-
مجموع الأنشطة
1792 -
تاريخ الانضمام
-
آخر نشاط
نوع المحتوي
الاقسام
المدونات
Store
التقويم
التحميلات
مكتبة الصور
المقالات
الأندية
دليل المواقع
الإعلانات
كل منشورات العضو Mr ToDAY
-
بسم الله الرحمن الرحيم l|l سلسلة تراجم القراء ترجمة الإمام نافع._1._ هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعم الليثي ، مولاهم المدني . واختلف في كنيته ، فقيل : أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو رويم ، وقيل : أبو الحسن ، أحد القراء السبعة الأعلام ، كان ـ رحمه الله ـ رجلا أسود اللون حالكا ، عالما بوجوه القراءات والعربية ، متمسكا بالآثار ، فصيحا ورعا ، إماما للناس في القراءات بالمدينة ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بها وأجمع الناس عليه بعد التابعين ، أقرأ أكثر من سبعين سنة . قال سعيد بن منصور : سمعت مالك بن أنس يقول : ( قراءة أهل المدينة سنة ) قيل : ( قـراءة نافـع ؟ ) قال : ( نعم ) . كان ثقة صالحا ، فيه دعابة ، أخذ القراءة عرضا عن جماعة من التابعين فكان مع علمه بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده . وأول راويي نافع هو : أبو موسى عيسى قالون وهو بالرومية ( جيد ) لقبه به نافع لجودة قراءته ابن مينا المدني النحوي الرقي مولى الزهري ، قرأ على نافع سنة خمسين واختص به كثيرا ، وكان إمام المدينة ونحويها، وكان أصم لا يسمع البوق وإذا قرأ عليه القرآن يسمعه، وقال : ( قرأت على نافع قراءته غير مرة وكتبتها عنه ) وقال : قال لي نافع : ( كم تقرأ علي ؟ اجلس على إسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ القرآن عليك ) . وثانيهما أبو سعيد عثمان بن سعيد الذي لقبه نافع ( بورش ) لشدة بياضه أو لقلة أكله التنبطي المصري ، كان رأسا ثم رحل إلى المدينة ليقرأ على نافع ، فقرأ عليه أربع ختمات في شهر سنة خمس وخمسين ومائة ، فرجع إلى مصر وانتهت إليه رئاسة الإقراء بها ، فلم ينازعه فيها منازع مع براعته في العربية ومعرفته في التجويد ، وكان حسن الصوت ، قال يونس بن عبد الأعلى : ( كان ورش جيد القراءة حسن الصوت إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب لا يمل سامعه ) توفي نافع سنة ( 169 هـ ) تسع وستين ومائة على الصحيح ، ومولده سنة ( 70 هـ ) سبعين وتوفي قالون سنة ( 220 هـ ) عشرين ومائتين على الصواب ومولده سنة ( 120 هـ ) مائة وعشرين . وتوفي ورش بمصر سنة ( 197 هـ ) سبع وتسعين ومائة وولد بها في الوجه القبلي من أرض الصعيد سنة ( 120 هـ ) مائة وعشرين . وقد نقلا القراءة عن نافع مباشرة من غير واسطة ، وقد أقرأ نافع الناس دهرا طويلا نيفا عن سبعين سنة ، وانتهت إليه رياسة القراءة بالمدينة ، وصار الناس إليها ، وقال أبو عبيد : ( وإلى نافع صارت قراءة أهل المدينة إليه وبها تمسكوا بها إلى اليوم ) وقال ابن مجاهد : ( وكان الإمام الذي قام بالقراءة بعد التابعين بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نافع ) قال : ( وكان عالما بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضيين ببلده ) وقال سعيد بن منصور : ( سمعت مالك بن أنس يقول : قراءة أهل المدينة سنة ) قيل له : ( قراءة نافع ؟ ) قال : ( نعم ) وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : ( سألت أبي : أي القراءة أحب إليك ؟ قال : قراءة أهل المدينة ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : قراءة عاصم. فقال علي بن الحسن المعدل حدثنا محمد بن علي حدثنا محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن هلال قال : قال لي الشيباني : قال رجل ممن قرأ على نافع : ( إن نافعا كان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك ) فقلت له : ( يا أبا عبد الله أو يا أبا رويم أتتطيب كلما قعدت تقرىء الناس ؟ ) قال : ( ما أمس طيبا ولا أقرب طيبا ولكني رأيت فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ) وقال المسيبي : قيل لنافع : ( ما أصبح وجهك وأحسن خلقك ؟ ) قال : ( فكيف لا أكون كذلك وقد صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قرأت القرآن ) يعني في النوم . وقال قالون : ( كان نافع من أطهر الناس خلقا ومن أحسن الناس قراءة وكان زاهدا جوادا صلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة ) وقال الليث بن سعد : ( حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وإمام الناس في القراءة بالمدينة نافع ) وقال الأعشى : ( كان نافع يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك ) وقال الأصمعي : ( قال لي نافع : تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفا وقال مالك لما سأله عن البسملة قال : ( سلوا نافعا فكل علم يسأل عنه أهله ونافـع إمام الناس في القراءة ) قيل : لما حضرت نافعا الوفاة قال له أبناؤه : ( أوصنا ) قال : ( اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين )
-
[rtl] [/rtl] [rtl]الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات[/rtl] [rtl]أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده كماله[/rtl] [rtl]واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات[/rtl] [rtl]وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا[/rtl] [rtl]أما بعد :[/rtl] [rtl]فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،[/rtl] [rtl]وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار[/rtl] [rtl]أعاذنا الله وإياكم من النار[/rtl] سلسلة الأمثال في القرآن الكريم - مثل الظن ، التجسس و الإغتياب - فصل ومنها قوله تعالى : [rtl]( يآ أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب[/rtl] [rtl] بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) الحجرات12[/rtl] [rtl]وهذا من أحسن القياس التمثيلي فانه شبه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه ولما كان المغتاب يمزق عرض[/rtl] [rtl]أخيه في غيبته كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت لما كان المغتاب عاجزا عن دفعه[/rtl] [rtl]بنفسه بكونه غائبا عن ذمه كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولما كان[/rtl] [rtl]مقتضى الأخوة التراحم والتواصل والتناصر فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن كان[/rtl] [rtl]ذلك نظير تقطيعه لحم أخيه والأخوة تقتضي حفظه وصيانته والذب عنه ولما كان المغتاب متفكها بغيبته[/rtl] [rtl]وذمه متحليا بذلك شبه بأكل لحم أخيه بعد تقطيعه ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به شبه بمن يحب أكل[/rtl] [rtl]لحم أخيه ميتا ومحبته لذلك قدر زائد على مجرد أكله كما أن أكله قدر زائد على تمزيقه فتأمل هذا التشبيه[/rtl] [rtl]والتمثيل وحسن موقعه ومطابقة المعقول فيه للمحسوس وتأمل أخباره عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتا[/rtl] [rtl]ووصفهم بذلك في آخر الآية والإنكار عليهم في أولها أن يجب أحدهم ذلك فكما أن هذا مكروه في طباعهم[/rtl] [rtl]فكيف يحبون ما هو مثله ونظيره فاحتج عليهم بما كرهوه على ما أحبوه وشبه لهم ما يحبونه بما هو أكره[/rtl] [rtl]شيء إليهم وهم أشد شيء نفرة عنه فلهذا يوجب العقل والفطرة والحكمة أن يكونوا اشد شيء نفرة عما هو[/rtl] [rtl]نظيره ومشبهه وبالله التوفيق[/rtl] مثل أعمال الكفار [rtl] فصل ومنها قوله تعالى : [/rtl] [rtl](مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون[/rtl] مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد) إبراهيم 18 [rtl]فشبه تعالى أعمال الكفار في بطلانها وعدم[/rtl] [rtl]الانتفاع بها برماد مرت عليه ريح شديدة في يوم عاصف فشبه سبحانه أعمالهم في حبوطها وذهابها باطلا[/rtl] [rtl]كالهباء المنثور لكونها على غير أساس من الإيمان والإحسان وكونها لغير الله تعالى على غير أمره برماد[/rtl] [rtl]طيرته الريح العاصف فلا يقدر صاحبه على شيء منه وقت شدة حاجته إليه فلذلك لا يقدرون مما كسبوا على[/rtl] [rtl]شيء لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء فلا يرون لها أثرا من ثواب ولا فائدة نافعة[/rtl] [rtl] فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه موافقا لشرعه والأعمال أربعة فواحد مقبول وثلاثة[/rtl] [rtl] مردودة فالمقبول الخالص الصواب فالخالص أن يكون لله لا لغير والصواب أن يكون مما شرعه على لسان[/rtl] [rtl]رسوله والثلاثة المردودة ما خالف ذلك وفي تشبيهها بالرماد سر بديع وذلك للتشابه الذي بين أعمالهم[/rtl] [rtl]وبين الرماد في إحراق النار وإذهابها لأصل هذا وهذا فكانت الأعمال التي لغير الله تعالى وعلى غير مراده[/rtl] [rtl] طعمة للنار وبها تسعر النار على أصحابها وينشئ الله لهم من أعمالهم الباطلة نارا وعذابا كما ينشئ لأهل[/rtl] [rtl] الأعمال الموافقة لأمره التي هي خالصة لوجهه من أعمالهم نعيما وروحا فأثرت النار في أعمال أولئك حتى[/rtl] [rtl]جعلتها رمادا فهم وما يعبدون من دون الله وقود النار[/rtl] [rtl]كتاب :الأمثال في القرآن[/rtl] لإبن قيم الجوزية
-
[rtl] الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات[/rtl] [rtl]أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده كماله[/rtl] [rtl]واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات[/rtl] [rtl]وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات[/rtl] [rtl]والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات[/rtl] [rtl]وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا[/rtl] [rtl]أما بعد :[/rtl] [rtl]فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،[/rtl] [rtl]وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار أعاذنا الله وإياكم من النار[/rtl] [rtl][/rtl] قصة طالوت و جالوت [rtl]ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 246-251.[/rtl] [rtl]قال تعالى :[/rtl] [rtl](( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ))[/rtl] [rtl]القصة:[/rtl] [rtl]ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟[/rtl] [rtl]قال: بلى..[/rtl] [rtl]قالوا: ألسنا مشردين؟[/rtl] [rtl]قال: بلى..[/rtl] [rtl]قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.[/rtl] [rtl]قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟[/rtl] [rtl]قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟[/rtl] [rtl]قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.[/rtl] [rtl]قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟[/rtl] [rtl]قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.[/rtl] [rtl]قالوا: ما هي آية ملكه؟[/rtl] [rtl]قال لهم نبيهم: يسترجع لكم التابوت تجمله الملائكة.[/rtl] [rtl] ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..[/rtl] وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان. [rtl] كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟*********![/rtl] [rtl]قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.[/rtl] [rtl]وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.[/rtl] [rtl]وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..[/rtl] [rtl]وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.[/rtl] [rtl]بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى. وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها. سلسلة من قصص القرآن الكريم: 8- قصة طالوت وجالوت[/rtl]
-
بِسْمِ الله الرَحْمَانِ الرَحِيمِ وَالصَلاة والسلاَمْ عَلَى أَشْرَفِ المرْسَلِينْ ،،، {} { قَبْلَ البَـدأْ بِالْكَـلاَمْ صَلـوا مَعَنَا عَلَى رَسولِ الله سَيِدِنَـا محمد } { صَلَـوَاتِ الله وَسـَلاَمه عَلَيْـهِ وَعَلَى آلـهِ وَصَحْبِـهِ أَجْمَعِينْ وَمَنْ تَبِعَـه بِإِحْسَـان إِلَى يَـوْمِ الدِيــن } { يا ألف أهلا وسهلا بأعضاء منتدانا الأفاضل منورينـ،ـ// ،،، {} السلام عليكم و رحة الله تعالى و بركاته، ألف أهلا وسهل بكافة زوار موضوعي الكرام ، منورين شباب ، وإن شاء الله يفيدكــم الموضوع ، ولا تنسونا بردودكم وإنتقاداتكم ، [rtl]الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات[/rtl] [rtl]أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده كماله[/rtl] [rtl]واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات[/rtl] [rtl]وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا[/rtl] [rtl]أما بعد :[/rtl] [rtl]فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،[/rtl] [rtl]وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار[/rtl] [rtl]أعاذنا الله وإياكم من النار[/rtl] [b][b][b][b][b][b][b] [/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b] [rtl] تفسير قوله تعالى [/rtl] [rtl]( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( 41 ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ( 42 ) ) .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]قال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم : المراد بالبر هاهنا : الفيافي ، وبالبحر : الأمصار والقرى ، وفي رواية عن ابن عباس وعكرمة : البحر : الأمصار والقرى ، ما كان منها على جانب نهر .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقال آخرون : بل المراد بالبر هو البر المعروف ، وبالبحر : البحر المعروف .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقال زيد بن رفيع : ( ظهر الفساد ) يعني انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط ، وعن البحر تعمى دوابه . رواه ابن أبي حاتم .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقال : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، عن سفيان ، عن حميد بن قيس الأعرج ، عن مجاهد : ( ظهر الفساد في البر والبحر ) ، قال : فساد البر : قتل ابن آدم ، وفساد البحر : أخذ السفينة غصبا .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقال عطاء الخراساني : المراد بالبر : ما فيه من المدائن والقرى ، وبالبحر : جزائره .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl][ ص: 320 ] والقول الأول أظهر ، وعليه الأكثر ، ويؤيده ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صالح ملك أيلة ، وكتب إليه ببحره ، يعني : ببلده .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]ومعنى قوله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) أي : بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقال أبو العالية : من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض; لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة; ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : " لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " . والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت ، انكف الناس - أو أكثرهم ، أو كثير منهم - عن تعاطي المحرمات ، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق البركات من السماء والأرض; ولهذا إذا نزل عيسى [ ابن مريم ] عليه السلام ، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت ، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية ، وهو تركها - فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج ، قيل للأرض : أخرجي بركاتك . فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ، ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس . وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير; [ ولهذا ] ثبت في الصحيح : " إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد ، والشجر والدواب " .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا محمد والحسين قالا حدثنا عوف ، عن أبي قحذم قال : وجد رجل في زمان زياد - أو ابن زياد - صرة فيها حب ، يعني من بر أمثال النوى ، عليه مكتوب : هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وروى مالك ، عن زيد بن أسلم : أن المراد بالفساد هاهنا الشرك . وفيه نظر .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]وقوله : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) أي : يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، اختبارا منه ، ومجازاة على صنيعهم ، ( لعلهم يرجعون ) أي : عن المعاصي ، كما قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) [ الأعراف : 168 ] .[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]ثم قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ) أي : من قبلكم ، ( كان أكثرهم مشركين ) أي : فانظروا ماذا حل بهم من تكذيب الرسل وكفر النعم[/rtl]
