فمن ضيع وقته وحياته فهذا مصيره، ولا حول وقوة إلا بالله. فلنتنبه لأنفسنا، وننبه غيرنا ولنحفظ وقتنا ولنغتنم أوقات الفضائل قبل فواتها ، فان ذلك هو رأس المال الذي تخرج به من هذه الدنيا : إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت يوم العرض من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثلـــــه * وانك لم ترصد كما كان ارصــدا لابد من هذا المصير، إذا لم تقدم لآخرتك فلابد أن تندم في حين لا ينفع الندم ، فعلينا أن نتنبه وننبه إخواننا، ونعظم هذه الأيام بطاعة الله سبحانه وتعالى، ونصونها عن الضياع، ونصونها على أن نشغلها بشيء يضرنا ونأثم به. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل النافع، انه سميع قريب مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين . منقول: (محاضرة للشيخ الدكتور صالح الفوزان بعنوان:"فضل أيام عشر ذي الحجة وأحكام العيد والأضاحي لغير الحاج").
-
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] مع خليل الرحمن في شعائر الحج والأضاحي الخطبة الأولى الحمد لله القائل في محكم كتابه: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ) [سورة الممتحنة 4] نحمده - سبحانه - ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالها، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[سورة الحشر 18] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [سورة الأحزاب 70]. عباد الله: نقف في هذه الخطبة مع شعير من شعائر الله، بل عدة شعائر عظيمة، في أعظم أيامه، وفي خير بقاعه، ومع نبي من خيرة أنبياء الله، اختاره الله لبناء بيته الحرام. عباد الله: نعود إلى الوراء وقبل أكثر من سبعة آلاف عام في قصة عظيمة ترددت في كتاب الله - تعالى -، نقرؤها إلى يوم القيامة، في عبر وعظات، ودروس ووقفات، نقف عند نبي عظيم يصفه المولى - سبحانه وتعالى -: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة النحل 120] إنه أمة، اتخذه الله من بين البشر خليلاً: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [سورة النساء 125] وكما قال اليهود والنصارى للنبي - صلى الله عليه وسلم - اتبع ملتنا مع ما طرأ عليها من الشرك والتحريف فهي الأقوم، عدل إلى جواب لا شبهة فيه، وحجهم بالقرآن بأن عليهم هم أن يتأسوا بالدين الأول، وهو دين إبراهيم الذي يعترفون به: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة البقرة 135] فليس في دين إبراهيم الذي هو أب الجميع ومعترف به من الجميع ليس فيها أي مظهر للشرك أو التثليث أو حلول الإله في البشر. وأخبر الله أن دين جميع الأنبياء هو الإسلام، بمعنى الاستسلام لله - تعالى -: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [سورة البقرة 136]. إبراهيم الخليل أبو الأنبياء أنه أمة، تأملوا عباد الله إلى الأمر القرآني لهذه الأمة: (قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة آل عمران 95]، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[سورة البقرة 130] وقال - سبحانه وتعالى -: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)[سورة الممتحنة 4]. فلنتأمل سيرة الخليل - عليه السلام - لن نتعرض لمواقفه العظيمة في الدعوة والتوحيد ومحاجة النمرود، وكسر الأصنام، وإنجائه من النار، فلتلك مناسبات أخرى. وإنما سنقتصر لما يتعلق بالبيت العتيق، وسيرته - عليه الصلاة والسلام - في مكة، وفيها حكم وعظات، وعندها تسكب العبرات، وعمر إبراهيم الخليل - عليه السلام - ولم يأته ذرية، فدعا الله - تعالى -: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) [سورة الصافات 100-101] هو إسماعيل - عليه السلام - وقد أمره الله أن يدعه مع أمه في مكة أرض بيضاء جرداء فتركهما إبراهيم - عليه السلام - فتبعته أم إسماعيل تناديه وهو لا يلتفت خوفاً من العاطفة، فقالت: الله أمرك؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. فتركها إبراهيم - عليه السلام - وهو يقول: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [سورة إبراهيم 37]. وها هي أم إسماعيل تبحث عن الماء، وتطلع على جبل الصفا ووليدها قرب البيت وتذهب إلى المروة، وكلما نزلت في بطن الوادي [بين العلمين الأخضرين الآن] تسرع لأنها لا ترى وليدها أو لأنها تسمع بكائه، وفي نهاية الشوط السابع تسمع صوت الماء تحت أقدام إسماعيل فتسعى إليه وإذا هو نبع عظيم تتحوطه، يقول - عليه الصلاة والسلام -: (رحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً) [رواه البخاري]. أيها الساعون: أذكروا هذا الموقف العظيم، والتسليم العظيم، ورزق الرزاق الكريم، لمن استجاب أمره وتوكل عليه، ثم يأتي إبراهيم إلى مكة ويفرح بابنه إسماعيل - عليه السلام - بكره، وفلذة كبده، تأملوا سرور الوالد وغبطته بعد طول انتظار وبعد تبشير الله له كما قال - سبحانه وتعالى -: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [سورة الصافات 102] أي أصبح في سن يرافق أبيه، جاءه الأمر العظيم والامتحان الكبير: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) [سورة الصافات 102] إنها المشاركة في الابتلاء، واسمعوا إلى جواب الابن الصالح: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [سورة الصافات 102] هل قال إبراهيم ما هي الحكمة وما هي الغاية من ذبح ولدي، ولماذا؟ إنه التسليم المطلق، وكفى به حكمة وغاية، إنها الاستجابة للأمر الرباني العظيم: (فَلَمَّا أَسْلَمَا) [سورة الصافات 103] إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -: (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [سورة الصافات 103] وأراح رقبة ولده وحد السكين يأتيه إبليس في كل مرة ليثنيه عن هذا الأمر، وهو يرميه عند العقبة الكبرى، والوسطى، والصغرى. حجاج بيت الله الحرام.. تذكروا عند الرمي هذا الموقف العظيم وتأسوا بالخليل في معصية الشيطان الرجيم وطاعة الرحمن الرحيم: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [سورة الصافات 103-107]. أيها المضحون: إنها سنة أبينا إبراهيم وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الأضاحي، قال: ((سنة أبيكم إبراهيم عندما لبى أمر الله بذبح ابنه ففداه الله بذبح عظيم قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة)) [رواه ابن ماجه والبيهقي]. عباد الله: نحن في أفضل أيام العام وقد أقبل يوم النحر، وهو أعظم أيام العشر كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر))[رواه الحاكم وأبو داود] فإن النحر هو أعظم الأعمال في ذلك، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله - تعالى -من إهراقة دم)) [رواه الترمذي وصححه]. تذكروا أيها المضحون هذا الموقف العظيم في التسليم لله - تعالى - وابتغاء رضوانه، أيها المضحون تقربوا إلى الله بإسالة الدماء، وذبح الأضاحي، والأكل والتصدق منها، وقد قال - سبحانه وتعالى -: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ) أي الفقير الذي لا يسأل (وَالْمُعْتَرَّ) أي السائل (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [سورة الحـج 36-37] إنه ليس مجرد ذبح، بل ذكر وتوحيد وشكر وتمجيد وإقرار بنعمة الهداية، واقتداء بنبينا إبراهيم ومحمد - عليهما السلام -. عباد الله: أمرنا الله في كتابه بذبح الأضاحي بعد صلاة العيد، فقال - سبحانه -: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [سورة الكوثر 2] وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ومن وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [رواه ابن ماجه والبيهقي] ووقت الذبح طوال أيام العيد وأيام التشريق وأفضله نهار اليوم الأول ليقع ضمن العشر الشريفة. عباد الله: تقربوا إلى الله بذبح الأضاحي، وهي خير أعمال يوم النحر، وعظموا شعائر الله، وتقربوا إليه بخير الأضاحي، واذكروا اسم الله عليها، واعلموا أنه لا يجزي من الأضاحي العوراء البين عورها، والمريضة والهزيلة والعرجاء البين عرجها كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. واعلموا أن هذا شرط في الأضاحي مع بلوغ السن المعتبرة للإبل خمس سنوات، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن ستة أشهر. مع ذبحها التزكية الشرعية بقطع الحلقوم والمريء ومجرى الدم، ومن لا يحسن الذبح فليدفعها إلى من يحسنها، ولا تذبحوا أمام الأنام فإن الله كتب الإحسان في كل شيء. عباد الله: ومن أعظم مواقف الخليل مع إسماعيل بناء البيت الحرام، وتأملوا النص الكريم: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) [سورة البقرة 127] وقد سبقت بالفعل المضارع لتكون حاضرة لكل طائف، رفع إبراهيم القواعد من البيت ومع إسماعيل يناوله الأحجار، وكان إبراهيم - عليه السلام - على حجر يصعد به إلى مستوى البناء، ثم ينزل به ليأخذ الحجر من إسماعيل في آية عظيمة سطرها القرآن الكريم ماثلة إلى الأبد أمام العيان إنه مقام إبراهيم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [سورة آل عمران 96-97] وقال - سبحانه -: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) [سورة البقرة 125] وكان المقام ملتصقاً بالبيت الحرام فأرجع عمر - رضي الله عنه - توسعة للطائفين، وها هو إبراهيم - عليه السلام - يرفع البناء في خضوع وخشوع في عبادة عظيمة يدعو المولى: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة البقرة 127] اهتمام بالقبول، وقد سئلت أم المؤمنين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [سورة المؤمنون 60] أهم يا رسول الله العصاة؟ قال لا يا ابنة الصديق، هم المصلون والصائمون والمتصدقون يخشون ألا يقبل عملهم. وها هو إبراهيم يدعو عند البناء: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) [سورة البقرة 128] يدعون الله - تعالى - بإبانة النسك وهم في غاية الامتثال والقبول: (وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [سورة البقرة 128-129]. ولم يبعث إلى أهل مكة إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لذا يقول - عليه الصلاة والسلام - : ((أنا دعوة أبي إبراهيم)) [رواه أحمد وابن حبان]. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه العظيم، وبسنة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان، وقرن النحر بالصلاة في محكم القرآن، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والامتنان، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أفضل من قام بشرائع الإيمان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [سورة آل عمران 102]. عباد الله: يفد الحجيج من كل مكان، إلى بيت الله الحرام، استجابة لأمر الله في القرآن، وتأسي بالنبي - عليه الصلاة والسلام -، وفي الحج مواقف وعظات، وفيه تسكب العبرات، ذكر، وتوحيد، وتلبية، وترديد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لا، إنه التوحيد استجابة لأمر الله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [سورة الحـج 27] ولأمره - سبحانه وتعالى -: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [سورة آل عمران 97] يتجلى في يوم عرفة التوحيد بأظهر صوره عند الحجيج، كما تتجلى فيه الأمة الواحدة، في صعيد واحد، وفي لباس واحد، وبدعوة واحدة، لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى تتجلى في هذا الاجتماع العظيم قوة المسلمين إذا اجتمعوا، ويتجلى فيه الخشوع والرحمة والتكافل والتعاون، هذه الشعيرة موغلة في القدم، متجددة كل عام، إنه موقف عظيم مهيب، يتذكر فيه المؤمنون الحشر الأعظم: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [سورة الزمر 67] (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) [سورة يــس 53]. وما زال وفد الله يقصد مكة *** إلى أن يرى البيت العتيق وركناه طوف به الجاني فيغفر ذنبه *** ويسقط عنه جرمه وخطاي مولى الموالي للزيارة قد دعا *** أتقعد عنها، والمزور هو الله ج البيت حجه الرسل قبلنا *** لنشهد نفعاً في الكتاب وعدناه أأه من أسى يا من عصى لو رأيتنا *** وأوزارنا ترمى ويرحمنا الله وخير منه قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم)) [رواه الطبراني في المعجم الكبير] ومن كانت عادته الحج فتركه توسعة للحجاج فله أجره بمشيئة الله - تعالى - وفضل الله واسع وكبير. عباد الله: نحن اليوم في يوم عرفة، وفي العشر المباركة فاجتهدوا في الذكر، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، فأكثروا فيها التحميد والتهليل والتكبير) وأكثروا من صالح الأعمال لا سيما يوم عرفة، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنه يكفر السنة الماضية والقادمة)) [رواه مسلم]. وأن الله - تعالى - يباهي بملائكته أهل الموقف، ويغفر الله فيه لسائر الصائمين، ويقبل الله فيه من الدعاء لاسيما أنه قد اجتمع يوم الجمعة ويوم عرفة، فاجتهدوا عصر هذا اليوم بالدعاء وأكثروا من الاستغفار حيث اجتماع ساعات الإجابة يوم عرفة، وساعة الجمعة، وللصائم دعوة مجابة عند فطره. وأشهدوا مع أهل بيتكم صلاة العيد، فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخراج النساء والصبيان لها، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، تدخلوا الجنة بسلام، كما أخبر - عليه الصلاة والسلام -. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. الكـاتب : خالد بن عبد اللّه القاسم أدعو الله عز و جل بأن يجعل لي و لكم قبل الموت توبة و عِند الموتِ شهادة و بعد الموتِ مغفرةً و رحمة ودي و حبي في الله [/rtl]
-
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجوب التفقه في الحديث نرى كثيراً من كتاب المجلات الإسلامية يوردون أحاديث ويرفعونها وينسبونها إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- دون أن يذكروا مصادرها من كتب السنة المطهرة، وعلاوة على ذلك فإنهم يجزمون بعزوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد تكون ضعيفة أو موضوعة، وإن منهم لمن يسود صفحات في شرح بعضها، ومنهم يحتج بما هو مقطوع عند المحققين من العلماء ببطلانها على مخالفه في رأيه وهو دخيل في الإسلام، كما وقع ذلك في بعض الأعداد الأخيرة من المجلة. فإلى هؤلاء الأفاضل وأمثالهم من الخطباء والوعاظ والمرشرين أسوق هذه الكلمة نصيحة وذكرى: لا يجوز للمسلم أن ينسب حديثأ ما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن يتثبت من صحته على قاعدة المحدثين، والدليل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- : " اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في " فيض القدير ". والتثبت له طريقان : الأول : أن ينظر الطالب في إسناده ورجاله ويحكم عليه بما تقتضيه قواعد علم الحديث وأصوله من صحة أو ضعف، دون أن يقلد إماماً معيناً في التصحيح والتضعيف، وهذا أمر عزيز في هذا العصر، لا يكاد يقوم به إلا أفراد قلائل مع الأسف. والآخر: أن يعتمد في ذلك على كتاب خصه مؤلفه بالأحاديث الصحيحة كالصحيحين ونحوهما، أو على أقوال المحققين من المحدثين كالإمام أحمد ، وابن معين، وأبي حاتم الرازي، وغيرهم من المتقدمين، وكالنووي، والذهبي، والزيلعي، والعسقلاني، ونحوهم من المتأخرين. وهذه الطريق ميسرة لكل راغب في الحق، ولكنه يحتاج إلى شيء من الجهد في المراجعة والتنقيب عن الحديث، وهذا أمر لا بد منه، ولا ينبغي أن يصدف عنه من كان ذا غيرة على دينه، وحريص على شريعته أن يدخلها ما ليس منها، ولذلك قال الفقيه ابن حجر الهيثمي في كتابه " الفتاوى المدينية " (ص : 32) : " وسئل -رضي الله عنه- في خطيب يرقى المنبر في كل جمعة، ويروي أحاديث كثيرة، ولم يبين مخرجيها ولا رواتها فما الذي يجب عليه ؟ فأجاب بقوله : ما ذكره من الأحايث في خطبته من غير أن يبين رواتها أو من ذكرها ، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث، أو ينقلها من (كتاب) مؤلفه من أهل الحديث، أو من خطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل ذلك ! ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحادث أصلاً أم لا، فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك . . . ". ثم قال : " فعلى هذا الخطيب أن يبين مستنده في روايته، فإن كان مستنداً صحيحاً، فلا اعتراض عليه، وإلا ساغ الاعتراض عليه، بل وجاز لولي الأمر أن يعزله من وظيفة الخطابة زجراً له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق . . ". للشيخ /محمد ناصر الدين الألباني
-
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] القول المتين في مناقب الشيخ ابن عثيمين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله - تعالى - حق التقوى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور). معاشر المؤمنين: كان الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - عالماً ربانياً ومصلحاً اجتماعياً وقائداً فذاً ميدانه النفوس وسلاحه الكتاب والسنة، حباه الله بصفاتٍ حميدة ومناقب رشيدة رفعت مكانته بين الخلائق وأعلت قدره لدى العامة والخاصة كان يرى نفسه مستحفظاً على كتاب الله ومؤتمناً على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحميهما من تحريف الغالين، وتأويل المبطلين، وعبث المبتدعة الضالين، وكان دائم التأهب لحرب الباطل أول ما تنجم ناجمته وتظهر بوادره، فلا يهدأ له خاطر، ولا تلين له قناة حتى يوسعه إبطالاً ومحواً وكشفاً لحقيقته، لا يتساهل في حق الله أبداً، ولا يرضى مطلقاً عما يسخط الله - تعالى - من أي شخص كائن من كان، بل يقول كلمة الحق ويدل عليها ويحرص على إيصالها للناس كافة، فأوتي بسبب ذلك حسن القبول ورفعة الذكر وانكب عليه طلبة العلم من مشارق الأرض ومغاربها لينهلوا من علمه، وتلمَّس الملايين فتاواه في الكتب والنشرات وفي الإذاعة والأشرطة يستنيرون بآرائه ويسترشدون بأقواله ويتوجهون بتوجيهاته وبذل لهم من علمه ووقته وجهده وصحته ما يطول الكلام في وصفه، حتى أصبح مرجعاً للمسلمين في العالم كله. زهده وورعه: كان من أزهد الناس في زهرة الحياة الدنيا بالرغم من توفر أسبابها وحصول مقاصدها، انصرف عنها بالكلية وقدَّم عليها دار البقاء. (والآخرة خير وأبقى) قام جلالة الملك المغفور له بإذن الله: خالد بن عبد العزيز، بزيارة للشيخ في منزله في عنيزة، وكان منزلاً من الطين قديم البناء، فعرض على الشيخ أن ينتقل إلى سكن آخر أو قبول أي مبلغ لبناء مسكن مناسب، فما كان من الشيخ إلا أن دعا للملك خالد وفضَّل البقاء في منزله، فألح الملك على قبول هذا الأمر عندها آثر الشيخ أن يوجه هذا التبرع لشراء العمارة القريبة من الجامع الكبير لتكون مكتبة لطلبة العلم فاشتراها الملك بسبعة ملايين ريال وصرف مبالغ نقدية للطلبة. كان زاهد القلب في الدنيا عفيف الروح لم يلهث خلف مال ولم يجرِ وراء ثروة، جعل عائدات مؤلفاته وكتبه وأشرطته لطلبة العلم يتقوون بها على طلب العلم، ولو أراد أن يجمع مالاً لجمع ثروة كبيرة. زهد في أنيق اللباس وفاخر الثياب لم يغالِ ولم يتكلف، يفضِّل البياض من الثياب ربما لبس الغترة غير مكوية وكثيراً ما يظهر على ثيابه خطوط من الحبر جرَّاء البحث والكتابة، ولم ينقص ذلك من هيبته ولم يغضّ من مكانته بين الناس. كان من أ ورع الناس وخاصة في الكسب ومواقفه في غاية العجب حيث كان يتحرى الكسب الحلال. فعندما كان أستاذاً في فرع جامعة الملك سعود في القصيم، كان يحدث أن يتخلف أحياناً عن المحاضرات المقرر أن يلقيها على الطلبة بسبب ارتباطاته مع هيئة كبار العلماء أو في الحج أو في غيرها من الارتباطات فعندما جاءت أوراق تسلم الرواتب طلب من المسؤول حسم مكافأة جميع المحاضرات التي اعتذر عنها. كان أمنيته أن يتم إنشاء قسم للدراسات العليا للبنات في قسم العقيدة في كلية التربية في القصيم، وعندما تحققت أمنيته بافتتاح ذلك القسم تقرر أن ينضم الشيخ لأسرة التدريس في القسم وباشر عمله، وذات يوم أدخلت عليه الإدارة ورقة مغلقة فسأل عما فيها وكانت الإجابة أنها ورقة الرواتب عندها استدعى مسؤول الرواتب ليخبره بأنه إنما يقدم هذا العمل خدمة للفتاة المسلمة كي تكون قادرة على تأدية دورها الكامل في هذا المجال. وعندما كان يدرِّس في الجامعة في بريدة كان يتولى نقله من القصيم إليها أحد طلابه، وكان يستفيد في الطريق من علم الشيخ، وفي آخر الشهر إذا به يفاجأ أن الشيخ يأخذ من راتبه الجزء المخصص للنقل ويدفعه إليه، فحاول رده للشيخ فقال له الشيخ: لا يمكن لأن هذا المبلغ مخصص للنقل، وأنت نقلتني فيجب أن تأخذه. وكان إذا استخدم قلمه في الجامعة واضطر أن يملأه من الدواة من مكتبة الجامعة، فإنه بعد أن ينتهي من العمل وقبل أن يخرج يفرغ ما بقي من الحبر في قلمه في الدواة بالمكتب ثم ينطلق. تواضعه: عرف قدر ربه - عز وجل - وعرف قدر نفسه، فتواضع لربه أشد التواضع، وتواضع مع العباد تواضعاً تجلله عزة العلماء، لا يزهو على مخلوق ولا يتكبر على أحد ممتثلاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى -أوحى إليَّ أن تواضعوا فلا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)). سئل عن الشيخ الألباني - رحمه الله - بعد موته فقال: مثلي لا يسئل عن الألباني، يقول هذا الكلام وسيرته ملء الأسماع، وصيته أطبق في الآفاق، وعلمه منتشر في الشرق والغرب. كان يزور المعوقين والمرضى ويعودهم ويترفق بهم وبتلطف معهم بصورة تنم عن تواضع جم، وحسن سكينة، وعظيم أناة، وحلم كبير. دائم البشاشة والتبسم في وجه الجميع، لم يرَ مقطباً يوماً إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله. دُعي من قبل نادي الصم والبكم ليلقي محاضرة، وكانوا يتكلمون بالإشارة فوافقت نزول المطر، وجعل الشيخ يتحدث معهم بالإشارة والمطر ينزل عليه حتى انتهى من محادثته معهم. قدم الرياض في حاجة له، وكان فيها أحد طلبت القدامى الذين تتلمذوا على الشيخ فطلب من ابنه أن يرشده إلى منزله للسلام عليه وذلك من محبته لطلبته وتواضعه لهم. حلمه وسعة صدره: تميز - رحمه الله - بالحلم وسعة الصدر، فالحلم من أشرف الأخلاق وأنبل الصفات وأجمل ما يتصف به ذوو العقول الناضجة والأفهام المستنيرة، من اتصف به نال محبة الله ومحبة رسوله، قال - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتان يحبهما الله: الحلم والأناة)) رواه البخاري ومسلم. ولقد منَّ الله على سماحته - رحمه الله - فجمع له العلم مع الحلم، ولذا اتسع صدره وامتد حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، والتمس العذر لأغلاطهم. يقول الدكتور سعود العجاجي الذي رافق سماحته في رحلة العلاج إلى أمريكا يقول: بينما نحن مغادرين الفندق الذي يسكنه توقف أمامه طفل أمريكي ومعه والدته، فطبطب الشيخ على رأسه، وبدأ يداعب هذا الطفل الذي أثارته هيئة الشيخ وهيبته بلبسه الثوب السعودي والمشلح، فطلبت الأم من ابنها أن يُحَيِّي الشيخ فرد الشيخ التحية بأحسن منها، ثم دعا للأم بالهداية وهو غاضّ بصره، ولكن بعض المرافقين امتعض من هيئتها ولباسها، فقال لها: قبح الله وجهكِ، فلم يعجب الشيخ هذا الكلام فقال: يا إخوان ليس هذا من سمات الإسلام، الطفل وأمه قابلانا بوجه حسن وكلام طيب، فأحرى أن نعاملهم بالمثل، فبدلاً من أن ندعو عليهم جدير أن ندعو لهم بالهداية. تميز - رحمه الله - بهذا الحلم حتى مع مخالفيه الذين كانوا يظنون أن بعض اجتهاداته مخالفة للكتاب والسنة، مما دفع بعضهم إلى التشكيك في عقيدته والطعن في دينه، فكان الشيخ يحرص على توضيح مواقفه للمخالفين وبيان حجته ورفع أي التباس حتى ولو اقتضى