-
مجموع الأنشطة
1792 -
تاريخ الانضمام
-
آخر نشاط
نوع المحتوي
الاقسام
المدونات
Store
التقويم
التحميلات
مكتبة الصور
المقالات
الأندية
دليل المواقع
الإعلانات
كل منشورات العضو Mr ToDAY
-
ومن الناس من يعبد الله على حرف
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
جهلت عيون الناس ما في داخلي
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
على قدر عطائك يفتقدك الاخرين
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
قَلَمٌ يُبْهِرُكَ .... وَقَلَمٌ يَقْهَرُكَ
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
أقوال وحكم عن الصداقة.
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
ابــدأ يومـك بالحــب ♥ ♥ وودعـه بالحـــب ♥
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
نظرة مؤلمة للمستقبل
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
سطور..... تعرفها النساء !!
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alizezo2000 في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
# للحزن نور ولا يدري احد #
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ سفير الحب في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
وتشرق الشمس ولا زلت حية !
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
أربعـــة أشياء اذا ذهبت لا تعـود ؟
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
وجوه في الحياه
قام Mr ToDAY بالرد على موضوع لـ alfahloy-alfahloy في نادي الفهلوى ديزاين للإبداع's ارشيف الموقع
-
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ... إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا تحصى، وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين ـ الجن والإنس ـ أن بعث فيهم عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، ويرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة، وقد نوّه الله بهذه النعمة العظيمة في كتابه العزيز فقال: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (آل عمران:164 ) . ولما كانت نعمة الله تعالى على المؤمنين بإرسال رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم عظيمة، أمرهم الله تعالى في كتابه العزيز أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما، بعد أن أخبرهم أنه وملائكتَه يصلون عليه، فقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب:56). ذكر ابن كثير في تفسيره: " أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا .." . وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : " يصلون: يُبرِّكون، أي يدعون له بالبركة ". وقال البخاري : قال أبو العالية : "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء" . والصلاة والسلام على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل القربات، وأجل الأعمال .. أما كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد بيّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - . عن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ( البخاري ) . وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ( أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم ) ( مسلم ). وهذه (الكيفية) التي علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - هي أفضل كيفيات الصلاة عليه .. وممن استدل بتفضيل الكيفية التي أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بها، الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فقد قال: " واستدل بتعليمه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف والأفضل .." . وقد درج السلف الصالح، ومنهم المحدِّثون بذكر الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره بصيغتين مختصرتين: إحداهما: ( صلى الله عليه وسلم )، والثانية: ( عليه الصلاة والسلام ). وقال النووي في كتاب الأذكار: " إذا صلى أحدكم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: (صلى الله عليه) فقط، ولا (عليه السلام) فقط ". أما فضائل وثمرات الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد ذكر ابن القيم في كتابه( جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ) فضائل وثمرات كثيرة للصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، منها : امتثال أمر الله تعالى، وسبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات، وشفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه، وأنها سبب لقرب المسلم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة، وأنها سبب لصلاة الله والملائكة على المسلم، وسبب استجابة الدعاء، وسبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم، وسبب لطيب المجلس، وأنها تنفي عن قائلها صفة البخل، وسبب لدوام محبة قائلها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنها متضمنة لِذْكر الله وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهداية الناس .. صلاة بصلوات عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ) ( مسلم )، وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( منْ ذُكِرتُ عنده فليصل عليَّ، ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ) ( النسائي )، وعن عامر بن ربيعة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( ما من عبد يصلي عليَّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي، فليُقِل العبد من ذلك أو ليكثر ) ( أحمد ). رفع للدرجات وحط للسيئات عن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أصبح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر. قالوا يا رسول الله: أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر. قال: أجل، أتاني آت من عند ربي عز وجل، فقال : من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها ) ( أحمد ). مغفرة للذنوب وكفاية الهموم عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه . قال أُبَي : قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي(دعائي)؟ فقال: ما شئت . قال: قلت: الربع؟، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك . قلت: النصف قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك . قال: قلت: فالثلثين؟، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك . قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟، قال: إذا تُكفى همك ويغفر لك ذنبك ) ( الترمذي ). وذلك لأن الصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشتملة على ذكر الله تعالى، وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه، وإيثاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعاء والصلاة عليه، ومن ثم كانت النتيجة أن تُكْفى ما أهمك من أمور دنياك وآخرتك .. سبب لنيل شفاعة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) ( مسلم ) . عرض اسم المصلي على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد، فليس من أحد يصلي علي إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي عليَّ عبد صلاة إلا صلى عليه عشر أمثالها ) ( الطبراني ). وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( إن لله عز و جل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) ( أحمد ). انتفاء صفة البخل عن الذي يصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( البخيل منْ ذُكِرْتُ عنده ثم لم يصل عليَّ ) ( أحمد ) . طُهرة من لغو المجالس عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرة( نقص وحسرة)، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ) ( الترمذي ) . الصلاة على النبي من أسباب إجابة الدعاء عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال :" كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ( الطبراني ) .. صلاتك على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ دليل إلى الجنة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من نسي الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة ) ( ابن ماجه ) .. هذا بعض ما ورد من أحاديث صحيحة في فضل الصلاة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. يقول ابن حجر : ".. وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية، وأما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك " .. ولا شك أن ما جاءت به السنة، وفعله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، هو الطريق المستقيم، والمنهج القويم، والفائدة للآخذ به محققة والمضرة عنه منتفية، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )( البخاري ). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ) ( أحمد) . ولذا فإن على المسلم أن يحذر من بعض الكتب في الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي اشتملت على الغث والسمين، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وفيها مجاوزة للحق والسنة، ووقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن من نهج الصحابة، وهم أشد وأصدق الناس حبا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وقد حذر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته من الغلو فيه، فقال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )( البخاري ) . والإطراء : مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه .. وقد ذكر أهل العلم أوقاتا وأحوالا يُستحبُ عندها أن نصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها: عند الصباح والمساء، وقبل الدعاء، وعقب دعاء القنوت، وعند ختام المجلس، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند الصفا والمروة في الحج والعمرة، وفي تشهد الصلاة، وفي صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، ويوم الجمعة، وفي الخطب: كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها، وعند ذكره وسماع اسمه، أو كتابته، وبعد الأذان، ويوم الجمعة .. إن الصلاة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم القربات والطاعات، كما أنها علامة من علامات محبة المسلم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فعلينا أن نكثر من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين، وأن نوقره بالإجلال والإكرام، ونقدم قوله وطاعته على طاعة كل أحد، وأن نخضع لهديه ونقتدي به في جميع حركاته وسكناته .
-
[center][rtl]الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله[/rtl] [rtl]من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له[/rtl] [rtl]و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ،أما بعد يطيب لي مرة اخرى إخوة الايمان في منتدى السنة النبوية وأعلام الامة أن اضع بين أيديكم السلسسة المعروفة برجال حول الرسول [/rtl] [rtl] [/rtl] اليوم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هو صهيب بن سنان بن مالك ويقال: خالد بن عبد عمرو بن عقيل، ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري، أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي قيل له ذلك؛ لأن الروم سبوه صغيرًا. قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم فصار ألكن، ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي، فأعتقه. حال صهيب الرومي في الجاهلية: لقد كان والده حاكم (الأبلة) ووليًّا عليهـا لكسرى، فهو من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل، وله قصـر كبير على شاطئ الفرات، فعاش صهيب طفولة ناعمة سعيدة، إلى أن سبي بهجوم رومي، وقضى طفولته وصدر شبابه في بلاد الروم، وأخذ لسانهم ولهجتهم، وباعه تجار الرقيق أخيرًا لعبد اللـه بن جدعان في مكة وأعجب سيده الجديد بذكائه ونشاطه وإخلاصه.. ونتيجة إعجاب سيده بذكائه ونشاطه وإخلاصه أعتقه وحرره وأخذ يتاجر معه حتى أصبح لديه المال الكثير. [/center]