-
بسم الله الرحمن الرحيم أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) البقرة): في هذه الآية استفهام ولكن هل هذا الاستفهام حقيقي؟ أي هل ينتظر المتسفهِم جواباً لسؤاله؟ إنك قد تقول لولدك أو عاملك ألم تعلم أني أكره هذا الأمر؟ فسؤالك لا تنتظر له جواباً وإنما غايتك لوم الفاعل. هذا لا ينتظر منه جواباً وإنما الغاية لوم الفاعل وفي قوله تعالى (أولا يعلمون) استفهام غايته التوبيخ ولوم القوم. (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) البقرة الأمي هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟ إن كلمة أميّ إسم منسوب والنسبة هي كل اسم انتهى بياء مشددة فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيّ فما الكلمة التي نُسِب إليها الأميّ؟ إن هذا الإسم منسوب إلى الأم أي الوالدة لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً لذلك قيا عنه أميّ. (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة) لو قال تعالى فويل لهم مما كتبوا لعُرِف بداهة أنهم كتبوا بأيديهم فلِمَ ذكر كلمة (أيديهم) إذن؟ ذكر كلمة (أيديهم) مع أن الكتابة تتم باليدّ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك كما تقول نظر بعينه مع أن النظر لا يكون إلا يتم إلا بالعين وتقول تكلّم بفمك فالغاية من هذا كله تأكيد العمل. (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة الخطيئة إسم لما يقترفه الإنسان من آثام جرائم، فكيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟ تأمل السِوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية من الهروب من الخطأ كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) البقرة) هذه الآية تخاطب بني إسرائيل الذين مضوا ومع ذلك جاءت بصيغة المخاطب (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) فما السبب في مخاطبة من مضى؟ إن المخاطبة جاءت للخَلَف من بني إسرائيل لتبين للمؤمنين أن الخلف من بني إسرائيل هم بمنزلة أسلافهم فأفعالهم واحدة وتصرفاتهم موروثة. (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) جاء النهي لبني إسرائيل عن سفك دمائهم وإخراج أنفسهم من ديارهم وهل يقتل الإنسان نفسه أو يُخرِج نفسه من منزله؟ لا شك أن النهي لا يراد به نهي الإنسان عن سفك دمه أو طرد نفسه من منزله وإنما المُراد بالنهي هنا هو أن لا يسفك أحدٌ دم أحد ولا يخرجه من دياره لأن الأمة مهما تعددت أفرادها ومصالحها ولكنها تبقى كالجسد الواحد فكما لا يحب الإنسان أن يلحق الضرر بنفسه ينبغي أن يمتنع عن إلحاق الضرر بالآخرين ومن هذا القبيل قول الشاعر: قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي ولئن عفوت لأعفون جللاً ولئن رميت لأوهنن عظمي أراد أن سهمه إذا أصاب قومه فقد أضر بنفسه وهذا كله من باب تشبيه الآخر بالنفس لشدة اتصالهم ببعضهم في الأصل والدين. والمراد أن الذين يكونون في ديانة واحدة فكأنهم نفس واحدة فاليهود عندما كانوا في ديانة واحدة فحينما يقتلون إخوانهم أو يظاهرون عليهم كأنهم يقتلون أنفسهم وحينما يُخرجون إخوانهم من ديارهم كأنما أخرجوا أنفسهم ونحن قال لنا الله تبارك وتعالى (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (11) الحجرات) تلمزوا أنفسكم، هل هناك إنسان يعيب نفسه؟ إذا عبت أخاك فكأنما عِبت نفسك لأن أمة الإسلام أمة واحدة فينبغي إذن أن ننتبه إلى هذه الأخلاق فكما نحاسب أعداءنا عليه كذلك نقول لأنفسنا أين نحن من هذه التعاليم؟! (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (87) البقرة معنى أيّدناه أي قوّيناه وشددنا أزره وعضده والعفل أيدناه مأخوذ من اليد فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء. (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) البقرة) جاء الفعل (تقتلون) بصيغة المضارع مع أن هذا الأمر قد مضى في عهود سابقة ولكن الله تعالى عبّر عنه بالمضارع لتبقى مستحضراً لهذا الفعل الشنيع الذي قد ارتكبه اليهود من قتلهم لأنبياء الله. (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ (93) البقرة) الإشراب هو أن تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟. إن الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء لأن الماء أسرى الأجسام في غيره ولذلك يقال الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان وكذلك حُب بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم. (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ (95) البقرة) انظر كيف عبّر الله تعالى عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فلِمَ خصّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى u بلسانهم وكذبهم عليه؟ إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد. تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أن يظهروا تكذيب النبي r فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثم تكذيب للنبي rومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت. (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ (97) البقرة) (جبريل) إسم عبراني للملك المرسَل من الله تعالى بالوحي لرسله وهو مركّب من كلمتين: كلمة (جِبر) وكلمة (إيل) فأما كلمة جِبر فمعناها عبد أو القوة وكلمة إيل تعني إسماً من أسماء الله في العبرانية. وقد ورد إسم جبريل في القرآن في عدة صور منها: جِبريل وبها قرأ الجمهور ومنها جَبريل وبها قرأ ابن كثير ومنها جبرائيل وبها قرأ حمزة والكسائي وجَبرائيل وبها قرأ أبو بكر عن عاصم. (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (100) البقرة) لِمَ عبّر الله تعالى عن نقض اليهود للعهد والميثاق بالنبذ وأنت تعلم أن النبذ هو الطرح والإلقاء فما علاقة الطرح بنقض الميثاق؟ لقد جعل الله تعالى العهد والميثاق الذي أقرّ به اليهود بكتاب أحكموا قبضته بيدهم حتى لا يقع ولكنهم سرعان ما تخلوا عن عهدهم وألقوا هذا الكتاب وطرحوه أرضاً إشارة إلى نقضهم للميثاق. (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (102) البقرة) نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود لأنهم اشتُهروا في هذا المجال وعُرِفوا به وعُرف بهم حتى غدا سمة من سماتهم وقد اعتقد المسلمون في المدينة أن اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم فلذلك استبشروا لما وُلِد عبد الله بن الزبير وهو أول ولد للمهاجرين في المدينة. (حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ (102) البقرة) الفتنة هي إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته والفتنة للإنسان هي إختبار وامتحان تُسبر به قوة إيمانه وصلابة عقيدته وثقته بالله تبارك وتعالى وهذه الفتن تكشف النفوس فمنهم من تظهر جودته ومنهم من تظهر رداءته. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا (104) البقرة) نُهيَ المؤمنون عن التلفظ بكلمة راعنا وهذه كلمة تشبه كلمة في العبرانية تعني المسبّة فقال المنافقون واليهود كنا نسبّ الرسول r سرّاً فأعلنوا بها الآن فأنزل الله تعالى النهي عن هذه الكلمة وكشف عمل اليهود والمنافقين لكن ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ لو رجعنا إلى أصل السحر لرأيناه يرجع إلى التمويه وأن من ضروب السحر ما هو تمويه الألفاظ فأذى الشخص بقول أو فعل لا يُعلم مغزاهما كخطابه بلفظ يفيد معنى ومقصود المتكلم به أذى كما فعل المنافقون بقولهم (راعنا) فهم يظهرون معنى ويبطنون غيره. (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ (105) البقرة) لِمَ عطف الله تعالى قوله (ولا المشركين) على (الذين كفروا من أهل الكتاب) مع أن المشركين كافرون؟ لقد عطف الله تعالى قوله (ولا المشركين) على (الذين كفروا من أهل الكتاب) لئلا يقع في الظن أن الحسد يقع من أهل الكتاب وحدهم دون غيرهم فالكفر سبب البُغض والحسد لأينما كان وفي أي زمن كان. (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا (106) البقرة) هناك قراءتان لكلمة (ننسها) قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وأبو جعفر وخَلَف (نُنسها) وقرأه ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها) فأما قراءة نُنسها فهي من النسيان أي نُنسي الناس إياها وذلك بأمر الرسول r بترك قراءتها حتى ينساها المسلمون، وقراءة (ننسأها) بمعنى نؤخرها أي نؤخر تلاوتها أو نؤخر العمل بها مما يؤدي إلى إبطال العمل بقراءتها أو بحكمها.ولكن لِمَ قال تعالى (نأت بخير منها) ولم يبين بأي شيء هي أفضل وخير من الآية المنسوخة؟ (نأتي بخير منها) أُجمِلت جهة الخيرية ولم يُذكر وجه الخير في قوله (نأت بخير منها) لتذهب نفسك كل مذهب ممكن فقد ترى أن الخيرية في الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس ويرى غيرك ما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وهكذا. (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم (109) البقرة) لم قال تعالى (من عند أنفسهم) ولم يقل منهم؟ في قوله (من عند أنفسهم) تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم. (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ (109) البقرة) العفو ترك عقوبة المذنب والصفح هو الجانب لصفحة الوجه والصفح هو ترك اللوم والتثريب وهو أبلغ من العفو لأنك قد تعفو عن ذنب امرئ لكنك تبقى له لائماً وأما الصفح فهو ترك اللوم ولذلك هو أبلغ من العفو لذا قال تعالى (فاعفوا واصفحوا). (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (114) البقرة) هاهنا في هذه الآية استفهام بـ (من) وليس الغرض منه الاستفهام وإنتظار جواب وإنما هو استفهام إنكاري خرج إلى النفي أي لا أحد أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه.وما هي المساجد المقصودة بقوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) حتى جُمِعت؟ نزلت الآية في أهل مكة لأنهم منعوا المسلمين دخول المسجد الحرام ومع ذلك نرى أن الآية قد جُمِع فيها المسجد (مساجد) للتعظيم من شأن المسجد وهذا واضح كما يقول الفرد في معرض الفخر والتعظيم لنفسه (نحن نقول) وكذلك كلمة المساجد أتت جمعاً ليكون الوعيد شاملاً لكل مخرِّب لمسجد أو مانع العبادة فيه. (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (115) البقرة) لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟ لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب لأن الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس. (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ (116) البقرة) في قوله تعالى في كلمة (سبحانه) تنزيه لله تبارك وتعالى عن شنيع هذا القول وللمتأمل فيه إشارة إلى أن الولدية نقصٌ بالنسبة لله تعالى بينما الولدية بالنسبة للإنسان كمال لأنها تسد بعض نقائصه عند العجز والفقر والله تبارك وتعالى منزّه عن جميع ذلك. (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة) القنوت هو الخضوع والانقياد مع الخوف وهذا الأمر لا يقوم به إلا كل عاقل مبصر فلذلك جمع الله تعالى في هذه الآية كلمة قانت جمع مذكر سالم (قانتون) وهو مختص بجمع الذكور العقلاء ليبيّن لنا سمة أهل الخشوع والقنوت إنهم أصحاب العقول الراجحة التي تخشى الله عن إرادة وبصيرة. (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ (123) البقرة) إذا استحضرنا الآية المماثلة لهذه الآية وجدنا اختلافاً في العدل والشفاعة فهناك قدّم (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ (48)) واخّر (وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) وهنا قدّم (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) لنُكتة أدبية وبلاغية وذاك أن أحوال الأقوام في طلب الفِكاك عن الجُناة تختلف فمرة تراهم يٌقدّمون الفِداء فإذا لم يُقبل منهم يُقدِّمون الشفعاء وتارة يُقدِّمون أولاً الشفعاء فإذا لم تقبل شفاعتهم عرضوا الفداء فعرضت الآيتان أحوال نفوس الناس في فِكاك الجُناة. (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ (124) البقرة) الابتلاء هو الاختبار فإن كلّفت شخصاً بشيء ما يكون تكليفك له متضمناً إنتظار فعله أو تركه وابتلاء الله لإبراهيم تكليف له لأن الله كلفه بأوامر ونواهٍ. وفي هذه الآية تقديم ما حقه التأخير فـ (إبراهيم) مفعول به وقد تقدّم على الفاعل (ربه) فما الهدف من هذا التقديم؟ المقصود من هذا تشريف سيدنا إبراهيم u بإضافة إسم ربه إلى اسمه وهو الهاء في قوله (ربه) أي رب إبراهيم. (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) سمّى الله تعالى إبراهيم في هذه الآية إماماً وقصد بإمامته أنه رسول فلِمَ عدل عن تسميته رسولاً إلى تسميته إماماً؟ ليكون ذلك دالاً على أن رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بالتبليغ وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الامتداد سيما وأن إبراهيم u قد طوّف بالآفاق. (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي (124) البقرة) لِمَ خصّ إبراهيم u بالدعاء بعض ذريته فقال (ومن ذريتي)؟ ولم يقل ذريتي لأنه يعلم أن حكمة الله تعالى تقتضي ألا يكون جميع أبناء الرجل ممن يصلحون لأن يُقتدى بهم ولذلك لم يسأل الله تعالى ما هو مستحيل عادة لأن ذلك ليس من آداب الدعاء ولم يجعل الدعاء عاماً شاملاً لكل الذرية بحيث يقول وذريتي. (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة) جاء الخبر (السميع العليم) معرفة ووقع بين (إن) والخبر (السميع) ضمير الفصل (أنت) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم. ألا ترى أنك لو قلت لرجل أنت سامع إذا أردت أنه أحد السامعين أما إذا عرّفت فقلت أنت السامع فهذا يعني أنه السامع لا غيره. (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة) هذا الترتيب في الآية لأن آيات القرآن تعلمنا التفكير والمنطق ودقة اللفظ وترتيب الأفكار والله سبحانه وتعالى رتب هذه الصفات على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة القرآن ثم يكون تعليم معانيه كما في قوله في موضع آخر (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) فإذا ما حصلت على علم القرآن انتقلت إلى المرحلة الأخيرة وهي التزكية. (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ (133) البقرة) في هذه الآية إستفهام إنكاري لدحض معتقدهم ولتنبيههم إلى أنهم لم يشهدوا ذلك مما يثير في نفوسهم الشك في معتقدهم فالمرء لا يتحدث إلا بما شاهد أو كان كالمشاهِد. (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (135) البقرة الحنف هو الميل عن الضلال إلى الإستقامة. والحنف الميل في المشي عن الطريق المعتاد. وسمي دين إبراهيم حنيفاً على سبيل المدح للمِلّة لأن الناس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء فجاء دين إبراهيم مائلاً عنهم فلُقّب بالحنيف لقب مدح. (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ (137) البقرة (إن) حرف شرط جازم ولكنه يفيد الشك خلافاً لـ (إذا) وقد جاء الشرط هنا في الآية بـ (إن) إيذاناً بأن إيمانهم غير مرجو وميؤوس منه. (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ (139) البقرة في قوله تعالى (أتحاجوننا) إستفهام ولكنه خرج عن دلالة الأصلية وهو الإستفهام عن شيء مجهول إلى التعجب والتوبيخ. (وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ (139) البقرة لِمَ قال تعالى لنا أعمالنا ولم يقل أعمالنا لنا لا سيما أن (لنا) متعلق بخبر محذوف للمبتدأ (أعمالنا)؟ قدّم تعالى الجار والمجرور (لنا) على قوله (أعمالنا) للإختصاص أي لنا أعمالنا الخاصة بنا ولا قِبَل للآخرين بها فلا تحاجونا في أنكم أفضل منا.