الأمر أن يأتي بنفسه إليهم لبيان الحقيقة والقضاء على الفتنة في مهدها، يقول - رحمه الله -: من سمع منكم عن عالم أو داعية أو عن إمام مسجد أو أي إنسان له ولاية، من سمع منه ما لا ينبغي أن يكون فعليه أن يتصل به، وأن يسأله هل وقع ذلك منه أم لم يقع، ثم إذا كان وقع فليبين له أنه أخطأ فإما أن يكون قد أخطأ فيرجع عن خطئه، وإما أن يكون هو المصيب فيبين وجه قوله فتزول الفوضى التي قد نراها أحياناً خاصة بين الشباب، وإن الواجب على الشباب وغيرهم إذا سمعوا مثل ذلك أن يكفوا ألسنتهم وأن يسعوا بالنصح. ولقد طبق - رحمه الله - هذا الكلام تطبيقاً عملياً مع مخالفيه وقرن القول بالعمل، يقول الشيخ عبد المحسن القاضي عن سماحته - رحمه الله -: لا زلت أذكر في رمضان عام 1406 كان يبحث في ساحة الحرم المكي عن أحد المشايخ الذين ألفوا كتباً في الرد عليه والتحذير من تلقي العلم عليه بعد أن بلغه أنه قد أتى للعمرة. منهجه العلمي: كان مدرسة فقهية مستقلة تقترن بالدليل وتتمسك به وتدور معه حيثما دار، أرسى قاعدة الأخذ بالدليل والاستناد عليه، ولو خالف المذهب. كل فتاويه مقترنة بأدلة من القرآن والسنة، فقلَّ أن يوجد له فتوى إلا والدليل مقترن بها، كان راسخاً في العلم معتنياً باستقائه من منبع الوحي الصافي بعيداً عن التعصب للمذهب. يقول عنه سماحة المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ: كان رجلاً ذا علم وفضل ومناقشة وعدم اعتداد بالرأي إذا رأى الصواب، فكان يرجع إلى الحق إذا استبان له رأي أهل العلم، وهو غفر الله له لا يتعصب لرأي إذا جاء الدليل على خلاف ما هو عليه. كان كثيراً ما يوصي الطالب بإخلاص النية لله - عز وجل -، وأن ينوي بطلبه العلم رفع الجهل عن نفسه وأمته والدفاع عن الشريعة ورحابة الصدر في مسائل الخلاف والعمل بالعلم والدعوة إلى هذا العلم بالحكمة والصبر واحترام العلماء وتقديرهم كل ذلك على هدي من الكتاب والسنة بفهم علماء سلف الأمة. حبيب كان بالقرآن يهدي *** ويشفي النفس من داء غزاها أدار العلم في الحلقات يفتي *** سنين العمر في الفتيا قضاها عنيزة قد دهاها اليوم خطب *** عظيمٌ شلَّ معصمها رماها تقطعت القلوب على فراق *** وسال الدمع من حزن أتاها حبيب للورى حر أبِيٌ *** منار للهـدى أرخى ضياها أصولي وفِقهيٌ كبير *** صـروح للعلوم قـد ابتناها فوسع قبره أدخله ربي *** جنان الـخلد في عالي علاها صبره: الصبر من الصفات الحميدة والمطالب العالية التي يسعى كل مؤمن إلى تحقيقها في نفسه، وقد كان لفضيلته قدراً كبيراً من ذلك. عندما أُصيب بالسرطان في المستقيم وانتشر في الجسد كله وبدأ يتألم من ذلك آلاماً شديدة وهو صامت صابر محتسب، فعلم بعض محبيه بألمه وألحوا عليه أن يجري بعض الفحوصات المخبرية لمعرفة سبب الألم فوافق وأسفرت النتيجة عن وجود المرض الخبيث فقرر الأطباء عدم إخبار الشيخ بالنتيجة، ولكنه أحس أن في الأمر شيء فألحَّ على الأطباء بشدة فأخبروه بمرضه، وعندها تبسم وحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الإنسان إذا قام بطاعة الله وفعل أوامره واجتنب نواهيه فإنه لا يرجو بذلك إلا رحمة الله ودخول الجنة، ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى الجنة إلا بالموت، والموت قد كتب على جميع البشرية فمرحباً بالموت إذا كان الموت هو الذي بيننا وبين الجنة. يقول ابنه عبد الرحمن أنه كان يرى الشيخ كثيراً ما يعضُّ على شفتيه من الألم، فيسأله هل تتألم من شيء فإذا كان بالغرفة أحد غير ابنه يقول: لا أبداً، وإن لم يوجد إلا ابنه يقول إني أتألم ولكن قولي هذا من باب الإخبار لا من باب الشكوى، ويقول الأطباء الذين كانوا يقومون بعلاجه: كنا نعلم أن الشيخ يتألم آلاماً شديدةً ولكن مع ذلك لا يتضجر ولا يتأوه بكلمة حيث يتحمل ويصبر احتساباً للأجر من الله - عز وجل -. رفقه وتلطفه في النصيحة: تخلَّق - رحمه الله - بأخلاق النبوة، واتبع نهج المرسلين في رفقهم وحسن معاشرتهم، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه)) رواه مسلم. تقول إحدى قريباته: كنت في سن صغيرة أبلغ من العمر عشر سنوات ألعب مع بناته في فناء بيته، وكنت ألبس الملابس القصيرة فأمسك بيدي وكلمني برفق وداعبني حتى شعرت بالفرح والسرور، ثم قال لي: إن هذا اللبس لبس النصارى، وأمرني أن أبلغ أمي بذلك، تقول فقد كانت نعم النصيحة فلا أذكر والله بعدها أني لبست هذا النوع من الثياب. وثانية تقول: كنا نلعب نحن وأبناؤه في فناء بيته فمر من عندنا وسلم علينا وداعبنا بكلماته اللطيفة ولفت نظره لباس أخي الذي يبلغ من العمر أربع سنوات إذ كان يرتدي ملابس عليها قطعة بلاستيك على شكل صورة أسد، فجلس - رحمه الله - بجانب أخي وأمسك به بيده الحانية وأخذ يتحدث معنا حتى استأنس أخي ثم أخرج له قطعة من النقود وقال له: أعطيك هذه النقود وانزع هذه الصورة ففرح أخي بذلك المبلغ، وغيَّر الشيخ المنكر بالحكمة، واستفدنا جميعاً ولله الحمد، وتجنبنا لبس المصورات حتى اليوم. الناس تحيا إذا ما عاش عالمها *** متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف تأتيه امرأة من الإماء اللاتي منَّ الله عليهن بالعتق لا ولد لها ولا زوج ولا قريب، وكانت تسكن بالقرب من منزله، فوقفت في الشارع وانتظرت خروجه، وقالت له: يا عم أريد أن أحج أو أعتمر، فوقف - رحمه الله - وأخذ يستمع إليها وهو غاض بصره، وكان في طريقه إلى المسجد وأخذت تحادثه، وتبين له أنها ليس لديها محرم وكان في لهجتها عجمة، ولا تستطيع إخراج الحروف بطريقة صحيحة، فوقف الشيخ رغم مشاغله يستمع إليها حتى انتهت من كلامها، ثم قال لها: يا بنيتي عليك بالصيام والصلاة والتسبيح والتهليل ولا تذهبي فرضيت بذلك وطابت نفسها. تعامله مع ولاة الأمر: سلك في تعامله مع ولاة الأمر مسلك السلف الصالح القائم على السمع والطاعة والنصح والدعاء لهم بظهر الغيب، وكان يحث الناس على السمع والطاعة لهم في غير معصية الله ويحذر من مخالفتهم أو الخروج عليهم، ويردد كلمته المشهورة: إن الفتن لا تبدأ إلا من هذا الباب. يقول الأمير فيصل بن بندر، أمير منطقة القصيم، عن الشيخ - رحمه الله -: كان يوصيني دائماً بمخافة الله - سبحانه - أولاً وثانياً الالتزام والاهتداء بولاة الأمر الذين كان حريصاً طيلة عمره على تنفيذ أوامرهم وتوجيهاتهم، يقول: وكنت أشعر أن لولاة الأمر عنده مكانة عظيمة وقد تجلى ذلك في كل موقف وفي كل درس من دروسه الشيقة. ويمضي في حديثه قائلاً: لقد كانت تربطه بولاة الأمر عدة أمور: أولاً المحبة ثم التقدير له لأنهم يرون أنه بالفعل على قدر كبير من العلم والحكمة والمعرفة والمحبة لهم. حرصه على الدعوة ومساعدة الناس: كان - رحمه الله - من أحرص الناس على الدعوة ونشر العلم، نذر نفسه لذلك الأمر ونشر علمه بين المسلمين في شتى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وفي المساجد والجوامع والجامعات والكليات والدوائر الحكومية. (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) كان لا يتخلف عن الدروس في المسجد الكبير إلا للضرورة القصوى كحضور اجتماعات هيئة كبار العلماء، وكان يلغي أي موعد يتعارض مع أوقات الدروس التي يلقيها. يقول أحد طلابه: كان الشيخ في سفر ووصل وقد حان موعد الدرس، فترجل من السيارة ودخل المسجد وبدأ يلقي الدرس فوراً ولم يدخل منزله للراحة من عناء السفر إلا بعد أن انتهى من مجلس العلم ذاك. أما مساعدته للمحتاجين في داخل المملكة وفي القصيم فيصعب حصرها وإحصاؤها لكثرتها وتنوعها سواء في مساعدة الراغبين بالزواج أو بالسداد عن المدينين أو بمساعدة الفقراء والمحتاجين وسد عوزهم أو ببناء المساجد وحفر الآبار الصالحة للشرب ولعل آخر مشروع بهذا الخصوص ما سعى في تمويله لصالح زيادة مياه الشرب بحفر آبار جديدة بمبلغ ثلاثة ملايين ريال أو تزيد. كان مهتماً بحال الفقراء ورفع مستوى معيشتهم وذلك ببناء المساجد لهم وإرسال المساعدات إليهم ومحادثة المسؤولين والقادة عن حاجاتهم والاهتمام بهم. وكان يبذل جاهه ووجاهته في خدمة المحتاجين كمساعدة المقيمين من طلبته وغيرهم على استقدام عائلاتهم إليهم والبحث لهم عن الكفلاء من معارفه وثقاته والوساطة للمحتاج منهم لعلاجه في المستشفيات الحكومية، ومن يعرف الشيخ وسيرته يكاد يجزم بأنه لم يستخدم وجاهته هذه في حاجاته الخاصة أو لأقربائه ممن هم حوله. وبلغ من حرصه وصبره أنه كان أحياناً يجيب على أسئلة الناس واستفساراتهم وقت تناوله للغداء ولا يرد من جاءه مستفتياً حتى في وقت الراحة المخصصة له. لعمرك ما الرزية فقدُ مال *** ولا ولد يموت ولا بعير ولكـن الرزية فقـدُ فذٍّ *** يموت لموته خلق كثير لم يتوانى عن النصح والإرشاد حتى بعد أن دهمه المرض وأنهك قواه وفتك بجسمه، يروي من رافقه في رحلة العلاج إلى أمريكا يقول: أمضى الشيخ هناك عشرة أيام تخللتها حلقات لتحفيظ القرآن وجلسات دينية عقدها في مجلس الجمعية الإسلامية في بوستن تمحورت حول سبل وأوجه تقريب المسلمين فيما بينهم وتوحيد كلمتهم والدعوة للتعاون بعضهم مع بعض. وقبل موته بأيام وخلال العشر الأواخر من رمضان يطلب مغادرة المستشفى ويمضي إلى مكة ليجاور قرب بيت الله الحرام كما هي عادته كل عام، وهناك أرشد ونصح وبيَّن الحلال من الحرام والألم يمزق جوفه والسرطان يفتك في أحشائه. يتحدث ابنه إبراهيم عن موقف يعجز الفحول من الرجال عن القيام به، يقول: في اليوم التاسع والعشرين من رمضان حصل له بعض التعب في الصباح فقرر الطبيب المرافق أن يتم نقله من الحرم إلى مستشفى جدة، وبالفعل تم نقله إلى هناك وأُدخل العناية المركزة وجلس فيها قرابة الأربع أو الخمس ساعات تقريباً، وعندما جاء العصر تحسنت حالته شيئاً ما فأصرَّ على الذهاب إلى مكة رغم محاولاتنا إثناءه عن ذلك، فقال: لا تحرمونا هذا الأجر، فهذه آخر ليلة من رمضان، وبالفعل ذهبنا إلى مكة ومعنا الأطباء المرافقون وأجلسناه في غرفة داخل الحرم، وأول ما دخل الغرفة طلب أن يتوضأ ويصلي المغرب والعشاء، وبعد أن انتهى من الصلاة طلب أن يعد للدرس وبعد أن انتهى من الدرس قال للأطباء: كيف تحرمونني من هذا الأجر العظيم. لم يستسلم للنوم ولم يركن إلى الدعة، طلب أن توصل المكبرات والتوصيلات من غرفته إلى سطح المسجد الحرام وتوضع السماعات في المكان الذي اعتاد أن يدرس فيه، وكان يلقي الدرس في أحكام الصيام والقيام وتدافع الناس إلى مصدر الصوت كما كانوا يفعلون من قبل ولكنهم كانوا يتحلقون حول كرسي فارغ فيبكون لفقد جالسه ويتعزون بسماع صوته، كان يلقي الدرس وهو مضطجع على السرير الأبيض والمغذي موصول بيده النحيلة والأجهزة تحيط به من كل جانب والأطباء ينصحونه بالراحة والنوم، ولكنه كان يعلم أنه ما خلق لينام، بل كان يعرض عن ذلك كله ويتحامل على البدن ويستجمع القوى المتناثرة ويعلِّم الناس الدين. كان الصوت ضعيفاً واللسان ثقيلاً والجسد منهكاً ولكن الكلام كان مفيداً والعلم كان سديداً والثواب كان مديداً والهمة عالية والجنة دانية والملائكة تسمع والأعمال الصالحة بإذن الله تشفع. وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام عالميته في الدعوة: لم يعش لنفسه أبداً ولم يمثل البلد الذي يعيش فيه فقط، بل كان يعيش للمسلمين جميعاً يحمل همَّ الجميع ويتفاعل مع قضايا الكل لا يألو جهداً ولا يدَّخر وسعاً ولا يتخلف عن واجب ولا يعرض عن نصرة مسلم. كان يتابع أخبار المجاهدين في الشيشان وكوسوفا والبوسنة والهرسك أولاً بأول، ويسأل عن أدق التفاصيل في الساحة وعن دقائق الأمور وآخر التطورات وعن معنويات المجاهدين وكان يكثر من الدعاء لهم ويحث المسلمين على الدعاء والتصدق لنصرة الجهاد والمجاهدين. يقول الشيخ عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي عن سماحته: أذكر أنه في أحداث البوسنة والهرسك كان كثيراً ما يطلب مني المرور عليه لأخذ الأموال التي وصلت إليه وإيصالها إلى هناك ولقد قمنا بطباعة عدد من الكتب على حسابه بواسطة مكتب هيئة الإغاثة أو بواسطة الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة أو غيرها، وكانت له صلة مباشرة مع المسلمين العاملين في البوسنة والهرسك حتى إنه أقام درساً أسبوعياً توجيهياً لأحد المراكز الإسلامية هناك بالهاتف. يقول: وتكررت اهتماماته - رحمه الله - واتسعت همومه لعدد من قضايا المسلمين التي كان يشجعنا على العمل فيها وجمع التبرعات لها بل وتخصيص خطبة الجمعة عنها كقضايا الشيشان التي حظيت بنصيب من اهتمامه كبير في أواخر حياته - رحمه الله - وكذلك قضية فلسطين وكشمير والفليبين وإندونيسيا، ويتابع الشيخ عبد المحسن - حفظه الله - كلامه قائلاً: وأقمنا بواسطته عدداً من المراكز العلمية في العالم التي كان يدعمها ويشارك في إلقاء المحاضرات بها وإرسال الكتب والأشرطة إليها. وقبل موته بمدة قصيرة تباحث - رحمه الله - مع عدد من أبنائه وطلبته مشروع افتتاح موقع له على الانترنت تنشر فيه الفتاوى والمؤلفات والخطب مما يجعلها في متناول طلبة العلم في كافة البلدان بسهولة ويسر. لم يبخل على أحد من المسلمين بالكلمة الطيبة والنصيحة والرأي المسدد، فخلال رحلة العلاج الأخيرة إلى أمريكا أمَّ المسلمين في صلاة الجمعة مرتين ودعا فيهما لإصلاح ذات البين بين المسلمين وكيفية التعامل مع الأجانب مذكراً المصلين بضرورة والدعوة إلى الله - عز وجل - بالتسامح والنصح والإرشاد بالكلمة الطيبة والحسنى. مؤلفاته: ترك - رحمه الله - تراثاً كبيراً وآثاراً علمية كثيرة في مختلف الفنون والعلوم قسم كبير منها شروح للمطولات من الكتب كشرح العقيدة الواسطية وشرح كتاب التوحيد والشرح الممتع على زاد المستقنع وشرح المقدمة الآجرومية وتفسير لآيات الأحكام وكتاب آداب طالب العلم وكتاب الأصول من علم الأصول وكتاب تفسير الفرائض وكتاب مجالس شهر رمضان المبارك وشرح كتاب رياض الصالحين وكتاب الأضحية والزكاة ورسالة في الحجاب وهناك مؤلفات أخرى في سجود السهو ومشاكل الشباب ورسائل في الربا ورسائل في مواقيت الصلاة ورسائل في طهارة المريض وغيرها الكثير من الرسائل والفتاوى والمشاركات في الصحف والمجلات والإذاعة حتى فاق مجموع ما ألفه الخمسين مؤلفاً. رحمه الله وأجزل مثوبته وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اهد ضالنا، اللهم من ضل وتنكب الصراط، اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً. اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم -، اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك، اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح. (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً). اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض، اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. الكـاتب : سعد بن عبد اللّه البريك أدعو الله عز و جل بأن يجعل لي و لكم قبل الموت توبة و عِند الموتِ شهادة و بعد الموتِ مغفرةً و رحمة ودي و حبي في الله [/rtl]
-
إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديهِ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أمـــا بعد : إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالِنا. من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن الله بعث محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كره الكافرون. وإنَّ أسعدَ الناس بهديه واتباعِه وحبِّه وموالاته ونصرة ما جاء به من الحق: هم صحابته الكرام، ومن اتبعهم بإحسان من القرون المفضلة، ومَن سلك سبيلَهم، وترسّم خطاهم إلى يوم الدين. ثم إن مَن يدرس أحوال السابقين واللاحقين من الفِرق المنتسبة إلى أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويدرُس مناهجَهم وعقائدهم وأفكارَهم بإنصاف وفهم وتجرُّد يجد أنّ أهلَ الحديث هم أشدُّ الناس اتباعـًا وطاعةً وتعلُّقـًا وارتباطـًا بما جاءهم به نبيُّهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتابـًا وسنّة، في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، ودعوتهم، واستدلالهم، واحتجاجهم؛ وهم على غاية من الثقة والطمأنينة بأن هذا هو المنهج الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الطريقُ السليم، والصراطُ المستقيم؛ وما عدا ذلك من المناهج والسبل فأمرٌ لم يشرعه الله ولم يرضَ به، ولا يؤدِّي إلاّ إلى الهلاك والعطب. فمن هم أهل الحديث إذًا؟ هم من نَهَج نَهْج الصحابة والتابعين لهم بإحسان في التمسُّك بالكتاب والسنة، والعض عليهما بالنواجذ، وتقديمهما على كلِّ قول وهدى، سواء في العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأخلاق، أو السياسة والاجتماع. فهم ثابتون في أصول الدين وفروعه على ما أنزله الله وأوحاه على عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم. وهم القائمون بالدعوة إلى ذلك بكل جد وصدق وعزم، وهم الذين يحملون العلم النبوي، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. فهم الذين وقفوا بالمرصاد لكل الفرق التي حادت عن المنهج الإسلامي، كالجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والروافض، والمرجئة، والقدريّة، وكلّ من شذّ عن منهج الله واتبع هواه في كلِّ زمان ومكان، لا تأخذهم في الله لومة لائم. هم الطائفة التي مدحها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزكاها بقوله: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا مَن خالفهم حتى تقوم الساعة))(1). هم الفرقة الناجية الثابتة على ما كان عليه رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، الذين ميّزهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحدّدهم عندما ذكر أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، فقيل: مَن هم يا رسول الله؟، قال: ((مَن كان على ما أنا عليه وأصحابي))(2). لا نقول ذلك مبالغةً ولا دعاوى مجرَّدة، وإنما نقولُ الواقع الذي تشهد له نصوصُ القرآن والسنة، ويشهد له التاريخ، وتشهد به أقوالهم، وأحوالهم، ومؤلفاتهم. هم الذين وضعوا نصب أعينهم قول الله تعالى: {[b]واعتصموا بحبل الله جميعـًا ولا تفرّقوا } [آل عمران: 103]، وقوله: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم } [النور: 63]؛ فكانوا أشدَّ بُعدًا عن مخالفة أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبعدهم عن الفتن. وهم الذين جعلوا دستورهم: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجـًا مما قضيت ويسلموا تسليمـًا } [النساء: 65] ؛ فقدّروا نصوص القرآن والسنة حق قدرها، وعظّموها حق تعظيمها؛ فقدّموها على أقوال الناس جميعـًا، وقدموا هديها على هدي الناس جميعـًا، واحتكموا إليها في كل شيء عن رضى كامل، وصدور منشرحة، بلا ضيق ولا حرج، وسلموا لله ولرسوله التسليم الكامل في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم. هم الذين يصدقُ فيهم قول الله: { إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [النور: 51]. هم بعد صحابة رسول الله جميعـًا ـ وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ـ سادة التابعين، وعلى رأسهم: سعيد بن المسيب (ت بعد 90ه)، وعروة بن الزبير (ت 94ه)، وعلي بن الحسين زين العابدين (ت 93ه)، ومحمد بن الحنفية (ت بعد 80ه)، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (ت 94 أو بعدها)، و سالم بن عبد الله بن عمر (ت 106ه)، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (ت 106ه)، والحسن البصري (ت 110ه)، ومحمد بن سيرين (ت 110ه)، وعمر بن عبد العزيز (ت 101ه)، ومحمد بن شهاب الزهري (ت 125ه). ثم أتباع التابعين، وعلى رأسهم: مالك (ت 179ه)، والأوزاعي (ت 157ه)، وسفيان بن سعيد الثوري (ت 161ه)، وسفيان بن عيينة (ت 198ه)، وإسماعيل بن علية (ت 193ه)، والليث بن سعد (ت 175ه). ثم أتباع هؤلاء، وعلى رأسهم: عبد الله بن المبارك (ت 181ه)، ووكيع بن الجرّاح (ت 197ه)، والإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204ه)، وعبد الرحمن ابن مهدي (ت 198ه)، ويحيى بن سعيد القطّان (ت 198ه)، وعفّان بن مسلم (ت 219ه). ثم تلاميذ هؤلاء الذين سلكوا منهجهم، وعلى رأسهم: الإمام أحمد بن حنبل (ت 241ه)، ويحيى بن معين (ت 233ه)، وعلي بن المديني (ت 234ه). ثم تلاميذهم كالبخاري (ت 256ه)، ومسلم (ت261ه)، وأبي حاتم (ت 277ه)، وأبي زُرعة (ت 264ه)، وأبي داود (ت 275ه)، والترمذي (ت 279ه)، والنسائي (303هـ). ثم مَن جرى مجراهم في الأجيال بعدهم، كابن جرير (ت 310ه)، وابن خزيمة (ت 311ه)، والدارقطني (ت 385ه) في زمنه، والخطيب البغدادي (ت 463ه)، وابن عبد البر النمري (ت 463ه)، وعبد الغني المقدسي (ت600هـ)، وابن قدامة (ت 620ه)، وابن الصلاح (ت 643ه)، وابن تيمية (ت 728ه)، والمزّي (ت 743ه)، والذهبي (ت 748ه)، وابن كثير (ت 774ه)؛ وأقران هؤلاء في عصورهم ومَن تلاهم واقتفى أثرهم في التمسُّك بالكتاب والسنة إلى يومنا هذا. هؤلاء الذين أعني بهم أهل الحديث. ________________ [/b]
-