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله تعالى يقول : يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدُّ فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ) رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده وغيرهم ، وحسنه الترمذي وصححهالألباني . [b]معاني المفردات تفرغ لعبادتي : تفرغ من مهماتك وأشغالك الدنيوية لطاعتي والتقرب إلي بأنواع القرب . أملأ صدرك : أي قلبك . عز العبودية عبادة الله هي المهمة العظيمة التي من أجلها خُلق الخلق ، وهي بمفهومها الشامل لا تقتصر على أداء الشعائر التعبدية - من صلاة وصيام وحج وذكر وغير ذلك - فحسب ، ولكنها تمتد لتنتظم حياة الإنسان كلها بشتى جوانبها وأنشطتها بحيث لا يخرج شيء منها عن دائرة التعبد لله رب العالمين ، وتمتد كذلك لتشمل جميع ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } (الأنعام: 162) . ولا يبلغ الإنسان ذروة الكمال البشري في العزّة والشرف والحرية حتى يحقق هذه الغاية ، وقد وصل إلى هذا الكمال أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ، وفي مقدمتهم نبيّنا محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، الذي خاطبه ربُّه جل وعلا في أعلى مقاماته - مقامِ تلقي الوحي ومقامِ الإسراء - بوصف العبودية ، باعتبارها أرقى وأعظم وأشرف منزلة يرقى إليها الإنسان ، فقال سبحانه : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا } (الكهف: 1) ، وقال في مقام آخر : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } (الإسراء: 1) ، وكلما ازداد العبد تحقيقاً لهذه العبودية كلما ازداد كماله وعلت درجته . وكل من تعلّق قلبه بمخلوق وأحبَّه ، وعلق عليه نفعه وضرَّه فقد وقع في ربقة الرقّ والعبودية له ، شاء أم أبى ، إذ الرقّ والعبودية في الحقيقة ، هو رقُّ القلب وعبوديته ، ولهذا يُقال: " العبد حرٌّ ما قنع ، والحرُّ عبدٌ ما طمع " ، وكلّما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه في قضاء حاجاته ، كلما قويت عبوديته وحريته عمَّا سواه ، كما قيل : " احتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، وأحسن إلى من شئت تكن أميره " . حقيقة الغنى ولهذا فإن حقيقة الغنى إنما هي في القلب ، وهي القناعة التي يقذفها الله في قلوب من شاء من عباده ، فيرضون معها بما قسم الله ، ولا يتطلعون إلى مطامع الدنيا أو يلهثون وراءها لهث الحريص عليها المستكثر منها ، وقد بين ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ليس الغنى عن كثرة العرَض ، ولكن الغنى غنى النفس ) كما في البخاري ، وقال لأبي ذر : ( أترى أن كثرة المال هو الغنى ؟! إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب ، من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا ، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا ، وإنما يضر نفسه شحها ) رواه ابن حبان وصححه الألباني . وكم من غني عنده ما يكفيه وأهله عشرات السنين ، ومع ذلك لا يزال حريصاً على الدنيا ، يخاطر بدينه وصحته ، ويضحي بوقته وجهده ، وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس ، مع أنه قد لا يجد قوت غده ، فالقضية إذاً متعلقة بالقلوب وليست بما في الأيدي . يقول عمر رضي الله عنه : " إن الطمع فقر ، وإن اليأس غنى ، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه " ، وسئل أبو حازم فقيل له : ما مالُك ؟ قال : لي مالان لا أخشى معهما الفقر : الثقة بالله ، واليأس مما في أيدي الناس " ، وقيل لبعض الحكماء : ما الغنى ؟ قال : " قلة تمَنِّيك ، ورضاك بما يكفيك " ، وقد أحسن من قال : ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر بين همَّيْن وهذا الحديث العظيم يضع للعبد علاجاً عظيماً للهموم والغموم التي يتعرض لها في حياته الدنيا ، هذا العلاج هو الاشتغال بما خلق له وهو عبادة الله عز وجل ، والاهتمام بأمر الآخرة ، فإن العبد إذا شغله همُّ الآخرة أزاح الله عن قلبه هموم الدنيا وغمومها ، وخفف عنه أكدارها وأنكادها ، فيصفو القلب ويتجرد من كل الأشغال والصوارف ، يقول - صلى الله عليه وسلم - :( من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه ، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك ) رواه ابن ماجة وغيره بسند حسن . وفي حديث الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) صححه الألباني . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها ، وحمَل عنه كلّ ما أهمّه ، وفرّغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه ..... " . [/b][center]فعلى العبد أن يقنع بما قسم الله له ، وأن يثق بوعد الله وحسن تدبيره له ، وألا يكون شديد الاضطراب والخوف مما يستقبل ، فالمستقبل بيد الله ، وأن ينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا ، وليستعن على ذلك بقصر الأمل واليقين بأن الرزق الذي قُدِّر له لا بد وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه ، فليست شدة الحرص هي السبب لوصول الأرزاق . المصدر.إسلام ويب [/center]
-
ن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى :( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم . [b]منزلة الحديث هذا الحديث من أحاديث الرجاء العظيمة التي تحث المسلم على حسن الظن بالله جل وعلا ، والإكثار من ذكره ، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع الطاعات . غريب الحديث ملأ : المَلأ أشراف الناس ورؤَساؤهم ومقَدَّموهم الذين يُرجَع الى قولهم ، والمقصود بهم في هذا الحديث الجماعة . حسن الظن بالله بدأ الحديث بدعوة العبد إلى أن يحسن الظن بربه في جميع الأحوال ، فبَيَّن جل وعلا أنه عند ظن عبده به ، أي أنه يعامله على حسب ظنه به ، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر ، فكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيما عنده ، فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله ، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله سيجيب دعاءه ، وإذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر ذنبه ، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله ويجازيه عليه أحسن الجزاء ، كل ذلك من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - ( ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي ، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه ، وحسن الرجاء فيما عنده ، كما قال الأول : وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع وبذلك يكون حسن الظن بالله من مقتضيات التوحيد لأنه مبنيٌ على العلم برحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وحسن التوكل عليه ، فإذا تم العلم بذلك أثمر حسن الظن . وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم ، فقال عن المنافقين حين تركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في غزوة أحد : { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } (آل عمران: 154) ، وقال عن المنافقين والمشركين : { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء } (الفتح: 6) . والمراد من الحديث تغليب جانب الرجاء ، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد ، بل سيختار الظن الحسن وهو ظن الثواب والعفو والمغفرة وإيقاع الوعد وهذا هو الرجاء ، وخصوصاً في حال الضعف والافتقار كحال المحتضر فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل وعلا ولذلك جاء في الحديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه . فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من كبائر الذنوب , ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه ، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق حديث الباب ( فليظن بي ما شاء ) رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح . بين اليأس والغرور ومما ينبغي أن يُعْلم في هذا الباب أن حسن الظن بالله يعنى حسن العمل ، ولا يعني أبداً القعود والركون إلى الأماني والاغترار بعفو الله ، ولذا فإن على العبد أن يتجنب محذورين في هذه القضية : المحذور الأول هو اليأس والقنوط من رحمة الله ، والمحذور الثاني هو الأمن من مكر الله ، فلا يركن إلى الرجاء وحده وحسن الظن بالله من غير إحسان العمل ، فإن هذا من السفه ومن أمن مكر الله ، وفي المقابل أيضاً لا يغلِّب جانب الخوف بحيث يصل به إلى إساءة الظن بربه فيقع في اليأس والقنوط من رحمة الله ، وكلا الأمرين مذموم ، بل الواجب عليه أن يحسن الظن مع إحسان العمل ، قال بعض السلف : " رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق " . جزاء الذاكرين ثم أتبع ذلك ببيان فضل الذكر وجزاء الذاكرين ، فذكر الله عز وجل أنه مع عبده حين يذكره ، وهذه المعية هي معية خاصة وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد كقوله سبحانه لموسى وهارون :{ إنني معكما أسمع وأرى } (طـه: 46) ، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان وتدبر الذاكر معانيه ، وأعظمه ذكر الله عند الأمر والنهي وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي . جزاء القرب من الله ثم بين سبحانه سعة فضله وعظيم كرمه وقربه من عبده ، وأن العبد كلما قرب من ربه جل وعلا ازداد الله منه قرباً ، وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه قريب من عبده فقال : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186) ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم ، ففي هذه الجمل الثلاث في هذا الحديث وهي قوله تعالى : ( وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ما يدل على هذا المعنى العظيم ، وهو أن عطاء الله وثوابه أكثر من عمل العبد وكدحه ، ولذلك فإنه يعطي العبد أكثر مما فعله من أجله ، فسبحانه ما أعظم كرمه وأجَلَّ إحسانه .[/b]
-
[center] [center]إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] [rtl] حتى تكون القدوة حسنة دين الإسلام دين القدوات العظام وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء - عليهم السلام - وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم أصحابه -رضوان الله عليهم- ثم من تبعهم بإحسان، وكان إبراز هذا الأمر متحقق من خلال التالي: 1. إبراز القرآن الكريم لجملة من قصص الأنبياء وسيرهم - عليهم السلام -، وكذا سيرة الحبيب محمد بن عبد الله -صلى الله عليهم وسلم-، وما كان من جهود أهل العلم في تفسير تلك الآيات وبيان معانيها. 2. الأحاديث والكتب المؤلفة في السيرة والشمائل النبوية. 3. الاهتمام بشروح الأحاديث والتأكيد على جانب مكامن القدوة الحسنة في السيرة العطرة. 4. كتب السير والتراجم. * لماذا القدوة الحسنة: أهمية وجود القدوة الحسنة تتمثل في التالي: 1. مع ظهور كثير من القدوات السيئة لابد أن نحرص على إيجاد النماذج للقدوات الحسنة. 2. القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية: تعطي للآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، وأن هذا العمل في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال. 3. مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت: ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: [إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ - فَنَبَذَهُ وَقَالَ: - إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا] فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. رواه البخاري ومسلم. • مقومات القدوة الحسنة: 1. الإخلاص: وهو أن يقصد المسلم بأقواله وأفعاله التقرب إلى الله والتوصل إلى دار كرامته، وهذا مقوم عظيم من مقومات القدوة الحسنة إن لم يكن هو أساسها ولبها، وجميع المقومات التي تليه مبنية عليه. 2. العمل الصالح وفق منهج الإتباع: فلا يكون قدوة حسنة من يخالف عمله سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون قدوة حسنة من يبتدع في دين الله ما ليس منه، ولا يكون قدوة حسنة من يجاهر بالمعاصي والعمل السوء. 3. موافقة العمل القول: فهما قرينان، ولا يكون قدوة حسنة أبداً من تخالف أفعاله أقواله، وأعماله كلامته، قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَالصف2. 4. علو الهمة: فعلو الهمة عامل مساعد في مقومات القدوة الحسنة، والقدوة الحسنة نوع من التميز ولهذا ينبغي لصاحبها أن يكون صاحب همة عالية وعزيمة متوقدة. 5.التحلي بالأخلاق الحميدة:وخاصة أمهات الأخلاق كالحلم والصبر والصدق والشجاعة والوفاء والحكمة والعدل وغيرها. الكـاتب : محمد بن عدنان السمان[/rtl] أسأل الله تعال أن يشغلنا بذكره وطاعته [b]ويطهر ألسنتنا..من كل ما يغضبه .. [/b][/rtl] [/center][/center]
-