-
بِسْمِ الله الرَحْمَانِ الرَحِيمِ وَالصَلاة والسلاَمْ عَلَى أَشْرَفِ المرْسَلِينْ ،،، {} { قَبْلَ البَـدأْ بِالْكَـلاَمْ صَلـوا مَعَنَا عَلَى رَسولِ الله سَيِدِنَـا محمد } { صَلَـوَاتِ الله وَسـَلاَمه عَلَيْـهِ وَعَلَى آلـهِ وَصَحْبِـهِ أَجْمَعِينْ وَمَنْ تَبِعَـه بِإِحْسَـان إِلَى يَـوْمِ الدِيــن } { يا ألف أهلا وسهلا بأعضاء منتدانا الأفاضل منورينـ،ـ// ،،، {} السلام عليكم و رحة الله تعالى و بركاته، ألف أهلا وسهل بكافة زوار موضوعي الكرام ، منورين شباب ، وإن شاء الله يفيدكــم الموضوع ، ولا تنسونا بردودكم وإنتقاداتكم ، الوسائل التي تعين على تحبيب الطلاب وتقريبهم لحلقات القرآن الكريم كثيرة ومنها: 1 تقوية الدافع لهم نحو حفظ القرآن الكريم، ومن وسائل ذلك تعريفهم بفضائل حفظ القرآن الكريم ومنزلة أهله وحملته، وتذكيرهم بذلك بين آونة وأخرى. 2 إبراز النماذج والقدوات الصالحة في حفظ القرآن الكريم وأول أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وسلف الأمة. 3 حسن خلق المعلم وتواضعه لطلابه، وقد قال الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وأوصى الإمام الآجري - رحمه الله - معلم القرآن أن يعتني بذلك فقال: " وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط ألا يعنفه، وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، فإني لا آمن أن يجفو عليه فينفر عنه، وبالحري ألا يعود إلى المسجد". 4 تهيئة البيئة التعليمية في حلقة المسجد ومراجعة نظامها بما يجعلها أكثر قابلية للطالب، ويزيل عنها مايعيقه على الاستمرار. 5 إحياء المنافسة والمسابقة بالخيرات بين الطلاب، فهي من أكثر مايدفع الطالب إلى الحفظ. 6 حضور حفلات تكريم الحفاظ التي تقيمها الحلقات والمدارس الأخرى فله أثر كبير في إعلاء الهمة. 7 الاعتناء بالحوافز والجوائز التي تشجع الطلاب وتدفعهم، مع التأكيد دوما على الإخلاص واستحضار النية الصالحة. 8 الاعتناء بمساعدة الطالب على طرق الحفظ، وترتيب برامج مقترحة ومتنوعة للطلاب تتناسب مع قدراتهم وأوقاتهم وظروفهم. 9 تقوية الصلة مع أولياء الأمور والتعاون معهم. 10 الاستفادة من خبرات الآخرين ممن يعملون في المجال نفسه، والتعاون معهم.
-
بسم الله الرحمن الرحيم موعظةٌ بليغةٌ من العلاّمةِ العثيمين -رحمهُ اللهُ تعالى- عن القرآن ِالكريمِ؛ عملاً وتلاوةً وحفظًا: "عباد الله! هذا كتاب الله يُتْلَى بين أيديكم ويُسمع! وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدّع! ومع هذا؛ فلا أذن تسمع! ولا عين تدمع! ولا قلب يخشع! ولا امتثال للقرآن فيُرْجَى به أن يَشْفَع! قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع! وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع! كم تُتْلَى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة،! وكم يتوالى علينا (شهر رمضان) وحالنا فيه كحال أهل الشقوة! لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة! ولا الشيخ ينتهي عن القبيح فيلحق بأهل الصفوة! أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة؟! وإذا تُلِيَتْ عليهم آياته وجلت قلوبهم وجَلتْها جَلْوَة؟! أولئك قوم أنعم الله عليهم فعرفوا حقه فاختاروا الصفوة! قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يُعْرَف بليله إذ الناس ينامون , وبنهاره إذ الناس يُفْطِرون , وببكائه إذ الناس يضحكون, وبورعه إذ الناس يخلطون، وبصمته إذ الناس يخوضون!! وبخشوعه إذ الناس يختالون, وبحزنه إذ الناس يفرحون"! يا نفس فاز الصالحون بالتقى ... وأبصروا الحق وقلبي قد عَمِي! يا حسنهـــم والليل قد أَجَنَّهُمْ .... ونــــورهم يفوق نــــــــور الأنجمِ! تَرَنَّمُوا بالــــــذكر في ليلــــــــــــهمُ ..... فعيشهم قد طـــــــــــاب بالـــــــــتَّرَنُّمِ! قلوبهم للذِّكر قـــــــــد تفَرَّغَــتْ .... دموعـــــــــهم كلــــــــؤلــــــــــؤ مـــــــنتظمِ! أسحارهم بنورهم قد أشرقت ... وخِلَعُ الغفــــــــــــران خير القِسَمِ قد حفظوا صيامهم من لغوهم ... وخشعوا في الليل في ذكرهِمِ ويحكِ يا نفس ألا تَيَقَّظِـــــــــي؟! .... للنفع قبل أن تَزِلَّ قـــــــــــدمي! مضى الزمان في تَوَانٍ وهَـــــوًى ... فاستدركي ما قد بَقِي واغتنمي إخواني! احفظوا القرآن قبل فوات الإمكان! وحافظوا على حدوده من التفريط والعصيان! واعلموا أنه شاهد لكم أو عليكم عند الملك الديان! ليس مِنْ شكر نعمة الله بإنزاله أن نتخذه وراءنا ظهريًّا! وليس من تعظيم حرمات الله أن تُتخذ أحكامه سخريًّا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} {يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 27 - 31] . اللهم ارزقنا تلاوة كتابك حق التلاوة، واجعلنا ممن نال به الفلاح والسعادة، اللهم ارزقنا إقامة لفظه ومعناه، وحفظ حدوده ورعاية حرمته، اللهم اجعلنا من الراسخين في العلم، المؤمنين بمحكمه ومتشابهه، تصديقًا بأخباره وتنفيذًا لأحكامه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" ا.هـ ،،، من: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين -رحمه الله- (20/272)
-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: هذه { سُورَةٌ ْ} عظيمة القدر { أَنْزَلْنَاهَا ْ} رحمة منا بالعباد، وحفظناها من كل شيطان { وَفَرَضْنَاهَا ْ} أي: قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود والشهادات وغيرها، { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ْ} أي: أحكاما جليلة، وأوامر وزواجر، وحكما عظيمة { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ْ} حين نبين لكم، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها، فقال: { 2 - 3 } { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة، وأما الثيب، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة، أن حده الرجم، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [بهما] في دين الله، تمنعنا من إقامة الحد عليهم، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله، فرحمته حقيقة، بإقامة حد الله عليه، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة، أي: جماعة من المؤمنين، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد فعلا، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى بها العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه ولا ينقص، والله أعلم. هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ْ} أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا، أو ينكحوا زانية. ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات، وقد قال تعالى: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ْ} أي: قرناءهم، فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف للتحريم وفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق. { 4 - 5 } { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده، وكذا رجمه إن كان محصنا، وأنه لا تجوز مقارنته، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ْ} أي: النساء الأحرار العفائف، وكذاك الرجال، لا فرق بين الأمرين، والمراد بالرمي الرمي بالزنا، بدليل السياق، { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ْ} على ما رموا به { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ْ} أي: رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا، { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ْ} بسوط متوسط، يؤلم فيه، ولا يبالغ بذلك حتى يتلفه، لأن القصد التأديب لا الإتلاف، وفي هذا تقدير حد القذف، ولكن بشرط أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا، وأما قذف غير المحصن، فإنه يوجب التعزير. { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ْ} أي: لهم عقوبة أخرى، وهو أن شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حد على القذف، حتى يتوب كما يأتي، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ} أي: الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كثر شرهم، وذلك لانتهاك ما حرم الله، وانتهاك عرض أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به، وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب. وقوله: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ْ} فالتوبة في هذا الموضع، أن يكذب القاذف نفسه، ويقر أنه كاذب فيما قال، وهو واجب عليه، أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه، حيث لم يأت بأربعة شهداء، فإذا تاب القاذف وأصلح عمله وبدل إساءته إحسانا، زال عنه الفسق، وكذلك تقبل شهادته على الصحيح، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا، لمن تاب وأناب، وإنما يجلد القاذف، إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا، فإن كان زوجا، فقد ذكر بقوله: { 6 - 10 } { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته، دارئة عنه الحد، لأن الغالب، أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته، التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقا، ولأن له في ذلك حقا، وخوفا من إلحاق أولاد ليسوا منه به، ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره فقال: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ْ} أي: الحرائر لا المملوكات. { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ْ} على رميهم بذلك { شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ْ} بأن لم يقيموا شهداء، على ما رموهم به { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ْ} سماها شهادة، لأنها نائبة مناب الشهود، بأن يقول: " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به ". { وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ْ} أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكدا تلك الشهادات، بأن يدعو على نفسه، باللعنة إن كان كاذبا، فإذا تم لعانه، سقط عنه حد القذف، ظاهر الآيات، ولو سمى الرجل الذي رماها به، فإنه يسقط حقه تبعا لها. وهل يقام عليها الحد، بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء، الذي يدل عليه الدليل، أنه يقام عليها الحد، بدليل قوله: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ ْ} إلى آخره، فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه، لم يكن لعانها دارئا له. ويدرأ عنها، أي: يدفع عنها العذاب، إذ قابلت شهادات الزوج، بشهادات من جنسها. { أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ْ} وتزيد في الخامسة، مؤكدة لذلك، أن تدعو على نفسها بالغضب، فإذا تم اللعان بينهما، فرق بينهما إلى الأبد، وانتفى الولد الملاعن عليه، وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان، منه ومنها، واشتراط الترتيب فيها، وأن لا ينقص منها شيء، ولا يبدل شيء بشيء، وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته، لا بالعكس، وأن الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به، كما لا يعتبر مع الفراش، وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح إلا هو. { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ْ} وجواب الشرط محذوف، يدل عليه سياق الكلام أي: لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما، ما دعا به على نفسه، ومن رحمته وفضله، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين، لشدة الحاجة إليه، وأن بين لكم شدة الزنا وفظاعته، وفظاعة القذف به، وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها. { 11 - 26 } { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم } إلى آخر الآيات وهو قوله: { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لما ذكر فيما تقدم، تعظيم الرمي بالزنا عموما، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد. وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزنا شديدا، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } أي: الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين { عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق [في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين] ومنهم المنافق. { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه. { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ } وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة، { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ } أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله- { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، { وَقَالُوا } بسبب ذلك الظن { سُبْحَانَكَ } أي: تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة، { هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } أي: كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك. { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال: { فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } ولم يقل " فأولئك هم الكاذبون " وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق. { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم، { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ } أي: خضتم { فِيهِ } من شأن الإفك { عَذَابٌ عَظِيمٌ } لاستحقاقكم ذلك بما قلتم، ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب. { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } أي: تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل. { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا } فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، { وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى. { ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي: وهلا إذ سمعتم -أيها المؤمنون- كلام أهل الإفك { قُلْتُمْ } منكرين لذلك، معظمين لأمره: { مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا } أي: ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح { هَذَا بُهْتَانٌ } أي: كذب عظيم. { يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ } أي: لنظيره، من رمي المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا فيجب علينا مقابلتها بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بين لنا { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات. { وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ } المشتملة على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحا جليا. { وَاللَّهُ عَلِيمٌ } أي: كامل العلم عام الحكمة، فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت. { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة { فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟" وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة. وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه. { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } قد أحاط بكم من كل جانب { وَرَحْمَتُهُ } عليكم { وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه. ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموما فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي: طرقه ووساوسه. وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى، أن بين الحكم، وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال: { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ } أي: الشيطان { يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه. { وَالْمُنْكَرِ } وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها، { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها " ولهذا قال: { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } من يعلم منه أن يزكى بالتزكية، ولهذا قال: { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } { وَلَا يَأْتَلِ } أي: لا يحلف { أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا } كان من جملة الخائضين في الإفك " مسطح بن أثاثة " وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال. فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله إن غفر له، فقال: { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح، وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } أي: العفائف عن الفجور { الْغَافِلَاتِ } التي لم يخطر ذلك بقلوبهن { الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير. وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم، { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ } أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفرا، لم يفقدوا منها شيئا، { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين، فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى. فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله وما من الله. { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح. فكيف وهي هي؟" صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فقال: { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } تستغرق الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } في الجنة صادر من الرب الكريم. { 27 - 29 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. ومنها: أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية، يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي: يستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، { وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وصفة ذلك، ما جاء في الحديث: " السلام عليكم، أأدخل "؟ { ذَلِكُمْ } أي: الاستئذان المذكور { خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن. { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا } أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال، { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات. { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيجازي كل عامل بعمله، من كثرة وقلة، وحسن وعدمه، هذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا، وفي البيوت غير المسكونة، التي لا متاع فيها للإنسان، وأما البيوت التي ليس فيها أهلها، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، وذلك كبيوت الكراء وغيرها، فقد ذكرها بقوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي: حرج وإثم، دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة، أنه محرم، وفيه حرج { أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ } وهذا من احترازات القرآن العجيبة، فإن قوله: { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للإنسان، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون، من الأحكام الشرعية. { 30 } { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } أي: أرشد المؤمنين، وقل لهم: الذين معهم إيمان، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان: { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى المردان، الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور. { وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } عن الوطء الحرام، في قبل أو دبر، أو ما دون ذلك، وعن التمكين من مسها، والنظر إليها. { ذَلِكَ } الحفظ للأبصار والفروج { أَزْكَى لَهُمْ } أطهر وأطيب، وأنمى لأعمالهم، فإن من حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره عن المحرم، أنار الله بصيرته، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظا، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن، وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا، لأنه لا يباح في حالة من الأحوال، وأما البصر فقال: { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } أتى بأداة " من " الدالة على التبعيض، فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال لحاجة، كنظر الشاهد والعامل والخاطب، ونحو ذلك. ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات. { 31 } { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: { إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } أي: أزواجهن { أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا، { أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن } ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا { أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ } أشقاء، أو لأب، أو لأم. { أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ } أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا، ويحتمل أن الإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية. { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } فيجوز للمملوك إذا كان كله للأنثى، أن ينظر لسيدته، ما دامت مالكة له كله، فإن زال الملك أو بعضه، لم يجز النظر. { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ } أي: أو الذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة، كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة، لا في فرجه، ولا في قلبه، فإن هذا لا محذور من نظره. { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء. { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه. ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ } لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح، فقال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا، إلى: ما يحبه ظاهرا وباطنا، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ } أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة. { 32 - 33 } { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يأمر تعالى الأولياء والأسياد، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم: من لا أزواج لهم، من رجال، ونساء ثيب، وأبكار، فيجب على القريب وولي اليتيم، أن يزوج من يحتاج للزواج، ممن تجب نفقته عليه، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم من باب أولى. { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } يحتمل أن المراد بالصالحين، صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء -وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا- مأمور سيده بإنكاحه، جزاء له على صلاحه، وترغيبا له فيه، ولأن الفاسد بالزنا، منهي عن تزوجه، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة، أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة، ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليه من العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه، قبل حاجته إلى الزواج. ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما، والله أعلم. وقوله: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ } أي: الأزواج والمتزوجين { يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } فلا يمنعكم ما تتوهمون، من أنه إذا تزوج، افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. { وَاللَّهُ وَاسِعٌ } كثير الخير عظيم الفضل { عَلِيمٌ } بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما، ممن لا يستحق، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه. { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقوله: { الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا } أي: لا يقدرون نكاحا، إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم [وليس لهم] من قدرة على إجبارهم على ذلك، وهذا التقدير، أحسن من تقدير من قدر " لا يجدون مهر نكاح " وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف، فإن في ذلك محذورين: أحدهما: الحذف في الكلام، والأصل عدم الحذف. والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان، حالة غنى بماله، وحالة عدم، فيخرج العبيد والإماء ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا. { حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه. وقوله { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } أي: من ابتغى وطلب منكم الكتابة، وأن يشتري نفسه، من عبيد وإماء، فأجيبوه إلى ما طلب، وكاتبوه، { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ } أي: في الطالبين للكتابة { خَيْرًا } أي: قدرة على التكسب، وصلاحا في دينه، لأن في الكتابة تحصيل المصلحتين، مصلحة العتق والحرية، ومصلحة العوض الذي يبذله في فداء نفسه. وربما جد واجتهد، وأدرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه، فلا يكون ضرر على السيد في كتابته، مع حصول عظيم المنفعة للعبد، فلذلك أمر الله بالكتابة على هذا الوجه أمر إيجاب، كما هو الظاهر، أو أمر استحباب على القول الآخر، وأمر بمعاونتهم على كتابتهم، لكونهم محتاجين لذلك، بسبب أنهم لا مال لهم، فقال: { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } يدخل في ذلك أمر سيده الذي كاتبه، أن يعطيه من كتابته أو يسقط عنه منها، وأمر الناس بمعونتهم. ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة، ورغب في إعطائه بقوله: { مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } أي: فكما أن المال مال الله، وإنما الذي بأيديكم عطية من الله لكم ومحض منه، فأحسنوا لعباد الله، كما أحسن الله إليكم. ومفهوم الآية الكريمة، أن العبد إذا لم يطلب الكتابة، لا يؤمر سيده أن يبتدئ بكتابته، وأنه إذا لم يعلم منه خيرا، بأن علم منه عكسه، إما أنه يعلم أنه لا كسب له، فيكون بسبب ذلك كلا على الناس، ضائعا، وإما أن يخاف إذا أعتق، وصار في حرية نفسه، أن يتمكن من الفساد، فهذا لا يؤمر بكتابته، بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور. ثم قال تعالى: { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ } أي: إماءكم { عَلَى الْبِغَاءِ } أي: أن تكون زانية { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } لأنه لا يتصور إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم ترد تحصنا فإنها تكون بغيا، يجب على سيدها منعها من ذلك، وإنما هذا نهى لما كانوا يستعملونه في الجاهلية، من كون السيد يجبر أمته على البغاء، ليأخذ منها أجرة ذلك، ولهذا قال: { لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيرا منكم، وأعف عن الزنا، وأنتم تفعلون بهن ذلك، لأجل عرض الحياة، متاع قليل يعرض ثم يزول. فكسبكم النزاهة، والنظافة، والمروءة -بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها- أفضل من كسبكم العرض القليل، الذي يكسبكم الرذالة والخسة. ثم دعا من جرى منه الإكراه إلى التوبة، فقال: { وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فليتب إلى الله، وليقلع عما صدر منه مما يغضبه، فإذا فعل ذلك، غفر الله ذنوبه، ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب، وكما رحم أمته بعدم إكراهها على ما يضرها.