الحمد لله الذي أحلّ الطيبات وحرّم الخبائث ، أحمده وأشكره ، وأثني عليه وأستغفره ، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . ثم أما بـــــــــعد: مع تلاميذ المدرسة الإسلامية الأولى بقلم : محب الدين الخطيب ولا أعني بالمدرسة الإسلامية الأولى (غار حراء)، فتلك مدرسة كان يغشاها إنسان فريد، وكان طالب حق ناءت الإنسانية بأباطيلها وأنانياتها عن أن تدركه فتدرك به السعادة المنشودة من أقدم العصور إلى الآن، ولعلها تثوب يوماً إلى رشدها فتلبي دعوة الله التي أنار بها قلبه، وملأ بها نفسه، وأجراها على لسانه ؛ حتى إذا انضوت تحت لو ائه جادة صادقة مخلصة، عاملة دائبة، حقق الله لبني الإنسان الصورة المثالية للحياة الطيبة، فتتم لهم بعدها حياة الخلود. ولا أعني بها (دار الأرقم بن أبي الأرقم) التي يقوم في مكانها الآن ـ على مقربة من الصفا ـ بيت الشيبيين من سلالة عبد الدار بن قصي الذين يحملون مفتاح الكعبة من ستة عشر قرناً إلى الآن - فتلك مدرسة قضت الظروف قبل الهجرة باستخفاء تلاميذها، وبتلقيهم دروس الحق همساً، ولعلي أخصها بصفحة يستبين منها القارئ كيف كتب الله لتلاميذها الغلبة والظهور. أما المدرسة التي يدور عليها حديث اليوم فهي البقعة التي لا تزال في المسجد النبوي الشريف ، بين منزل أم المؤمنين عائشة الذي تشرّف بالقبر المحمدي الطاهر ، وبين موضع منبره صلى الله عليه وسلم في جنوب ذلك البيت، ففي هذه البقعة تولى "معلم الناس الخير " إعداد الرجال الأولين الذين أحدثوا أعظم انقلاب في الأرض ، وأبقاه وأنفعه وأسماه. وقد كنت قرأت في رسالة (الإكليل) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص31) عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي (تلميذ أميري المؤمنين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأضرابهما من علماء الصحابة كعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب) وقد صار فيما بعد أستاذاً لشيوخ أئمة الإسلام ، كعاصم بن أبي النجود ، وعطاء بن السائب ، وأبي إسحاق السبيعي ، وعامر الشعبي ، والحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب ، وعشرات غيرهم من عظماء السلف، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا ( عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ) أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من "العلم" و"العمل" قالوا ـ أي الصحابة ـ : فتعلمنا القرآن والعلم. ثم رأيت مثل هذا النص في ترجمة أبي عبد الرحمن السلمي من طبقات القراء لابن الجزري (1 : 413) وزاد فيه : وأنه سيرث القرآن بعدنا قوم لايجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز ها هنا (ووضع يده على حلقومه). هذا أقدم نص تاريخي عرفنا به الطريقة التي كان يتعلم بها الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا لا يعنون بالإكثار من العلم، ولكنهم يحرصون على إتقان ما يتعلمونه منه ،ثم على العمل به. وأنا أفهم من ذلك أن الصحابي الذي ظهرت منه العجائب عندما قذف به الإسلام إلى أقطار المشرق والمغرب كان يتلقى من القرآن عشر آيات بعد عشر آيات، فكان لا ينتقل من العشر إلى العشر إلا بعد حفظ هذه الآيات القليلة بإتقان، ثم يتدبر ما فيهن من آداب وأحكام وتوجيهات وأهداف، ثم يمرّن نفسه وجوارحه على "العمل" بذلك، حتى يصبح خُلقاً له وعادة وسجية. فإذا قرأ في سورة (العصر) آية "التواصي بالحق" وطّن نفسه على أن يكون من أهل الحق، سواء كان الحق في جانب المصلحة والمنفعة له ولمن يحبهم ، أم على خلاف ذلك، وأخذ يوصي بذلك ذويه وأحبابه والذين يستنصحونه، ويتقبل الوصية به منهم ومن غيرهم بالبشاشة والابتهاج والسرور، ويمضي في مسالك الأرض مقيماً للحق ، ناصراً له ، داعياً إليه بقلبه ولسانه وعمله. وكان لهذا الضرب من العلم الذي يعملون به قيمة عالية عندهم، ويرون أنه هو العلم النافع المطلوب، ويدعون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" فكل معرفة لها أثر نافع في تهذيب النفس، وفي الحياة الصالحة، وفي تقوى الله، والبعد عن الشر وأهله، والدعوة إلى تعميم الخير ومناصرة أوليائه، وفي إقامة الحق وبسط سلطانه في الأرض، يقبلون عليها ، ويمرنون أنفسهم وجوارحهم على العمل بها. ولا يشغلون مداركهم وعقولهم بلغو القول، ولا بالفلسفة التي لا طائل تحتها فيما وراء الطبيعة، وما استأثر الله بعلمه من غيبه، مكتفين من ذلك بما ورد به النص ، لا يزيدون عليه ولا ينقصون منه، ويتعلمون العبادات بالقدوة، ويزينوها بالخشوع، ويجودون بالمال والنفس والولد في سبيل الحق والخير ، يقيمونها في الأرض بالاعتدال والرفق إذا تواصلوا إليهما بهما، ويقمعون الباطل والشر بالقوة والقسوة إذا لم يقمعا إلا بهما. وكان الصحابة يختلفون إلى هذه المدرسة ، فيصيبون منها علماً وهدى وفضائل وسجايا وآداباً وأحكاماً، ما اتسعت لذلك أوقاتهم ، وساعدت عليه ظروفهم. قال عمر بن الخطاب : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ـ وهي من عوالي المدينة ـ فكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بعلم ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك. فكان بعضهم أكثر ملازمة لهذه المدرسة وإحاطة بما يقال فيها ، كما كان بعضهم أعمق فهماً لما تريده هذه المدرسة، وأوسع إدراكاً لما ترمي إليه من أهداف. هذا عبد الله بن مسعود (المتوفى سنة 32) لا شك أنه من كبار علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، لأنه سادس ستة في الإسلام، ولأنه كان ألزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلبسه نعليه، ويمشي معه وأمامه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام ، فاستطاع ابن مسعود أن يلم بمجموع ما أصابه الصحابة ـ متفرقين ـ من هداية وتوجيه وتثقيف، وقد قال عقبة بن عمرو البدري (المتوفى سنة 40) في مجلس شهده الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري (21 ق.هـ ـ 44) : ما أرى أحداً أعلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود, فوافقه أبو موسى على ذلك ، وقال: إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل. وقال أبو موسى مرة: لقد قدمت أنا وأخي من اليمن وما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؛لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أبو موسى يقول : لمجلس كنت أجالس فيه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة ، فعبد الله بن مسعود هذا ـ وهو ما سمعت عن علمه وفقهه وطول ملازمته الهادي الأعظم ـ كان يقول في عمر بن الخطاب (40 ق.هـ ـ 23) : "لو أن علم عمر وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر". ولأجل ذلك كان ابن مسعود أيضاً يقول: "لو سلك الناس وادياً وشعباً ، وسلك عمر وادياً وشعباً ، لسلكت وادي عمر وشعبه". ولا شك أن ابن مسعود أخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك" ومن قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه". وما ذلك إلا لأن علم عمر الذي تلقاه من (معلم الناس الخير) كان علماً عظيم الشمول، بعيد الأهداف، يقاس عليه غيره ، ولا يقاس على غيره، ولأن عمر إنما يحاول إدراك المبادئ التي تتفرع عنها الأحكام، والقواعد التي تبنى عليها السنن والآداب. ومع ما لعمر من ملكة فطرية في إدراك الحق لاحرازه مقاييسه، كان يستعين في خلافته بعلم العلماء من الصحابة ، أمثال عبد الله بن مسعود ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وعبد الله بن عباس، وقال عمر في معاذ "لولا معاذ لهلك عمر" وكان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن.[1] وكانت التربية العملية في هذه المدرسة لها المقام الأول من العناية؛ لأنها نتيجة العلم وثمرته، والعلم بلا تربية شر يستعاذ بالله منه ، وكل ما نحن فيه اليوم من شرور بعض نتائج العلم المجرد من التربية . إن أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية العملية كانت المثل الأعلى في تكوين الإنسانية بأسمى صفاتها، وكتب السنة حافلة بنصوصها الصحيحة ، غضة كأن حروفها تسمع من صوت الهادي الأعظم صلوات الله عليه، وويل لأمة تسمع نداء هاديها يدعوها إلى سلوكِ فج فتتحول عنه لتسلك فجاً غيره. واقرأ إن شئت في صحيحي البخاري ومسلم قصة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك مروية بلسان أحدهم ـ كعب بن مالك السلمي ـ فهي نموذج للتربية المحمدية في تكوين الرجال حتى خرج منهم أولئك الذين تم على أيديهم أعظم انقلاب في تاريخ المجتمع البشري. عنايته بتربية النساء : ورأى نساء الصحابة ما يصيب أبناؤهن وإخوانهن وأزواجهن من علم وخلق وتهذيب بالتزامهم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعثن إليه من قالت: يا رسول الله ، غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك , فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن. وكان مما أمرهن به الصدقة والمساهمة العملية في إقامة الحق وتعميم الخير، فكان من علامة إيمانهن بما سمعن، وعملهن بما تعلمن، أن كانت الواحدة منهن تنتزع القرط من أذنها فتلقيه صدقة لله، والأخرى تخرج الخاتم من إصبعها فتلقيه، وبلال يأخذ ما يلقين في طرف ثوبه. خلفاء المدرسة الأولى : وهكذا أصبح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ رجالاً ونساء ـ كالنجوم تهتدي الدنيا بنورها ؛ لأن ملازمتهم لتلك البقعة من مسجد الرسول جعلتهم خير أمة أخرجت للناس ، فلما نشأ الجيل الثاني في الإسلام كان الموفقون للخير من شبابه يتلقفون هذه الهداية من ألسنة الصحابة بالرواية والعلم ، ويقتبسونها من أخلاقهم بالقدوة والاتباع. واتسعت المدرسة الأولى فتفرعت عنها حلقات لعلماء الصحابة في كل بقعة وصل إليها الإسلام. أما الخلفاء الأولون وولاتهم فقد تعلموا من المدرسة الأولى أن الولاية (تكليف وعبء) وليست حقاً أو متعة، فكانوا يقومون بها باللقمة، وكانوا يعلمون أن المال الذي تحت أيديهم أمانة الله يجب أن توضع في مواضعها على أحكام الله وسنن الإسلام. ولما طعن عمر اقترح عليه أصحابه أن يعهد إلى ابنه عبد الله، وأن عبد الله بن عمر أهل لذلك بعلمه وأمانته وبعد نظره وإحاطته بأهداف الرسالة وبقناعته وتقواه، فأبى عليهم عمر. ولما نال عثمان سعادة الشهادة عرضت الولاية على عبد الله بن عمرو وعلى عليّ والزبير وطلحة فكانوا جميعاً يتهربون منها ، ويحيلها كل منهم على صاحبه ، والذين تولوا هذا المقام الأعظم كانت الدولة كلها في نظرهم حلقة وعظ ومدرسة تهذيب، يتولون فيها تربية الأمة ، وحملها على الطريق واضحة. وكان علماء الصحابة أعواناً للخلفاء على تكوين الأمة الصالحة ، فكان من حول كل واحد منهم تلاميذ من شباب التابعين يعدّهم لقيادة الأمة، وحمل أعباء الدولة، وأداء أمانة الإسلام للجيل الذي يخلقهم ، وأضرب المثل باثنين من الصحابة العلماء؛ لأن المقام لا يتسع للاستقصاء. كان من تلاميذ معاذ بن جبل (20 ق.هـ ـ 18) مالك بن يخامر السكسكي (المتوفى سنة 70) وقد عاش ما عاش ناقلاً من روح معاذ إلى روحه، ومن قلب معاذ إلى قلبه، ومن عقل معاذ وإيمانه إلى عقله وإيمانه ، فلما حضرت معاذ الوفاة بكى، فقال له معاذ: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أستفيدهما منك. فأجابه معاذ وهو يجود بروحه: إن العلم والإيمان مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما. ومن تلاميذ معاذ أيضاً عمرو بن ميمون الأودي (المتوفى سنة 74) وهو من شيوخ الشعبي ، وسعيد بن جبير وأضرابهما ، وأبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني (المتوفى بالشام سنة 62) وهو من شيوخ جبير بن نفير ومكحول وأمثالهما، ومسروق بن الأجدع الهمداني (المتوفى سنة 63) وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي (المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز) وعشرات غيرهم. أما عمرو بن ميمون فكان أهم ما طلبه من معاذ في مرض موته أن يتخير له ينبوعاً آخر من ينابيع الحق والخير، فأوصاه بأن يلحق بابن مسعود ، ويطلب العلم عنده ففعل. ولا تتسع هذه الصحيفة للكلام على عبد الله بن مسعود وحلقته ومدرسته، ولا للكلام على إخوانه من علماء الصحابة واحداً واحداً، فتقتصر على الإشارة إلى حلقة حبر الأمة وأصغر علماء الصحابة سناً عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، فقد كان من تلاميذه طاوس بن كيسان الجندي (المتوفى سنة 106) وهو من شيوخ إمام المفسرين للقرآن ، مجاهد بن جبر وعمرو بن شعيب حفيد عمرو بن العاص والزهري وعمرو بن دينار وتلك الطبقة. ومن تلاميذ ابن عباس سعيد بن جبير، وعكرمة، وابن المسيب، وأبو العالية، وعطاء بن يسار، وأبو الشعثاء. وعن هؤلاء انتشر العلم، وبهم عرفت الشريعة، وعلى فقههم قامت الدولة. روى البغوي في معجمه عن عطاء قال: ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس ، وأكثر فقهاً وأعظم خشية ، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده : يصدرهم كلهم من واد واسع. وروى ابن سعد قول طاوس: رأيت سبعين من أصحاب رسول الله إذا تدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس ، وقال ابن جبير: كنت أسمع الحديث من ابن عباس ، فلو يأذن لي لقبّلت رأسه (أي من حلاوة كلامه) وروى الزبير بن بكار أن ابن عباس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة فما ينقضي الشهر حتى يفقههم. وكما سنّ الخلفاء لشعوب المسلمين أن الولاية (تكليف) وليست (متعة) فكانوا لا يتناولون عليها أجراً إلا لقمتهم وكسوتهم بالمعروف، فإن هؤلاء المعلمين الهداة من أئمة الإسلام كانوا يرون العلم وتعليمه (عبادة) لا يتناول الأجر عليها إلا خسيس ، وحتى الذين يقبلون الهدية لأن قبولها من سنة الإسلام لم يكونوا يقبلونها من تلاميذهم لئلا يكون فيها معنى الأجر على العلم. قال عطاء بن السائب : كان رجل يقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي (الذي تقدم أنه من تلاميذ عثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب) فأهدى له تلميذه فرساً، فردّها وقال: ألا كان هذا قبل القراءة؟! لأن الهدية قبل القراءة تكون لله، أما بعد القراءة ففيها معنى الأجر، والأجر على العلم ـ ولاسيما القرآن ـ كانوا يتعففون عنه كتعفف الخلفاء على أموال بيت المال التي تحت أيديهم، فضلاً عن أموال الأمة التي كانت أمانة الله تحت سلطانهم. عنايتهم باكتشاف المواهب والتشجيع على الفضائل : وكان المتخرجون في هذه المدرسة يتعهدون الشباب بالتثقيف والمراقبة والتنويه بفضل أهل الفضل منهم، روى الزهري أن المهاجرين قالوا لعمر بن الخطاب:ـ ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول. وحتى الحطيئة الشاعر غشي مجلس عمر فنظر إلى فتى بذ الحاضرين بكلامه فقال: ـ من هذا الذي نزل على القوم بسنه، وعلاهم في قوله؟ قالوا: ـ هذا ابن عباس. فأنشأ يقول: إني وجدتُ بيانَ القولِ نافلةً * يهدى له ووجدتُ العيَّ كالصممِ المرءُ يَبلى وتبقى الكَلِمُ سائرةً * وقـد يُـلام الفتى يـوماً ولـم يـلمِ ومرّ سعيد بن المسيب (13 - 94) بعبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق.هـ - 73) فسلم عليه ومضى، فالتفت ابن عمر إلى أصحابه وقال: ـ لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشاب لسرّه. وكان سفيان ابن عيينة (107 ـ 198) إذا جاء شيء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشافعي (150 ـ 204) فقال: ـ سلوا هذا الغلام . ونقل القاضي ابن خلكان عن عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي (المتوفى سنة 219) قال: سمعت الزنجي بن خالد المكي (من قضاة صدر دولة بني العباس) يقول للشافعي وهو لا يزال ابن خمس عشرة سنة: أفتِ يا أبا عبد الله فقد آن لك أن تفتي ومرض أبو يوسف (113 ـ 182) في صدر حياته مرضاً خيف عليه منه، قال محمد بن الحسن (131 ـ 189) : فعاده أبو حنيفة (80 ـ 150) ونحن معه ، فلما خرج من عنده وضع يده على عتبة بابه وقال: إن يمت هذا الفتى، فإنه أعلم من عليها (وأومأ إلى الأرض) . وإنما كانوا يفعلون ذلك لأن العلم الذي كانوا يحملونه، والأخلاق التي كانوا يتوارثونها، ووصايا السلف التي كان كل جيل يؤديها إلى من خلفه إنما كان ذلك كله من أمانات الملة ، وميراث الرسالة ، فكانوا يتحرّون الأكفاء لحمله، فإذا أصابوا الكفء لهذه الأمانة كانوا أحرص عليه من حرصهم على المال والولد. أدبهم مع شيوخهم : وكما كان الشيوخ يقدرون الأكفاء ممن سيحملون عنهم أمانات الله، كان التلاميذ ينظرون إلى شيوخهم كما كان الصالحون في الأمم الخالية ينظرون إلى أنبيائهم، لموضع الأمانة من نفوس هؤلاء وهؤلاء. عَلِمَ سفيان الثوري (97 ـ 161) بأن عالم أهل الشام الإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88 ـ 157) قادم إلى مكة فخرج منها سفيان يستقبل ضيفها الأوزاعي حتى لقيه بذي طوى ، فحل رأس بعير الإمام من القطار ، ووضعه على رقبته، فكان إذا مرّ بجماعة يشغلون الطريق قال: الطريق للشيخ! وقال أبو حنيفة (80 ـ 150): ما صليت منذ مات حماد بن مسلم الأشعري (وهو شيخه وكانت وفاته سنة 120) إلا استغفرت له مع والدي، وما مددت رجلي نحو داره ، وإن بيني وبينها سبع سكك، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه أو علمني. وتلقى الإمام أحمد بن حنبل (164 ـ 241) بعض أمانات الإسلام وسننه عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي مدة إقامته عندهم في العراق، فلما اختار الشافعي الإقامة في مصر جعل الإمام أحمد يقول: ما بتُّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستفغر له. وقال: ستة أدعو لهم سحراً، أحدهم الشافعي. وقال له ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر من الدعاء له؟فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، هل لهذين من خلف، أو عنهما من عوض؟ كانت حلقاتهم مجامع علمية : وكان لكبار العلماء حلقات من أصحابهم وتلاميذهم ينبغ كل واحد منهم في ناحية من نواحي العلم قد يبذ بها أستاذه، ويرى - مع ذلك - أن من أدب العلم أن يجعل علمه بين يدي أستاذه، كما أن من أدب البنوّة للأبوّة أن يجعل الابن ماله بين يدي أبيه عملاً بالسنة الإسلامية "أنت ومالك لأبيك". قال ابن كرامة: كنا عند وكيع بن الجراح الرؤاسي (المتوفى سنة 196) فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة...فقال وكيع: كيف يقدر أبو حنيفة يخطئ وعنده مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما، ومثل يحيى بن أبي زائدة وحفص بن غياث وحبان بن مندل في حفظهم الحديث، والقاسم بن معن في معرفته باللغة العربية، وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما؟ من كان هؤلاء جلساءه لم يكد يخطئ؛ لأنه إن أخطأ ردّوه. ومثل هذه الحلقات - التي استغنى عنها علماء زماننا بالمقاهي والأندية - أفضل وأغزر انتاجاً ، وأعلى في العلم مقاماً من كل ما نعرفه من مجامع العلم الرسمية التي يتزاحم أهلها عليها ابتغاء ثواب الدنيا. وقد استمرت هذه الحلقات إلى عصور متأخرة من تاريخ العلم والعلماء في الإسلام ، ويقال عن الحافظ ابن حجر العسقلاني (773 ـ 852) في شرحه على صحيح البخاري الذي سماه (فتح الباري) إن أصحاب ابن حجر وتلاميذه كانوا كلما وصل في الشرح إلى حديث من الأحاديث استقصوا كل ما ورد فيه أو قيل في تفسيره ، ويتولى شيخهم ـ رحمهم الله ـ تمحيص ذلك واستيفاء الكلام عليه، فجاء (فتح الباري) دائرة معارف في علم السنة وأسرار الشريعة لا نظير لها، وصدق عليه قول الناس "لا هجرة بعد الفتح". شغفهم بالعلم وتوسعهم فيه : ومع إن "العمل" كان من شروط العلم عندهم فإن "العلم" لم تكن له عندهم حدود ، كان طالب العلم منهم يساهم في مختلف ألوان العلم على قدر ما يأنس في همته من قدرة، وفي مواهبه من كفاءة وطاقة ، وهل علم الذين يزورون قبر الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، أو يتعبدون على مذهبه في الفقه أنه كان من أحذق قريش في الرماية، وكان يصيب من العشرة عشرة؟ وبرع في الشعر واللغة وأيام العرب، فنقل القاضي ابن خلكان أن الأصمعي (122 ـ 216) على جلالة قدره في هذه العلوم قرأ على الشافعي أشعار الهذليين. وذكروا أن أحد علماء الأنساب في العراق تحدث مع الشافعي في هذا العلم، فوجده من كبار العلماء فيه، فلما طال بينهما الحديث قال له الشافعي: مثلي ومثلك لا يليق بهما أن يتحدثا في أنساب الرجال من قبل آبائهم، فتعال نتحدث في أنسابهم من قبل أمهاتهم. ولقيه طلبة الطب في الفسطاط فوجدوا عنده من المعرفة في علومهم ما أطمعهم في أن يخصص لهم وقتاً يأخذون فيه عنه علوم الطب، فأشار إلى الفقهاء واقفين ينتظرونه في ظل الجدار من جامع عمرو بن العاص فقال: وهل ترك لي هؤلاء من الوقت ما أتفرغ به لكم؟ وقال الربيع بن سليمان المرادي (174 ـ 270) وهو راوي كتب الشافعي ، ومن أخص أصحابه ، وأول من أملى الحديث بجامع ابن طولون: لما قدم الشافعي الفسطاط كان يجالسه أرباب الحلق ـ عبد الله بن الحكم ونظراؤه ـ وكان حسن الوجه والخلق، فحبب إلى أهل مصر من الفقهاء والنبلاء والأعيان. وكان يجلس في حلقته إذا صلى الصبح بجامع عمرو فيجيئه أهل القرآن فيسألونه، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه عن معانيه وتفسيره، فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوت الحلقة للمناظرة والمذاكرة، فإذا ارتفع النهار تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والشعر والنحو حتى يقرب انتصاف النهار، ثم ينصرف إلى منزله في الفسطاط. وقال الربيع : أقام الشافعي ها هنا في الفسطاط أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسين ورقة، وخرج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين ، وكان ـ مع ذلك ـ عليلاً شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى يملأ سراويله وخفه (يعني من البواسير). قال اسماعيل بن يحيى المزني (175 ـ 264) قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال : أسمع بالحرف مما لم أسمعه، فتودّ أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به مثلما تنعمت أذناي. قيل له: فكيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال ، قيل له: فكيف طلبه؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره. وقال الربيع: سمعت الشافعي وهو مريض ـ وذكر ما جمع من الكتب ـ فقال: وددت لو أن الخلق تعلموه ولا ينسب إليّ منه شيء ،وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس ، أؤجر عليه ولا يحمدونني. وبعد فإن المدرسة الإسلامية الأولى كوّنت أصنافاً ثلاثة من الناس: جمهوراً يقيم الحق، ويحب الخير، ويستحي من الله، ويتعامل فيما بينه بالمروءة والتواسي والإيثار. وعلماء يطلبون المعرفة في كل ما ينفع، ويعملون بها، ويستعيذون بالله من علم لا ينفع، ويضنون بأوقاتهم عليه، ويرون أن ما يحملونه من أمانات الله ـ والأمانات لا تباع بالدراهم ـ فيتعبدون بأدائها إلى من يخلفهم من أهل الكفاية والفلاح . وحكاماً يرون الولاية عبئاً يحمله حامله لخير الدولة، واستقامة الدعوة، فلا يبتغون على ذلك أجراً إلا الكفاف ، ويعملون في الوظائف والمناصب يقاعدة "طالب العلم لا يولى" فكانت الحال في دولتهم أن الوظائف تنشد الموظفين، ولا ينشد الموظفون الوظائف. ولقلة التزاحم على الوظائف، وأمانة القائمين عليها، قلل عدد الوظائف وأهلها ؛ فخف عبء الميزانية على الأمة، وكان الأمن أعم مما هو عليه اليوم، والعدل أظهر مما هو اليوم، ومصالح الناس مقضية بأسرع مما تقضى به اليوم. لقد كانت تعاليم هذه المدرسة معمولاً بها في الأجيال الثلاثة الأولى التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه (ك 62 ب1 ) من حديث عمران بن حصين : "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ، ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون". قال الحافظ ابن حجر في تفسير هذا الحديث من فتح الباري (ج7 ص4) اتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين (أي ثالث الأجيال الثلاثة) من عاش إلى حدود 220، ثم ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، وتغيرت الأحوال تغيراً شديداً. أيها المسلمون إن آداب مدرستكم الأولى وتربيتها وسننها معطلة منذ أحد عشر قرناً ، فهل ينبري لتجديد هذه الدعوة وإحياء آداب هذه المدرسة وتربيتها شباب يخضرّ بهم عود الماضي، فينتفض بهم عن ذلك التراث تراب الأنقاض، فيظهر المعطل من سنة 220 إلى الآن؟ الجواب عند الذين يحبون أن يكونوا تلاميذ في المدرسة الإسلامية الأولى، خلفاً لمن سلف من أوليائها ، وأعتقد أنهم موجودون؛ لأن أمة محمد إلى خير . ...................................................................................................... [1] أي علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه
-
[b][b] [/b][/b] للمدارسة والحفظ: مختصر شرح ثلاثة أصول للشيخ العثيمين رحمه الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد: فهذا مختصر لشرح الثلاثة أصول، للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، قام بتلخصيها وإملائها علي أحد طلبة العلم جزاه الله عني كل خير وبارك فيه وفي علمه... آمين وسكون المتن بلون، والشرح بلون مغاير باذن الله، حتى يسهل التمييز بينهما، كما يمكن تحميل شرح الشيخ رحمه الله، حتى يسهل الوصول إليه عند الحاجة، هذا وأسأل الله عز وجل القبول إنه عزيز كريم، ولا تنسوني وشيخي من صالح دعائكم وبارك الله فيكم. بسم الله الرحمن الرحيم اعلم -رحمك الله- انه يجب علينا تعلم أربع مسائل: الأولى: العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الاسلام بالأدلة. الثانية: العمل به. الثالثة: الدعوة إليه. الرابعة: الصبر على الأذى فيه. والدليل قوله تعالى: " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " [العصر 1-3]. قال الشافعي رحمه الله تعالى: "لو ما أنزل الله حُجَّةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم". وقال البخاري رحمه الله: "باب العلم قبل القول والعمل" والدليل قوله تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ " [محمد 19]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
-