[b][font defaultattr=][b][font defaultattr=] [/font][/b][/font][/b] [center][ltr]وقفات مع حديث جبريل (2-3)[/ltr][ltr] [/ltr][ltr] [/ltr] (عن عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجلشديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عنالإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر، خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم) رواه مسلم.. نقف مع هذا الحديث العظيم الذي بين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- مراتب الدين، ونخصص وقفتنا مع ما يتعلق بأمر الإيمان والاعتقاد. الوقفة الرابعة: - معنى توحيد الأسماء والصفات: توحيد الله بأسمائه وصفاته يعني: إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، ونفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم- من صفات النقص، كما قال تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى 11]. وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي عن هذا التوحيد: (هو اعتقاد إنفراد الرب - جل جلاله- بالكمالالمطلق من جميع الوجوه، بنعوت العظمة والجلال، والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه.وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم- من جميع الأسماء، والصفات، ومعانيها، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة، على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها، ولا تعطيل،ولا تحريف، ولا تمثيل، ونفي ما نفاه الله - جل جلاله- عن نفسه، ونفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم- من النقائص والعيوب، ومن كل ما ينافي كماله.)) أ. هـ يجلي ذلك ويوضحه قوله – سبحانه: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى 11]. فقد نفى مشابهة شيء فيه سبحانه، وأثبت لنفسه اسمي السميع، والبصير، المتضمنين صفتي السمع والبصر. فالواجب إثبات اسم السميع والبصير اللذين يشتق منهما صفتا السمع والبصر، فيسمى الله بالسميع، ويوصف بأن له سمع، لكن لا يشبه أحد من خلقه، فتثبته له إثباتاً يليق بجلاله وعظمته.وبناءً على هذا يظهر لنا:1- ثبوت اسم السميع.2- ثبوت هذه الصفة التي يتضمنها هذا الاسم لله - عز وجل- وهي صفة السمع.3- ثبوت حكمها، ومقتضاها، وهوانه – سبحانه-، يسمع السر والنجوى، وما تخفي الصدور، قال – سبحانه-: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [سورة طه 7].الوقفة الخامسة:- أهمية توحيد الله بأسمائه وصفاته:إن من أوجب الواجبات أن يؤمن العبد، ويوحد ربه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، على النهج السلفي الصحيح، فلهذا التوحيد أهمية عظمى، يظهر أثرها على حياة المسلم في الدنيا والأخرى، ومن جوانب هذه الأهمية: أن هذا التوحيد عبادة الله - عز وجل- وطاعته له سبحانه، والإيمان به، على الوجه السليم يُؤَمِّنُ العبد من الوعيد الشديد في الآخرة، ويسلمه من الانحراف والزيغ، الذي وقعت فيه الطوائف المنحرفة في الدنيا قال تعالى: ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [سورة الأعراف 180]. والعلم بهذا التوحيد من أشرف العلوم، ومطلب من أعلى المطالب؛ لأن شرف العلم إنما يكون بشرف المعلوم،وهو الله سبحانه وتعالى، فالعلم به، وبأسمائه، وصفاته، شرف عظيم، ومطلب أكيد. ولذا كانت أعظم آية في القرآن الكريم هي آية الكرسي؛ لاشتمالها على هذا التوحيد، وأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن؛ لأنها أخلصت في وصف الله تعالى.الوقفة السادسة:- ثمرات الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات: ولهذا كان لهذا الإيمان بهذا التوحيد، واستشعار أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى في القلوب، وجلاء معانيها،أثر عظيم، وثمرات جلى، ومن أهم هذه الثمرات الجلية: أنه بهذا العلم يعرف ربه، وخالقه، وإلهه، ومعبوده، فالعلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفته – سبحانه-، ومما يشين العبد أن يكون جاهلاً بربه وخالقه، ومن ثمرات هذا التوحيد أنه يثبت الإيمان في القلوب، ويقوي الخشية في النفوس، وينمي الخضوع، والخشوع، ويثمر مراقبة الله في الخلوات، وهكذا إذا استحضر العبد أسماء ربه وخالقه - جل وعلا-، وصفاته العظيمة، ملأت قلبه تعظيماًوإجلالا له, وأسماء الجمال, والبر, والرحمة, والإحسان, والجود, تملأه محبة له, وشوقاً إليه, ورغبة فيما عنده, وحمداً, وشكراً له, وهكذا. فإذا استشعر العبد أن الله عليم رقيب ومشاهد، راقب الله تعالى، وعلم أنه مطلع عليه في خلوته، ومع خلقه، وفي حركاته، وسكناته، فلا يطلع إلا على عمل صالح، وقول طيب، ونية خالصة. وإذا استشعر أن الله غني كريم، لجأ إليه، وطلب الغنى منه، وإذا استشعر أن الله هو الشافي، لجأ إليه في سرائهوضرائه، ولم يطلب الشفاء إلا منه، ولا يتعلق قلبه إلا به – سبحانه-. فكثر افتقاره إليه، والتفاته إليه، وعز بعزه، واغتنى عن خلقه، ولم يذل إلا إليه. وإذا استشعر العبد أن الله – سبحانه وتعالى- هو القوي، استمد القوة منه، وطلب المنعة منه، وإذا استشعرأنه غفور رحيم، عظم رجاؤه بربه، وطمعه فيما عنده، ومغفرة ذنوبه، وتكفير سيئاته، فألح عليه بذلك. وإذا استشعر أنه شديد العقاب، يغار على حرماته، خاف منه وخشيه، وطلب العفو منه. وهكذا، فينبغي أن يستشعر العبد أسماء الله – سبحانه- وصفاته؛ ليتمثلها في عبادته له - سبحانه وتعالى-. ومن ثمرات هذا التوحيد: الكف عن المعاصي والسيئات، فإذا تذكر العبد أن الله يراه، فيذكر وقوفه بين يدي خالقه، فينزجر ويكف، ألا ترى ذلك الذي تقع عينه على محارم الله، ويلج عليه الشيطان؛ ليزين له هذا الحرام، فإن استشعر رؤية الله له، واطلاعه عليه، كف ونزجر، وإلا وقع في المعصية، وفي أوحالها، قال تعالى عن نبيه يوسف - عليه السلام- عندما أغرته امرأة العزيز بنفسها، وهيئت الوسائل للوقوع بها، قال الله عنه) : قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ...) (سورة يوسف 23. 24) وهكذا من يستشعر رؤية الله - سبحانه- واطلاعه عليه. ومن ثمرات هذا التوحيد: أن العبد تقع عليه الأذية من أشر خلق الله، من أهل الحسد، والحقد، ومن أعداءدين الله، من الكفرة، والمنافقين، فيجدون في حسده، ومنع الرزق عنه، وأذيته، وعداوته، فيعلم أن الأرزاق بيد الله- سبحانه وتعالى- ، فيتمر له هذا العلم الشجاعة القلبية، والقوة المعنوية، والتعلق بالله - سبحانه وتعالى-، ويتضاءل أمامه حسد الحاسدين، وكيد الكائدين، وعدوان المعتدين. ومن ثمرات هذا التوحيد: أن العبد قد يضعف أمام ما يصاب به من الأمراض والأسقام، وربما لا يعلم البشر بعلاجها، فيستعص فيبلغ به الألم مبلغه، وقد يتطرق إليه اليأس، فيتذكر أن الله هو الشافي، فيرفع إليه يديه بخشوع، وخضوع، وتذلل، ورغب، ورهب، ويدعوه دعاء المضطر؛ فيفتح الله له ما كان مغلقاً عليه من أبواب الأمل،وربما شفاه الله تعالى من مرضه، وصرف عنه ما هو أعظم منه، وادخر له من الثواب، وتكفير السيئات، ما لم يخطر له على بال، مما هو أفضل من الشفاء.ومن ثمرات الإيمان بهذا التوحيد: زيادة الإيمان وتثبيته في النفوس. قال تعالى: ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْتَقْواهُمْ) (سورة محمد 17) [/center]
-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ". أخرجه أحمد (2/535 ، رقم 10928) ، ومسلم (2/821 ، رقم 1163) ، وأبو داود (2/323 ، رقم 2429) ، والترمذي (2/301 ، رقم 438) وقال: حسن صحيح. والنسائي (3/206 ، رقم 1613) ، وابن ماجه (1/554 ، رقم 1742) ، وابن حبان (6/302 ، رقم 2563) . وأخرجه أيضاً : ابن خزيمة (2/176 ، رقم 1134) ، والبيهقي (4/291 ، رقم 8206) ، وأبو يعلى (11/282 ، رقم 6395). قال الإمام النَّوَوِي في "شرح صحيح مسلم":(أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم) تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ, وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحرم, وَذَكَرنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ: أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِر حَيَاته, وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار, مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
-
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِيْنُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا . مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . أمَّا بعد: عروة بن الزبير.. مؤسس علم التاريخ عند المسلمين [rtl]"كان عروة بحراً لا ينزف ولا تكدره الدلاء" (الزهري). ميلاده ونشأته: ولد عروة بن الزبير على أرجح الأقوال سنة (23هـ)، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة، ولا يعلم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميزاه على غيره من أقرانه، فكان دائماً يتمنى أن يؤخذ عنه العلم (1). فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" (2). سعة معارفه: وقد تعددت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تكدره الدلاء" (3). وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره. عبادته وأخلاقه: كان عروة مثالاً للعالم العابد الذي لا يخالف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشاماً قال: "كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قطعت رجله وهو صائم، ومات أيضاً وهو صائم، وكان يقول عن نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح" (4)، كما كان حليماً صبوراً محتسباً عفيفاً كريماً صالحاً زاهداً بعيداً عن الفتنة (5)، وكان يقول: "رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزاً طويلاً". كما كان ينأى بنفسه عن الفتن ويحذر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هل للإسلام منتهى؟ قال: ((نعم، فمن أراد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس…))" (6). مكانته التاريخية: يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي (7)، ولكن مصنفاته لم تكن كتباً بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين، وإنما كانت عبارة عن رسائل تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعاً أو حديثاً معيناً يشبه ما يسمى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص، يقول الأستاذ محمد شفيق غبريال: "وعندما دونت هذه الأخبار، دونت منفصلة، فنجد كتاباً عن وقعة الجمل أو صفين، أو ما إلى ذلك" (8). وربما كان ذلك هو الشائع في عصره، لا في التاريخ فحسب بل في سائر الفنون، فعن تدوين الحديث مثلاً يقول الأستاذ محمد محمد أبو زهو: "وكانت طريقتهم تتبع وحدة الموضوع، فهم يجمعون في المؤلف الواحد الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد؛ كالصلاة مثلاً، يجمعون الأحاديث الواردة فيها في مؤلف واحد" (9). مروياته التاريخية: وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في "السيرة"، والواقدي في "المغازي"، وابن سعد في "الطبقات"، وابن شبة النميري في "تاريخ المدينة"، والطبري في "تاريخ الرسل والملوك"، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل: ابن عبد البر في "الاستيعاب"، وابن الأثير في "أسد الغابة"، والذهبي في كتابيه "السيرة" و"المغازي"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، والسيوطي في "الخصائص". وبالنظر في هذه المرويات نجد أنها تناولت: الفترة المكية من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعبده في غار حراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها-، وتعليم جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوضوء والصلاة، وإعلان الدعوة وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب..[/rtl]
-