-
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] لطائف من سورة الكهف فقد ميز الله بعض كلامه عن بعض بخصائص ووظائف وحث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على سور وآيات مخصوصة ومن ذلك إخباره - صلى الله عليه وسلم - أن الفاتحة هي " أعظم سورة في القرآن " (1)، وأن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (تعدل ثلث القرآن) (2)، وأن(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (لم ير مثلهن قط) (3). وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) (4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) (5)، وأن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي(6). ومن هذه الكلمات التامات والسور المباركات سورة الكهف، وهى السورة التي ورد الخبر بمدحها وتبيان فضلها، فهي: * إحدى خمس سور في القرآن الكريم تبدأ بالحمد لله(7). * هي أوسط القرآن أجزاؤه وكلماته. * قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين))8. * روى مسلم عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال"وفى رواية: "من آخر سورة الكهف" (9) فلأي شيء كان هذا الفضل؟ ولم كانت هذه المزية؟ ولماذا كانت عاصمة من فتنة الدجال؟ نقول وبالله التوفيق، إن سورة الكهف تحدثت في مجملها عن طائفتين من الناس: الأولى هي الطائفة التي نظرت بالكلية إلى الأسباب مع ما في ذلك من قدح في التوحيد وطلب لزينه الحياة الدنيا، وهذه هي طائفة المشركين أعداء الدين. والثانية عرفت هذه الأسباب ولم تنكرها وإنما ردتها إلى الله مسببها مع توكلها عليه - سبحانه - وانطراحها بين يديه بالكلية، بحيث تتضاءل عندهم الأسباب وتتلاشى بالنظر إلى مشيئته وقدرته، فعلم الله مثل هذا من هذه الطائفة فخرق لها الأسباب كلها "خرقاً ربانياً " في أربع آيات يتحدث بها العالمون والعجيب أن هذه القصص الأربع لم تتكرر في موضع آخر من كتاب الله بما يحفظ لهذه السورة تفردها وتميزها. ويمكننا أن نوجز هذا الخرق الرباني في أربعة عناصر رئيسية: * خرقٌ رباني في الزمان. * وخرق في المكان. * وخرق للعادة في الإنسان. * وأما الخرق الرابع-فهو المهيمن على الثلاثة الأول وهو جماعها وأصلها-وهو الكشف الرباني لأستار القدر الأعلى. أولاً: أصحاب الكهف وطي الزمـان فهؤلاء هم فتية الكهف وقد آمنوا بربهم وأعلنوا البراءة مما سواه وألقوا الحرب والعداوة بينهم وبين ما اتخذ الناس من دونه: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً) (10). وقد استيقن لديهم أن القوم ماضون في غيهم وأن الباطل صار ديناً لهم لازماً لحياتهم والدفاع عنه هو دفاع عن مقدراتهم ودولتهم بكل عناصرها ومؤسساتها، وقد تملك زمام الأمور فيها عصابة من المجرمين، والفتية قد خرجوا عن المألوف بإيمانهم حتى تعطلت مصالحهم وأرزاقهم أو كادت، وأغلقت في وجوههم أبواب الدنيا ومنعوا الوظائف وأسباب الحياة، ولم يبق أمامهم إلا الاعتزال والفرار بالدين. وربما ثقلت الجاهلية حينئذ على قلوب المؤمنين أو بغتتهم عاجلة الأسباب وربما تضخمت دولة الباطل وانتفشت حتى يظن الظان أنها لن تزول حينئذ تبرز قصة أصحاب الكهف لتكشف الوهم وتزيل الغبش وتحدد الحجم الحقيقي للقضية فالفتية (وهو لفظ لجمع تقليل رغم أنهم دون العشرة) (11) إلا أنهم هم الفئة المعتبرة بالنظر في كتاب الله والعرف الإيماني كذلك وهم يتساءلون كم تحتاج دولة الباطل حتى تنقضي وتزول؟!، مائة.. مائتين أم ثلاثمائة سنة؟!، فما هو إلا أن طوى الله لهم الزمن حتى صارت الثلاثمائة سنين وزيادتها في حسهم كأنها يوم أو بعض يوم هكذا عاش الظالمون ما عاشوا إلا أن دولة الظلم حتما ستنتهي وتبيد وفى غمضة عين يضع المؤمن جنبه وقد استفرغ الوسع وانقطعت به الأسباب متوسلاً الرحمة والرشد في علم الله المحيط فما يفيق إلا وقد تحقق وعد الله: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (12). وعد الله بالبعث بعد الممات ووعدوه بالنصر والغلبة لعباده المؤمنين في هذه الدنيا: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (13). ثانياً: صاحب الجنتين ودك المكان وهذه قصة أخرى تضخمت فيها الدنيا وعظمت أسبابها في حس أصحابها وظنوا أن الله الذي بسطها ومدها لهم ليس بقادر على أن يقبضها ويطويها، فهذا رجل ضعيف يستقى قوة من غيره ويستعلى بها وقد شده الماء والطين وتقوى بالمال والبنين: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) (14) بينما يقف فيها أهل الإيمان موقف الاستعلاء كالطود الشامخ لا تنال منه أنواء الفقر ولا عائزة الحاجة وقد تعلقوا بحبل الله المتين يتعبدون الله بالفاقة إليه التي أورثتهم الذلة له وقد علموا أنه مع الذلة تكون النصرة كما يتعبدونه أيضاً بتعجل بطشته بالظالمين وقطع دابرهم، ولهذا قال المؤمن: (فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) (15) وعندئذ لابد أن تنخرم أسباب الباطل وتتهاوى تلكم الدعاوى. ولأمر ما فصل القرآن الكريم في ذكر الجنتين وأفاض البيان بكل أبعاد المكان وعناصره حتى قال الرجل (مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) (16) نعم إلى هذا الحد كبرت الدنيا فى أعين أصحابها حتى ظنوا أنها لن تزول! ثم كانت المفاجأة (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) (17) في درس آخر يلقنه الله للمؤمنين فكما طوى الزمان في قصة أصحاب الكهف هو الذي محق المكان هنا بصاحب الجنتين. ثالثا: ذو القرنين وأسباب التمكين وكما بدأت سورة الكهف بالاستضعاف والعزلة للفئة المؤمنة تنتهي بالقوة والتمكين وغلبة أمر الدين، فهذا حاكم مسلم قال الله فيه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) (18) وقد أوتى من الأسباب العجيبة ما لا يعلمه إلا الله من العلم والقوة التي بها يسخر الدنيا ويقهر الأعداء ويبلغ المشارق والمغارب ويفهم عجمة القلوب والألسنة ويذيب الحديد ويضرب السدود، وباختصار فهو رجل غير عادى خارق القوى والملكات (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرً) (19) أي: (بما عنده من الخير والأسباب العظيمة)(20). وبهذا تكتمل عناصر الكون الزمان والمكان والإنسان وبها يقوم عالم الشهادة شاخصاً متحركاً حركة الحياة والأحياء بينما يبقى عالم الغيب مكنوناً غامضاً لا يهتك ستره إلا القصة الرابعة والأخيرة. رابعاً: موسى عليه السلام والخضر عليه السلام بين العالم المشهود والغيب المنشود: وترتكز القصة في مجملها على عنصرين رئيسيين هما المال والبنين والذين سبق ذكرهما في نفس السورة وهما زينة الحياة الدنيا ويمكنك تخيل القصة بدون ذكر العبد الصالح وهو الخضر عليه السلام ، وأن تضع نفسك مكان موسى عليـ السلام ـه وتعيش الحياة كما هي فترى مساكين تعاب مركبهم وهى كل مالهم ولقمة عيشهم، وترى فيما يمر بك من أحداث الدنيا أبوين مؤمنين يموت صغيرهما وهو كل ما يرجون من هذه الحياة ويتكئون عليه فيها، وهذه مصائب في أعز ما يملك الناس المال والولد ربما ناحوا لها وقنطوا أو جزعوا وسخطوا وهم لا يدرون أن المنحة في طيات المحنة والبلية هي في حقيقتها عطية. وترى فيما يرى السائر أيتام في قرية لئام لا يملكون إلا داراً حقيرة متهدمة الجدران إلا جداراً يقف شاهداً على خسة أهل القرية وشحهم. وفجأة يظهر الخضر أمامك يجلى لك الحقائق باعتباره يمثل القدر الأعلى وباعتباره إنسانا مميزاً أيضا ليهتك لك أستار الغيب الذي أطلعه الله عليه وتتعجب من الفطرة النقية متمثلة في موسى - عليه السلام - وهو يستنكف المنكر وينكره فكيف تتلف الأملاك؟ وتقتل الأنفس البريئة؟ ولأي شئ يوضع المعروف في غير أهله؟. وأمر المؤمن كله له خير والصلاح ينفع أهله في الدنيا والآخرة فتلف المال حماية له من أن يذهب به الظالم بالكلية، وموت الولد رحمة به من قدر الكفر الذي ينتظره ورحمة بوالديه من الشقاء به في الدارين وبقاء المال والولد كان ثمرة لصلاح الأب ومما خلفه الله به في أهله وماله. وأخيــراً بقى أن نجيب على السؤال الذي طرحناه أولاً، وهو لماذا كانت سورة الكهف عاصمة من فتنة الدجال عليه لعنة الله؟!. ونجيب عليه والعلم عند الله: بأن سورة الكهف قد بدأت بذكر أهل الكتاب وهم جل أتباع المسيح الدجال وهو من علامات الساعة - وربما كان في ذلك إشارة إلى تملكهم زمام العالم في آخر الزمان وختمت بالحديث عن التوحيد وذم الكفر الذي هم عليهم. واشتملت السورة أيضا على معنى مشترك بين كل القصص المذكورة فيها، وهو معنى الخرق الرباني للعادة في الزمان والمكان والإنسان ثم في القدر الكوني كما قد تقدم وبذلك صارت السورة الكريمة - وبهذه الضدية كالرقية من الخرق الشيطاني الذي يمثله مسيح السوء الدجال في أعظم صوره، فأنى يثبت وأنى يفلح حينئذ؟!. ومما يستأنس به أيضا في هذا المعنى أن زوال شخص المسيح الدجال نفسه يكون على يد مسيح الخير بن مريم - عليهما السلام - باعتباره خارقة بشرية ربانية كذلك منذ بدايته من غير أب ومعجزاته كالنفخ فى الطين بإذن الله وإبراء المعضلات والإنباء بالمغيبات وحتى رفعه من غير موت ثم عودته بعد ذلك. وصدق ربنا - عز وجل - إذ يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (21). والله أعلم والحمد لله رب العالمين.. ____________ (1) البخاري وأبو داود والنسائي. (2) البخاري. (3) مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (4) البخاري و مسلم وأبو داود والترمذي. (5) مسلم والترمذي. (6) مسلم بنحوه. (7) الفاتحة-الأنعام-الكهف-سبأ-فاطر. (8) صحيح الجامع (6351) (9) مسلم وأبو داود والترمذي. (10) الكهف: 14 15. (11) تيسير الكريم الرحمن. (12) الكهف: 21. (13) الصافات: 171 173. (14) الكهف: 34. (15) الكهف: 40. (16) الكهف: 35. (17) الكهف: 42. (18) الكهف: 84. (19) الكهف:91. (20) تيسير الكريم الرحمن. (21) الأنبياء: 18. موقع المسك أسأل الله تعال أن يشغلنا بذكره وطاعته ويطهر ألسنتنا..من كل ما يغضبه ..[/rtl]
-
((بسم الله الرحمن الرحيم)) تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ))صدق الله العظيم((
-
بِسْمِ الله الرَحْمَانِ الرَحِيمِ وَالصَلاة والسلاَمْ عَلَى أَشْرَفِ المرْسَلِينْ ،،، {} { قَبْلَ البَـدأْ بِالْكَـلاَمْ صَلـوا مَعَنَا عَلَى رَسولِ الله سَيِدِنَـا محمد } { صَلَـوَاتِ الله وَسـَلاَمه عَلَيْـهِ وَعَلَى آلـهِ وَصَحْبِـهِ أَجْمَعِينْ وَمَنْ تَبِعَـه بِإِحْسَـان إِلَى يَـوْمِ الدِيــن } { يا ألف أهلا وسهلا بأعضاء منتدانا الأفاضل منورينـ،ـ// ،،، {} السلام عليكم و رحة الله تعالى و بركاته، ألف أهلا وسهل بكافة زوار موضوعي الكرام ، منورين شباب ، وإن شاء الله يفيدكــم الموضوع ، ولا تنسونا بردودكم وإنتقاداتكم ، قال الله عزّ وجل: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}} [المائدة: 41] قوله: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } المراد بالرسول هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وفي قوله: {{لاَ يَحْزُنْكَ} } قراءتان «يُحزِن»، و«يَحزُن»، وكلاهما سبعيتان صحيحتان أي: لا يجعلك تحزن قول هؤلاء الذين يسارعون في الكفر. وقوله: {{يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } أي: يتسابقون فيه، والكفر في اللغة: الستر، ومنه سمي الكافور أو الكُفُرَّى الذي هو وعاء طلع النخل؛ لأنه يستر الطلع الذي في جوفه، والمراد بالكفر هنا: الكفر بالله عزّ وجل. والكفر بالله يدور على شيئين: إما الجحود وإما الاستكبار؛ إما الجحود والإنكار ـ يعني: التكذيب ـ وإما الاستكبار مع الإقرار. لو قال قائل: كفر إبليس من أي النوعين؟ الجواب: من الاستكبار؛ لأنه مؤمن لكنه مستكبر والعياذ بالله، وكفر قريش الذين يقولون: {{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}} [ص: 5] ، كفر إنكار وتكذيب. لو قال قائل: قسمتم الكفر إلى قسمين ولم تذكروا القسم الثالث وهو كفر الجهل الذي يُلحق به عُبَّاد الصليب وعباد القبور؛ لأنهم ليسوا معاندين ولا مستكبرين بل هم جهال، نريد التفصيل في هذا الجواب: هؤلاء لو كانوا جاهلين عفا الله عنهم، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام يعدون معاندين، ولا نستطيع أن نقول إنهم جهال بل نقول معاندون، هذا لا شك فيه، فالنصارى معاندون. قال النبي عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودياً ولا نصرانياً ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار» [(193)]. قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} } مِن: هنا بيان للاسم الموصول الأول وهو قوله: { ْ {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ} }. قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} } قوله بأفواههم: متعلق بـ«قالوا»، أي: قالوا بأفواههم: {{آمَنَّا} } {{وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} }، وهذا الوصف ينطبق تماماً على المنافقين، كما قال الله تعالى: {{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ *}} [البقرة: 8] ، وهؤلاء في الكفر كاليهود والنصارى كما قال الله تعالى: {{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ}} [الحشر: 11] يعني اليهود. قوله: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } بيَّن الله تعالى أحوال اليهود، والذين هادوا هم الذين قالوا: {{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}} [الأعراف: 156] : أي: رجعنا إليك من المعصية إلى الطاعة، فيُسمون الذين هادوا، ويُسمون اليهود، أما التسمية الأولى فلقولهم: {{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}}، وأما الثانية: فنسبة إلى أبيهم يهوذا. قوله: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ} } هل هي جملة مستأنفة أو معطوفة على قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} }؟ إذا جعلناها معطوفة يكون إعرابها خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: ومن الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا هم سماعون فتقرأ: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} } ثم تقول: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } والتقدير: «هم سماعون»، وإذا قلنا: إن الجملة مستأنفة جعلنا: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} } خبراً مقدماً، وسماعون صفة لموصوف محذوف وهو المبتدأ، والتقدير: «ومن الذين هادوا قوم سماعون للكذب». وقوله: {{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} }: أي: قابلون له، يقبلون الكذب من أحبارهم الذين يقولون: إن محمداً ليس بنبي، وهذا من أكذب ما يكون، بل هو أكذب شيء بعد الكذب على الله عزّ وجل. قوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} } أي: سماعون لكذبهم، فيكون الله عزّ وجل ذكر أن هؤلاء الذين هادوا ويسمعون للكذب مطلقاً، ويسمعون لقوم آخرين لم يأتوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتكون «اللام» للتعدية أو للتقوية. وقوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } تحتمل معنيين، والقاعدة أن الكلمة تحمل على المعنيين إذا كانا صحيحين، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، ولا منافاة بينهما. فالمعنى الأول: أنهم سماعون للكذب ممن أَتوك وممن لم يأتوك، فهم يستجيبون للكذب من أي إنسان، سواء كان يأتي إليك أو لا يأتي. والمعنى الثاني: في قوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } أي: يسمعون منك ليوصلوه إلى قوم آخرين، فكأنهم واسطة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين من ينقلون إليه الخبر، وتكون «اللام» تعليلية، يعني: سماعون لك من أجل قوم آخرين، يُوصِلون ما تقوله إليهم، فإذا أوصلوه إلى هؤلاء القوم الآخرين حرّفوه وبدلوه وغيروه، ولهذا قال: {{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } يعني أن القوم الآخرين وهم أحبار اليهود الذين ينقل إليهم العامة ما يسمعونه من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهؤلاء يُحرفون الكلم من بعد مواضعه، والتحريف بمعنى التغيير، أي: يغيرونه عن وجهه، فيقولون: المراد كذا، والمراد كذا على خلاف ما أراد الله ورسوله. وهل المراد أنهم يحرفون الكلم من التوراة أو أنهم يحرفون الكلم من التوراة وغيرها؟ الأَولى العموم، فهم يحرفون الكلم من التوراة، ويحرفون الكلم من القرآن. قوله: {{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} } يعني ما نريد من الحكم فخذوه {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }، والإشارة بما يدل على البُعد ليس لرفع شأنهم، ولكن لإبعادهم عن الثناء وأن يكونوا على حق. قوله: {{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} } الإيتاء والإعطاء إنما يكون في المحسوسات وفي المنقولات، لكنه قد يستعمل في المعاني كما في هذه الآية، وأصل هذه القصة نزلت في يهوديين زانيين. فالأحبار يُعَيِّنُونَ لهؤلاء القوم الذين ينقلون إليهم الأخبار شيئاً معيناً أي: حكماً معين، فيقولون: {{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} } من محمد فخذوه، واقبلوه، {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} } يعني احذروا أن تقبلوه، فصار الآن هؤلاء الأحبار الذين يُنقل إليهم الكلام من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، يقولون لأتباعهم: اعرضوا هذا على محمد فإن أعطاكم إياه فخذوه وإلا فاحذروا. وضرب المفسرون لهذا مثلاً بقصة الرجم، كان الرجم ـ أعني رجم الزاني ـ محكوماً به في التوراة وكانت بنو إسرائيل ترجم من زنا، فلما كثر الزنا في أشرافهم صعُب عليهم أن يرجموا أشرافهم فقالوا: لا نرجم ولكننا نحمِّم الوجه، أي: نسوده، ونُرْكِبُ الزانيين على حمار، كل واحد منهما مستدبر الآخر، ونطوف بهما في الأسواق فقط، ولا نرجم، فقدر الله عزّ وجل أن يزني من اليهود رجل وامرأة، فرفعوا الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم[(194)]، وقال أحبارهم: إن آتاكم محمد هذا، يعني تحميم الوجه والطواف بهم في البلد فخذوه، وإن لم يعطكم وأمر بالرجم فاحذروا. وهذا مثال وليس حصراً لمعنى الآية، بل المراد أنهم يعينون ـ أي: الأحبار ـ أحكاماً لعامتهم ويقولون: إن حَكَمَ بها محمد فاقبلوها وإن لم يحكم فاحذروا. قوله: {{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } وتحريفهم الكلم هنا تحريف معنوي، بمعنى أنهم جعلوا الرجم منسوخاً وأنه لا يجب العمل به، وسنذكر إن شاء الله في الفوائد أن التحريف ينقسم إلى قسمين. قوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} } يعني: ضلاله {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} } وهذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، يعني أن الله إذا أراد فتنة أحد فإنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يرد هذه الإرادة، بل لا بد أن تقع، ولكن هل إرادة الله في فتنة أحد من الناس مبنية على غير حكمة؟ الجواب: لا، بل هي مبنية على حكمة، والحكمة ذكرت في قول الله تبارك وتعالى: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، إذاً هم السبب، فلما علم الله أن ليس في قلوبهم خير أزاغها، كما قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}} [الأنفال: 70] . إذاً نقول: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} } أي: إضلاله: {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} }، هذا فيمن هو أهل للإضلال. قوله: { [ ء {أُولَئِكَ الَّذِينَ} } أولئك: المشار إليهم هؤلاء اليهود الذين لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم. قوله: {{لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } أي: من الشك والشرك والإلحاد وغير ذلك، وإنما ذكر القلوب؛ لأن القلوب هي محل الصلاح والفساد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[(195)]. قوله: {{لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } أي: ذل وعار، وذلهم وعارهم أما من جهة اليهود فبقتالهم والغلبة عليهم، وقد حصل والحمد لله ذلك، فإن قبائل اليهود التي كانت في المدينة منهم من قُتِل ومنهم من جُلِّي، فهذا خزيٌ في الدنيا، وأما في الآخرة فلهم عذاب عظيم لا يعلم كنهه؛ لأنه من الأمور الغيبية، ومن شاركهم في عملهم استحق مثل عقوبتهم، والمنافقون خزيهم أن الله عزّ وجل بَيَّنَ حالهم وكشف عوارهم، كما قال الله تبارك وتعالى: {{وَلَوْ نَشَاءُ لأََرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}} [محمد: 30] ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد علم أَسماء أُناس من المنافقين وأَخبر بهم حذيفة بن اليمان[(196)]، ولهذا يُقال: إنه صاحب السر. قوله: {{خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}} وهو عذاب النار، نسأل الله أن يجيرنا منها، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار من فوائد الآية الكريمة: الفائدة الأولى: الشهادة لمحمد صلّى الله عليه وسلّم أنه رسول، لقوله: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} }. الفائدة الثانية: تعظيم الله تعالى لرسوله؛ لأن صيغة النداء على هذا الوجه من علامة التعظيم، كما تقول: يا أيها الملك، يا أيها الأمير، يا أيها الكريم. الفائدة الثالثة: تقوية النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: تقوية قلبه وتسليته بقوله: {{لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } يعني لا يهمنك أمرهم، فإن عاقبتهم أن لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الأخرة عذابٌ عظيمٌ. الفائدة الرابعة: أن الناس يختلفون في الكفر، فمنهم من يسارع فيه بخطا حثيثة، ومنهم من هو دون ذلك؛ لأنه قسَّم فقال: {{لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} }، يعني وهناك أناس لا يسارعون فيه، فالداعية إلى الكفر مسارع فيه، وغير الداعية غير مسارع. الفائدة الخامسة: الإشارة إلى أن المدار في الإيمان على القلب، لقوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} } فالإيمان باللسان ليس إيماناً حتى يكون مبنياً على إيمان القلب، وإلا فإنه لا ينفع صاحبه. الفائدة السادسة: أن الإيمان محله القلب، لقوله: {{وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} }، ولكن إذا قال قائل: ألسنا مأمورين بأن نأخذ الناس بظواهرهم؟ الجواب: بلى، نحن مأمورون بهذا، لكن من تبين نفاقه فإننا نعامله بما تقتضيه حاله، كما لو كان معلناً للنفاق، فهذا لا نسكت عليه، أما من لم يعلن نفاقه، فإنه ليس لنا إلا الظاهر، والباطن إلى الله، كما أننا لو رأينا رجلاً كافراً فإننا نعامله معاملة الكافر، ولا نقول: إننا لا نكفره بعينه، كما اشتبه على بعض الطلبة الآن، يقولون: إذا رأيت الذي لا يصلي لا تكفره بعينه، كيف لا أكفره بعينه!! إذا رأيت الذي يسجد للصنم لا تكفره بعينه؛ لأنه ربما يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، هذا غلط عظيم، نحن نحكم بالظاهر، فإذا وجدنا شخصاً لا يصلي قلنا: هذا كافر بملء أفواهنا، إذا رأينا من يسجد للصنم قلنا: هذا كافر، ونُعَيِّنُهُ ونلزمه بأحكام الإسلام، فإن لم يفعل قتلناه، أما في أمر الآخرة لا نشهد لأحد معين، لا بجنة ولا بنار إلا من شهد له النبي صلّى الله عليه وسلّم أو جاء ذلك في القرآن. الفائدة السابعة والثامنة : أن من اليهود من هو سماع للكذب نقَّال للكذب، بمعنى أنه يصدق الكذب ولا يتحرى فيه ويقبله، وأيضاً ينقل الكذب وهذا شيء مشاهد، فينبني على هذه الفائدة أن من كان هذه حاله ففيه شبه من اليهود، فالذي يقبل الكذب ويتحدث به، ويأخذه مسلَّماً مشابهاً لليهود، والذي ينقل الكذب كذلك مشابه لليهود، فمن كذَّب أو صدَّق بالكذب، فإنه مشابه لليهود بلا شك، وهذا يقتضي الحذر من هذا الخلق الذميم. الفائدة التاسعة: تعاظم اليهود أعني أحبارهم، واستكبارهم عن الحضور إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكأنهم يظنون أنهم إذا حضروا فهذا ذل وصغار، ولكن الله أذلهم وأصغرهم ـ والحمد لله ـ بعدم إيمانهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم. الفائدة العاشرة: بيان هذا الوصف الذميم من اليهود، وهو تحريف الكلم، والمراد بالكلم هنا الوحي الذي جاءت به الرسل، التوراة والقرآن وغيرهما، قال العلماء: والتحريف نوعان: الأول: التحريف المعنوي، والقائلون به كثير، والثاني: التحريف اللفظي، والقائلون به قليل. أما الأول: التحريف المعنوي فهو أن يصرف كلام الله وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلى غير ما أراد الله ورسوله، سواء في الأمور العقدية أو في الأحكام الفقهية، إذا صرف النص عما لا يريد الله ورسوله، فإنه محرف للكلم، ولكن تحريف آيات الصفات أشد من تحريف غيرها من الآيات لسببين: الأول: لشرف موضوعه؛ لأن البحث في أسماء الله وصفاته هو من أشرف العلوم، حتى كانوا يسمونه الفقه الأكبر، الثاني: أنه ليس للعقل فيه مجال، فواجب الإنسان التسليم وعدم التحريف، فالتحريف هنا أشد من أن يحرف الإنسان آية في حكم من الأحكام أو حديثاً؛ لأن الأول يتعلق بالخالق، وهذا يتعلق بالمخلوق. الثاني: التحريف اللفظي ، وهو أيضاً محرم، ولكنه قليل، وذلك لأن محرف التحريف اللفظي إن كان لا يتغير به المعنى، فلن يقيم عليه؛ لأنه لا يستفيد، سوف يظهر الناس عليه حتى العامة سيردون عليه، وإن كان يتغير به المعنى، فقد جمع بين التحريف اللفظي والتحريف المعنوي، فالذي يقول: إن الله استوى على