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان وابن المبارك في كتاب الزهد وأبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار والشيخ الألباني في السلسلة . فضيلة الخوف أمر الله عباده بالخوف منه ، وجعله شرطاً للإيمان به سبحانه فقال :{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } (آل عمران: 175) ، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله : { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } إلى أن قال : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } (المؤمنون: 57-61) ، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في الآخرة فقال : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } (الرحمن: 46) ، وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها ، وأنها من أجل المنازل وأنفعها للعبد ، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر . من خاف أدلج والخوف هو السوط الذي يسوق النفس إلى الله والدار الآخرة ، وبدونه تركن النفس إلى الدعة والأمن وترك العمل اتكالاً على عفو الله ورحمته ، فإن الآمن لا يعمل ، ولا يمكن أن يجتهد في العمل إلا من أقلقه الخوف وأزعجه ، ولهذا قال من قال من السلف : " الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه ، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب " وقال آخرون : " الناس على الطريق ما لم يزل الخوف عنهم ، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق " . لا بد من الثلاثة معاً ينبغي للعبد أن يجمع بين ثلاثة أمور : وهي المحبة والخوف والرجاء ، فإن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر ، فالمحبة رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ، ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فقد أصبح عرضة لكل صائد وكاسر " ، والاقتصار على واحد من هذه الأمور الثلاثة دون الباقي انحراف عن الجادة ، وخلل في السلوك ، فعبادة الله بالخوف وحده يورث اليأس والقنوط وإساءة الظن بالله جل وعلا ، وهو مسلك الخوارج ، وعبادته بالرجاء وحده يوقع في الغرور والأمن من مكر الله ، وهو مسلك المرجئة ، وعبادته بالمحبة طريق إلى الزندقة والخروج من التكاليف ، وهو مسلك غلاة الصوفية الذين يقولون لا نعبد الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ولكن حباً في ذاته ، ولهذا قال السلف قولتهم المشهورة : " من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ ـ أي خارجي ـ ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد " . ولكن السلف استحبوا أن يُغلَّب في حال الصحة جانب الخوف على جانب الرجاء ، لأن العبد لا يزال في ميدان العمل ، وهو بحاجة ما يسوقه إلى العمل ، وأما في حال الضعف والخروج من الدنيا ، فإن عليه أن يقوي جانب الرجاء ، لأن العمل قد أوشك على الانتهاء ، وحتى يموت وهو يحسن الظن بالله ، وقد سبق الحديث عن مسألة الرجاء وحسن الظن بالله عند الكلام على حديث ( أنا عند ظن عبدي بي ) . حقيقة الخوف ودرجاته والخوف ليس مقصودا لذاته ، بل هو وسيلة لغيره ، ولهذا يزول بزوال المخوف ، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم : فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل ، قال بعض الحكماء : " ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه " ، ومنه قدر واجب ومستحب ، فالواجب منه ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم ، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل ، والبعد عن المكروهات ، وعدم التوسع في فضول المباحات ، كان ذلك مستحباً ، فإن زاد على ذلك ، بحيث أدى إلى اليأس والقنوط والمرض ، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف المحُرَّم . من كان بالله أعرف كان منه أخوف وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه ، قال سبحانه :{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } (فاطر: 28) ، ولهذا كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي . ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } (المؤمنون: 60) ، هل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ) رواه الترمذي ، قال الحسن : "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا " . من أحوال الخائفين ولو تأملت أحوال الصحابة والسلف والصالحين من هذه الأمة لوجدتهم في غاية العمل مع الخوف ، وقد روي عنهم أحوال عجيبة تدل على مدى خوفهم وخشيتهم لله عز وجل مع شدة اجتهادهم وتعبدهم . فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول : " وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن " ، وكان أسيفاً كثير البكاء ، وكان يقول : " ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا " ، وكان إذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وكان عمر رضي الله عنه يسقط مغشياً عليه إذا سمع الآية من القرآن ، فيعوده الناس أياماً لا يدرون ما به ، وما هو إلا الخوف ، وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكى حتى تبتل لحيته ، ويقول : " لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير " ، وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتى على قول الله تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } (الجاثـية: 21) جعل يرددها ويبكى حتى أصبح ، وتتبع ما ورد من أحوالهم أمر يطول ولكن حسبنا ما ذكرنا ففيه الكفاية إن شاء الله ، نسأل الله أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة إنه جواد كريم .
-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. الغلول و تعريفه: عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( مَنِ استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلول )) [ رواه أبو داود عن عبد الله بن بريدة ] [b] محل تجاري , فيه موظف، هذا الموظف كلفته أن يشتري حاجة , فاستطاع أن يأخذ حسماً خاصاً له، هذا الحسم وضعه في جيبه، أخذه فوق راتبه من هذا التاجر. [/b] (( مَنِ استعملناه على عمل )) [b] أي وظفناه عندنا، أعطيناه، كلفناه بعمل , ورتبنا له مرتباً، فكلفناه بشراء، أو ببيع , أو بحاجة , فأخذ مالاً زيادةً على راتبه الذي أعطاه إياه ذلك التاجر , فقد أكل مالاً حراماً، سماه النبي عليه الصلاة والسلام غلولاً. الغلول بتعريف الفقهاء هو: الخيانة في المغنم ، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، أصل الغلول المحاربون حينما يكتسبون الغنائم هذه لمجموع المسلمين توزع وفق تعليمات الشرع , فإذا أخذ أحد المقاتلين درعاً لنفسه , ولم يدخلها في مجموع الغنائم , ولم يعلن عنها , فهذا الذي يأخذه سمي غلولاً , و معنى غلول أن الأيدي فيها مغلولة، أي مجعول فيها الغل , وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، الأسير أحياناً توضع في يده قيود تربطها بعنقه. فكل إنسان أخذ مبلغاً من المال فوق الذي رصد له من قبل سيده، هذا الذي يأخذه غلولاً، لأن يده على مال سيده يد الأمانة، أما إذا كان هذا التاجر أعطى الموظف راتباً قليلاً فله أن يفاوضه، له أن يرفضه، له أن يطالبه بزيادة، أما أن يأخذ له دخلاً آخر من وراء ظهره فهذا من الكبائر، سماه القرآن الكريم وسماه النبي عليه الصلاة والسلام غلولاً. [/b] على الإنسان أن يأخذ ما له و يترك ما ليس له: و عن ابن الساعدي قال: (( اسْتَعْمَلَنِى عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا فَرَغْتُ أَمَرَ لِى بِعُمَالَةٍ فَقُلْتُ إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ. قَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ فَإِنِّى قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَمَّلَنِى ـ أي أعطاني عمولة أي أجراً ـ )) [ أبو داود عن ابن الساعدي ] [b]هذا الحديث مقابل ذاك الحديث، حتى إذا عملت عملاً إلى الله أُعطيت عليه أجراً لك أن تأخذ هذا الأجر. لذلك العاملون على الزكاة ولو كانوا أغنياء يستحقون أجراً على جهدهم، أي الإسلام وسطي، لم يسمح لك أن تأخذ ما ليس لك، كما أنه سمح لك أن تأخذ ما هو لك، فهذا الرجل الصحابي استعمله عمر على الصدقة. فلما فرغت أمر لي بعمالتي، فقلت: إنما عملت الله، قال: خذ ما أُعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني، أي أعطاني عمولة، أي أجراً. فلك أن تأخذ ما هو لك، وينبغي أن لا تأخذ ما ليس لك. [/b] على الإنسان أن ينتبه لئلا يعين الآخرين على الخيانة: بالمناسبة أنت تبيع حاجات جاءك موظف من عند تاجر، طلب منك حاجات إن أعطيته مبلغاً خاصاً على أنه اشترى من عندك هذه الحاجات هذا لا يجوز، لأنه أنت أعنته على ذلك، يقول لك: أريد فاتورة بأعلى، هو يخون سيده، وأنت أعنته على هذه الخيانة بإصدار فاتورة بمبلغ أعلى مما ينبغي، لكن حتى أكون دقيق الحكم لو أن هذا الذي جاءك ليس موظفاً عند هذا الإنسان، أراد أن يأتي بشخص ليس موظفاً عنده، وأنت أعطيته من ربحك لا مانع، أما إذا كان موظفاً عند إنسان وله مرتب فهذه خيانة، أنت أعنته على هذه الخيانة، أما حينما تعطي إنساناً من ربحك من أجل أن يكون عندك دائماً والسعر هو هو لا شيء عليك. مثلاً شخص يصلح مركبة عند إنسان، احتاج المصلح إلى قطعة ما فأرسل صانعاً صغيراً لبائع القطع ليشتري القطعة، القطعة سعرها مئة ليرة في السوق كله، فصاحب المحل أعطى هذا الأجير خمس ليرات من ربحه، الأجير هذا وصاحب محل التصليح ليسا موظفين عند صاحب السيارة و هذه حالة خاصة، هذه تجوز، أي إذا تنازلت عن بعض ربحك لإنسان ليس موظفاً عند إنسان هذه نوع من التخفيض، أو نوع من الدعاية، أو نوع من تقليل الربح، من أجل جمع أكبر عدد من الزبائن، هذه فيها فتوى، أما إذا كان موظفاً عنده لا يوجد فيها فتوى، لأنه مؤتمن، فلو أمنت له الحسم فالحسم لمعلمه، وليس له، و إذا كان الوسيط ليس موظفاً عند الطرف الآخر لك أن تعطيه من ربحك شيئاً، نسميها العمولة، لا يوجد أي مانع، لكن صاحب الحاجة لم يدفع فوق سعر الحاجة، لو ذهب إلى أي مكان أخر يأخذ بمئة ليرة، أنت أعطيت هذا الصغير خمس ليرات حتى إذا أرسله معلمه مرة أخرى يأتي إلى عندك، هذه مسموح بها بالشرع، أما الأولى إذا الشخص الذي أخذ المبلغ ـ الحسم ـ موظف عند الطرف الأول لا يجوز. (( مَنِ استعملناه على عمل، فرزقناه رزقا، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلول )) [ رواه أبو داود عن عبد الله بن بريدة] مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا يدخل الجنةَ صاحبُ مكس يَعْنِي الْعَشَّار )) [ رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وقال على شرط مسلم عن عقبة بن عامر ] [b] تعريف المكس ؛ الضريبة التي يأخذها الماكس ظلماً وعدواناً، أحياناً إنسان يعمل في وظيفة، يفرض شيئاً على الناس فوق طاقتهم، هو لا يبالي، لا يظن أن هناك حساباً دقيقاً، فأحياناً الضريبية تزيد عن الربح كله، فالذي يعمل في حقل الضرائب له عند الله حساب خاص، أحياناً تدمر أسرة. أنا أعرف رجلاً توفي بمرض عضال، خلّف محلاً صغيراً، ومركبة حالتها سيئة جداً، قُدّر المحل مع المركبة بمليون ومئتي ليرة، والضريبة بستمئة وخمسين ألفاً ! ضريبة تركات، فهذا الذي يفرض هذه الضرائب، هكذا من دون قيود، هذا له حساب خاص عند الله، هذا إنسان ترك خمسة أيتام، ثلثا دخله، ثلثا التركة فرضها هذا الموظف. فلا تظن إن كنت موظفاً أنك غير محاسب، الله يحاسب الكل، هذا الذي أمامك إنسان، عبد من عبيد الله عز وجل، فأنت تستطيع أن تضع عليه ثمانمئة آلاف، وتستطيع من الشريحة الدنيا أن تضع عليه مئتي ألف، بثمانمئة دمرته وبالمئتين خففت عنه. إذاً: [/b] (( مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ )) [ متفق عليه عن أبي هريرة ] [b] فالإنسان يجب أن يهيئ لله جواباً عن كل قرار اتخذه، و إلا الله عز وجل [/b] ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ ( سورة البروج ) العاقل من هيأ لله جواباً عن كل سؤال قبل أن يلقاه: أنا كلمتي دائماً مع أخواننا الذين يعملون في الحقل العام: هيئ لله جواباً، لا تفكر في عبد لله، هيئ لربك جواباً، هؤلاء الذين أمامك، أحياناً أشعر أن هؤلاء الموظفين يغيب عنهم أن الله سيحاسبهم حساباً عسيراً، أنت لم تفعل شيئاً إلا أن حملت الإنسان فوق ما يطيق، وفي حالات كثيرة جداً هو يظن أنه حقق أو عمِل عمَلاً كبيراً، أنت قوى، والطرف الثاني ضعيف، فأنت يجب أن تخشى الله عز وجل، وكل إنسان إذا كان عمله يقوم على إيقاع الأذى بالناس، هذا العمل ليس مشكوراً فليعمل عملاً آخر. (( لا يدخل الجنةَ صاحبُ مكس يَعْنِي الْعَشَّار )) [ أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر] [b] قال: الذي يأخذ المال ظلماً، وعدواناً، والعشار أيضاً يأخذ العشر من دون حق، لا يدخل الجنة. أحياناً أنت تستطيع أن تؤذي إنسان، بأن تفرض عليه مبلغاً من المال، هذا المال أخذته بغير حق، و: [/b] (( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ على مَنْكَبَيْهِ، ثم قال له: أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ إنْ مُتَّ، ولم تكن أميرا، ولا كاتبا، ولا عَريفا )) [ رواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب] [b] يعني أنت إذا لك عمل ما له متعلق بحقوق الناس هذه نعمة كبرى، يكون لك عمل لا علاقة له بحقوق الناس. [/b] المال قوام الحياة و الذي يعقد الأمور على الناس هذا له عند الله حساب كبير: المال أيها الأخوة قوام الحياة، أحياناً إنسان يموت، ويترك لورثته بيتاً، أو يترك محلاً تجارياً، أو يترك لهم حاجة، أو أرضاً، فلو أننا استطعنا أن نأخذ ثلثا الأرض كضريبة، أو ثلثي البيت دمرناهم، هؤلاء ورثة، هذا المال قوام حياتهم، فهذا الذي يفرض ينبغي أن يتقي الله، ولا يحتج أن هذا ليس بيدي، لا، هناك شرائح وهناك مستويات، وأنت اعمل لله، ومعك حجة قوية، والله عز وجل يزيدك قوة إلى قوته. أنا أعرف أناساً كثيرين يخشون الله، لا يفرضون إلا ما هو معقول، لا يفرضون إلا بالحد الأدنى، هؤلاء لهم عند الله مكانة كبيرة، والله عز وجل يُمكن لهم مركزهم، مركزه قوي لأنه يعمل لله. أروع إنسان أُكبره من يعمل في حقل عام و يرحم الناس، سأل أحدهم إنساناً يعمل في الضرائب عن ضريبة محل يريد أن يشتريه فقال له: انظر هذا المحل، كم أدفع ضريبة عليه ؟ قال له: خمسمئة ألف، قال له: هكذا تقول ؟ اشتراه، و بعد أن اشترى قال له: ستدفع مليونين وخمسمئة ألف، وضع عليه ضريبة، قال له: ألم تقل لي خمسمئة ألف ؟ قال له: هذا الحاضر , هذا الشيء لا يجوز. أنا أتوجه بهذا الكلام لكل إنسان يستطيع أن يفرض على الناس فوق طاقتهم، سوف يحاسب، هذا المال قوام الحياة، هذا المال يعيش أسراً، يفتح بيوتاً، يزوج شباباً، فإذا أنت أخذته ظلماً وعدواناً وقفت الزواج، ماذا حلّ محل الزواج ؟ الزنا، افرض أن الناس ليس فيهم دين، أو افرض أن دينهم وسط، أو أن إيمانهم ضعيف، فعندما منعت الزواج حلّ الزنا محل الزواج، و البنت عندما لا تخطب تتعقد و تصاب بالمرض. والله قال لي أب عن ابنته أنها تخرج بمنتصف الليل بقميص النوم، وتمشي في الطريق، أول خاطب، ثاني خاطب، ثالث خاطب، الأمور معقدة، الأمور صعبة جداً لا يوجد بيوت. الذي يعقد الأمور على الناس هذا له عند الله حساب كبير. مرة ثانية: المال قوام الحياة، تريد أن تزوج أولادك، تريد أن تسكنهم ببيوت، تريد أن تعمل لهم غرف نوم، تريد أن تؤمن حاجاتهم، تؤمن أعمالهم، فالإنسان متى يحبه الله ؟ إذا خدم الناس، إذا رحم الناس، والحديث دقيق: (( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي )) [ الديلمي عن أبي بكر] من أكرم الناس أكرمه الله و أعطاه و رفع شأنه: فأنت أمامك إنسان هذا عبد لله، لا تقل له من أين أنت ؟ هذا إنسان إذا أكرمته يحبك الله، فإذا استطاع إنسان بمكان ما أن ينفع الناس فلينفعهم، والله عز وجل يكرمه، ويعطيه، ويرفع شأنه، ولا تطلب رضا من هو فوقك، اطلب رضا من هو فوق الجميع، ودائماً ضع أمامك أن هذا الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله. الآن هناك أمراض نفسية من أين تأتي ؟ من خبر لا يحتمل، هناك أزمات قلبية تأتي فوراً من رقم لم يتحمله، الرقم فوق طاقته، قبل أن تفرض، قبل أن تقول له هذه مصادرة، وهذه عليها ثمانية أمثال، قبل أن تقول هذه الكلمة تصور أنك مكانه، ما الذي يحدث ؟ وهناك أشياء الإنسان لم يرتكب أي خطأ إلا أنه وقع دون قصد في هذا الخطأ، مثلاً تسعيرة وقعت فيجب أن يجلس شهرين في السجن و حريته محجوزة، أنت معك أن تعمل ذلك. مرة سألني موظف في التموين ماذا أفعل ؟ أنا أردت أن أعمل له نصيحة فيها صدمة قلت له: افعل ما تشاء، ضع الناس في السجن كما يحلو لك، اكتب ضبوطاً، قال لي: ما هذا الكلام ؟ قلت له: أما إذا كنت بطلاً يجب أن تهيئ لله جواباً عن كل ضبط، لماذا فعلت هذا ؟ يمكن أن تدمر أسرة، يمكن إنسان محترم جداً يدخل ويقعد مع مجرمين، يقعد مع قتلة، هذا الشيء غير صحيح، لست مقتنعاً به. الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله: لذلك الدرس هذا متعلق بكل إنسان يعمل بعمل يستطيع أن يوقع الأذى بالناس، أو يكلفهم ما لا يطيقون، يجب أن يتقي الله، الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله، و لا تقول: أنا مضطر، لا، القانون مرن، وفيه شرائح، ومعك حجج، ودائماً الإنسان يرحم الناس، يضع الحد الأدنى. والله أنا من يومين أو ثلاثة سمعت عن إنسان لا يملك والله ثمن طعامه، فرض عليه ثمانية ألف فجأةً، من أن يأتي بهم ؟ أي سيختل نظام الأسرة، تحتاج رحمة. مرة أخرى: (( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي )) [ الديلمي عن أبي بكر] [b] هذا الذي أمامك إنسان، مرة أخرى لا تقل له من أين أنت ؟ اخدم هذا الإنسان كائناً من كان، والله يراك، وسوف يحفظك، ويحفظ لك صحتك، ويحفظ لك أهلك، وأولادك، ويرفع شأنك، ويقوي مكانتك بخدمة خلقه، فالحديث: [/b] (( أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ إنْ مُتَّ، ولم تكن أميرا، ولا كاتبا، ولا عَريفا )) [ رواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب] [b] هناك وظائف الإنسان إن لم يتقِ الله فيها مشكلة كبيرة، لا تقل أنا لست مسؤولاً، أنت المسؤول أبداً. [/b] (( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ )) [ متفق عليه عن عبد الله بن عمر ] [b] إياك أن تقل لست مسؤولاً، لا أنت تقدر، تقدر أن تدفع وتطلب من الله المعونة، ومن هم أعلى منك يقرونك أكثر، يقدرونك، ويحترمونك، ويعطونك حاجتك، إذا أنت رحمت الناس، والذي أعلى منك ليس منتبهاً، أنت على مساس مباشر مع هذا الإنسان.[/b] والحمد لله رب العالمين
-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. من منهجية الإسلام : ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة: هذا منهج, هذا جزء من الدين, أما عند هؤلاء الغربيين: حينما تقع فاحشة, ينشرونها في أوسع وسائل النشر. ألفان ومئتا صفحة نشرت على الأنترنت, لفاحشة ارتكبت في البيت الأبيض؛ مع تفاصيل مخزية, مع تفاصيل يندى لها الجبين, مع تفاصيل يستحي الإنسان أن يقرأها وحده, هذا غير منهج الله. اعلم هذا : قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾ [سورة النور الآية:19] هذه الآية -أيها الأخوة- تقسم الظهر, ما فعل شيئاً, ما أشاع الفاحشة, إن أحب إشاعة الفاحشة, لو أشاعها جرم أكبر, لمجرد أنك مرتاح لهذه الفاحشة التي تنتشر, لمجرد أنك يعني سعيد بهذه الفضيحة التي ظهرت بين المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾ [سورة النور الآية:19] التفسير دقيق, وبسيط, لا يوجد أم على وجه الأرض تفرح بفضيحة ابنتها, أبداً, على الإطلاق, فإذا رأينا أماً تفرح بفضيحة ابنتها, نقول: هذه ليست أمها قولاً واحداً. حينما يتمنى الإنسان أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, هو ليس مؤمناً, هو في صف المنافقين, لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾ [سورة آل عمران الآية:120] دقق : فأنت دقق, هذا مقياس دقيق؛ لمجرد أن تفرح لمصيبة ألمت بمؤمن, -لا سمح الله ولا قدر-, فيجب أن يعد الإنسان نفسه مع المنافقين, وهذه أوضح علامة من علامات النفاق: أن تتمنى أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, أن تتألم إذا أصاب المؤمن خير, أن تفرح إذا أصاب المؤمن شر, أما إذا رأيتم مجتمعاً بأكمله قائماً على التحاسد, وعلى البغي والعدوان, وكل إنسان يتمنى أن يسحق أخاه, لينفرد وحده بالغنيمة, هذا مجتمع يستحق سخط الله عز وجل. لذلك: حينما يهون أمر الله على المسلمين, يهونون جميعاً على الله. هان أمر الله عليهم, فهانوا على الله. انظر إلى خلق المؤمن : يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يستر عبد عبداً في الدنيا, إلا ستره الله يوم القيامة)) [أخرجه مسلم في الصحيح] الله عز وجل من أسمائه الستار, فالستار من أسماء الله الحسنى, والمؤمن المتصل بالله يشتق من هذا الاسم صفة الستر, لا يحب أن تشيع الفاحشة, يستر, حتى لو طلق امرأته لأسباب قاهرة, لا يفضحها, يقول: ليس هناك نصيب, لعل تباين أطباع, أرجو الله أن يرزقها زوجاً خيراً مني, هكذا, أما لأتفه خلاف بين الخاطب وبين بيت مخطوبته؛ تُنشر فضائح, يُنشر الغسيل على الحبال, تُذكر أدق التفاصيل. هذا واقع المسلمين اليوم : يا أيها الأخوة؛ المسلمون يصلون, ويصومون, ويحجون, ولكنهم لا يتخلقون بأخلاق الإسلام؛ في غيبة, نميمة, فحشاء, إشاعة فحشاء, حسد, بغي, عدوان, وكلهم يصلون, لذلك: لا يقيم الله لهم وزناً يوم القيامة: ﴿لهم صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ((لا يستر عبد عبداً في الدنيا, إلا ستره الله يوم القيامة)) [أخرجه مسلم في الصحيح] أيعقل هذا؟ : في حالة أخرى: يقول عليه الصلاة والسلام: ((كل أمتي معافى إِلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله, فيقول: يا فلان، عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه, فَيُصْبِحُ يَكْشِف سِتْر الله عنه)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح] ستره الله, هو يفضح نفسه. أخواننا الكرام, هذا الذي يفتخر بالمعصية فاجر, هذا الذي يدخن في رمضان في الطريق فاجر, هذا الذي يقول فعلت كذا ..... كتاب كبار مسرحيات لهم قصص, يقول لك: سافرت إلى فرنسا, وفعلت كذا, وكذا, وكذا, وكذا, يعني وقاحة ما بعدها وقاحة, الله عز وجل ستر الأمر, هو يفضح نفسه. قصة يستحي التاريخ أن يذكرها : مرة إنسانة ماتت بحادث, أو فطست بحادث, ومشى في جنازتها ستة ملايين إنسان, وبكى معظم رؤساء العالم لموتها. حينما اغتصبت خمسة وثلاثون ألف امرأة في البوسنة, ما بكى أحد, وحينما يقتل عشرات الألوف كل يوم من المسلمين, لا يبكي أحد, لكن يرسلون مبعوثاً لتقصي الحقائق, أما حينما تعقد امرأة مؤتمراً صحفياً يبث على عشر محطات فضائية, يشاهده خمسمئة مليون, تقول هذه المرأة: أنا في المكان الفلاني زنيت مع فلان, –هي ملكة-, وفي المكان الفلاني زنيت مع فلان, وفي مرة بالإسطبل زنت مع سايس الخيل, ومرة مع فلان, ومرة مع فلان ...... هكذا صراحة, وقاحة, جهاراً. هذه حينما ماتت بحادث في باريس, مشى في جنازتها ستة ملايين إنسان. نحن نعيش مع من؟ والله نعيش مع وحوش. من آداب الإسلام : الشيء الذي لا يصدق, انظر آداب الإسلام, ليس الذي أشاع الفاحشة, الذي أحب أن تشيع الفاحشة, أحب فقط, تمنى, ما فعل شيئاً؛ ما تكلم, ما أشار, ما غمز, ما لمز, لكنه تمنى أن تشيع الفاحشة, له عذاب أليم في الدنيا والآخرة. الآن المؤمنون في خندق واحد, لأن المؤمنين في قارب واحد, لأن المؤمنين يد على من سواهم, يأخذ بذمتهم أدناهم, وهم يد على من سواهم, والمؤمنون كالجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. هذا المؤمن, أما أن يتمنى إشاعة الفاحشة, هذا ليس من الدين في شيء. ((كل أمتي معافى إِلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله, فيقول: يا فلان، عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه, فَيُصْبِحُ يَكْشِف سِتْر الله عنه)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح] انس الذنب الذي ارتكبته بعد أن عفا الله عنك : مرة أخ من أخواننا هكذا, لزم درساً في الطاووسية حوالي سنة, كان معي في نزهة, قال لي: أنا كنت أعمل هكذا, قلت له: قف, قف, ما أحد يعرف هذا عنك, والله عز وجل هداك, وتبت, ما فائدة هذا الكلام؟ كنت أشرب, وكنت أفعل, وكنت ......... لا, هذا كلام من الشيطان, الحاضرون -جميعاً- لا يعلمون عنك شيئاً. مرة قال لي شخص كلمة, -سبحان الله الإنسان هكذا-, قال لي: أنا ارتكبت الفاحشة في زماني, بعد ذلك تاب, والله الآن يعني أنا لا أزكي على الله أحد؛ لكن رجل إيمانه كبير, وله أعمال طيبة؛ لكن سبحان الله! كلما لمحته, تذكرت هذا الفعل, هذا الإنسان ....... فبالإسلام نحن ما عندنا اعتراف بالشيخة, في الإسلام هذه ليست واردة إطلاقاً, إنسان الله سترك, تاب عليك, يعني يجب أن تحترم ستر الله لك, وألا تذكر شيئاً عما مضى منك. أنا منعته يكمل, لا أعرف عنك شيئاً سابقاً, والحاضرون كذلك, ما فائدة أن تقول لي: فعلت كذا وكذا في الماضي, الإنسان لا يغفر يا أخوان, الإنسان لا يغفر؛ لكن الله يغفر, يغفر, وينسي العبد ذنوبه. ((إذا رجع العبد العاصي إلى الله, إذا تاب العبد توبة نصوحة, أنسى الله حافظيه, والملائكة, وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه))