[center] بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ... الخطبة الأولى: أما بعد: فسوف نشرع من اليوم إن شاء الله - تعالى - في دروس من السيرة النبوية الشريفة ولكنا لن نقدمها لكم بأسلوب الرواية وسرد الحوادث حسب ترتيبها الزمني كما هو الشأن في أكثر من روى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن هذا الأسلوب يحتاج إلي زمن أطول من زمن خطبة الجمعة ولكنا سنعرض لكم قبسات مختارة من سيرة النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نبين ما فيها من الدروس والعبر ولن نقتصر على حوادث هذه السيرة العطرة بل نمزج بينها وبين ما يلزم بيانه من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشمائله وأخلاقه. و بهذه المثابة فإن علي كل مسلم أن يعرف سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يأتي: أولا: لأنها التفسير العملي والبيان التطبيقي لدين الله - عز وجل - وكلامه المنزل الذي نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب رسالة عظيمة وقد بلغها بقوله وطبقها بفعله فحياته بيان ناصع لهذه الرسالة، أقواله وأفعاله، حركاته وسكناته في الرضا والغضب في اليقظة والمنام في المنشط والمكره، حياته - صلى الله عليه وسلم - كلها تفسير عملي لدين الله ولكلامه المنزل، قالت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -: ((كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن))[1]. أي كان يفسر القرآن تفسيرا عمليا بخلقه - صلى الله عليه وسلم -. ثانيا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعله الله - تعالى - في مقام الأسوة للمؤمنين، إنه النموذج الأعلى للكمال البشري الذي علينا أن نتأسى به ونقتدي به ونتبعه - صلى الله عليه وسلم - كثير من الناس يتخذون نماذج من البشر يعجبون بأحوالهم فيقلدونهم ويحاكونهم وربما قلدوهم في سائر أحوالهم حتى في هيئتهم وألبستهم، أما سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فليس المطلوب منا أن نقلده ونحاكيه وإنما المطلوب أن نتأسى وأن نقتدي به ونتبعه وننقاد لأمره - صلى الله عليه وسلم - وفرق بين هذا وذاك، فإن التقليد والمحاكاة غالبا ما يكونان عن غير بصيرة بخلاف التأسي والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه فإن ذلك لا يكون إلا عن علم وبصيرة لأنه على سبيل التدين والتقرب إلى الله تبارك وتعالى، قال - سبحانه - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب: 21]. فهذه هي حال من يتأسى بالنبي المصطفي - صلى الله عليه وسلم -، إنه مؤمن يعرف الإيمان يعرف الله يعرف اليوم الآخر فهو يرجو الله ويرجو اليوم الآخر بل إلى جانب ذلك منقاد لدين الله - عز وجل - فهو يذكر الله كثيرا وهذه هي البصيرة. ثالثا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اقتدائنا به وتأسينا به - صلى الله عليه وسلم - واتباعنا له يجب علينا أن نوقره ونعظمه ونحبه - صلى الله عليه وسلم -. بعض الناس قد يقلد عظيما ويتبعه وينقادوا لأمره ولكن لا يلزم لذلك أنه يحبه، قد يقلده وينقاد إليه خوفا منه أو طمعا فيما عنده من عرض الدنيا، أما سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيجب علينا مع تأسينا به واتباعنا لأمره - صلى الله عليه وسلم - يجب أن نوقره ونعظمه ويجب أن نحبه - صلى الله عليه وسلم - وذلك للأمور الآتية: لأن الله - تبارك وتعالى - أمرنا بذلك بل لقد قرن - سبحانه وتعالى - حبه بحب نبيه - صلى الله عليه وسلم - وجعلهما من أوجب الواجبات وتهدد بالعقوبة من يخل بهما فقال تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون فسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين " [التوبة: 24]. فبين لنا ربنا - عز وجل - في هذه الآية أن حبنا لله وحبنا لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون أعظم من حبنا وميلنا لهذه الأشياء المذكورة ولغيرها من محبوبات الدنيا. و ثانيها لأن الله - سبحانه وتعالى - أحب نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، يجب أن نحب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الله جل جلاله أحبه بل لقد اتخذه خليلا والخلة درجة أعظم من المحبة فمن كان يحب الله فيجب ويلزم أن يحب محبوبات الله وأعظم محبوبات الله وأجلها هو سيدنا المصطفى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك فإن أكبر علامة على حب العبد لربه حبه لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - والدليل على صحة حبه لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو اتباعه له وتأسيه به - صلى الله عليه وسلم - ولذا قال - سبحانه - قل أي يا محمد " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " [آل عمران: 31]. أي إن كنتم تزعمون أنكم تحبون ربكم فعليكم أن تحبوني وإذا أحببتموني لزمكم أن تتبعوني. أن شخصيته أهل لأن تحب فإنها تمثل جانب الكمال البشري بكل ما في هذا الكمال من حسن وجمال، كما تمثل جانب الوحي الإلهي بكل ما في هذا الجانب من جلال وقدسية فشخصيته - صلى الله عليه وسلم - جمعت بين جمال الكمال البشري وروعة وجلال الوحي الإلهي فكيف لا تحب. لا يصح إيمانك يا مؤمن ولا يقبل إسلامك يا مسلم إذا لم تحب سيدنا المصطفى ونبينا المجتبى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بل لا يكمل إيمانك حتى يكون حبه في قلبك أعظم من حب غيره من المخلوقين، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده))[2]. وفي رواية: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))[3]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. ---------------------------------------- [1] صحيح مسلم (746). [2] صحيح البخاري (14) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. [3]صحيح البخاري (15)، صحيح مسلم (44) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العلمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد إذا أردت يا مسلم أن تنمي حبك للخليل المصطفى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فعين من ساعات عمرك الذي تبدده في كل ما هب ودب ساعة في كل يوم أو في كل أسبوع حسب همتك ونشاطك تقضيها مع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مكتوبة أو مسموعة، وإذا ما فعلت ذلك في أسرتك مع أهلك وأولادك أبنائك وبناتك فقد قمت بواجبك في هذا الصدد أحسن قيام، وعليك إن كنت ممن يقرأ أن تحرص على الكتب المحققة التي ألفها المحدثون والعلماء المحققون وميزوا فيها بين الصحيح والمكذوب من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإياك أن تقع في حبائل الكذابين من القصاصين وطواغيت الخرافة الذين حولوا السيرة الشريفة التي هي التفسير العملي لهذا الدين كما بينا حولوها إلى مجرد حكايات متكلفة مصنوعة تختلط فيها الأكاذيب بالحقائق. و من العجيب أن من مشكلاتنا الحاضرة أننا مازلنا نفتقر إلى كتب تقدم لنا السيرة النبوية العطرة بأسلوب يجمع بين التحقيق بين أسلوب الخطاب، أسلوب الخطاب الذي تراعى فيه أحوال الناس اليوم وعقولهم ومداركهم وافهامهم، مازلنا نفتقر إلى كتب في السيرة النبوية العطرة تخاطب الصغار وتخاطب الفتيان المراهقين بأسلوبهم ولغتهم كما تخاطب الكبار بما يناسب عقولهم ومستوياتهم ومداركهم، فإن أكثر كتب السيرة الموجودة إلى اليوم إنما ألفها علماء للعلماء فلذلك يعسر فهمها على غيرهم ونادرا ما تجد كتابا يفهمه غيرهم قد ألف بأسلوب يعرفه الناس بحسب مكانهم وزمانهم، وكذلك نحن بأمس الحاجة إلى أشرطة مسموعة تعرض السيرة لمن لا يقرؤون. فأين أرباب الأقلام وأين أرباب صنعة الإعلام ما لهم يتقاعسون ويتخلفون؟ لماذا لا ينشطون ويقومون؟.إذا دخلت المكتبات وجدت أكداسا من الكتب وأكداسا أخرى من الأشرطة المسموعة وفي قليل منها خير وفائدة، أكثرها لا يحتاج إليه الناس أو لا يفهمه معظمهم. [/center]
-
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم http://www.gulfup.com/?PZKTBf أركان الإسلام شرح الحديث الثالث من أحاديث الأربعين النووية للشيخ محمد صالح العثيمين غفر الله له عن أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)[50] رواه البخاريُّ ومسلمٌ. الشرح عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هذه كنية، عبد الله بن عمر هذا اسم علم. والكنية: كل ما صدر بأبٍ، أو أم، أو أخ، أو خالٍ، أو ما أشبه ذلك. والعلم: اسم يعين المسمى مطلقاً. رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال العلماء: إذا كان الصحابي وأبوه مسلمين فقل: رضي الله عنهما، وإذا كان الصحابي مسلماً وأبوه كافراً فقل: رضي الله عنه . قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: بُنِيَ الإِسْلامُ الذي بناه هو الله عزّ وجل، وأبهم الفاعل للعلم به، كما أُبهم الفاعل في قوله تعالى: ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)(النساء:الآية28) فلم يبين من الخالق، لكنه معلوم، فما عُلم شرعاً أو قدراً جاز أن يبنى فعله لما لم يسم فاعله. عَلَى خَمْسٍ أي على خمسِ دعائم. شَهَادَة أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ (شهادة) يجوز فيها وجهان في الإعراب: الأول: الضم (شهادةُ) بناء على أنها خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي شهادة. والثاني: الكسر (شهادةِ) على أنها بدل من قوله: خمس، وهذا البدل بدل بعض من كل. وقد سبق الكلام على الشهادتين في شرح حديث جبريل عليه السلام[51] وَإِقَامِ الصّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البّيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَان وهذا سبق الكلام عليه في شرح حديث جبريل عليه السلام[52] . لكن في هذا الحديث إشكال وهو:تقديم الحج على الصوم. والجواب عليه أن يقال: هذا ترتيب ذكري، والترتيب الذكري يجوز فيه أن يقدم المؤخر كقول الشاعر: إن من ساد ثم ساد أبوه ثم ساد من بعد ذلك جده فالترتيب هنا ترتيب ذكري. وقد سبق في حديث جبريل تقديم الصيام على الحج، ونقول في شرح الحديث: إن الله عزّ وجل حكيم، حيث بنى الإسلام العظيم علىهذه الدعائم الخمس من أجل امتحان العباد. - الشهادتان: نطق باللسان، واعتقاد بالجنان. - إقام الصلاة: عمل بدني يشتمل على قول وفعل، وما قد يجب من المال لإكمال الصلاة فإنه لا يعد منها، وإلا فمن المعلوم أنه يجب الوضوء للصلاة، وإذا لم تجد ماءً فاشتر ماءً بثمن ، ومن المعلوم أيضاً أنك ستستر العورة في الصلاة وتشتري السترة بمال لكن هذا خارج عن العبادة، ولذلك نقول:إن الصلاة عبادة بدنية محضة. - إيتاء الزكاة: عبادة مالية لا بدنية، وكون الغني يجب أن يوصلها للفقير، وربما يمشي وربما يستأجر سيارة، هذا أمر خارج عن العبادة، ولهذا لو كان الفقير عند الغني أعطاه الدراهم مباشرة بدون أي عمل، ولا نقول: اذهب أيها التاجر إلى أقصى البلد ثم ارجع. - صوم رمضان: عبادة بدنية لكن من نوع آخر، الصلاة بدنية لكنها فعل، والصيام بدني لكنه كف وترك، لأنه قد يسهل على الإنسان أن يفعل،ويصعب عليه أن يكف، وقد يسهل عليه الكف ويصعب عليه الفعل، فنوعت العبادات ليكمل بذلك الامتحان، فسبحان الله العظيم. - حج البيت: هل يتوقف الحج على بذل المال؟ فيه تفصيل: إذا كان الإنسان يحتاج إلى شد رحل احتاج إلى المال، لكن هذا خارج العبادة، هذا من جنس الوضوء للصلاة. وإذا قدرنا أن الرجل في مكة فهل يحتاج إلى بذل المال؟ الجواب: إذا كان يستطيع أن يمشي على رجليه فلا يحتاج إلى بذل المال، والنفقة من الأكل والشرب لابد منها حتى وإن لم يحج. لذلك الحج - عندي- متردد بين أن يكون عبادة مالية، أوعبادة بدنية مالية، وعلىكل حال إن كان عبادة مالية بدنية فهو امتحان. فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان الإسلام أنها: بذل المحبوب، والكف عن المحبوب، وإجهاد البدن، كل هذا امتحان. بذل المحبوب: في الزكاة ،لأن المال محبوب إلى الإنسان،كما قال الله عزّ وجل: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:8] وقال:( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) (الفجر:20) والكف عن المحبوب: في الصيام كما جاء في الحديث القدسي: يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِيْ [53] . فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميلاً للامتحان، لأن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم، ولكن لا يسهل عليه أن يبذل قرشاً واحداً، وبعض الناس يسهل عليه أن يصلي،ولكن يصعب عليه أن يصوم. ويذكر أن بعض الملوك وجبت عليه كفارةفيها تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. فاجتهد بعض العلماء وقال لهذا الملك: يجب عليك أن تصوم شهرين متتابعين ولا تعتق، فقيل للمفتي في ذلك فقال: لأن الشهرين أشق على هذا الملك من إعتاق رقبة، والمقصود بالكفارة محو ما حصل من إثم الذنب، وأن لا يعود. فنقول: هذا استحسان لكنه ليس بحسن وفي غير محله لأنه مخالف للشرع، فألزمه بما أوجب الله عليه وحسابه على الله عزّ وجل، وليس إليك. -------------------------------------------------------------------------------- [50] سبق تخريجه صفحة (57) [51] صفحة (21) [52] صفحة (22) [53] - أخرجه البخاري – كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) ، (7492)، ومسلم – كتاب الصيام، باب: فضل الصيام، (1151)،(164).