العرش، لكن معنى استوى: استولى، هذا محرِّف تحريفاً معنوياً، والذي قرأ: {{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}} [النساء: 164] بنصب لفظ الجلالة، هذا محرف تحريفاً لفظياً ومعنوياً؛ لأنه إذا قال: كلم اللـهَ موسى تكليماً، صار الكلام من موسى، وهذا تحريف معنوي، وإذا نصب لفظ الجلالة، فهو تحريف لفظي، والذي يقول: الحمد لله ربَّ العالمين، بنصب (رب) محرِّف تحريفاً لفظياً؛ لأن المعنى لا يختلف، لكن اللفظ يختلف، وكل أنواع التحريف المعنوي واللفظي محرم، ثم إن تعمد الشيء مع علمه بمراد الله ورسوله، فهذا قد يصل إلى الكفر والعياذ بالله؛ لأنه قال على الله ما يعلم أن الحق في خلافه. الفائدة الحادية عشرة : أن التحريف المذموم، هو الذي يقع بعد معرفة الإنسان للحق؛ لقوله: {{مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } وفي الآية الأخرى {{عَنْ مَوَاضِعِهِ}} [المائدة: 13] فهم يريدون أن يُزيلوا الكلم عن مواضعه. أما الإنسان الذي تأوَّل بتأويل سائغ فإنه لا يذم، ولا يُعد فعله تحريفاً يأثم به؛ وذلك لأن أهل التأويل لهم شُبَه، فهم فهموا أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه وهذا فهم خاطئ بلا شك، فقالوا: إذا قلت: إن معنى قوله تعالى: {{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}} [الأعراف: 54] إنه علا على العرش واستقر فقط؛ جعلته جسماً، والأجسام متماثلة، وما أشبه ذلك من الشبهات، وكذلك في مسألة اليدين والعينين، لكن لو قالوا: إن قوله: {{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}} بمعنى أنه أعدم العرش فهذا لا يصح؛ لأنه لا يسوغ، فالتأويل السائغ هو الذي له وجه في اللغة، فقولهم: استولى له وجه في اللغة؛ لأن استوى تأتي بمعنى العلو المعنوي، والعلو المعنوي معناه الملك والقهر والاستحواذ، وما أشبه ذلك من الشبهات. وهنا تنبيه وهو أن الصواب أنه لا فرق بين ما يقال عنه أصول وفروع ما دام أن النص يسوغ فيه الاجتهاد، ثم تأوله الإنسان فلا يقال: إنه آثم كما تقدم، ولكن يقال: إن هذا خطأ، ونحن وإن كنا قد نعد تأويلهم تحريفاً فإننا نأثم به إذا وافقناهم ونعلم أنهم على غير صواب، ولهذا قد يعذر القائل ولا يعذر التابع. الفائدة الثانية عشرة : أن من حرَّف الكلم عن مواضعه من هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، فيقتضي هذا التحذير من تحريف الكلم عن مواضعه؛ لئلا يقع الإنسان في مشابهة اليهود. الفائدة الثالثة عشرة : أن اليهود لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم، لقوله: {{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }. الفائدة الرابعة عشرة : ذم أولئك الذين لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم، وإذا لم يوافق أهواءهم ذهبوا يتطلبون الرخص من هذه الأمة، فإن كثيراً من الناس على هذا المنوال، إذا أُفتي بما تطمئن إليه نفسه قَبِلَهُ، وإلا ذهب يطلب آخرين يفتونه بما يشتهي، فهذا نقول: إن فيه شبهاً من اليهود. الفائدة الخامسة عشرة : شدة كراهة أحبار اليهود للحق، لقوله: {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }، لم يقولوا: فلا تأخذوه، بل قالوا: {{فَاحْذَرُوا} }، وهذا أشد وقعاً من قولهم: فلا تأخذوه، وكان مقتضى المقابلة أن يقال: وإن لم تؤتوه فلا تأخذوه، لكنهم قالوا: {{فَاحْذَرُوا} }. لو قال قائل: ما أسباب رد الحق عند علماء بني إسرائيل؟ الجواب: أقول: رد الحق قد يكون استكباراً، وقد يكون لشبهة تعرض للإنسان، ونحن نعلم أن علماء بني إسرائيل ردوا الحق استكباراً؛ لأن الله يقول: {{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ *}} [الشعراء: 197] ، لكن عوام بني إسرائيل لهم شبهة، وهي أن علماءهم يقولون: إن محمداً عربي، والله جلَّ وعلا يقول: {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}} [الجمعة: 2] ، ثم لا يذكرون قوله: {{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *}} [الجمعة: 3] ، فيشبهون. الفائدة السادسة عشرة : إثبات إرادة الله عزّ وجل، وأنها شاملة حتى لإرادة الإنسان لقوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} } واعلم أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية: وهي التي بمعنى المحبة، وإرادة كونية وهي التي بمعنى المشيئة، فهنا في قوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} }: الإرادة إرادة كونية، أي: من يشأ الله فتنته، كذلك قوله تعالى: {{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}} [الزمر: 38] الإرادة كونية أيضاً، وفي قول الله تبارك وتعالى: {{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}} [النساء: 27] ، هذه إرادة شرعية؛ لأنها لو كانت إرادة قدرية لتاب الله على جميع الناس، لكنها إرادة شرعية بمعنى أن الله يحب أن يتوب علينا. إذاً الفرق بين الإرادتين من حيث حقيقتيهما أن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة، والإرادة الكونية بمعنى المشيئة، والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية لا بد من وقوع مراد الله بها، والإرادة الشرعية قد يقع وقد لا يقع، والفرق الثاني: أن الإرادة الكونية تكون فيما يحبه الله وما لا يحبه الله، والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله. فإذا قال قائل: هل الله يريد الكفر؟ قلنا: فيه تفصيل، بالإرادة الكونية نعم، وبالإرادة الشرعية لا، وبه نعرف ضلال من يقول: كل ما وقع فهو محبوب إلى الله، وهذا غلط، لو أخذنا بهذا لزم من ذلك أن الله يحب الكفر والفسوق والعصيان، وهو عزّ وجل لا يحب هذا ولا يحب الفساد. لو قال قائل: الإيمان هل هو مراد لله كوناً أو شرعاً؟ الجواب: إن وقع فهو مراد كوناً وشرعاً، وإن لم يقع فهو مرادٌ شرعاً. لو قال قائل: قوله تعالى: {{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}} [الكهف: 77] هل فيها دليل أن للجمادات إرادة؟ الجواب: نعم، لها إرادة، لقوله تعالى: {{يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}}، فالجمادات لها إرادة، أليس النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «هذا أُحد يحبنا ونحبه» [(197)]؟ أليس تسبيح الحصى يُسمع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام[(198)]؟ أليس الله يقول: {{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}} [الإسراء: 44] . كل هذا يدل على أن الجماد له إرادة. الفائدة السابعة عشرة: أنه لا أحد يملك أن يغير مراد الله، لقوله: {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} }. الفائدة الثامنة عشرة : أن المدار في الصلاح والفساد على القلب، لقوله تعالى: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} }. الفائدة التاسعة عشرة : أنه يجب على الإنسان المستدل أن ينظر إلى النصوص من جميع الجوانب، وذلك أنك إذا نظرت إلى قوله: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } لقلت: إن إرادة الله تعالى لتطهير القلب مجرد مشيئة، لكن إذا قيدتها بالنصوص الأخرى عرفت أن عدم إرادة الله تطهير قلوب هؤلاء؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، كما قال الله تعالى: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، وكما يتضح هذا جلياً في قول الله تعالى: {{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}} [الأنعام: 124] . الفائدة العشرون: أن في الآية شاهد واضح لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله»[(199)]. الفائدة الحادية والعشرون : أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يطهر قلبه، وأن يعتني بأعمال القلب، واعتناء المرء بأعمال القلب يجب أن يكون أشد من اعتنائه بعمل الجسد؛ لأن عمل الجسد يقع من كل إنسان، من مؤمن ومنافق، لكن عمل القلب هو المهم. ـ أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً ـ. الفائدة الثانية والعشرون : بشارة النبي عليه الصلاة والسلام، بأن هؤلاء القوم لهم الذل والعار في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. الفائدة الثالثة والعشرون : الوعيد لهؤلاء لعلهم يرجعون، فإن الوعيد على المعصية من أسباب العدول عنها، بحيث لا يَقْدِمُ عليها، وإذا أقدم استعتب وتاب. الفائدة الرابعة والعشرون : إثبات أن لبني آدم دارين هما: الدنيا والآخرة، الدنيا: يكون عذابها إما من الله وإما من عباد الله، قال تعالى: {{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}} [التوبة: 14] هذا على أيدي الرسول وأصحابه، وقد يكون من الله عزّ وجل، كما إذا ابتلوا بالأمراض والقحط والجدب وغير ذلك، أما عذاب الآخرة فمن الله وحده، لا أحد يستطيع أن يعذب أحداً في الآخرة ولا أن يثيبه. تفسير ابن عثيمين عليه رحمة الله
-
بسم الله الرحمن الرحيم الكون كتاب يفشي كل سطر فيه سرًّا من أسرار الملأ الأعلى،غير أن سطور هذا الكون وأوراقه ستبقى مبعثرة ومشتتة حتى يأتي اليوم الذي يتحول فيه القرآن إلى نور ينهمر على وجه هذا الوجود. ويُجمع الناس -عدا أصحاب الفكر التقليدي- أنه عندما أشرق القرآن كشمس ساطعة زالت الغيوم السوداء التي كانت تجثم على الدنيا، وظهر الوجه الضاحك للوجود، وانقلبت جميع الأشياء إلى فقرات وجمل وكلمات لكتاب مؤنس ومبهج لقارئه. عند سماع صوته انهمرت الأنوار على عيون القلب، وبدأت المشاعر التي فارت في الأرواح، والألسنة التي أصبحت ترجمانا لهذه المشاعر بإنشاد أناشيد النور. أجل!... فاعتبارًا من اليوم الذي أضيئت به العيون والقلوب، كم من لغز في الكون كان ينتظر الحل منذ آلاف السنوات، وكم من مشاكل معقدة متداخلة بعضها مع البعض الآخر كانت تنتظر الحلول حلت الواحدة منها إثر الأخرى، وظهرت العلاقة الصحيحة بين الإنسان والوجود والخالق واضحة وضوح البدر التمام، ولبست كل الألغاز والمعميات لباس المعاني وانتظمت في مدارات الحكمة. وعندما كان القرآن يتنزل إلى الدنيا بموجات مختلفة من الأنوار لم يصرف أصحاب القلوب النيرة نظرهم عنه أبدًا، ولم يلتفتوا عنه، بل ارتبطوا به بكل جوارحهم وأرواحهم... أجل !... بينما كان ينزل من السماء كشلال ليملأ القلوب العطشى، فتح أصحاب القلوب الواعية صدورهم له ولم يضيعوا قطرة واحدة منه. استطاع هذا القرآن أن يوصل صوته إلى أبعد زاوية من زوايا الدنيا في قفزة واحدة، وأن يسكت كل أصوات الشؤم، وأثار في كل قلب ٍ يبتغي الحق ولا يملك فكرًا مسبقًا عواطف جياشة كأنها أصوات خرير الكوثر، وأطفأ في القلوب التي فتحها نيران الهجر، وفجر في كل روح أمل الوصال والشوق إليه. الطبائع الباردة تحرك فيها نبض الحرارة، أما القلوب المتولهة بحب الأبدية والخلود فقد أنست به وأطمأنت إليه. وإذا كان هناك من بقي جديدًا ونضرًا على الدوام في هذه الدنيا الفانية التي يقدم فيها كل جديد ويبلى فيها كل نضر، ويبهت فيها كل لون، فهو القرآن. فهو الكتاب الوحيد الذي استطاع أن يقف منذ نزوله في وجه جميع الأعاصير والعواصف التي هبت، والأمطار والثلوج التي سقطت، وفي وجه جميع الظروف القاسية التي ظهرت وبدت أمامه، واستطاع أن يحافظ على أصله ككتاب سماوي وحيد دون تغيير أو تحريف . لذا فما أن يرتفع صوت القرآن من حنجرة قارئ حتى نشعر وكأنه نزل الآن من السماء وكأننا مدعون إلى وليمة إلهية آتية من الجنة، وعندما ينثر اللآلي تشعر القلوب المؤمنة أنها قد سمت واستغنت عن جميع ثروات الدنيا. عندما يسمع صوته في أي بقعة يبدو كل كلام وكل تعبير آخر نوعًا من الضوضاء لا غير. وفي البقاع التي ترتفع فيها أعلامه يغمر النور قلوب المؤمنين، وتنزل الحجارة على رؤوس الشياطين، ويعيش الربانيون هناك أعيادًا دائمة. ربط الله تعالى رب العالمين ذو القوة المتين سعادة الدارين بإرشاده وتوجيهه. فلا يمكن الوصول إلى الهدف من دونه، ومن يستغنِ عن إرشاده ووصاياه ولا يلتجئ إليه يضِع في الطرق ويتِه. هو آخر وأكمل كلام يهدي من اتبعه وسار في إثره، ويوصله إلى الغاية والهدف. ومع أنه يتلى بكل سهولة صباح مساء فلا يستطاع الإتيان بمثله. ومن يستمع إليه بأعماقه يشعر أنه قد سمع كل ما يجب سماعه، وأصوات هؤلاء تتداخل على الدوام مع أنفاس الملائكة. بل إن العصور المظلمة التي جال فيها ظله أصبحت عصورًا ذهبية. أما العصور التي تعرفت به عن قرب وعاشته فقد تحولت إلى ما يشبه الجنة. من وهب نفسه له سما إلى مرتبة الملائكة، وأصبح كل ما في الكون من أحياء وجماد أليفًا عنده. من فهم القرآن حق الفهم تصبح البحار الواسعة كقطرة ماء، ومن تنور بنوره تتحول الشمس تجاهه إلى مجرد شمعة. أنفاسه التي نشعر بها في أعماق قلوبنا تحيينا، وضياؤه الذي يغمر الأشياء يجعل كل موجود برهانا للحق تعالى. من يصله صوته -وإن كان في أبعد أرض وأخفاها - تدب فيه الحياة وكأنه سمع صور إسرافيل. والقلوب التي تستمع لصوته وبلغته الخاصة به تتوثب حركة ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية : 20]. أجل هو بصائر ورحمة للذين لم تمت قلوبهم. لم يكن القرآن في أي يوم من الأيام -مثل غيره من الكتب- كتابًا بقي ضمن إطار زمن أو مكان معين من طفولة الإنسانية. بل هو معجزة كبيرة وشاملة وغنية تتجاوز كل الأزمنة والأمكنة، وتلبي جميع المطالب الإنسانية بدء من العقائد وانتهاء بأصغر الآداب الاجتماعية. وهو يستطيع حتى اليوم تحدي الجميع وتحدي جميع المتحديات. قام