-
[rtl]صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية[/rtl] [rtl]صفة لونه:[/rtl] [rtl]عن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم و لا بالأبيض الأمهق (أي لم يكن شديد البياض والبرص )، يتلألأ نوراً ".[/rtl] [rtl]صفة وجهه:[/rtl] [rtl]كان عليه الصلاة والسلام أسيَل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان صلى الله عليه و سلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنَّ وجهه قطعةُ قمر. قال عنه البراء بن عازب: " كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خَلقا ".[/rtl] [rtl]صفة جبينه:[/rtl] [rtl]عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين"، (الأسيل: هو المستوي)، أخرجه عبد الرازق والبيهقي ابن عساكر.[/rtl] [rtl]وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين. وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم.[/rtl] [rtl]وصفه ابن أبي خيثمة فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين ، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المُتوقَّد يتلألأ".[/rtl] [rtl]صفة حاجبيه:[/rtl] [rtl]حاجباه قويان مقوَّسان، متّصلان اتصالاً خفيفاً، لا يُرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.[/rtl] [rtl]صفة عينيه:[/rtl] [rtl]كان عليه الصلاة والسلام مشرب العينين بحمرة، وقوله مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة (أي رموش العينين)، ناصعتي البياض و كان عليه الصلاة والسلام أشكل العينين، قال القسطلاني في المواهب: الشُكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود.[/rtl] [rtl]قال الزرقاني: قال الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: في عينيه حمرة؟ فقال: ما تفارقه، قال الراهب: هو (شرح المواهب).[/rtl] [rtl]وكان صلى الله عليه وسلم" إذا نظرت إليه قُلت أكحل العينين وليس بأكحل"، رواه الترمذي.[/rtl] [rtl]وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوان أدعجهما - والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة - وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها "، أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق.[/rtl] [rtl]المصدر الموسوعة الإسلامية المعاصرة[/rtl]
-
الكنز الاول عن عبادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استغفر للمؤمنين والمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " الكنز الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشرأمثالها ، لا أقول : (آلم) حرف ، ولكن : ألف حرف ولام حرف وميم حرف " الكنز الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " الكنز الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله اصطفى من الكلام أربعاَ : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . فمن قال : سبحان الله كتب له عشرون حسنة ، وحطت عنه عشرون سيئة ، ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ، ومن قال : الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة ، وحطت عنه ثلاثون سيئة " رواه أحمد الكنز الخامس عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ، أن تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها الكنز السادس عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحرّك شفتي . فقال لي : " بأيّ شيء تحرك شفتيك يا أبا أمامة ؟ " فقلت : أذكر الله يا رسول الله . فقال : " ألا أخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك بالليل والنهار ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : " سبحان الله عدد ما خلق ، سبحان الله ملء ما خلق ، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء ، سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء ، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه ، سبحان الله ملء ما أحصى كتابه ،سبحان الله عدد كل شيء ، سبحان الله ملء كل شيء ، الحمد لله عدد ما خلق ، الحمد لله ملء ما خلق ، الحمد لله عدد ما في الأرض والسماء ، والحمد لله ملء ما في الأرض والسماء ، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه ، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه ، والحمد لله عدد كل شيء ، والحمد لله ملء كل شيء " رواه أحمد في مسنده الكنز السابع عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " قل لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها كنز من كنوز الجنة " الكنز الثامن عن جويرية رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى ، وهي جالسة فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليه ؟ قالت : نعم . قال :صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتِ هذا اليوم لوزنتهن : " سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " رواه مسلم الكنز التاسع عن أم هانىء رضي الله عنها قالت : مّر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبرت وضعفت أو كما قالت . فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال : " سبحي الله مائة تسبيحة فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة فإنها تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله ، وكبري الله مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلّدة متقبلة، وهللي الله مائة تهليلة . قال أبو خلف : أحسبه قال : تملأ ما بين السماء والأرض ، ولا يرفع يومئذ لأحد عمل أفضل مما يرفع لك إلا أن يأتي بمثل ما أتيت ." رواه أحمد و ابن ماجه الكنز العاشر عن أبي هريرة ر ضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : " سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر " الكنز الحادي عشر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، كان كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل " رواه مسلم الكنز الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاَ من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك " رواه البخاري الكنز الثالث عشر عن مصعب بن سعد قال : حدثني أبي قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ " فسأله سائل من جلسائه : كيف يكسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال :"يسبح الله مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة ، أو تحط عنه ألف خطيئة " رواه مسلم الكنز الرابع عشر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال : " سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة " الكنز الخامس عشر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال : يا محمد أقرىء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن عراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر رواه الترمذي الكنز السادس عشر عن أبي عمير الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات ، وحطت عنه عشر خطيئات ، ورفعت له عشر درجات ، وكتبت له عشر حسنات " رواه أحمد الكنز السابع عشر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ماصنعت أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة " رواه البخاري الكنز الثامن عشر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم : من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطل الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : تامة تامة تامة رواه الترمذي وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وجزاكم الله كل خير
-
بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد العزة خلق محمود، وهي من أعظم أخلاق الإسلام، فالمسلم لا يهان ولا يستضعف ولا يستخف به، وأعظم ما يعتز به المسلم دينه وكتاب ربه عز وجل. وقد حرم الإسلام على المسلم أن يهون، أو يستذل، أو يستضعف، ورمى في قلبه القلق والتبرم بكل وضع يخدش كرامته وجرح مكانته، فالعزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وسنّ من تعاليم(1). معنى العزة لغة العزة لغة هي مصدر مأخوذ من مادة (ع ز ز)، فيقال: عَزَّ يَعِزّ بالكسر عِزًّا وعِزَّةً وعَزازَة، ورجل عَزيزٌ من قوم أَعِزَّة وأَعِزَّاء وعِزازٍ. وعَزَّ الرجلُ يَعِزُّ عِزًّا وعِزَّةً: إِذا قوي بعد ذِلَّة، وصار عزيزًا وأَعَزَّه اللهُ. والعِزُّ خلاف الذُّلِّ، وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنينعائشة -رضي الله عنها-: «هل تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا. قال: تَعَزُّزًا أَن لا يدخلها إلا من أَرادوا»؛ أَي تَكَبُّرًا وتشدُّدًا على الناس. والعِزُّ في الأَصل القوة والشدة والغلبة، والعِزُّ والعِزَّة: الرفعة والامتناع. والعِزَّة لله، وفي التنزيل العزيز:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]؛ أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه(2). اصطلاحًا والعِزَّةُ اصطلاحًا هي حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ، أي: صُلْبةٌ.قال تعالى:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: 139]. وَالعَزيزُ: الذي يَقهر ولا يُقهر.قال تعالى:{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26](3). وهي الغلبة الآتية على كلية الظاهر والباطن(4). العزة في القرآن قال ابن الجوزي: ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعِزَّة فِي الْقُرْآن على ثَلاثَة أوجه(5): أَحدهَا: العظمة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}[الشعراء: 44]، وَفِي ص:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: 82]. وَالثَّانِي: المنعة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: 139]. وَالثَّالِث: الحمية. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}[البقرة: 206]. وَفِي ص: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}[ص: 2]. ويتضح مما سبق أن العزة في القرآن الكريم يُمدَح بها تارةً، ويُذَمُّ بها تارةً، على هذا النحو: العزة الممدوحة: وهي التي لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ، وهي الدائمة الباقية التي هي العِزَّةُ الحقيقيّة. العزة المذمومة: وهي التي للْكَافِرِينَ، وَهِي التعزز الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة ذل؛ لأنّه تشَبُّع بما لم يُعطَه، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}[البقرة: 206]، حَيْثُ استعيرت للحمية والأنفة المذمومة. وهي كما قالرسول الله صلى الله عله وسلم:«كلّ عِزٍّ ليس بالله فهو ذُلٌّ»(6). وعلى هذا قوله:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم: 81]؛ أي ليتمنّعوا به من العذاب(7). العزة من أخلاق الرسول العزة من أعظم ما اتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلاق، وقد دلَّ على ذلك مواقفه وكلماته في الموقف المختلفة، ولكن قبل الحديث عن العزة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نوضح إشكالاً قد يطرحه البعض وهو: كيف تكون العزة لله جميعًا، ثم تكون لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟ وقد تساءل الشيخ الشرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}[فاطر: 10]،وقوله عزَّ من قائل:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]. والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين؛ لأنَّ العزّ الذي هو للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلِّ عزّ، ومن ثَمّ يكون عزّ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله عز وجل. وعلى هذا فالعزُّ كلُّه لله، والعزّة التي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلاّ إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه. أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}[ص: 2]. فهي تعزُّز، وهو في الحقيقة ذلٌّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميَّة المذمومة، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206]. وكلّ ذلك ليس من العزِّ الحقيقيِّ في شيء(8). مواقف من عزة الرسول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزًا في حياته قبل الإسلام وبعده، فقد كانت عزة نفسه تأبى عليه أن يسجد لحجر لا يضر ولا ينفع، كما كانت تمنعه من يأتي ما اعتاده قومه من الفواحش كالكذب والغش والخيانة والزنا وشرب الخمر. لم يسجد لصنم قط فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: كَانَتْ بُوَانَةُ صَنَمًا تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ وَتُعَظِّمُهُ وَتَنْسُكُ لَهُ وَتُحَلِّقُ عِنْدَهُ وَتَعْكُفُ عَلَيْهِ يَوْمًا إلى اللَّيْلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ). فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْضُرُهُ مَعَ قَوْمِهِ، وَيُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ مَعَهُمْ، فَيَأْبَى ذَلِكَ. قَالَتْ: حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ عَمَّاتِهِ غَضِبْنَ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: إِنَّا لَنَخَافُ عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنَ اجْتِنَابِ آلِهَتِنَا، وَيَقُلْنَ: مَا تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَحْضُرَ لِقَوْمِكَ عِيدًا وَلا تكثر لهم جمعًا. فلم يزالوا بِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ مَرْعُوبًا فَزِعًا، فَقُلْنَا: مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي لَمَمٌ». فَقُلْنَا: مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ليبتلك بِالشَّيْطَانِ وَكَانَ فِيكَ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا كَانَ، فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قَالَ: «إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا، تَمَثَّلَ لِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي: وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَمَسَّهُ». قَالَتْ: فَمَا عَادَ إلى عِيدٍ لَهُمْ، حَتَّى تَنَبَّأَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهُ)(9). وهكذا كانت حياته صلى الله عليه وسلّم حياة زكية طاهرة، من الآثام التي تدنس الشباب في مجتمعاتهم، بعيدة عن الشرك، لم يسجد لصنم قط، بعيدًا عن معايب الجاهلية، ومفاسدها(10). اعتزاز الرسول بالإسلام وبعد الإسلام كانت كل مواقفه صلى الله عليه وسلم تنطق بالعزة المنزهة عن الكبر والفخر والخيلاء، فقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله -عز وجل- بعثه من خير قرون بني آدم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع»(11). عزة الرسول في حمل الرسالة فقد جاء وفد من كفار قريش لعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طالب يستنكرون على رسول الله، وقالوا له: "وَإِنّا وَاَللهِ لا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ". فبعَثَ أبو طالب إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ». ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أقبل يا ابن أَخِي. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلّى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا(12). عزة الرسول بعبادته لربه لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل الأذى من المشركين، ولكنه كان يوقفهم عند حدودهم، ولا يسمح لهم بتجاوزها، فهو وإن كان مأمورًا بالصبر عليهم والإعراض عنهم، فإنه -أيضًا- عزيز لا يرضى الله له المهانة، وعندما تجرأ كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم عند الكعبة، فوجموا وخافوا دعوته، وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم من نصيبهم، فقتلوا جميعًا يوم بدر؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغير شيئًا لو كان لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحت عن ظهره.. فرفع رأسه ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سَمَّى "اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط". وعَدَّ السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر(13). عزة الرسول في قتال المشركين ففي غزوة أحد عصا الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلبت الدائرة على المسلمين، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق جبل أحد، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اُعْلُ هُبَل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه». قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله أعلى وأجل». قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه». قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم». قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثْلةً لم آمر بها ولم تسؤني(14). فهذه مواقف من العزة كخلق من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي ظهر منها ما ينبغي أن تكون عليه عزة المسلم في حمل عقيدته وتبليغ رسالة ربه وافتخاره بما يحمله من مشروع سماوي فيه صلاح العباد والبلاد، كل ذلك من غير فخر ولا استعلاء على خلق الله. المصادر (1) محمد الغزالي: خلق المسلم 1/182-184. (2) ابن منظور: لسان العرب 5/374، الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس 15/219. (3) الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن 1/563. (4) محمد عبد الرءوف المناوي: التعاريف 1/512. (5) ابن الجوزي: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر 1/434، 435. (6) جاء بمعناه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اعتزّ بالعبد أذلّه الله". أخرجه أحمد في الزهد (2308) 1/316، بسند ضعيف. نقلاً عن كتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني 1/563، تحقيق صفوان عدنان الداودي، هامش رقم 5. (7) الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن 1/563، الكفوي: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية 1/636، محمد عبد الرءوف المناوي: التعاريف 1/512، 513، الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس 15/220. (8) الشيخ الشرباصي: موسوعة له الأسماء الحسنى ص72، نقلاً عن موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إعداد عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي، 7/2822. (9) ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/125، 126، ابن سيد الناس: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير 1/56، 57، أبو نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة 1/186، 187، حديث رقم (129)، الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 2/149. (10) البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة 1/138. (11) مسلم: صحيح مسلم، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق (2278). (12) ابن كثير: السيرة النبوية 1/474، 475، ابن هشام: سيرة ابن هشام 1/240، السهيلي: الروض الأنف 3/10، 11. (13) البخاري: صحيح البخاري، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته (237)، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (2776). مسلم: صحيح مسلم، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (1794). (14) البخاري: صحيح البخاري، باب غزوة أحد (3817). أسألُ الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم، ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
-
· ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) · الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر · الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط · الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم · الرقيب · المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد · الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الواليالمتعالي البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال · والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضارالنافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور
-