-
[center] [center]إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] [rtl]محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء لقد افترض الله علينا محبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره والقيام بحقوقه، وذلك أنه منة الله علينا لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (164) [آل عمران]. ومحبة وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تكون بالقلب واللسان والجوارح، فالتعظيم بالقلب يكون باعتقاد كونه نبيا رسولا اصطفاه الله برسالته، وخصه بنبوته وأعلى قدره ورفع ذكره وفضله على سائر الخلق أجمعين. ويكون أيضا بملئ القلب من محبته وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه محمد نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) [رواه البخاري ومسلم]. ويكون ذلك التعظيم وإظهار المحبة باللسان ويكون ذلك بالثناء عليه بما هو أهله، كما أثنى على نفسه، وأثنى عليه ربه من غير غلو ولا تقصير، وأعظم الثناء والدعاء الصلاة والسلام، ويلي ذلك تعظيمه وإظهار محبته بالجوارح ويدخل في ذلك العمل بطاعته وتجويد متابعته، وموافقته في حب ما يحب وبغض ما يبغض، والسعي لإظهار دينه ونصرة شريعته والذب عنه وصون حرمته. وعلى هذا فأساس المحبة والتعظيم وقاعدته التي بنى عليها هو معنى ومقتضى شهادة أن محمدا رسول الله يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في ثلاثة الأصول: ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع). فمن فقد الامتثال والمقتضى أو شيئا منه فقد أخل بمقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، والإخلال يأتي نتيجة أمرين كلاهما على طرفي نقيض: وهما: الجفاء والتفريط في حقوقه - صلى الله عليه وسلم -، وقد كثر هذا في زماننا، وترى مظاهر ذلك من خلال بعض الكتابات التي تقلل من أهمية التأسي به واتباع سنته، وتصف المتأسي به بالمتخلف والمتشدد والمتزمت إلى غير ذلك من ألفاظ السخرية والاستهزاء، ومن مظاهر الجفاء الإعراض عن دراسة سيرته وسنته، فكم من المسلمين لا يعرف أقل المعلومات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكنه يعرف أخبار العالم وأسماء وأخبار اللاعبين ولا تخفاه المعلومات الدقيقة في ذلك، فواعجبا لهؤلاء، وما أشد شقاء الأمة بهم. أعتنى سلفنا الصالح أيما عناية بنقل سيرته وسنته ولم تنقل سيرة مثلما نقلت سيرته وقد كان السلف إذا ذكر عندهم شيء من سيرته وسنته ظهر عليهم من الهيبة والإجلال والتأدب كما لو كان معهم، فكان محمد بن المنكدر إذا سئل عن حديث بكى حتى يرحمه الجالسون، وكان عبد الرحمن ابن مهدي إذا قرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الحاضرين بالسكوت وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم- ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب عند سماع قوله - صلى الله عليه وسلم -. ثانيهما: الغلو في النبي - صلى الله عليه وسلم -: ورفعه فوق مرتبته التي وضعه الله عليها، وذلك باعتقاد أنه يعلم الغيب، وأن وجوده سابق لوجود العالم، وأن من نوره خلق الكون، وأنه حي لم يمت وأنه يحضر الاحتفالات بالمولد الذي يقام بمناسبة مولده وأنه يجيبهم حال السؤال إلى غير ذلك من الاعتقادات الباطلة التي يعتقدها أولئك، والتي يخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من نبوبته وبشريته إلى مقام لا يرضاه ولم ينزل الله إياه، وحذر أمته من الوقوع فيه (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - [رواه أحمد والبخاري]. فلا يجوز لأمته أن تخرجه عن عبوديته وبشريته فتغلوا فيه، كما لا يجوز للأمة أن تفرط في حقوقه وتجفو هديه وسنته ويحل بالقلب محبة أضداده وتهجر الألسن الصلاة والسلام عليه، فالغلو والجفاء على طرفي نقيض، وكلاهما مذموم. والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - محبة حقيقة وبين الغلو والجفاء، وهكذا الحق وسط بين طرفي نقيض. فإذا كانت محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل مؤمن ومؤمنة فما هو الشاهد على صدق المحبة؟ إن الشاهد الحقيقي على صدق المحبة، هو موافقة المحب لمحبوبه وبدون هذه الموافقة يصير الحب المزعوم دعوى كاذبة، وإذا كان الله - سبحانه - قد جعل اتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - دليلا على حبه - سبحانه -، فهو من باب أولى دليل على حب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم (31) [آل عمران]. قال ابن كثير - رحمه الله -: (هذه الآية حاكما على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، وقال الحسن البصري: (زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم بهذه الآية. فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أطاعه واقتدى به وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه، وظهرت آثار ذلك عليه من موافقته في حب ما يحبه وبغض ما يبغضه، فليست المحبة شعارات ترفع أو ملصقات توضع على السيارات كما نرى من بعض إخواننا على إثر الرسوم الساخرة بمقام نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل تعدى الأمر بالبعض أن وضع عبارات يظهر فيها المخاطبة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كعبارة: يا رسول الله يا..يا..وهذا يفضي إلى اعتقاد باطل وإلى غلو بغيض وهو اعتقاد أنه يسمع النداء ممن ناداه، وهذا يفضي بالقول بحياته - صلى الله عليه وسلم - كما يظنه الغلاة، وهذا تكذيب للقرآن إنك ميتِ وإنهم ميتون (30) [الزمر]. وآخرون وضعوا هذه الملصقات وظنوا أن وضعها يريحهم من مؤنة إتباعه واتباع أوامره والانتهاء عن نهيه، فترى هؤلاء قد خالفوا ذلك فيما يسمعون من الأغاني والموسيقى المحرمة المنبعثة من مسجل ومذياع السيارة، وإذا نظرت إلى الهيئة واللباس رأيته أبعد ما يكون عن سنة من يدعي محبته ونصرته، ورأيت نقيض ذلك من تشبه بأعداء الله ورسوله فلبس وحلق أو أطال الشعر وسرحه وقصه كقصة فلان أو لبس كلاعب أو مغني أو ممثل كافر مبغض لله ولرسوله ولدين الإسلام، ونرى البعض الآخر يمتنع عن شراء السلع الدنماركية زاعما أنه أدى ما عليه تجاه نصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكن ينهزم في نفس الحال ويخذل دينه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ونفسه، فيخرج من جيبه نقودا يدعم بها من سعى لإشقائه، ويشتري دخانا ليملأ جسده من هذا الدخان المجمع على خبثه وضرره، والأدهى من ذلك ما يقام من احتفالات وموائد بمناسبة مولده تظهر فيها الشركيات ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأوصاف لا يرضاها، ودعائه من دون الله، ووقوع منكرات في تلك الاحتفالات كاختلاط الرجال بالنساء واستماع الأغاني والموسيقى والإسراف في المأكل والمشرب إلى غير ذلك من المنكرات التي نهى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأي تناقض هذا وأي محبة تلك، وما أحسن قول القائل: لو كان حبك صادقا لأطعته * * * إن المحب لمن يحب مطيع فمن أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من الصلاة والسلام عليه وأكثر من قراءة سيرته وسنته، ثم تأسى بذلك في أقواله وأفعاله وامتثل آو امره واجتنب نواهيه، ودعا إلى سبيله وشريعته ونبذ كل ما يخالف سبيله من البدع والمحدثات، وصبر وصابر في ذلك إلى أن يلقاه على الحوض.[/rtl] [/rtl][/center][/center]
-