في العهد الذي نزل فيه بمواجهة جميع اعتراضات مخاطبيه، وتحداهم أن يأتوا بكتاب، أو حتى بسورة أو بآية من مثله. ذُهل منه المعارضون الأولون بأنه ساحر، وأنه له، وسحروا من بيانه ومن بلاغته، حتى اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، وأنه شاعر. وإزاء أخباره الغيبية التي أتى بها من وراء الأستار فقدوا صوابهم فقالوا عنه إنه كاهن، ولكنهم عجزوا تماما عن الإتيان بمثله. أي إن أبطال الشعر والنثر والخطابة وأعلامها من معارضيه اضطروا إلى الصمت والخرس والانسحاب إلى جحورهم. أما منكرو هذا العصر المعاندون فعلى الرغم من توارثهم روح المعارضة والإنكار من هؤلاء السابقين، إلا أنهم على الرغم من أنواع الديماغوغية والديالكتيك وجميع أنواع المجابهة والاعتراض لم يستطيعوا انجاز شيء خارج إظهار العجز والغضب. تغير الزمان وتعاقبت العصور واختلفت القناعات ووجهات النظر، وحميت حدة المعارضة والصراع، ولكن القرآن لا يزال واقفًا كالطود الشامخ وكالبحر الواسع وكالسماء التي لا تحدها حدود تجاه جميع المعارضين وتجاه جميع الاعتراضات. وهو مستمر في بث روعه وروعته في القلوب، وفي هداية العقول. منذ نزوله قبل أربعة عشر قرنًا وتربعه على عروش قلوبنا تقلبت عهود كثيرة ظهر فيها العديد من مشاهير البلغاء، ومدارس فكرية عديدة، ونظم عديدة وفلسفات مختلفة. وقد حاول العديد منها هدم القرآن واستعملوا لهذا الغرض كل ما لديهم من وسائل ومن سحر الكلام من بيان ومن بلاغة لهدم القرآن، وخاضوا على الدوام غمار الحرب معه، ولكنهم ُ غلبوا على الدوام وارتدوا على أعقابهم خائبين أمام الأسس القوية المتناسقة والمنطقية التي وضعها للكون وللوجود وللإنسان، والإيضاحات العميقة لهذه العلاقات. أجل لقد أتى القرآن بنظرة متميزة للكون وللأشياء وللإنسان بأسلوب غاية في الروعة والسحر. لأنه يتناول الإنسان ككل ضمن الوجود بأكمله، ولا يهمل أي شيء، بل يضع كل شيء مهما كان صغيرا في مكانه المناسب. الأجزاء فيه مرتبطة ارتباطًا وثيقا ودقيقا بالكل... والأجوبة المختلفة عن أدق الأسئلة التي تخطر على بال الإنسان في هذا المعرض الكوني الهائل ترد فيه. وبينما يعمد إلى تحليل أدق المسائل الموجودة سواء في عالم الشهود أم فيما وراء الأستار حتى أدق تفاصيلها، لا يدع هناك أي تردد أو شبهة أو علامة استفهام في العقول... أجل! إن القرآن في جميع هذه التفاصيل الدقيقة التي يوردها لا يدع أي ثغرة يؤتى منها لا في العقول ولا في القلوب ولا في المشاعر ولا في المنطق، لأنه يحيط بعقل الإنسان وبأحاسيسه وبمشاعره وإدراكه بشكل يجعل الإنسان وهو تحت تأثير هذا العشق يكاد يخرج من هويته الإنسانية ساميًا إلى الذات العلية. ومثل جميع السائرين في الطريق إلى الله تعالى ينتقل من الدهشة إلى الذهول ومن الذهول إلى بحر من العواطف المتلاطمة التي تجعله ينحني من الخشية وهو يقول: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف : 109]. إذن فهذا هو القرآن... المفتاح الذهبي لخزائن الكلمات التي لا تنفد ولا تنتهي، والإيمان هو شفرات أو أسنان هذا المفتاح السحري. ولا أعتقد أن من يملك مثل هذا المفتاح وهذه الشفرات سيحتاج إلى أي شيء آخر بخصوص مسائل القواعد والأسس العامة المتعلقة بالإنسان والوجود والكون. لقد أحدث القرآن في أول عهده بالنزول وأول عهده بتشريفه الدنيا تأثيرًا لا يمكن تصوره في الأرواح وفي العقول أيضا، بحيث أن درجة الكمال التي وصلت إليها الأجيال التي نشأت في جوه النوراني كانت معجزة قائمة بذاتها لا نحتاج معها إلى ذكر أي نوع آخر من معجزاته. ولا يمكن العثور على أي أمثال لهم في مستواهم من ناحية التدين والتفكير وأفق الفكر والخلق ومعرفة أسرار العبودية. فالحقيقة أن القرآن قد أنشأ جيلا من الصحابة آنذاك لا نبالغ إن قلنا إنهم كانوا في مستوى الملائكة. وحتى اليوم فهو ما يزال ينير قلوب المتوجهين إليه الناهلين من نبعه، ويهمس في أرواحهم أسرار الوجود. والذين يدعون أنفسهم بكل أحاسيسهم ومشاعرهم وقلوبهم وقابلية إدراكهم تسبح في جوه الذي لا مثيل له سرعان ما تتغير عواطفهم وأفكارهم، ويحس كل واحد بأنه قد تغير بمقياس معين وأنه أصبح يعيش في عالم آخر. أجل! ما أن يتوجه إليه الإنسان من كل قلبه، حتى لا يستطيع بعد ذلك الخلاص من تأثير سحره وجاذبيته. إن القرآن يتناول الطالب الذي جذبه نحوه فيعجنه ويشكله من جديد ويجعل منه شخصًا آخر تمامًا... شخصا رقيقًا ذا حساسية مرهفة، إلى درجة أن الإنسان يتأكد بأن أي تغيير لا يكون إلا به، بل يمكن في أحيان كثيرة تحقيق العديد من الأمور والتي كان يخيل من قبل أنها مستحيلة التحقيق، حيث تتحول هذه الأمور في ظله إلى حالة اعتيادية مما يذهل الجميع. والقرآن يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد : 31]. لأنه أجرى في القلوب والعواطف والأحاسيس وفي العقول تأثيرا بالغ المدى بحيث أن هذا التأثير لا يقل غرابة عن تسيير الجبال أو عن تقطيع الأرض أو تكليم الموتى، أو عن إحياء أجساد بالية منذ آلاف السنين. كان كل صحابي بطلًا في عالم القلب والروح، وكان مجتمع الصحابة مجتمعًا متميزًا مباركًا نشأ في ظل فيض القرآن وبركته. استطاع هؤلاء الصحابة إجراء تأثير عميق وكبير على قسم كبير من العالم، حتى إن عملهم هذا ما كان يقل من ناحية الروعة والخارقية عن قلع الجبال عن أماكنها أو سقي الأموات ماء الحياة أو ربط السماء بالأرض. وما كان هناك أي مجتمع آخر يمكن مقارنته بمجتمعهم الفريد هذا. فهؤلاء الصحابة الذين عُجنوا بروح القرآن وتشكلت أنفسهم حسب مبادئه السماوية، أي أصبحوا من ناحية الروح والمعنى ترجمانًا للقرآن، استطاعوا تحقيق المستحيلات وفتحوا به طرق الخلود أمام الأرواح الميتة، وغيروا وجه الدنيا، ونقلوا الإحساس بلذة عالم الروح إلى المجتمعات التي احتكوا بها وتعرفوا عليها، وكسروا الأقفال الموجودة على الأفكار وفوق الأفواه، ورفعوا الإنسان مرة أخرى إلى المرتبة الرفيعة التي رفعه الله إليها وشرفه بها، وقدموا نظرة جديدة وتفسيرًا جديدًا لموقع الإنسان في الكون بين الموجودات، وركزوا الأنظار على السر العميق الموجود بين الأوامر التكوينية وبين القواعد الشرعية، شارحين وموضحين الغاية والحدود النهائية للقلب والإرادة والأحاسيس والمشاعر، ومحركين وباعثين أصول وأسس القيم الكامنة والنسبية الموجودة في روح الإنسان، لكي يوجهوا الإنسان العادي إلى طريق الإنسان الكامل، فنجحوا في جعل الإنسان يحس في كل ما يقع بصره عليه أو يصل إليه بأحاسيسه، أو يحس به في قلبه أصابع الإرادة والقدرة الإلهية اللانهائية، أي ربط كل شيء وإرجاعه إلى صاحبه الأصلي. إن كان المؤمن مرتبطًا بهذا المقياس بقلبه وروحه وبمشاعره وبأفكاره وبعقله بالله يكون قد ابتعد تمامًا عن سطحية الارتباط بالجسد وبمطالبه، وينظر إلى الحياة من زاوية أخرى ويرى لها طعمًا آخر، أي ينتبه إلى ما وراء أفق هذه الحياة. ومثل رجل الحقيقة هذا يرى ويشاهد في كل شيء في هذا الوجود العلم الإلهي مرفرفًا عليه، ويد القدرة عاملة فيه، فيحس برجفة، وتتداخل في نفسه مشاعر الأمل والقرب مع الخشية والرهبة. ومع كونه يعيش في الدنيا إلا أنه يحس وكأنه في ذروة من ذرى الآخرة. عندما يأخذ نفسًا يحس بالأمل والترقب، وعندما يعطي نفسًا يحس بالمخافة والمهابة ويتجول دائما في الساحة التي رسمها القرآن ويعيش حياته في ظلال القرآن وألوانه.
-
هل تعلم كم مره ذكر اسم محمد (صلى الله عليه وسلم ) فى القرآن؟.... الكثير من المسلمون لا يعرفون هذه الاجابة و ها نحن نقدمها لكم اليوم و ارجو ان لا تنسونا من صالح دعائكم ... الاجابه : ذكر اسم محمد (صلى الله عليه وسلم ) فى اربع سور وهم 1) سورة ال عمران (وَمَا مُحَمَّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران : 144 ) 2) سورة الاحزاب (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب : 40 ) 3) سورة محمد (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (محمد : 2 ) 4) سورة الفتح (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح : 29 )
-
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله هل اشتاقت روحك لتلاوة أعطر الآيات من كتاب الله؟ هل خصصت لهذا الكتاب العظيم وقتاً من يومك؟ متى كانت آخر مرة ختمت فيها القرآن؟ ما مدى تأثرك بكلام الله؟ أسئلة كثيرة تدل إجاباتها على مدى اتصالنا بكلام الرحمن ، وتكشف لنا حقيقة ما عندنا من الإيمان . الاتصال بكتاب الله يحيي القلب ، ويبث الإيمان ، ويربط الروح بالله ، ويطمئن النفس ، ويزيد الأنس ، ويمتع النظر ، ويحفظ القلب من الآثام ، ويشغل الفكر بما يفيده في الدنيا والآخرة ، ويحميه من الأفكار والخيالات الفاسدة. مهما كان انشغالنا ، وازدحام الأعمال بين يدينا ، وتراكم المهام في دفتر يومياتنا ، فلا يصح أبداً أن ننشغل بشيء - مهما كان – عن تلاوة كلام الله ، والاتصال بآياته المحكمة وعظاته المؤثرة . أي خسران هذا ، وأي غبن نقع فيه عندما ننشغل عن كتاب الله بما هو دونه ، بزعم أننا لا وقت لدينا ، مع علمنا بجزيل الثواب لمن يتلو آيات الكتاب ، فكلنا يعلم أن الحرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، فكل حرف بعشر حسنات! لكن المصيبة أن هذا الغبن لا يظهر إلا في يوم التغابن ، يوم توزن الحسنات والسيئات بميزان القسط الذي يبين فيه مثقال الذرة (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) ، ذلك اليوم الذي يقول فيه العبد (يا ليتني قدمت لحياتي) . ألا يستحي أحدنا من الله أن يكون داعية ، أو طالب علم ، أو إماماً ، أو ملتزماً بدين الله ، وتمر عليه الأسابيع لم يفتح فيها مصحفاً ، ولم يقرأ فيها جزءاً واحداً ، ولا عهد له بختم القرآن إلا في رمضان الماضي؟! إذن أخي الغالي ، اجعل لك ورداً يومياً تقرؤه من كتاب الله ، مهما كان انشغالك ، ورتب جدولاً لختم القرآن ، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يختمونه كل أسبوع مرة ، حدد مقدار تلاوتك بما يتناسب مع طاقتك ، وليكن جزءاً في اليوم كبداية مناسبة ، وبهذا تختم القرآن تلاوة مرة كل شهر . وهاك بعض التوصيات التي تعينك على ذلك بإذن الله : 1) اشتر مصحفاً صغيراً (مصحف الجيب) ، واجعله رفيقك أينما حللت وحيثما ارتحلت ، فذلك أدعى للارتباط بكتاب الله ، لو كان اهتمامنا باصطحاب المصحف معنا أينما كنا كاهتمامنا باصطحاب الهاتف الجوال لتغيرت أحوالنا! 2) حدد مقداراً ثابتاً للتلاوة كل يوم ، كالجزء أو الجزأين مثلاً. 3) اجعل لك رفيقاً صالحاً يعينك على تلاوة هذا الورد اليومي ، ولتكن بينكما منافسة . 4) خصص وقتاً محدداً من يومك لتلاوة هذا الورد اليومي ، وليكن في فترة النهار ، حتى تستطيع أن تعوض ما فاتك من التلاوة ليلاً إذا حدث لك ظرف طارئ. 5) استغل وقت فراغك في تلاوة المزيد من كتاب الله ، فعندك أوقات كثيرة تضيع في الانتظار ، وتهدر في ما بين الأعمال الكبيرة ، دون أن تشعر بها . كثير ممن يزعمون أنهم لا يجدون وقتاً هم في الحقيقة مشغولون بلا مهمة ، تضيع منهم أوقات كثيرة بسبب عدم استعدادهم لاستغلالها ، وعدم تخطيطهم لاستثمارها. كم من طلاب الجامعات والموظفين من يستقل المواصلات العامة ، ويقضي أكثر من ساعتين أو ثلاث يومياً ذهاباً وإياباً ، دون أن يقرأ فيها حرفاً واحداً يكون له ذخراً في يوم الحسرات . نسأل الله تعالى ، أن يوفقنا لتلاوة كتابه ، والعمل به ، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا ، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته .
-
-
كشفت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية في تقرير مصور لها، عن ظهور ونمو نوع نادر وفريد من نوعه من الليمون، والذي يطلق عليه "الليمون الأحمر" في المزارع البريطانية. وتظهر تلك الصور كيف أن حبات الليمون لونها أحمر قانٍ، وفي نفس الوقت قلبها أصفر طبيعي مائل إلى الاحمرار كشكل الليمون الطبيعي. كما أن طعمه يجمع في نكهاته بين البرتقال والليمون الحامض، وأن هذا النوع النادر ينمو للمرة الأولى في بريطانيا. وقامت بزراعة ذلك النوع النادر في بريطانية شركة متخصصة في المنتجات الزراعية الشتوية، ووجدته ملائماً مع الطقس الإنجليزي بالتحديد في مقاطعة "ديفون". وقال المتحدث باسم الشركة: "طرحنا أشجار الليمون الأحمر تلك للبيع، ونعتقد أن شكلها الغريب سيدفع الكثيرين لزراعتها، كما أن طعمها مميز بصورة كبيرة ورائحتها تجمع بين الليمون والبرتقال". وتابع قائلاً: "الحبة الواحدة من هذا الليمون غضة للغاية، وقشرتها ذات اللون الأحمر هذا يمكن أن يستخدم في تزيين الأكل، أو حتى يمكن بشرها في أي نوع مفضل من الأكل لديك فهو يعطي طعماً ونكهة ولوناً مختلفين للغاية".
-
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ضفدع الحليب الامزوني ضفدع الحليب الأمازوني هو ضفدع ضخم يعيش على الأشجار في غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية. طوله يتراوح بين 6 – 10 سنتيمترات. عندما تكون الضفادع صغيرة يكون لونها أبيض مع خطوط بنية ولكن يتحول البياض إلى رمادي مع البلوغ. أما التسمية فلا تأتي من ألوانها، بل من السائل الذي تفرزه الذي يشبه لونه الحليب. أتمنى ان تروق لكم
-
-
طلب استايل
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ Mr ToDAY في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's أرشيف أقسام الطلبات
-