- أموال أهل السنة مباحة عند الشيعة الروافض حسب الروايات التي ذكروها عن أئمتهم في كتبهم المعتمدة. وأن عدم قيامهم بذلك في الوقت الحاضر يرجع إلى أنهم في هدنة مع أهل السنة إلى أن يقوم قائمهم المهدي. والشيعي إذا استطاع بطريقة ما الاستيلاء على تلك الأموال ولو قبل قيام قائمهم فإن ذلك حلال على شرط أداء الخمس إلى نائب الإمام لأنه يقوم مقامه في غيبته. عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله –عليه السلام –قال:خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا بالخمس وفي رواية أخرى “مال الناصب وكل شيء يملكه حلال” ويقول حسين الدرازي البحراني: أن الأخبار الناهية عن القتل وأخذ الأموال منهم إنما صدرت تقية أو منا كما فعل عليّ عليه السلام بأهل البصرة. فاستناد شارح المفاتيح في احترام أموالهم إلى تلك الأخبار غفلة واضحة لإعلانها بالمن كما عرفت. وأين هو عن الأخبار التي جاءت في خصوص تلك الإباحة مثل قولهم – عليهم السلام – في المستفيض خذ مال الناصب أينما وقعت وادفع لنا الخمس. وأمثاله. والتحقيق في ذلك كله حل أموالهم ودمائهم في زمن الغيبة دون سبيهم حيث لم تكن ثمة تقية وأن كل ما جاء عنهم عليهم السلام بالأمر بالكف فسبيله التقية منهم أو خوفاً على شيعتهم والخميني يُجَوِّزُ الاستيلاء على أموال أهل السنة ولو كانت بطريقة غير شرعية، في حين أنه يمنع ذلك من أموال أهل الذمة فيقول: يجب الخمس في سبعة أشياء: الأول: ما يغنم قهراً لا سرقه وغيلةً – إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه – من أهل الحرب الذي تستحل دماؤهم وأموالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام عليه السلام من غير فرق ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصح. وأما ما اغتنم بالغزو من غير إذنه فإن كان في حال الحصور والتمكن من الاستئذان منه فهو من الأنفال، وأما ما كان في حال الغيبة وعدم التمكن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه إذا كان للدعاء إلى الإسلام، وكذا ما اغنمتم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة. وما اغنمتم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة. فلا يحتاج إلى مراعاة مئونة السنة. ولكن الأقوى خلافه، ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصح، نعم يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة، والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق بخمسه، بل الظاهر جواز أخذ ما له أين وجد وبأي نحو كان، ووجوب إخراج خمسه........ ولم تقتصر الشيعة على استباحة الأموال بل تعدي ذلك إلى إباحة إراقة دماء أهل السنة ولو بدون وجه حق. وأنه واجب عند الشيعة ومرتبط بحضور أئمتهم غير أن ذلك لا يمنع إن استطاعوا إليه سبيلاً على أن لا يترتب على ذلك ضرر يحدق بالشيعة وإليك بعض ما روي في هذا الشأن: في آخر رواية إسحاق بن عمار: لولا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل برجل منهم ورجل منكم خير من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى ذلك الإمام عليه السلام وعلق الدرازي عليها قائلاً: وربما يثبت من هذه الرواية أن جواز قتلهم مخصوص بحضورهم صلوات الله عليهم وإذنهم. وقد عرفت أن الأخبار جاءت بالإذن في حال غيبتهم كحال حضورهم فلعل هذا مخصوص بزمن التقية نقله الأخ أبو معاذ محمد مرابط من كتاب ( موقف الشيعة من أهل السنة )
-
[b] أيها الإخوة المسلمون، اتّقوا الله تعالى حق التقوى، واعتصموا بالإسلام فهو العروة الوثقى، واتّقوا عذاب النار؛ فإن أجسامكم على النار لا تقوى. عباد الله، اذكروا أيام الله لعلّكم تذكّرون وتعتبرون، اذكروا أيام الله بنصر أنبيائه وأتباعهم لعلّكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذل أعدائه ومَن والاهم لعلّكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده يوم القيام لعلّكم توقنون.[/b] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد الله الذي أعزَّ أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذله، فنِعم المولى ونِعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المصير، وسلَّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد: أيها الإخوة المسلمون، اتّقوا الله تعالى حق التقوى، واعتصموا بالإسلام فهو العروة الوثقى، واتّقوا عذاب النار؛ فإن أجسامكم على النار لا تقوى . عباد الله، اذكروا أيام الله لعلّكم تذكّرون وتعتبرون، اذكروا أيام الله بنصر أنبيائه وأتباعهم لعلّكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذل أعدائه ومَن والاهم لعلّكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده يوم القيام لعلّكم توقنون . أيها الإخوة المسلمون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة انتصارٌ للحق وذلٌّ للباطل، وأخذٌ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى يوم القيامة؛ لأن كل مؤمن يُسَرُّ بذلك؛ لأن فيه نصر دين الله عزَّ وجل، وفي هذا الشهر - شهر المحرم - كانت نجاة موسى - عليه الصلاة والسلام - وقومه من فرعون وجنوده، لقد أرسله الله تعالى إلى فرعون بالآيات البيّنات والبرهان القاطع على نبوَّته، أرسله إلى فرعون الذي تكبَّر على الملإ وقال: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" [النازعات: 24]، فجاءه موسى بالآيات العظيمة ودعاه إلى توحيد الله تعالى، إلى خالق السماوات والأرض رب العالمين فقال فرعون مكابرًا ومنكرًا وجاحدًا: "وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 23]، أنكرَ الرب العظيم الذي قامت بأمره السماء والأرض، وفي كل شيء له آية تدلّ على وجوده وربوبيّته وعلمه وقدرته وحكمته، وأنه الرب الواحد الذي يجب إفراده بالعبادة كما هو منفردٌ بالخلق والتدبير، فأجابه موسى - عليه الصلاة السلام - قائلاً: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ" [الشعراء: 24]، يعني: هذا رب العالمين وذلك أن في السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيمان واليقين، فردَّ فرعون مقالةَ موسى ساخرًا به ومستهزئًا ومحتقرًا، "قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ" [الشعراء: 25]، يقول هذا سخرية واستهزاءً فأجاب موسى - صلى الله عليه وسلم - مُذكِّرًا لهم أصلهم وأنهم مخلوقون مربوبون وكما خُلقوا فهم صائرون إلى العدم طريقة آبائهم الأولين فقال: "رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ" [الشعراء: 26]، وحينئذٍ بُهت فرعون فلم يستطع أن يُجيب ولكنّه ادَّعى دعوى الكاذب المغبون فقال: "إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ" [الشعراء: 27]، وهكذا يكون رد الخائب الخاسر الذي ليس عنده برهان أن يلجأ إلى الطعن وإلى اللجاج وإلى الغضب، فطعن فرعون بالرسول وبِمَن أرسله فأجابه موسى مُبيِّنًا مَن هو الأحق بوصف الجنون، أهو المؤمن بالله خالق السماوات والأرض ومالك المشرق والمغرب أم هو المنكر لذلك ؟ فقال موسى: "رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" [الشعراء: 28]، ومَنْ الذي يملك المشرق والمغرب ؟ مَن الذي يملك الأفاق سوى الملك الخلاق، فلمّا عجز فرعون عن مقاومة الحق وأفحمه موسى بالحجة والبرهان لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبّرون من الإرهاب والوعيد فتوعَّد موسى بالاعتقال والسجن قائلاً: "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29]، وتأمّل لم يقل: لأسجننك، بل قال: "لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" إشارة إلى أن لديه مساجين كثيرين؛ ليزيد في إرهاب موسى حيث إن له من القوة والسلطان ما مكَّنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حدِّ تهديده، قال: "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29]، ومازال موسى يأتي بالآيات واضحة وضوح النهار وفرعون يحاول بكل جهوده ودعاته أن يقضي عليها بالرد والكتمان حتى قال لموسى عليه الصلاة والسلام: "أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى" [طه: 57-58]، أي: مكانًا مستويًا لا يحجب عن الرؤية فيه وادٍ ولا جبل، فواعدهم موسى موعد الواثق بنصر الله وقال لهم: "مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" [طه: 59]، و"يَوْمُ الزِّينَةِ" هو: يوم العيد،و"أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" أي: في أول النهار؛ حتى لا يبغتهم الليل، فاجتمع الناس وأتى فرعون بكل ما يستطيع من كيد ومكر فقال لهم موسى: "وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" [طه: 61]، فوقعت هذه الكلمة الواحدة الصادرة عن إيمان ويقين بين الناس أشد من السلاح الفتّاك فتنازعوا أمرهم بينهم وتفرّقت كلمتهم وصارت العاقبة لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، وأعلن خصومُه من السحرة إيمانهم به "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ" [الشعراء: 46-48]، وقالوا لفرعون حين توعدهم: "لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى"[طه: 72-73] . ومازال فرعون ينابذ دعوة موسى - صلى الله عليه وسلم - حتى استخفَّ "قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" [الزخرف: 54]، قال الله عزَّ وجل: "فَلَمَّا آَسَفُونَا" - أي: أغضبونا – "انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآَخِرِينَ" [الزخرف: 55-56]، وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى "إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي" [طه: 77]، ليلاً من مِصر فاهتمَّ لذلك فرعون اهتمامًا عظيمًا فأرسل في جميع مدائن مِصر أن يُحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله عزَّ وجل، فاجتمع الناسُ إليه فخرجَ بهم في أثر موسى وقومه ليقضي عليهم حتى أدركهم عند البحر الأحمر، "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" [الشعراء:61]، البحر أمامنا فإن خضناه غرقنا وفرعون وقومه خلفنا وسيأخذوننا، فقال لهم موسى عليه السلام: "كَلا" - أي: لستم مدركين -"إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" [الشعراء: 62]، هكذا الإيقان والإيمان وهكذا الثقة بوعد الله ونصره، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق - بإذن الله - اثني عشر طريقًا، صار هذا الماء السيّال بينها ثابتًا كأطواد الجبال فدخلَ موسى وقومه يمشون بين جبال الماء في طُرق يابسة أَيْبَسها الله تعالى بلحظة آمنين، فلما تكاملوا خارجين وتبعهم فرعون بجنوده داخلين أمرَ الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده حتى غرقوا عن آخرهم(ث1)فلمَّا أدرك فرعون الغرقُ قال: "آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [يونس:90]، ولكن لم ينفعه الإيمانُ حينئذٍ فقيل له توبيخًا "آَلآَنَ" - يعني:آلآنَتؤمن – "وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" [يونس: 91]، قال الله عزَّ وجل: "فَأَخْرَجْنَاهُمْ"- يعني: فرعون وقومه – "مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ" [الدخان: 25-29]، فأورث اللهُ بني إسرائيلأرضَ فرعون وقومه المجرمين؛ لأن بني إسرائيل حينذاك كانوا على الحق سائرين ولِوحْي الله الذي أنزله على موسى متَّبعين، فكانوا وارثين لأرض الله كما وعدَ اللهُ عزَّ وجل، "إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف: 138]، "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ" [الأنبياء: 105-106] . أمّا فرعون فلما كان مرعبًا لبني إسرائيل قال الله عزَّ وجل: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً" [يونس: 93]، فأنجى الله بدنه حتى شاهده بنو إسرائيل طافيًا على الماء فأيقنوا أنه هلك ثم أنه هلكَ فيمن هلكَ وأكلتْهُ الحيتان كما هي العادة، أمَّا ما يوجد في أهرام مِصر اليوم فليس هو فرعون موسى . أيها الناس، إن نجاة نبي الله موسى وقومه من عدو الله فرعون وجنوده لَنِعْمَةٌ كبرى تستوجب الشكر لله عزَّ وجل . فاللهم إنا نشكرك على خذلان أعداء الله وعلى انتصار أولياء الله؛ ولهذا لـمَّا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجدَ اليهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر - شهر المحرم - فقال: «ما هذا ؟» قالوا: يومٌ صالح نَجّى الله فيه موسى وقومه من عدوهم فصامَه موسى، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فأنا أحقّ بموسى منكم»(1) فصامَه وأمر بصيامه، وسُئل عن فضل صيامه - أي: اليوم العاشر - فقال: «أحتسبُ على الله أن يكفِّر السنة التي قبله»(2) . اللهم وفّقنا لشكر نعمتك وحسن عبادتك وانصر أولياءك على أعدائك يا رب العالمين . اللهم انصر إخوننا المسلمين في كسوفا على أعدائهم النصارى المجرمين، يا ذا الجلال والإكرام . وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهشهادة تُنقذ قائلها يوم يلاقيه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد: فقد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - صامَ يوم عاشوراء وأمر الناس بصيامه ولكنّه أمر أمّته أن تُخالف اليهود: أن «يصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده»(3) وقال: «لئن عشت إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع»(4)؛ يعني: مع العاشر . في سنتنا هذه اليوم العاشر يوم الإثنين والتاسع يوم الأحد، أمّا يوم السبت فإنه اليوم الثامن هكذا دلَّت السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر إذا لم يُرَ هلال الشهر أن يكمّل الشهر الذي قبله ثلاثين يومًا؛ وعلى هذا فليس هناك شك ولا ارتياب في يوم عاشوراء؛ لأن القاعدة الشرعية - ولله الحمد - واضحة: إن رؤي الهلال فعلى حسب الرؤية وإذا لم يُرَ الهلال فإنه يكمّل الشهر السابق ثلاثين يومًا ولم نسمع أنه رؤي هلال هذا الشهر قبل تمام ذي الحجة ثلاثين يومًا؛ وعليه فنكمّل شهر ذي الحجة ثلاثين يومًا ثم يكون دخول شهر المحرم فلا إشكال ولا قلق، وقد كان يلحق بعض الناس بَلْبَلَةٌ في دخول الشهر ولكن الأمر في السنَّة واضح ولله الحمد، ومَن كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فصام يوم السبت والأحد والإثنين أجزأه ذلك؛ لأنه يصدق عليه أنه صام ثلاثة أيام من الشهر وفضل الله واسع، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى . أيها الإخوة، تعلمون ما حلَّ بإخوانكم في إقليم كوسوفا وهم مسلمون من أعدائكم وأعدائهم النصارى الكافرين بالله واليوم الآخر من القتل والتشريد وانتهاك الأعراض؛ ولهذا ينبغي لنا أن ندعو الله لهم في كل مناسبة: أن ندعو الله لهم في السجود وبعد التشهد الأخير وفي آخر الليل وما بين الأذان والإقامة وفي كل حالٍ أو موطنٍ تُرجى فيه إجابة الدعاء . وقد كان من توفيق الله لهذه الحكومة الموفَّقة أن أَمَرَت أن يقنت الناس في صلاة الفجر بالدعاء لهم بالنصر وخذلان أعدائهم؛ وعلى هذا فمن الغد لصلاة الفجر اقنتوا أيها الإخوة، ليَقْنت إمام المسجد بجماعته بعد ركوعه في الركعة الثانية، والقنوت هنا ليس قنوت الوتر؛ أي: ليس يقال فيه: اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره ولكنّه قنوت بالدعاء لإخواننا بالنصر ولأعدائهم بالخذلان، فيكفي مثلاً أن تقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم مجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداءنا الصرب وأَذِقْهم الذل، وفرِّق كلمتهم، وشتِّت شملهم، واهزم جندهم، وانصر إخواننا المسلمين في كوسوفا عليهم، وامنحهم رقابهم وأموالهم يا رب العالمين . وهذا كافٍ في الدعاء كافٍ في القنوت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لـمَّا قنت للنوازل لم يزد على دعاء مناسب قليل؛ حتى لا يملّ الناس ويسأموا من الدعاء . إذاً: فمن الغد - إن شاء الله - يقنت الناس في صلاة الفجر بعد الركوع من الركعة الثانية وذلك امتثالاً لأمر ولاة الأمر؛ لأن مثل هذه الأمور العامة يُقتصر فيها على أمر ولي الأمر العام ولا ينفرد كل واحد بما يرى؛ فإن كل واحد منّا ليس له الولاية على جميع الشعب ولا على المسلمين عمومًا وإنما الولاية لشخص واحد هو الذي يأمر أو لا يأمر بالقنوت، فلمَّا أمر بالقنوت صار القنوت مستحبًّا لوجوه: الأول: أنه أمرٌ من ولاة أمورنا ليس فيه معصية لله عزَّ وجل، وأمر ولي الأمر إذا لم يكن فيه معصية كان امتثاله من طاعة الله عزَّ وجل . ثانيًا: أن فيه دعاءً لإخواننا المسلمين أن ينصرهم الله على عدوهم . ثالثًا: أن فيه دعاءً على أعدائنا وأعدائهم من النصارى المعتدين المجرمين . رابعًا: أن فيه إيقاظًا للهمم؛ لأن هذا أمرٌ ليس بمعتاد، فإذا فعله الناس قالوا ما هذا واستيقظت هممهم وصار في ذلك دفع للمسلمين في نصرة إخوانهم . وكذلك جاء من ولي الأمر أن نجمع لهؤلاء اللاجئين من أموالنا ما يكون لهم عونًا في محنتهم التي نزلت بهم لحكمة الله وقدره، وسنقرأ - إن شاء الله - الكتاب الذي وردنا في هذا الأسبوع بعد صلاة الجمعة وسيكون على أبواب المساجد إخوانٌ يجمعون التبرعات، فتبرّعوا بما يتيسّر بالريال، والخمسة، والعشرة، والخمسين، والمائة، والمائتين، والخمسمائة، والأكثر من ذلك ولو بِشيْكات على أرصدتكم في محلّها؛ فإن فضل الله واسع، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: «اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة»(5)، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا تصدّق بما يعادل التمرة من كسب طيِّب ولا يقبل الله تعالى إلا الطيب فإن الله تعالى «يأخذها بيمينه ويربِّيها حتى تكون مثل الجبل»(6) . أَخْلِصوا لله تعالى بالإنفاق في سبيل الله يثبكم الله، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والإنسان إذا تصدّق يريد بذلك وجه الله وقعت موقعها حتى وإن لم تصبه في الواقع وذلك لِـمَا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - «أن رجلاً خرج ذات يوم بصدقة - أو ذات ليلة - فتصدّق بها فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على غني، فقال: الحمد الله، على غني،ثم إنه تصدق في الليلة الثانية على سارق فجعل الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله، ثم تصدّق في الليلة الثالثة فوقعت الصدقة في يد بغي - أي: في يد زانية - فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على بغي، فقال: الحمد لله على غني وعلى سارق وعلى بغيثم قيل له: أمَّا صدقتك فقد قُبلت»(7)، فلعلَّ الغني يقتدي فيتصدق ولعلَّ السارق يكتفي فلا يسرق ولعلَّ الزانية تتعفَّف بما جاءها من المال عن الزنى . فالمهم أن النيَّة الخالصة تبلغ مبلغها مهما كان الأمر . اللهم إنا نسألك الإخلاص لك في عبادتك، ونسألك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ونسألك اللهم أن تجعلنا مِمَّن يتعاونون على البر والتقوى . أيها الإخوة، اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة - يعني: في الدين - بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يحصل لكم فوائد منها: امتثال أمر الله عزَّ وجل؛ فإن الله تعالى قال في كتابه العظيم: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56] . ومن ذلك أنكم تُثابون عليها أكثر من العمل؛ فإن مَن صلى عليه مرَّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا . ومنها: أنكم تقضون بعض حق النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عليكم؛ فإن حق نبيكم عليكم أعظم من حق والديكم عليكم . فسمعًا لأمر الله واحتسابًا لثواب الله وقضاءً لبعض حقوق الله . نسألك اللهم أن تصلي وتسلم على نبيك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيِّك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين . اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين . "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10] . عباد الله، إن الله تعالى أمركم أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، فقال الله تبارك وتعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" [البقرة: 186]، وقال الله تبارك وتعالى:"ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً" [الأعراف: 55]، وقال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:60] . وما من داعٍ لله تعالى بإخلاص إلا حصل له أحد فوائد ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته، وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدّخر ذلك له عنده يوم القيامة . أَلِحّوا على الله تعالى بالدعاء أن يغيثكم؛ فإن الله قريب مجيب . اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين،اللهم أسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، غدقًا مجلّلاً، عامًّا نافعًا غير ضار . اللهم أسقنا غيثًا تُحيي به البلاد وترحم به العباد وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"[الأعراف: 23] . اللهم إننا نعترف بالإساءة والتقصير، ونؤمن بأنك أنت الحي القيوم أهل التقوى وأهلالمغفرة، اللهم فاغفر لنا، اللهم فاغفر لنا، اللهم فاغفر لنا، "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الأعراف: 23] . اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا . اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
-
بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ][مفاتيح الخير والشر .. محمد المنجد.. خطبة]00000]مفاتيح الخير والشر الشيخ محمد صالح المنجد عناصر الخطبة: 1. مفاتيح الخير ومفاتيح الشر. 2. أمثلة لمفاتيح الشر. 3. ضعف المسلمين. 4. كثرة أبواب الخير. 5. نعيم الجنة. 6. الجنة محفوفة بالمكاره والنار بالشهوات. الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. مفاتيح الخير ومفاتيح الشر عباد الله:((إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه))[رواه ابن ماجه237 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2223] هنيئاً لمن كان يعمل في فتح أبواب الخير، وإرشاد الناس إليها، ودلهم عليها، وتشجيعهم إليها، وإعانتهم على ذلك، وويل لمن كان قدوة في الشر، يهيئ له، ويدل عليه، ويسهل طريقه. عباد الله: لقد كان في هذه البشرية أوائل، أول من سن القتل ولد آدم، فعليه إثم جريمته، وإثم مثل آثام من عمل بذلك إلى يوم الدين، كان أول الأنبياء في البشرية آدم، وأول الرسل نوح، كما كان في الصديقين أوائل، وأول من أمر بكتابة المصاحف أبو بكر، وأول من جمع الناس على التراويح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تركها خشية أن تفرض على الناس؛ عمر بن الخطاب، لما انشغل المسلمون بقتال المرتدين في عهد أبي بكر، ثم بالفتوحات في خلافة عمر حتى صار الوقت مهيأً أن يعيد جمع الناس عليها، وهو أول من مصَّر الأمصار، وأمر أن تبنى للمسلمين مدن حتى لا يختلطوا، ويذوبوا في ثقافات الفرس والروم، فجعل لهم البصرة والكوفة، ونحو ذلك من المدن التي أقيمت في البلاد المفتوحة، وهو أول من دون الدواوين، وأول من عس بالمدينة، وعثمان رضي الله عنه أول من جمع القرآن في مصحف واحد، وعمر بن عبد العزيز أول من أمر بجمع السنة النبوية، ومالك والبخاري أول من ألف في الصحيح، والشافعي في أصول الفقه.. وهكذا، حتى في الأخلاق، أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام. أمثلة لمفاتيح الشر بينما نجد مثلاً أن إبليس أول من فتح باب العصيان والتمرد، وكذلك مشركو قوم نوح أول من أدخل عبادة الأصنام على البشرية، وهكذا تجد بولس اليهودي الذي غير في دين المسيحية، وأدخل عليهم عقيدة الصلب المزعومة المفتراة، وحرف في النصرانية، وعمرو بن لحي الخزاعي أول من غير دين إبراهيم في جزيرة العرب، وجلب إليها الأصنام من الخارج، رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر أمعاءه في النار. وكان في البشرية في العصر المتأخر من نادى بعبادة الشيطان، وألف في ذلك الكتب. ونجد في الانحرافات أول من خرج عن السنة الخوارج، والقدرية، والجهمية، والمعتزلة، وهكذا العبيديون الذي أقاموا الاحتفالات البدعية، وعظموا المشاهد والأضرحة تعظيماً شركياً، وأول من أظهر سب الشيخين، والطعن في أبي بكر وعمر؛ عبد الله بن سبأ، وهكذا ابن أبي دؤاد في القول بخلق القرآن، ومفاتيح للشر وأوائل في تغيير الشريعة كما حصل من أتان الترك الذي حولها من الإسلام إلى العلمنة. عباد الله: ((لا تقتل نفس إلا ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها))، لماذ؟((لأنه أول من سن القتل)) [رواه البخاري3336 ومسلم1677]، وعندما ننظر في قوم لوط نجد عجباً قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} (سورة الأعرا 0) ما كانت البشرية تعرف هذا الشذوذ، ولا هذه الفاحشة قبل قوم لوط، {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} (سورة الأعرا 1) ففتحوا على البشرية باب الشذوذ هذا، ونشروا الفاحشة بفعلهم، فعليهم مثل أوزار الشذاذ هؤلاء إلى يوم الدين، ولم يقبلوا بوجود أطهار في البلد، وقالوا عن لوط ومن معه: {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ }(سورة الأعرا 2) لماذا؟ ما هي جريمتهم؟ {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (سورة الأعرا 2) لا يتعايش أهل الفساد مع أهل الصلاح، لا يتحملونهم، لا يريدونهم، {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ }(سورة الأعرا 2) لماذا؟ {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (سورة الأعرا 2). عباد الله: في مسابقة في بلد أوروبي رفض ولد من المشاركين لأن اسمه إسلام، وهكذا تستبعد محجبات، وهكذا لماذا؟ {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}(سورة الأعرا 2)، لمجرد الاسم أحياناً لا يطيق الأعداء ذلك، لا يطيقون ذلك. عباد الله: هناك أول من أخرج فيلماً إباحياً، وأول من أنشأ موقعاً على الشبكة لهذه المحرمات والقاذورات، وأول وأول، وكل من فتح باباً للشر، أو بدأ شراً فعليه بالإضافة إلى وزره مثل أوزار من اتبعه، وهكذا كل من يعمل شيئاً فيه إفساد في المجتمع، أول من دعت للتبرج والسفور، وألقت الحجاب، وأحرقته، وداسته تحت الأرجل، وهكذا الذين يقيمون منشآت المحرمات. عباد الله: لا بد أن يكون لنا أولوية في الخير لنجتنب الضلالات والبدع:((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه))[رواه مسلم 2674] وقال تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (سورة العنكبوت13) والشرك أعظم منكر، وكذلك البدعة طريق الشيطان، فالبدعة أحب له من الزنا والفاحشة؛ لإفسادها للدين أكثر. عباد الله: عد بعض الدعاة في بلده ستة آلاف قرية، في كل قرية قبر ضريح يعبد من دون الله، وتصرف له أنواع العبادة من دون الله، يا فلان مدد، يا فلان اشف مريضي، يا فلان اقض حاجتي، يا فلان توسط لنا عند الله، الله عز وجل ليس عنده حجّاب، الله عز وجل لا تحول بينه وبين عباده أسباب، السماء مفتوحة، والأبواب مشرعة للتوبة، للدعاء، للطلب من الله سبحانه وتعالى. أيها المسلمون: كم انتشر في أهل الإسلام من هذه المنكرات العظيمة المخالفة للتوحيد؟ وعندما يتفاءل الوثنيون بالرقم ثمانية، ويقولون: 8/8/2008، وهو اليوم، وتتعمد نساؤهم برمجة الولادة في هذا اليوم، ولو لم يأتها المخاض والطلق فيه؛ تلد ولادة قيصرية، عقيدة فاسدة، ليس في تمييز مثل هذا اليوم على غيره شيء؛ ولذلك جعلوه افتتاحاً لمناسبتهم الكبيرة التي هي قد تكون أكبر مناسبة لتعري النساء على مستوى العالم، تنقلها الشاشات إلى أكثر من مليار من البشر، في هذه الحركات في غاية السوء، يراها فتياتنا وشبابنا، فما عسى أن تقول في لباس الجري، والوثب، والتنس الأرضي، والجمباز، وغيره، عري يعرض عرضاً عظيماً على مستوى العالم، وبعض شبابنا يقلدون هؤلاء الوثنيين، فيزدحمون على عقد قرانهم، وإقامة أعراسهم في هذا اليوم بزعمهم أنه يوم سعد يتفاءل به، فهل هذا من التوحيد؟ ضعف المسلمين عباد الله: ما هذه الهشاشة الموجودة عند كثير من المسلمين لدرجة أن يتقبلوا كل ساقط وكل منكر؟! وعندما يتحول عامل شاورما يكتشفه مخرج إلى بطل مهند في مسلسل يتيه به الشباب والفتيات، والكبار والصغار، ماذا يوجد فيه؟ تطبيع لإقامة العلاقة قبل الزواج، تطبيع للحرام، تطبيع للزنا، وحمل غير مشروع، وإسقاطه، وإجهاضه، وهكذا، كؤوس الخمر تدار، والمشاهد تلتقطها أعين الصغار والكبار لتخزن في الذاكرة، وتتحول من إسقاطات إلى قناعات، وبعد ذلك نقول: من المسئول عن انحراف شبابنا وفتياتنا؟ ولماذا نجد هذا العهر؟ وهذا الفساد؟ وهذا الانتحار؟ وهذا البغي؟ وهذا، وهذا؟ كثرة أبواب الخير ولذلك يجب الآن فتح باب التوعية، وباب التوبة، وباب العودة إلى الله، وأن يقال للناس: هلموا إلى الخير، اتركوا الشر، هذه أبواب الخير مشرعة، يا أخي احفظ سورة، علّم آية، انقل مسألة، اروِ حديثاً، احضر درساً، اسمع شريطاً، اقرأ كتاباً، لخص محاضرة، قدم نصيحة، انشر دعوة، اكتب مقالاً، صمم للحق موقعاً، صحح خطأ، رافق ناصحاً، انفق مالاً في الخير، اغث لهفاناً، اهد حيراناً، استقبل تائباً، أد صلاة، أد عمرة، الق خطبة، قدم في الحق رأياً، قاوم بدعة، أنكر منكراً، أطعم مسكيناً، اتبع جنازة، اكس عارياً، زر مريضاً، ابن مسجداً، أصلح طريقاً، انصر مظلوماً، خطط في الخير مشروعاً، اجمع صدقة، أكبت عدواً، اكشف منافقاً، ادع كافراً، أشبع جائعاً، استفت عالماً، اقترح في الحق فكرة، وهكذا في الخير قدم برنامجاً، وراسل جريدة، وهكذا في الأشياء الاجتماعية أنقذ عانساً، وزوج خيراً. عباد الله: ما أكثر أبواب الخير،((من قتل وزغةً في أول ضربة كتبت له مائة حسنة))[رواه مسلم2240] فما بالك بمن يمشي إلى المساجد، وينتظر الصلاة بعد الصلاة، ما بالك بالذي ينشر العلم، ويدعو إلى الله، ما بالك بالذي يعلم الناس التوحيد، ما بالك بالذي ينشر الحق، ما بالك بالذي ينصح الشباب، ما بالك بالذي يدعو إلى صلة الرحم. متى آخر مرة قبلت رأس أبيك يا عبد الله؟ هل فكرت أن تكون عند قدم الوالدة؟ أم يقال: أنا ما زرت خالي، أو ولد كذا ابن عم قريب لم أزره منذ سنوات، لماذا؟ يقول: صار موقف بيننا، وتخزن الأحقاد، وتنقل إلى الأجيال التالية، لماذا قطيعة الرحم هذه؟ لماذا يا عباد الله ينتشر فينا من الأدواء ما ينتشر؟ الصلح بين الناس أعظم من صلاة النافلة، وصيام النافلة، وصدقة النافلة، حتى لو نقلت على لسان أحد الطرفين إلى الطرف الآخر كلاماً طيباً لم يقله ليس كذباً، ولا تأثم على ذلك؛ لأنه من الإصلاح بين الناس، وإفساد العلاقات يحلق الدين، كم من اليوم علاقات فاسدة؟ كم من اليوم علاقات مقطعة؟ ماذا فعلنا من أجل وصل العلاقات؟ ماذا فعلنا من أجل الإصلاح بين الناس؟ الفلوس غيرت النفوس، ماذا فعلنا من أجل إصلاح بين شركاء متخاصمين، وورثة متقاطعين، ورثة قضاياهم في المحاكم، عجت المحاكم، وضج القضاة من كثرة المشكلات، لماذا لا يعطى الحق لصاحبه، كل واحد يجحد الآخر، وكل واحد يريد أن يستولي على نصيب أكبر من التركة، وعلى نصيب أكبر من الشركة، لماذا تجحد الأشياء، والاتفاقيات، بعضها لفظي لكن انعقد البيع، العقد انعقد بأي كلام يدل عليه، ما عندك شهود اشتكِ، أخرنا الإيجار اشتكِ، لماذا تجحد الحقوق؟ اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوالنا، وأن تهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن تجعلنا للمتقين إماماً، هيئ لنا من أمرنا رشداً، أصلح أحوالنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، الحمد لله الذي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق والنور والقرآن، وخاتم النبوة بين كتفيه ليكون خاتماً للأنبياء، وليكون كتابه مهيمناً على ما سبق من الكتب، أشهد أنه رسول الله حقاً، الداعي إلى سبيله صدقاً، اللهم صل وسلم، وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى ذريته الميامين، وخلفائه، وزوجاته، اللهم صل وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، اللهم اجعلنا من أتباعه ومن حملة سنته، والذابين عن شريعته، واحشرنا معه، واجعلنا من أهل شفاعته، أوردنا حوضه يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجمع بيننا وبين نبينا في جنات النعيم. نعيم الجنة عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، وجعل لهم يوم القيامة دار ثواب، ودار عقاب، من أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، وبين لنا ما هي المحرمات لنجتنبها، وأباح لنا الأصل الإباحة، ووسع علينا سبحانه وتعالى. ولو تأملت في دار الكرامة يا عبد الله، بارق نهر بباب الجنة، وعند باب الجنة نهر يلقى فيه من كان محترقاً في النار من عصاة الموحدين بعد العذاب، فينبتون مرة أخرى ليدخلوا الجنة على أحسن صورة، عندما يدخل الواحد الجنة فإنه يستدل على بيته فيها بالرغم من طبقاتها، ودرجاتها، واتساعها، وكثرة بنيانها، وأشجارها، وجناتها، والناس الذين فيها تهتدي إلى بيتك في الجنة إذا دخلتها أكثر مما تعرف بيتك في الدنيا يا عبد الله، الله يدلك عليه، في الجنة عجب، قوارير من فضة، القارورة الزجاج، ومن المعروف أن الزجاج شفاف لكن ما رأينا زجاج من فضة، يعني: فضة وشفافة، {قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ} (سورة الإنسان16) يعني: تجمع بين كونها فضة وبين شفافية الزجاج ما رأينا؟ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} (سورة الإنسان6) وحيث ما يشير ينفجر الينبوع وتنفجر العين، عين تسيل سيلاناً، وشيء مسكه وخلطه من هذا الزنجبيل، وهذا المسك المختوم، طعم الزنجبيل على طعم المسك، عندما ترى يا عبد الله أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، أعطوني أكبر لؤلؤة في العالم، كم مقاسها، كم حجمها؟ في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون، في كل زاوية من هذه الخيمة أهل لا يراهم الآخرون، هل رأيت فيها الطلح المنضود المنظم المرتب؟ ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب، هذه الجنة التي يرى فيها الأعلى منه كما نرى نحن النجم في السماء، هذه الجنة فيها غرفات: {غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ} (سورة الزمر20) ، هذه الجنة فيها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، هذه الجنة إذا تمنى فيها الواحد الطير الذي يطير من السماء خر بين يديه مشوياً، هذه الجنة التي تخرج ثياب أهلها من أغصان أشجارها، هذه الجنة التي فيها شجرة طوبى لو سار الراكب المضمر الجواد حولها مائة عام ما قطعها. ظل الدنيا ينحسر، هذا هو أمامكم ينحسر، لكن ظل الجنة لا ينحسر: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (سورة الواقعة30) لا يوجد له انحسار، الجنة هذه فيها أيام، فيها سبت، وأحد، واثنين، وثلاثاء، وجمعة، وفيها سوق الجمعة لكن ما فيها شمس، {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} (سورة الإنسان13) {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (سورة الواقعة30) وما فيها شمس، وفيها أيام أسبوع، وفيها سوق الجمعة يلتقي فيها أهل الجنة بمثل هذا اليوم. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم لا تحرمنا جنتك بذنوبنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نعوذ بك من النار. الجنة محفوفة بالمكاره والنار بالشهوات عباد الله: ذكر الله الجنة، وذكر النار، حتى تشتاق النفوس إلى الجنة فتعمل، وتخاف من النار، فتحجب عن المعاصي، لما خلق الله الجنة أمر جبريل أن ينظر إليها وسأله، فقال جبريل: ما أظن أن أحداً لا يدخلها، والنار ما ظننت أحداً سيدخلها، فأمر أن تحف الجنة بالمكاره: تقوم لصلاة الفجر في البرد، تخرج النفقة الواجبة، والمال الواجب عليك، وتجاهد نفسك فيه، فإخراج المال صعب، يقول خبراء البنوك الإسلامية: إنه لا يخرج من زكاة الأموال التي في مصارف الخليج إلا عشرة في المائة فقط، وزكاة أموال العرب في بنوك أوروبا وأمريكا سبعة وخمسون مليار دولار، يقول المحاسب: كم عليَّ؟ كذا كذا، هذه زكاة، هذا ركن من أركان الإسلام، ويقولون: نحتاج السيولة، وإدارة السيولة أصعب شيء في الإدارات المالية، لكن السيولة هذه العزيزة على نفسك عندما تخرج لله طيبة بها نفسك كم أجرها يكون عند الله، غير النفقات الواجبة عليك للأهل، والأولاد، والوالدين المحتاجين طبعاً. عباد الله: لما حفت الجنة بالمكاره؛ عرفنا أنه لا يوجد طريق للجنة إلا باقتحام المكاره؛ لأنها حفت بذلك، كما قال العلماء: حفت: من جميع الجهات، ليس لك طريق إلى الجنة إلا باقتحام المكاره، لا بد أن تتعب، ودخول الجنة بدون تعب لا يمكن، وحفت النار بالشهوات، لا طريق للنار إلا بالشهوات، كم من الناس الآن عبيد للشهوات في مواقع، وصور، وأفلام، وقنوات، وأماكن دعارة، وفسق، وربما سافروا إليها، وأقاموا العلاقات، والاتصالات، تسخر التقنية الحديثة لخدمة الحرام، حفت النار بالشهوات، وربنا فتح علينا أبواب الحلال، فمثلاً أباح جميع أنواع العصائر إلا الخمر، ولكن الناس يقعون في المسكر، وكذلك أباح الزواج، وملك اليمين، وأربع زوجات، وبعض الناس يصر أن يقع في الخبيث مثل الذباب لا يقع إلا على الخبيث. النار فيها سلاسل، وأغلال، وضرب، فالملائكة تضرب بمقامع من حديد، مطارق من حديد، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} (سورة النساء56) يحسون بالعذاب، يتضاعف حجم الكافر والفاجر في النار حتى يصير عضده مثل الجبل، فالجلد سميك ليذوق العذاب، حجم الكافر في النار ضخم جداً، وإذا كان العضد مثل الجبل، فكيف يكون حجمه؟ ولماذا تتضاعف حجوم الكفار والفجار في النار؟ ليذوقوا العذاب. نسأل الله أن يقينا شرها وحرها وعذابها إنه هو السميع العليم، اللهم منَّ علينا بوقايتنا من عذاب السموم، اللهم اجعل بيننا وبين النار برزخاً، وحجراً محجوراً، نعوذ بك من النار، أجرنا من النار، أجرنا من النار، أجرنا من النار يا غفار. اللهم إنا نسألك الجنة، ونسألك الفردوس الأعلى، ونسألك الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، اللهم من أراد الإخلال بأمن هذه البلاد فأذقه العذاب في الدنيا قبل الآخرة، اللهم من أراد بلدك هذا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم من أراد أمننا وإيماننا بسوء اللهم إنا نسألك أن تحول بينه وبين ما أراد، وأن ترده على عقبيه خاسراً يا رب العالمين، انصر الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وأقم لواء السنة في العالمين، اللهم انصر أهل الحق وافتح لهم المغاليق وقلوب الخلق إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، بارك لنا في أموالنا، أغننا ولا تطغنا، اقض ديوننا، واستر عيوبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، واجمع على الحق شملنا يا ربنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
-
عن جابر في صحيح مسلم أيضاً قال: عن جابر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ).الفواشي كل منتشر من المال. الإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها. وقال صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير: وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية، بل تمسك عن التصرفات ما دام ظاهراً في العالم السفلي، فإذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس ، فتندفع دفعة رجل واحد ، فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا، فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك .أ هـ قد يتساءل احدنا، ما الذي يحدث بالضبط في فترة إقبال الظلام وإدبار النهار والنور؟ إن الذي يحصل هنا أن الشياطين مع إقبال الظلام تبدأ تنتشر تبحث عن مأوى لها لأنها تنتشر انتشارا هائلا بأعداد لا يحصيها إلاّ الله وهنا يخاف بعضهم من فتك بعض وبالتالي لابد لها من شيء تأوي إليه وتأمن فيه فتنطلق بسرعة هائلة جدا تفوق سرعة بني آدم أضعافا مضاعفة، فمنهم من يأوي إلى إناء فارغ ومنهم من يأوي إلى بيت انسي ومنهم من يأوي إلى جماعة من الإنس جالسين وهم بالطبع لا يشعرون به فينطرح بينهم ليأمن من فتك إخوانه الشياطين الذين هم الآن كالريح يجولون الأرض والبقاء للأقوى، وطبيعة الشياطين أنها ترغب المكوث في النجاسات فتجدها تفضل أماكن قضاء الحاجة وتجدها تأوي إلى أماكن القمامة وقد تصاد وهي تبحث عن المأوى (طفلا) إنسيا فتأوي إليه وقد تتلبسه وتخرج وقد تمكث به بعض الوقت فتجد الطفل متغير المزاج وقد يطيل البكاء الشديد دون أن يعلم والداه سبب ذلك وقد يعنفانه، وقد نسوا وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحفظ الصبيان وقت انتشار الشياطين، وهنا يأتي دور (الحفاظات) فكما أسلفنا أن الشياطين ترغب النجاسات فتجد في حفاظة الطفل نجاسة فيكون ذلك مشجعا لها على المكوث والإيواء، فنجد بعض الأطفال يصرخ فجأة وبعضهم يتململ في نومه بسبب إيذاء الشيطان الذي اتخذ منه مأوى له. إن سرعة الجن هنا وهي تبحث عن المأوى والمسكن والمأمن قد تطول حتى كبار الإنس لكن لأن الغالب في كبار الإنس التحصن نص النبي الكريم على الصبيان الذي هم بحاجة الى التحصين من قبل الولدين وحمايتهم ووقايتهم بعدم تركهم يخرجون وقت انتشار الشياطين وهم الأبرياء الذين لا يستطيعون تحصين أنفسهم، تأتي الشياطين مسرعة تبحث عن المأوى وقد تصطدم بجسم آدمي كبيرا أو صغيرا وقد تتلبس به فتجد البعض من الناس فجأة أصابته كآبة أو خوف مفاجئ وهكذا وهو بسبب تلك الشياطين. لذلك حصنوا انفسكم واولادكم بأذكار الصباح والمساء، احرصوا على المحافظة عليها.
-
بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: هل ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في تحريك الأصبع في التشهد والإشارة به أنه أشد على الشيطان من وقع الحديد؟ الجواب نعم ورد هذا ولكنني لا يحضرني الآن الحكم على سنده بصحة ولا ضعف إنما لاشك أن تحريك الأصبع في الصلاة في الجلوس بين السجدتين وفي التشهدين الأول والثاني أنه من الأمور المشروعة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ: فإن الله منزه عن كل عيب ونقص، فهو الموصوف بكمال العدل، ومن تمام عدله أنه لا يظلم الناس شيئاً، والله لم ينزل أي عقوبة بالناس إلا بسبب فعلوه، وجُرمٍ اقترفوه، قال-تعالى-:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}سورة الشورى(30). وقال-تعالى-:{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} سورة النساء (79).وما تحل من عقوبة بالخلق إلا لحكم يعلمها الله،من أن تكون هذه العقوبة سبباً في عودة من كان شارداً بعيداً عن الله، وليزداد الطائع القريب منه قرباً وأجراً وثواباً؛ فمن أسباب هذه العقوبات التي ينزلها الله بالناس ما يلي: 1. استضعاف العباد وظلمهم؛ قال-تعالى-: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} الكهف(59). وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ما من ذنبٍ أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)1. وقال-صلى الله عليه وسلم-إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)2. وهذه العقوبة تنزل بمن أراد الله حالاً، وقد يؤخر الله عقوبة الظلم إلى أجل يعلمه الله؛ فعن أبي موسى-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته) قال: ثم قرأ: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} سورة هود(102)3. 2. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التقصير في القيام به، قال الله:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة الأنفال(25).فإذ فشت المنكرات،وقصر الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؛ عمَّ اللهُ الجميعَ بالعُقُوبةِ؛ فعن زينب بنت جَحْشٍ أنه دخل النبي-صلى الله عليه وسلم- عليها فَزِعًا يقولُ: (لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه). وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحشٍ: فقلت: يا رسول الله, أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث)(4). فإذا أصبحت المعصية في المجتمع ظاهرة ومألوفة، ولم ينكرها الناس فحينها تعمُّ العقوبةُ الجميعَ، ثم يُبعثون على نيَّاتهم؛ لقولِهِ-عليه الصلاة والسلام-والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر,أو ليوشكن اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه,ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم)5. وعن عبد الله بن عمر, قال: أقبل علينا رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-, فقال: (يا معشر المهاجرين, خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)6. ولكن ينبغي أن يُعلم أن العقاب الدنيوي الذي ينزل بالجميع لا يعني اشتراك الجميع في العذاب في الآخرة، بل كلٌّ يُحاسب عن عمله؛ فعن أم سلمة مرفوعاً: (إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم اللهُ -عز وجل- بعذاب من عنده). فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذٍ أناسٌ صالحون؟ قال: (بلى؟).قالت: فكيف يصنع أولئك؟ قال: (يصيبهم ما أصاب الناس,ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان)7. قال القرطبي -رحمه الله-:فإن قيل: فكيف يعُم بالهلاك مع أن فيهم مؤمناً ليس بظالم, قيل: يجعل هلاك الظالم انتقاماً وجزاءاً, وهلاك المؤمن معوضاً بثواب الآخرة؛ وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر, قال سمعتُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, يقول: (إذا أراد اللهُ بقومٍ عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم)8. 4. العتو والكبر والغرور؛ قال-تعالى-: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} سورة النجم(50-52). قال الإمام أبو جعفر الطبري-رحمه الله-:يقول- تعالى- ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم، وأعظم كفراً بربهم، وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم9. وقال:{أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سورة الروم(9). قال ابن كثير -رحمه الله-: كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم.. وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم10. 5. كفران النعم، قال-تعالى-:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم(7). يقول الطبري في بيان معنى الآية:ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله فجحدتموها بترك شكره عليها وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيه إن عذابي لشديد، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي11.وقد قص الله علينا في كتابه مصارع الأمم التي كفرت بنعم الله؛ فقال- تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} سورة النحل(112). قال المناوي-رحمه الله-: ما زال شيء عن قوم أشد من نعمة لا يستطيعون ردها، وإنما ثبتت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم، وفي الحِكم: من لم يشكر النعمة فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقاله12.وقال الله: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} سورة الأنفال(53). قال الطبري -رحمه الله-: يقول- تعالى ذكره-: إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضاً واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره13. وأسباب العقوبات كثيرة، ولكن حسبنا التذكير بنعم الله، وما يجب علينا نحوها، والتحذير من أسباب العقوبات، والتنفير منها، والله نسأل الله أن يحفظنا من كل سوء ومكروه. المصادر 1 - رواه الترمذي وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(4098). وصحيح ابن ماجة رقم(4211). 2 - رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وهو في السلسلة الصحيحة برقم(1564). 3 - رواه البخاري. 4 - رواه البخاري ومسلم. 5 - رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن ورواه أحمد، وصححه الألباني 6 - رواه ابن ماجه، وصححه الألباني رقم (3246). 7 - رواه أحمد، وحسنه الألباني في 8 - الجامع لأحكام القرآن (10/120). 9 - جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (27/78). 10 - تفسير القرآن العظيم (3/428). 11 -جامع البيان في تأويل القرآن للطبري(13/186). 12 - فيض القدير (3/41). 13- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (13/121).