[center] [center]إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم السلام [rtl] الخطبة الأولى إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتدي، ومَن يُضلل، فلنْ تجدَ له وليًّا مُرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71]. أمَّا بعدُ: أيُّها الأحبَّة الكرام، تكلَّمْنا في الْجُمعة الماضية مع حضراتكم عن الرُّكن الثالث من أركان الإيمان، أما اليوم فنقفُ عند الرُّكن الرابع من هذه الأركان، وهو "الإيمان بالأنبياء والرُّسل" - عليهم وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام-. فالإيمان بالأنبياء والرُّسل من أركان الإيمان؛ أي: إنَّ مَن جَحَد نبيًّا من الأنبياء، أو مَن كَفَر بنبيٍّ من الأنبياء، أو بهم جميعًا، فهو ليس من أهل الإيمان. والنبي - إخوةَ الإيمان - مُشتق من النبأ: وهو الخبر؛ أي: إنَّ الله أخبرَه وأوْحَى إليه، فهو المخْبِر عن الله - تعالى؛ قال - تعالى -: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الحجر: 49]. أي: أخبِرْ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وقيل: إنها مُشتقَّة من "النبوَّة"، وهي ما ارتفع من الأرض؛ أي: إنَّ الأنبياء ذوو قَدْرٍ ورِفْعَة. وأمَّا الرسول، فمُشتق من الإرسال: وهو التوجيه؛ تقول: أرسلتُ أحدًا؛ أي: وجَّهْتُه؛ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)[الأحزاب: 45]، والآيات الدالَّة على ذلك كثيرة جدًّا. فهذا هو معنى الأنبياء والرُّسل، ولرُبَّما يَسأل سائلٌ: لماذا لَم يسمِّهم الله - تعالى - باسمٍ واحد، وإنَّما أطْلقَ على مَن يَبعثهم ويَصْطفيهم هذين الاسمين؟ فهل هناك فَرْقٌ بين النبيِّ والرسول؟ الجواب: إنَّ بعضَ العلماء قالوا بوجود الفَرْق بين النبيِّ والرسول، فقالوا: إنَّ الرسول هو مَن أُوحِي إليه بشرْعٍ وأُمِر بتبليغه، وأمَّا النبيُّ، فهو مَن أُوحِي إليه ولم يُؤْمَر بالبَلاغ. وهذا ما اشْتُهر على ألْسِنة الكثير من الناس، والكثير من طَلبة العلم، والكثير من الخُطباء والعلماء. والحقيقة التي تَظهر لنا أنَّه لا اختلاف بالتبليغ بين الأنبياء والرُّسل، وإنما الاختلاف بينهما هو بالشَّرْع المرْسَل به؛ وذلك للأدلة التالية: 1- قول الله - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحج: 52]. فهذا نصٌّ على أنَّ الله أرسلَ الرُّسلَ كما أرسلَ الأنبياء، فقد عَطَف النبي على الرسول، والإرسال يقتضي التبليغ. 2- إنَّ كِتمان العِلم الموْحَى به من الله هو كتمان للعلم المحرَّم شرعًا وعَقْلاً. 3- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنه -: ((عُرِضَتْ عليَّ الأُمم، فجَعَل يمرُّ النبيُّ معه الرجل، والنبيُّ معه الرجلان، والنبي معه الرَّهْط، والنبي ليس معه أحدٌ)). فهذا الحديث الصحيح يدلُّ على أنَّ الأنبياء مأمورون بالتبليغ، وإلا فَلِمَ يطَالبون باستصحاب أتْبَاعهم؟ وهذا من أقوى الأدلة على ما نقول - والله أعلم - وهو الذي اختارَه البعضُ من أهْل العلم[1]. قال الآلوسي في تفسيره: "إنَّ الرسول مَن أُوحِي إليه بشَرْعٍ جديد، والنبيَّ هو المبعوث لتقرير شَرْع مَن قَبله". وهذا الذي يظهر بقوَّته؛ لأنك لو تأمَّلْتَ حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في عددِ الأنبياء - عليهم السلام - قال أبو ذر: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ((ثلاثمائة وبضعةَ عَشَرَ جَمًّا غفيرًا))، وقال مَرَّة: ((خَمْسَةَ عَشَرَ))، وفي رواية أبي أُمَامة، قال: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرُّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا))[2]. فلو كانوا قد أتوا جميعُهم بشَرْعٍ جديد، لوصَلَتْ أعدادُ الشرائع إلى الآلاف؟ وهذا يُضَعِّفه في أنَّ أنبياءَ بَنِي إسرائيل لَم يأتِ الكثيرُ منهم بشريعة جديدة، وإنَّما أغلبهم أتوا بشريعة موسى، وحكمهم بالتوراة. نعم أيُّها الأحبَّة الكرام، فالواجب على المؤمن الإيمان بهم جميعًا ممن ذُكِرتْ أسماؤهم في القرآن وسُنَّة النبيِّ، وممن لَم تُذْكَر لنا أسماؤهم، وليس للمؤمن أن يؤمن ببعضهم، ويَكْفُر ببعضٍ، فيكون كمَن قِيل فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)[النساء: 150]. كلاَّ، الإيمان بهم جميعًا هو الواجبُ، وكمال الإيمان قوله - تعالى -: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)[البقرة: 285]. وإنَّ الإيمان بالرُّسل يُشْعِر بالطُّمأنينة في القلب، ويَبْعَثُ على التوازُن بين الدين والدنيا، ومآلُ ذلك خَيريَّة الدَّارين، وصلاح الأمرين: أمر الدنيا، وأمر الآخرة، وفساد الإيمان بهم فسادٌ للرُّوح ولَعْنة للجَسد. أمَا رأيتُم حال مَن كفروا بالرُّسل؟ كيف انحدروا إلى أسفل سافلين؟! نعم، لقد وصَلَ "العقلانيُّون" الذين كفروا بمنهج الوَحْي "الرُّسل"، وآمنوا بمنهج العقْلِ في دُنياهم وتطورهم إلى ما وصلوا إليه، لكنَّهم أصلحوا ظاهرهم، فبَقِي باطنُهم من قِبَلِه العذاب: تفكُّك وتَمزُّق عائلي، انحدار وانتحار أخلاقي، تهالُك وتهاوٍ مجتمعي، وترى مَرض الإيدز ينخرهم، واللواط يأكلهم، والفساد يؤرِّقهم، فهم أجساد من دون أرواح. فالهموم النفسيَّة هي سِمة العالم المتحضِّر، ولكَ أن تفتِّش بنفسك، كل هذا؛ لأنَّ الوحْي فارَقَهم، فالعقلُ أغواهم، وهذا حال مَن يَستغني عن الرُّسل. ماذا يعبدُ البراهمة، وهي فِرقة من المجوس تَزْعُم أنَّ العقْلَ يُغنِي عن الوحْي؟! يعبدون البقرة، بل يقول أحدُ زعمائهم "غاندي": "إنها أفضل مِن أُمِّي، فالأمُّ الحقيقيَّة تُرضعُنا مُدَّة عامٍ أو عامين، ولكنَّ أُمَّنا البقرة تمنحُنا اللبنَ دائمًا". فالحاجة إلى الأنبياء والرُّسل عظيمة؛ يقول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: "...والدنيا مُظلمة مَلعونة، إلاَّ ما طلعتْ عليه شمسُ الرسالة، وكذلك العبدُ ما لم تُشْرِقْ في قلبه شمسُ الرسالة". قال الملك - عز وجل -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى: 52]. فوُصِفَ الوحْي هنا بوصْفين جَميلين: (رُوحًا) و(نورًا)، فكأنَّه يريد أنْ يقولَ: الرُّوح تُحيي الأبدان والقلوب، والنور يُضيءُ الطريق والعقول، فلا يُمكن للعقل أن يَحيا إلا مع الرُّوح، ولا يُمكن للرُّوح أن تَرْقَى إلا مع العقل، وإن الرُّوح هي الوحْي الإلهي ليس غيره. فيا لَعظيم هذه الآيات. فموقع العقل من الوحْي، إنه يُعظِّمه ويَرْقَى به، ويدعوه للتفكير والتدبُّر، ويحثُّه على التأمُّل، وعلى استعمار الأرض، والآيات القرآنيَّة مَليئة بالدعوة إلى ذلك. وهذا كلُّه من التوازُن بين الوحْي والعقْل، بين الدِّين والدنيـا، الذي جاء به الإسلام، وأقرَّه مقامُ النبوَّة - صلى الله عليه وسلم - فعن أَنَس - رضي الله عنه - قال: "جاء ثلاثة رَهْطٍ إلى بيوت أزْواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسْألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا أُخْبِروا كأنَّهم تقالُّوها، وقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدْ غُفِر له ما تقدَّم من ذنْبه وما تأخَّر؟! قال أحدُهم: أمَّا أنا، فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخرُ: وأنا أصوم الدَّهْر أبدًا ولا أُفْطِر، وقال الآخرُ: وأنا أعْتَزِل النساء، فلا أتزوَّج أبدًا، فجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: ((أنْتم الذين قلْتُم: كذا وكذا؟ أمَا والله إنِّي لأخْشاكم لله، وأتْقاكم له، لكنِّي أصوم وأُفْطِر، وأُصلِّي وأرْقُد، وأتزوَّج النساء، فمَنْ رَغِب عن سُنَّتي، فليس منِّي))"[3]. ولهذا قال - تعالى -: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 77]. وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ أصلحْ لي ديني الذي هو عِصمة أمري، وأصلحْ لي دُنياي التي فيها معاشي)). فنسأل الله أنْ يَجعلَنا من السائرين على خُطا النبيين والمرسلين والمؤمنين بهم، المتَّبعين لهم؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه. وبعدُ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "((مَا مِن أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله - عز وجل - من هذه الأيَّام))؛ يعني: أيام العَشر، قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرَجَ بنفسه وماله، ثم لَم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ))"[4]. __________ [1] انظر: "العقيدة في ضوء الكتاب والسُّنة"، لعمر بن سليمان الأشقر، و"تفسير الآلوسي"، (7/ 157). [2] أخرجه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني في سلسلته. [3] مُتفقٌ عليه. [4] رواه الإمام أحمد، وابن حِبَّان، والترمذي، وصحَّحه الألباني. الكـاتب : مثنى بن علوان الزيدي[/rtl] أسأل الله تعال أن يشغلنا بذكره وطاعته [b]ويطهر ألسنتنا..من كل ما يغضبه .. [/b][/rtl] [b][b][b][u][b][u]السنة النبوية وأعلام الأمة [/u][/b][/b][/u][/b][/b] أخوكم - يــوســـفي [/center][/center]
-