-
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الصدقة ... أنواعها .. فوائدها في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى } ففي هذا الحديث أنه جعل الصدقة الكلمات الأربع . والأمر والنهي وركعتا الضحى كافيتان أنواع الصدقات * الكلمة الطيبة * عون الرجل أخاه على الشيء * الشربة من الماء يسقيها * إماطة الأذى عن الطريق * الإنفاق على الأهل وهو يحتسبها * كل قرض صدقة، القرض يجري مجرى شطر الصدقة * المنفق على الخيل في سبيل الله * ما أطعم زوجته، ما أطعم ولده * تسليمه على من لقيه * التهليلة، التكبيرة، التحميدة، التسبيحة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر * * التبسم في وجه أخيه المسلم * إرشاد الرجل في أرض الضلال إذا تاه رجل وضل الطريق * ما أطعم خادمه، ما أطعم نفسه * إفراغه من دلوه في دلو أخيه * الضيافة فوق ثلاثة أيام * إعانة ذي الحاجة الملهوف * الإمساك عن الشر * قول: أستغفر الله * هداية الأعمى، إسماع الأصم والأبكم حتى يفقه، * ما أعطيته امرأتك * الزرع الذي يأكل منه الطير أو الإنسان أو الدابة * ما سرق منه فهو صدقة * وما أكله السبع فهو صدقة * إنظار المعسر بكل يومٍ له صدقة فــضــائــل وفــوائــد الصــدقــة أولاً: أنها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله : { إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى } صحيح الترغيب. ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله : { والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار } صحيح الترغيب. عَنْ كَعبِ بْنِ عُجرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يَا كَعْبُ بْنِ عجرةَ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ وَلاَ دَمٌ نَبَتَا عَلَى سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلى بِهِ ، يَا كَعْبُ بن عَجرةَ النَّاسُ غَادِيَانِ ، فَغَادٍ في فَكَاكِ نَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا ، وَغَادٍ فَمُوثِقُهَا ، يَا كَعْبُ بن عجرةَ ، الصَّلاةُ قُرْبَانٌ ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلى الصَّفَا " . أخرجه ابن حبان في صحيحه ثالثاً: أنها وقاية من النار كما في قوله : { فاتقوا النار، ولو بشق تمرة}. رابعاً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: { كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس }. قال يزيد: ( فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة )، قد ذكر النبي أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } في الصحيحين . خامساً: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله : { داووا مرضاكم بالصدقة }. يقول ابن شقيق: ( سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ ) صحيح الترغيب سادساً: إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله لمن شكى إليه قسوة قلبه: { إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم } رواه أحمد سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) [صحيح الجامع] يقول ابن القيم في الوابل الصيب فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه. ثامناً: أن العبد إنما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران:92 تاسعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً } في الصحيحين عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: { ما نقصت صدقة من مال } في صحيح مسلم الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [البقرة{2}. ولما سأل النبي عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: {بقي كلها غير كتفها } في صحيح مسلم الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيم}ٌ [الحديد ] وقوله سبحانه: { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاًكَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} البقرة(5) الثالث عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: { من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان } قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: { نعم وأرجو أن تكون منهم } في الصحيحين الرابع عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام وإتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: { من أصبح منكم اليوم صائماً؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ } قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : { ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة } رواه مسلم الخامس عشر: أن فيها انشراح الصدر، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }الحشر:9 ....استغفر الله العظيم لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات ....
-
هل القلب في العقل أم في الدماغ, وكيفية حل مشكلة عملية زرع القلوب- للشيخ العبيكان هل القلب في العقل أم في الدماغ, وكيفية حل مشكلة عملية زرع القلوب الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد : فقد استشكل بعض الناس ما يحصل في هذا الزمن من تغيير بعض أعضاء الجسم وزرع أعضاء أخرى ومن ذلك تغيير قلب إنسان بقلب إنسان آخر وقد يكون القلب المزروع قلب كافر وقد يبدل القلب بقلب صناعي فكيف يكون عقل الإنسان في قلبه ولا يتأثر بتغييره بقلب آخر والله عزوجل قال في محكم التنزيل : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) [ سورة الحج، الآية: 46] , وقد شاهدت برنامج بالقناة الأولى عرض فيه طبيب القلب المعروف الدكتور خالد الجبير هذا الإشكال ونوقش هذا الموضوع وجرى الاتصال بفضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله – فأجابهم بأن العقل في القلب واستدل –رحمه الله- بالآية المذكورة ولكنه لم يحل الإشكال, ثم إنه ولله الحمد ظهر لي بعد تأمل أن ليس هناك إشكال ولا تعارض سواء قلنا إن العقل في القلب أو الدماغ , لأن أعضاء الجسم لا تتحرك ولا تعمل أي عمل إلا بوجود الروح التي تحرك هذه الأعضاء , فلا يمكن للقلب أن يعقل إلا بوجود الروح فهي الأصل وهي التي تجعله يعقل أو لا يعقل , فهو مجرد آله تحركها الروح . إذن فلا عبرة بتغير العضو مثل القلب مادامت الروح موجودة وهي روح هذا الإنسان فهي التي ينسب إليها الفعل حقيقة فتحرك كل عضو لعمل معين , فالرجل للمشي واللسان للنطق والعين للبصر والأذن للسمع إلى غير ذلك , ولا قيمة لهذه الأعضاء بدون وجود الروح , فإذا نقل قلب إنسان إلى آخر أصبح قلب ذلك الإنسان المنقول إليه ولا يمكن أن يقال هذا زيد وقلبه قلب عمرو , ولا يقال هذا رجل قلبه يعقل , بل يقال هذا رجل عاقل وهذا رجل مجنون , فينسب العقل إلى الرجل لا إلى عقله . ثم بعد ذلك أطلعت على كلام لشيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – قد يفهم منه ذلك فنسوقه للقراء الكرام وكذلك ما ذكره أهل العلم في الخلاف في كون العقل في الدماغ أو القلب . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى: "وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَيْنَ مَسْكَنُ الْعَقْلِ فِيهِ ؟ فَالْعَقْلُ قَائِمٌ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تَعْقِلُ وَأَمَّا مِنْ الْبَدَنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : بِمَاذَا نِلْت الْعِلْمَ : قَالَ : " بِلِسَانِ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ " لَكِنَّ لَفْظَ " الْقَلْبِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُضْغَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الشَّكْلِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الْبَدَنِ الَّتِي جَوْفُهَا عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ } . وَقَدْ يُرَادُ بِالْقَلْبِ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا فَإِنَّ قَلْبَ الشَّيْءِ بَاطِنُهُ كَقَلْبِ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزَةِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَلِيبُ قَلِيبًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَهُوَ بَاطِنُهُ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقَلْبِ هَذَا فَالْعَقْلُ مُتَعَلِّقٌ بِدِمَاغِهِ أَيْضًا وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ . كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَيَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : إنَّ أَصْلَ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ فَإِذَا كَمُلَ انْتَهَى إلَى الدِّمَاغِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهَذَا وَمَا يَتَّصِفُ مِنْ الْعَقْلِ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهَذَا لَكِنَّ مَبْدَأَ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّمَاغِ وَمَبْدَأَ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ . وَالْعَقْلُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الِاخْتِيَارِيُّ أَصْلُهُ الْإِرَادَةُ وَأَصْلُ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ وَالْمُرِيدُ لَا يَكُونُ مُرِيدًا إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمُرَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُتَصَوِّرًا فَيَكُونُ مِنْهُ هَذَا وَهَذَا وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِنْ الدِّمَاغِ وَآثَارُهُ صَاعِدَةٌ إلَى الدِّمَاغِ فَمِنْهُ الْمُبْتَدَأُ وَإِلَيْهِ الِانْتِهَاءُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ . وَهَذَا مِقْدَارُ مَا وَسِعَتْهُ هَذِهِ الْأَوْرَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" .اهـ [الفتاوى 9 / 303 ] . وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج11/ص29 في شرحه لحديث ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) قال ((واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة هو في الدماغ وقد يقال في الرأس وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء . قال المازري واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقوله تعالى : (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وبهذا الحديث فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب فعلم أنه ليس محلاً للعقل. واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم. ولا حجة لهم في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال المازري لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكاً والله أعلم)).ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم ج11/ص29 وقال ابن عثيمين – رحمه الله - قال بعض الناس في القلب وقال بعض الناس : في الدماغ، وكل منهم له دليل، الذين قالوا : إنه في القلب قالوا : لأن الله تعالى يقول: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ سورة الحج، الآية: 46]. قال : قلوب يعقلون بها ثم قال: تعمى القلوب التي في الصدور . إذًا العقل في القلب، والقلب في الصدر فكان العقل في القلب. وقال بعضهم : بل العقل في الدماغ لأن الإنسان إذا اختل دماغه اختل تصرفه ولأننا نشاهد في الزمن الأخير نشاهد الرجل يزال قلبه ويزرع له قلب جديد ونجد عقله لا يختلف ، عقله وتفكيره هو الأول. نجد إنسانا يزرع له قلب شخص مجنون لا يحسن يتصرف، ويبقى هذا الذي زرع فيه القلب عاقلا فكيف يكون العقل في القلب؟ إذًا العقل في الدماغ لأنه إذا اختل الدماغ اختل التصرف، اختل العقل. ولكن بعض أهل العلم قال: إن العقل في القلب ولا يمكن أن نحيد عما قال الله - عز وجل - لأن الله تعالى وهو الخالق وهو أعلم بمخلوقه من غيره كما قال تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا » « فسدت فسد الجسد كله » . فالعقل في القلب والقلب في الصدر لكن الدماغ يستقبل ويتصور ثم يرسل هذا التصور إلى القلب، لينظر أوامره ثم ترجع الأوامر من القلب إلى الدماغ ثم ينفذ الدماغ . إذًا الدماغ بمنزلة السكرتير ينظم المعاملات ويرتبها ثم يرسلها إلى القلب، إلى المسؤول الذي فوقه . هذا القلب يوقع، يمضي، أو يرد ثم يدفع المعاملة إلى الدماغ ، والدماغ يأمر الأعصاب وتتمشى، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الموافق للواقع وقد أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتبه، والإمام أحمد أشار إليه إشارة عامة فقال : محل العقل القلب وله اتصال بالدماغ. لكن التفصيل الأول واضح جدا ، الذي يقبل الأشياء ويتصورها ويمحصها هو الدماغ ثم يرسل النتيجة إلى القلب ثم القلب يأمر إما بالتنفيذ وإما بالمنع لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : « إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله » .ا.هـ وفيما ذكرناه كفاية والله أعلم بالصواب وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . أملاه الفقير إلي ربه المنان عبدالمحسن بن ناصر العبيكان وللشيخ صالح آل الشيخ في شرح الأربعين كلاما يشابه هذا, فقول العلماء إن العقل محله القلب لا يريدون "الْمُضْغَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الشَّكْلِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الْبَدَنِ الَّتِي جَوْفُهَا عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ" وممن رجح أن العقل في القلب الشيخ ابن باز والشنقيطي في فتوى له مشهورة منشورة وكذلك الشيخ ألألباني رحمه الله وله شريط ناقش من يقول بخلاف هذا القول وإليكم كلام الشيخ صالح حفظه الله: والقلب -من حيث إدراك المعلومات- هو الذي يدرك، فعند المحققين من أهل العلم، والذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة أن هذا معلق بالقلب، يعني: حصول الإدراكات، وحصول العلوم، والصلاح والفساد والنيات ..إلى آخره، هذا معلق بالقلب. إذا كان كذلك، فما وظيفة الدماغ أو المخ ؟ وظيفته الإمداد ، هذا على قول المحققين من أهل العلم، فاختلفوا في العقل؛ هل هو في القلب أم في الرأس؟ والصحيح أنه في القلب، والعقل ليس جرما؛ وإنما المقصود به إدراك المعقولات، والدماغ وما في الرأس هذه وسيلة تمد القلب بالإدراكات. القلب هل يدرك من جهة كونه مضغة ؟ لا ، يدرك من جهة كونه بيت الروح ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ا.هــ
-
ღღ أنت تسمع الآذان ღღ هل فكرت يوماً وأنت تسمع الآذان بأن جبار السماوات والأرض يدعوك للقائه في الصلاة ღوأنت تتوضأღღ بأنك تستعد لمقابلة ملك الملوك ’’ ღღوأنت تتجه إلى المسجد ’’~ღღ بأنك تجيب دعوة العظيم ذي العرش المجيد ’’~ ღوأنت تكبر تكبيرة الإحرامღღ بأنك ستدخل في مناجاة ربك السميع العليم ღღوأنت تقرأ سورة الفاتحة في الصلاةღღ بأنك في حوار خاص بينك وبين خالقك ذي القوة المتين ღوأنت تؤدي حركات الصلاةღღ بأن هناك الأعداد التي لا يعلمها إلا هو سبـح ـــــآآنــهـ ’’~ من الملائكة راكعون وآخرون ساجدون منذ آلاف السنين حتى أطَّت السماء بهم ,, ღღوأنت تسجدღღ بأن أعظم وأجمل مكان يكون فيه الإنسان هو أن يكون قريباً من ربه الواحد الأحد ღوأنت تسلم في آخر الصلاةღღ بأنك تتحرق شوقاً للقائك القادم مع الرحمن الرحيم ღღإذا أحسست بضيق أو حزن ،,, ردد دائماًღღ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ~’’ نورها سر الغيوب ذكرها يمحو الذنوب
-
حقوق الوالي على الرعية إن لولي الأمر حقوقاً على الرعية، وهذه الحقوق تتمثل في الآتي: أولاً: السمع والطاعة لهم في العسر واليسر، والمنشط والمكره كما في حديث عبادة - رضي الله عنه - في الصحيحين: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، فقال: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان))، وفي الحديث الآخر قال - عليه الصلاة والسلام -: ((سيليكم ولاة بعدي، فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم))، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بطاعة ولاة الأمر في طاعة الله، ولو أمر ولي الأمر بما فيه معصية الله فلا قيمة لأمره؛ لأن قضاء الله أحق وشرط الله أسبق، ((ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)). ثانياً: عدم منازعتهم فيما ولاهم الله من أمور المسلمين، فنفوس العباد مجبولة على التطلع إلى الجاه إلا من رحم الله، فكثير من الناس يطمعون أن يكونوا وزراء، أو رؤساء، أو قادة، أو ولاة وما أشبه ذلك، لكن المسلم العاقل يعتقد أن هذا الوزير أو هذا الوالي أو هذا الرئيس في بلاء ومصيبة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وإنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أمير يتولى أمر عشرة من الناس إلا جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه، فإما أن يفكه عدله، وإما يوبقه جوره))، فلا ننازعهم، وإنما نعتقد أنهم في بلاء، وقد جرت العادة بأن الوزير إذا استُوْزِر، والرئيس إذا رئس فالناس يهنئونه، ولو أنصفوا لعزوه وقالوا له: أحسن الله عزاءك، وجبر الله كسرك؛ لأنه لو مكث في ولايته أو وزارته يوماً ثم انصرف عنها أو مات فسيحاسبه الله - عز وجل - على الرعية كلهم. ثالثاً: الوفاء ببيعتهم وعدم إعانة الخارجين عليهم، قال الإمام القرطبي - رحمه الله –": لو خرج خارج على إمام معروف بالعدالة وجب على الناس جهاده، فإن كان الإمام فاسقاً والخارجي مظهِراً للعدل فلا ينبغي للناس أن يسارعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الإمام الأول، وذلك أن كل من طلب هذا الأمر أظهر من نفسه الصلاح. الحق الرابع لولي الأمر: أن تبذل له النصيحة في رفق ورحمة، فليس الغرض هو التشنيع عليه، والتحريض على خلعه، وإنما نبذل له النصيحة في رفق ورحمة، وهذا من حق المسلم على المسلم. خامساً: عدم متابعتهم في الباطل، وعدم تزيين المنكر لهم، بل لا بد من الإنكار عليهم بالطرق المشروعة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع))، قالوا: يا رسول الله! ألا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) رواه الإمام مسلم. الحق السادس: أداء الصلاة معهم ما داموا مسلمين. سابعاً: أن هذه الطاعة ليست قاصرة على نوع معين من الحكام ذوي النسب الشريف، بل هي لكل من ولي أمر الأمة مسلماً براً كان أو فاجراً، شريفاً كان أو وضيعاً، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة))، وفي رواية: ((وإن كان عبداً حبشياً مجدوع الأطراف))، هذه هي الحقوق التي تجب. أهمية وجود الوالي واعلموا أن وجود الحاكم خير من عدمه ولو كان فاجراً ظالماً، والعراق خير مثال على ذلك، فلما فقد الحاكم صارت الأمور فوضى لا يأمن الناس على أموالهم ولا دمائهم ولا أعراضهم، ولا يستطيعون أن ينتشروا في الطرقات آمنين، ولذلك قال علماؤنا - رحمهم الله -: لا بد للناس من إمام، ولا بد للناس من إمرة بارة كانت أو فاجرة، قال العضد الإيجي - رحمه الله -: "إن في نصب الإمام دفع ضرر مظنون، وإنّ دفع الضرر واجب شرعاً، وبيان ذلك: أنّا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والحدود والمقاصات وإظهار شعائر الشرع في الأعياد والجماعات؛ إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشاً ومعاداً، وذلك المقصود لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع يرجعون إليه فيما يعنّ لهم"، وهذا الكلام من الوضوح بمكان. إنما الطاعة في المعروف قال الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ) فالمتنازعان إما أن يكون الرعية مع الراعي، وإما أن يكون الرعية فيما بينهم، وإما أن يكون العلماء فيما بينهم، اختلفوا في مسألة من المسائل، أو قضية من القضايا، أو نازلة من النوازل، أو الأمراء فيما بينهم، فقد يختلف الأمراء فيما بينهم كما هو حادث في كثير من بلاد الله - عز وجل -، وسواء كان الاختلاف في شأن من شئون الدين، أو شأن من شئون الدنيا، قال الله - عز وجل -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) و(شيء) هنا نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم. (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي: حال حصول النزاع بينكم يا مسلمون، سواء كنتم أمراء، أو علماء، أو عامة، فهذا النزاع ردوه إلى الله والرسول، كما قال - سبحانه -: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى: 10). قوله: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي: إلى الكتاب والسنة كما قال مجاهد وغير واحد من علماء السلف، ولذلك قال مروان بن الحكم الخليفة الأموي لأبي حازم العبد الصالح: ألستم قد أمرتم بطاعتنا في قوله - تعالى -: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)؟ فقال أبو حازم: أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق بقوله - سبحانه -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ)؟ أي: إلى القرآن وإلى الرسول في حياته، وإلى أحاديثه بعد وفاته، (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: أن دليل إيمانكم بالله وباليوم الآخر أنه عند التنازع ترجعون إلى الكتاب والسنة. (ذَلِكَ خَيْرٌ) أي: في العاجل، (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي: أحسن عاقبة ومآلاً. لقد تنبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيأتي أمراء فيهم شر وعدوان وعدم قيام بحقوق الرعية، فما العلاج؟ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) رواه الشيخان، وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث طويل: ((وإن هذه الأمة قد جعلت عافيتها في أولها))، وهذا صحيح ليس فيه شك، فأولها كان يحكمها أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي خيار من خيار من خيار، ثم من جاء بعدهم من هو أقل خير منهم، ولكن الخير ما زال مستمراً، ((وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضاً)) يعني: كل ما جاءت فتنة ونظر الناس في المصيبة وحجم الفتنة فإنهم سيرون أن التي قبلها فتنة رقيقة، ((وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر))، يقول عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: الذي يروي هذا الحديث: دنوت من عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، فقال له عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله - تعالى -يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..) (النساء: 29) الآية، قال: فسكت عبد الله بن عمرو بن العاص ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. حكم الخروج على الحاكم الظالم والكافر إن أهل السنة متفقون على أن الحاكم الفاسق الفاجر لا يجوز الخروج عليه؛ لأن مفسدة الخروج عليه أعظم من مفسدة فسقه وفجوره، وأنا دائماً أضرب للناس مثالاً حول هذا الأمر، وهو: أن رجل المرور يقوم بضبط الشئون، وينتصف للناس من بعضهم لبعض، ويمنع التعدي، ولا يسلم هو من ظلم أحياناً، فيظلم الناس أحياناً ببذاءة لسانه، وأحياناً يظلم الناس في أمور أخرى، لكن رجل المرور هذا لو غاب في يوم ما فالناس يترحمون عليه ويقولون: يا ليته كان موجوداً بظلمه وتعديه! لم؟ لأن مفسدة غيابه أعظم من مفسدة وجوده، فوجوده فيه مصلحة ومفسدة، ولكن وجوده أهم من غيابه، فنقول: وكذلك الحاكم أو الإمام، فكل إنسان يريد أن يعمل انقلاباً ويحدث بلبلة، ويريق الدماء، هذا شر يترتب عليه تضييع الكثير من المصالح، وارتكاب الكثير من المفاسد، وهنا مسألة وهي: لو كان الحاكم كافراً وليس فاسقاً، كما يوجد في بعض بلاد المسلمين حكام يحلون الحرام ويحرمون الحلال، فمثل هذا أجمع أهل العلم على أن خلعه واجب إذا توافرت القدرة على ذلك، وأما ما جرت عليه عادة بعض الصالحين من شباب المسلمين بأنهم إذا رأوا الحاكم قد ظهر منه الكفر البواح الذي عندهم من الله فيه برهان فإنهم يخرجون من مسجد من المساجد أو من مكان ما وهم مائة أو مائتان، أو ألف أو ألفان فيحملون الأسلحة، وهذه الأسلحة ليست دبابات ولا طائرات، فيريدون الخروج بها على الحاكم، فيقوم هذا الكافر أو الفاجر فيدكهم دكاً بطائراته ودباباته، ولربما تهدمت المساجد على رءوس أهلها، وبعد ذلك يحاصرون الدعوة، ويحدثون في الأرض الفساد فنقول: إن مثل هذا الخروج مفسدته راجحة وغالبة، بل تكاد تكون مفسدته محضة ليس فيه مصلحة أصلاً، فيا حبذا لو أن الناس فهموا هذه القواعد من أجل أن يسلموا من كثير من الشرور، وفي هذه الآية سبع فوائد تأملوها تعرفوها، وصلى الله على سيدنا محمد.