[center] [center]إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ... أما بـــــــــعد السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته أخوتي و أخَواتي في الله أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال [rtl] [rtl]أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية الشريفة يكفي دلالة على القناعة بأهمية دراسة السيرة تلك الكتابات المتكاثرة التي تحاول الإفادة من السيرة بأكثر من صورة، ولِما لمنهج الكاتب من تأثير في كتاباته فإن من المهم السعي إلى تحديد أطر منهجية ضابطة للدراسة والكتابة، وهذه محاولة لرسم بعض المعالم والضوابط أرجو بها النفع، وأن تتبعها دراسات أكثر نضجاً من ذوي الاهتمام والاختصاص(1). أولاً:فهم حقيقة الإسلام ومنهجه المتكامل: يكتسب هذا القيد مكانته من جهة عجز من يفتقده عن قراءة أحداث السيرة قراءة موضوعية تمكنه من سلامة فهم الأحداث، وتقصِّي أسبابها، ومعرفة دوافعها، وتفسيرها بما يتفق مع روح الإسلام، فمن المهم "أن يُعنى بالجانب التشريعي الذي يحتكم إليه المجتمع، وتوضح الضوابط الخلقية والقانونية التي تحكم حركة الأفراد والمجتمعات، ولا يمكن الفصل بين الجانب السياسي والعسكري، والجانب الخلقي والتشريعي، خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام، حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة تشابكاً وثيقاً بحيث يصعب فهم حركة التاريخ في تلك المرحلة دون فهم روح الإسلام ومبادئه"(2). إزاء هذا الضابط نرى أنفسنا أمام خطرين اثنين: أولهما: افتقاد بعض الباحثين والدارسين إلى المرجعية الشرعية. وثانيهما: قراءة السيرة بأنظمة معرفية أخرى: رأسمالية، واشتراكية، وعلمانية، وقومية من الخارج، ومحاولة تقطيعها والانتقاء من أحداثها، وفصلها عن نسقها المعرفي وسياقها ومناسباتها(3). ونظير هذا: قراءة السيرة بخلفية بدعية صوفية أو رافضية..ونحوها؛ فالرافضة مثلاً : يحللون أحداث السيرة تحليلاً يتسق مع انحرافاتهم العقدية! ثانياً: ترك المنطق التسويغي: ينبغي أن تنطلق دراسة السيرة من اليقين بعزة الإسلام وأحقيته في الحكم والسيادة، وأن الله لا يقبل ديناً سواه، وأنه لا يفهم إلا من خلال دراسة السيرة. ولذا وجب البعد عن الروح الانهزامية في تحرير السيرة وتحليلها، وخاصة في الجهاد. ومن المواضيع التي ينهزم أمامها التسويغيون ولا يجدون لها مسوِّغاً على حد زعمهم مسألة قتل يهود بني قريظة لما قبلوا حكم سعد بن معاذ فيهم وكان حليفهم في الجاهلية فحكم فيهم بحكم الله: أن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم! هنا يصعب الموقف على من في قلبه انهزامية، فيسعى للتشكيك في ثبوت القصة. وهي ثابتة بلا شك(4). ثالثاً: اعتبار القرآن الكريم مصدراً أولاً في تلقي السيرة وفهمها: لدراسة السيرة من خلال كتاب الله ميزات عدة، منها: - أن مدارسته عبادة عظيمة. - اشتمال القرآن على إشارات تفصيلية لا توجد في مصدر آخر، كما في أحداث زواج زينب - رضي الله عنها - . - دقة وصفه للأحداث والشخوص، حتى يصور نبضات القلب، وتقاسيم الوجه، وخلجات الفؤاد، وهذه خصيصة تنقل القارئ إلى جو الحدث ليعيش فيه. - تركيزه على خصائص سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل: كونه بشراً، وأن رسالته عامة، وأنه خاتم النبيين. ومنها: ربطه بين قصة الحدث وسيره وبين العقيدة والإيمان والقضاء والقدر. - بيانه حكمة الحدث ونتائجه وحكمة الله في تقديره، وهو الدرس التربوي المطلوب(5). وبدراسة السيرة من القرآن يتحول الحدث من قصة في زمان ومكان معينين إلى درس كبير متكامل يتعدى ظروفهما.. يُتلى إلى قيام الساعة(6). إن من يعيش السيرة من خلال القرآن وصحيح السنة لا تعود السيرة في حسه مجرد أحداث ووقائع، وإنما تصير شيئاً تتنامى معه مشاعره الإيمانية تجاه الجماعة المؤمنة، ووعيه الإيماني بالسنن الربانية(7). ومع أهمية هذا النوع من الدراسة فإنه لم يلق بعدُ اهتماماً يتناسب معه(8). رابعاً: تمحيص الصحيح من الأخبار فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة: الناس في اشتراط تمييز الصحيح من الضعيف في روايات السيرة على قولين مشهورين: الأول: مَنْ لم يشترط التمحيص وأجاز إيراد كل مرويات السيرة، واحتج بأن كَتَبَة السيرة لم يعتمدوه ولم يحرصوا عليه. واستدلوا بما اشتهر عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه قال: "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير"(9). ويمكن نقاش دليلهم واستدلالهم من أوجه(4): أ- أن ثبوت هذه المقولة عن الإمام أحمد موضع نظر(10)، ومن ذا الذي يقول: إنه لا يثبت شيء في مغازي المسلمين؟ فأين ما في الصحاح والسنن، وأين ما ذكره الإمام أحمد نفسه في مسنده؟ ب - وفي حال ثبوت الرواية فإنه لم يقل: لم يصح فيها شيء، ولكن قال: ليس لها أصول. وقوله: ثلاثة كُتُبٍ يدل على أن مراده: "كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها؛ لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القُصَّاص فيها"(11). ج - أنه حتى لو نفى الصحة عنها فإن نفيها لا ينفي الحُسْن، ولا يستلزم الضعف أو الوضع. د - يحمل قوله على الحال الغالب؛ فإن هذه الفنون غالب رواياتها ليس لها أسانيد متصلة(12). أما القول الثاني: فيمثله د. أكرم العمري؛ حيث يقول: "المطلوب اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام... وعند التعارض يقدم الأقوى دائماً.. أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعتضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة على ألا تتعلق بجانب عقدي أو شرعي؛ لأن القاعدة: "التشدد فيما يتعلق بالعقيدة أو الشريعة"(13)، ولا يخفى أن عصر السيرة النبوية والخلافة الراشدة مليء بالسوابق الفقهية، والخلفاء الراشدون كانئاً يجتهدون في تسيير دفة الحياة وفق تعاليم الإسلام؛ فهم موضع اقتداء ومتابعة فيما استنبطوا من أحكام ونظم لأقضية استجدت بعد توسع الدولة الإسلامية على إثر الفتوح. أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران: كتخطيط المدن، وزيادة الأبنية، وشق الترع.. أو المتعلقة بوصف ميادين القتال وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم فلا بأس من التساهل فيها"(14). وهذا هو المنهج المعتبر عند الأئمة المحققين، يشهد به صنيع الذهبي في (تاريخ الإسلام)، وابن سيد الناس في(عيون الأثر)، (15) وابن حجر في(الفتح)(16)، وكذلك ابن القيم وابن كثير. أما ما يؤخذ من الروايات التاريخية فهو ما اتفق عليه الإخباريون(17). أما اشتراط الصحة في كل خبر تاريخي والذي مشى عليه بعض المؤلفين في السيرة فاختزلوا كثيراً من أحداثها فإن ذلك يترتب عليه تضييع ثروة علمية كبرى، وإهدار الاستفادة منها في مجالات تربوية وإدارية.. ونحوها؛ حيث تضعف الثقة في كل ما استنبط منها(18). يبقى: كيف تدوّن السيرة على ضوء المنهج السابق: هل تذكر كل الأحاديث بنصوصها، أم يجمع بين الروايات في سياق واحد؟ الظاهر: هو الطريق الثاني؛ تحاشياً لتشوش القارئ، وتشتت ذهنه بانقطاع الأحداث، وتكرر بعضها، وعدم وضوح صورة متسلسلة متكاملة للسيرة، ثم إنه صنيع الزهري في روايته لحادثة الإفك التي رواها مسلم عنه(19). خامساً: معرفة حدود العقل في قبول النصوص وردها: يرى العديد من الدارسين وخاصة من المستشرقين أن علماء المسلمين أهملوا نقد المتون، وأن ذلك لغياب عقليتهم النقدية. وهذا مردود، وهذه بعض أمثلة لمحاكمات تاريخية مستندة إلى نقد المتن: 1- رفض ابن حزم العدد المذكور عن عدد جند المسلمين في أُحُد؛ بناء على محاكمة المتن وفق أقيسة عقلية بحتة. 2- قدّم موسى بن عقبة غزوة بني المصطلق إلى السنة الرابعة خلافاً للأكثرين الذين جعلوها في السنة السادسة ؛ لاشتراك سعد بن معاذ فيها، وهو متوفى عقب بني قريظة وهي في السنة الرابعة. وتابعه على تقديم تاريخها ابن القيم والذهبي. 3- أخّر البخاري غزوة ذات الرقاع إلى ما بعد خيبر؛ نظراً لاشتراك أبي موسى الأشعري وأبي هريرة فيها، وقد قدما بعد خيبر، وتابعه على تأخيرها ابن القيم وابن كثير وابن حجر، خلافاً لرأي ابن إسحاق والواقدي في تقديمها. 4- الخلاف حول تشريع صلاة الخوف معظمه مبني على محاكمة المتن. والأمثلة كثيرة؛ ولكن من المهم أن يقال: إن حفظ الروايات قد استنفد طاقة الأوائل، وأتى بعدهم من لخّص وذيّل عليها وانتقى منها، وهذا عمل نقدي. وفي مؤلفات متأخرة تَبْرُزُ محاكمات دقيقة للمتون، كما في: البداية والنهاية، وفتح الباري، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية. قال ابن تيمية -رحمه الله- : "الأحاديث التي ينقلها كثير من الجهال لا ضابط لها، لكن منها ما يعرف كذبه بالعقل، ومنها ما يعرف كذبه بالعادة، ومنها ما يعرف كذبه بأنه خلاف ما علم بالنقل الصحيح، ومنها ما يعرف كذبه بطرق أخرى"(20). كما يحسب في عداد تقويم العقلية النقدية لدى المسلمين خدمتهم لنصوص أحاديث الأحكام خدمة بالغة، وجهودهم في كتب أصول الفقه التي تنبئ عن عقلية فذة. وإذا علمنا أن للمؤرخين القدامى كتباً في فنون أخرى لم يجز لنا أن نتهمهم بإهمال المتون، كما يجب مراعاة عنصر الزمن، فلا تقوّم جهودهم بمقاييس أنجزها التقدم العلمي اليوم؛ لئلا يُغمطوا حقهم. على أن علم مصطلح الحديث قد اشتمل على مباحث تشكل الجانب النظري لنقد المتون، ولكن القصور حصل في تطبيق ذلك على الرواية التاريخية، فلم تحظ بما حظيت به الأحاديث النبوية من العناية(21). لقد انزلق المطالبون بنقد المتون؛ حيث أجروا أحكام العقل في المتون الثابتة، وجعلوا ذلك أساساً للرد والقبول، وذلك أمر تتفاوت فيه العقول، وإنما يجيء الإشكال من جهة قصور العقل عن إدراك الخطاب للتوفيق بينه وبين النصوص الأخرى. وربما يُثبت من لم يلتزم منهج المحدثين حديثاً واهياً لصحة معناه، وقد يردُّ رواية الشيخين لظنه تعارضها مع مبادئ الإسلام وقواعده، وهذا تحكيم ضعيف للعقل(22). ومما وقعوا فيه خلال دراسة السيرة نفي المعجزات الثابتة بالنقل الصحيح، وهو في حقيقته انصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية، مع أن المسلم لا بد له من الاعتزاز الذي يحقق له الاستقلال التام في النظر والبحث العلمي(23). سادساً: فهم العربية ومعرفة أساليبها: "امتاز التأليف في العصور الأولى بقوة الأسلوب وفحولة المعاني وجزالة الألفاظ وإشراق الديباجة والتزام أساليب العرب ومذاهبهم في البيان"(24) فدعت الحاجة لدارس السيرة إلى حسن فهم العربية وأساليبها؛ ليحسن التعامل مع روايات السيرة؛ إذ المطلوب في فهمها والاستنباط منها أن يتم وفق قواعد العربية وأساليبها دون تعسف أو تمحُّل في التفسير(25). سابعاً: الالتزام بالمصطلحات الشرعية: قسم الله - تبارك وتعالى - الناس ثلاثة أقسام: مؤمناً، وكافراً، ومنافقاً كما في صدر سورة البقرة وجعلهم حزبين: أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، فالواجب الالتزام بهذه التسميات، وعدم العدول عنها إلى مثل: يميني، يساري(26)، ليبرالي... إلا عند الحاجة للتعريف باتجاهات بعض الأفراد الذين يترتب على معرفة ذلك منهم مصلحة، مع الحرص على التحديد ما أمكن. وفائدة التحديد في تقليل التمييع والتضليل الذي يسعى إليه المفسدون وأشياعهم؛ حيث يحرصون على التعمية وتجاهل الأسماء الشرعية التي يترتب عليها أحكام، وتستلزم ولاءاً أو براءاً. ثامناً: صدق العاطفة: من أسس الكتابة في السيرة ودراستها توفر المحبة الصادقة لصاحبها - صلى الله عليه وسلم - والعاطفة الحية التي تُشعر بمدى الارتباط الحقيقي قلباً وقالباً، والتفاعل الحقيقي مع أحداث سيرته(27). ولقد عبر الشيخ محمد الغزالي عن عاطفته الجياشة فقال في مقدمة فقه السيرة(28): "إنني أكتب في السيرة كما يكتب جندي عن قائده، أو تابع عن سيده، أو تلميذ عن أستاذه، ولست كما قلت مؤرخاً محايداً مبتوت الصلة بمن يكتب عنه". ودراسة السيرة تعبُّداً لله وتقرباً إليه تنمي ذلك الحب، وتسقي تلك العاطفة. تاسعاً: الوفاء بحقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - دون غلو ولا جفاء: ينأى عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهج سلف الأمة في دراسة السيرة فريقان(29): 1 - قوم قصَّروا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يجب له من الإجلال والتوقير والتعظيم، فدرسوا سيرته كما يدرسون سائر الشخصيات الأخرى، فنظروا لجوانب العظمة البشرية والقيادة والعبقرية والبطولة والملك والإصلاح الاجتماعي، مغفلين الجانب الأعلى في حياته، وهو تشرفه بوحي الله - عز وجل - وختم النبوة والرسالة، ولهؤلاء يحسن سياق خبر أبي سفيان يوم فتح مكة؛ حيث قال للعباس لما رأى كتائب الصحابة - رضي الله عنهم - : والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيماً، فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذاً(30). 2 - وآخرون بالغوا في التعظيم وغلوا في منزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلم يَرُقْ لهم وصفه بالبشرية، بل ربما خطر لبعضهم أنه ضرب من الجفاء! مع أن كونه - صلى الله عليه وسلم - بشراً عبداً لله -عز وجل- من مسلَّمات العقيدة، وخلافه ضرب من الضلال؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) (31). فالحق وسط بين الطرفين؛ ولدراسة السيرة انطلاقاً من ذلك أثر كبير في العقيدة والعبادة والسلوك والدعوة والتأسي والاقتداء. عاشراً: تحديد هدف الكتابة والشريحة المخاطبة بها: على كاتب السيرة معرفة الشريحة المراد مخاطبتها، وفهم الأسلوب المناسب الذي تؤدى به. وعليه كذلك أن يعيِّن غرضه من الكتابة، وماذا يريد من: معالجة جديدة، أو طرح للأحداث بأسلوب جديد، أو تعليل لقضايا منغلقة، أو تركيز على أحداث أغفلها الكُتَّاب(32). فمثلاً المرحلة المكية مرحلة تربوية خصبة كتبت فيها كثير من الكتابات، ولا تزال بحاجة إلى بسط في بعض جوانبها وزواياها، ومن ذلك: 1- موقف الجاهلية من الدعوة والمؤمنين بها؛ فأعداء الدعوة ليسوا قريشاً وحدهم، بل كل الجاهلية.. ثقيف وهوازن وغيرهما. وإنما برزت قريش؛ لأنهم عشيرته - صلى الله عليه وسلم - الأقربون، ولكن تخصيصهم بالحديث يوحي بمحلية الدعوة، وهو خطأ جسيم. 2- موقف المؤمنين من الاضطهاد، بالمقارنة بين حالهم قبل الإسلام وبعده، وكيف صنعهم الإسلام حتى هان على المؤمنين من العقوبات ما كان أخفه هو غاية التهديد في الجاهلية كالطرد من القبيلة مثلاً. 3 - الدور التربوي العظيم لدار الأرقم مدرسة المؤمنين السابقين الأولين ، والمؤسف أن الأخبار عنها قليلة، مع أنها تميزت بإعطاء منهج تربوي متكامل(33). ولعل من الكتب المفيدة في دراسة المرحلة المكية: في ظلال القرآن، لسيد قطب -رحمه الله- (34). الحادي عشر: العناية بتحليل الأحداث والتعليق والموازنة: بذل العلماء المتقدمون جهوداً مضنية في حفظ العلم وروايته أشغلتهم في بعض الأحيان عن العناية بتحليل الأخبار ودراستها والنظر في أسباب الأحداث وملابساتها. وفي عصور الضعف لم يأخذ جانب التحليل والدراسة حقه؛ "بسبب النظرة التجزيئية للقضايا، والسطحية في التعامل مع الروايات، وعدم وضوح التصور الإسلامي لحركة التاريخ ودور الفرد والجماعة، والعلاقة الجدلية بين القدر والحرية وقانون السببية في الربط بين المقدمات والنتائج. فضلاً عن أن الكتب التاريخية القديمة لا تمدنا بمنحى واضح في التحليل والتصور الكلي؛ بسبب اعتمادها على سرد الروايات فقط؛ إذ قلَّما يشير المؤرخ الإسلامي القديم إلى السنن والنواميس والقوانين الاجتماعية التي تحكم حركة التاريخ، رغم أن القرآن الكريم لفت نظر المسلمين إلى ذلك كله بوضوح، بل إن أحداً من مؤرخي الإسلام لم يحاول إعادة صياغة النظرة القرآنية للتاريخ وتقديم الوقائع والتطبيقات والشواهد القرآنية عليها بشكل نظريات كلية حتى وقت متأخر عندما كتب ابن خلدون مقدمته"(35). ولغياب النظرة التحليلية في دراسة السيرة فقد غلب عليها الطابع التسجيلي السردي الذي يحاول إثبات الوقائع ووصف تطور الأحداث وتقرير النتائج دون الالتفات إلى المقدمات ومحاولة اكتشاف المنهج الذي يُسَيِّرها. ومع أن الدراسات شملت وصفاً دقيقاً لكل أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وكل ما يتصل به.. إلا أن الحديث عن المعجزات والمؤيدات الغيبية كان على حساب سنن عالم الشهادة التي يتحرك في إطارها ويصنع الأحداث ويحقق النتائج(36). "الحق أن المحدَثين في باب التحليل والتعليق والموازنة بين المواقف قد أرْبوا على المتقدمين، وأكسبوا السيرة جدة ورواءاً، وقد تفاوتوا في ذلك على حسب تفاوتهم في المراتب، وسعة العلم والأفق، والاطلاع على سير الآخرين"(37). ولكن غالب هذه الدراسات قد ركز على جانب إثبات النبوة، وإبراز الخصائص. وهو أمر له مسوِّغه الظرفي في الصراع مع المخالفين. واهتم جزء آخر باستخراج الأحكام والتوجيهات والفوائد، واهتم آخرون بالتفسير الحركي لتسويغ بعض مواقف الحركة الإسلامية المعاصرة. الثاني عشر: الاهتمام بتحرير المنهج النبوي في سائر المجالات: بقيت العناية بالمنهج قليلة، مع أنه بإمكان النظرة الشمولية لهذه الجهود العلمية الضخمة الآنفة الذكر أن تستخلص البنية الهيكلية العامة للمنهج النبوي في نواحيه المختلفة(38). نعم.. إن استخلاص المنهج مطلب ضروري، بيد أنه ليس بالأمر اليسير، خلافاً لما قد يتوهمه بعضهم حين ظنوا أن (المنهج النبوي) على طرف الثمام، وأن نظرة عجلى على السيرة العطرة، أو جزء من السنة المطهرة، أو انتقاء مقاطع من هنا أو هناك كافية للإحاطة بهذا المنهج الفذ، وبناء حتميات تاريخية على تلك الأفهام العجلة. وتصوُّر بعضٍ أن بالإمكان إعادة إنتاج العهدين المكي والمدني، أو تمثيلهما في أي واقع يُعَدُّ مجازفة كبيرة... إن المنهج حين يطلق في إطار معرفي إنما يراد به قانون ناظم ضابط يقنن الفكر ويضبط المعرفة التي إن لم يضبطها المنهج فقد تتحول إلى مجرد خطرات انتقائية مهما كانت أهميتها لا يمكن تحويلها إلى ضوابط فكرية وقوانين معرفية تنتج الأفكار وتولد المعارف وتضبط حركاتها وتميز بينها؛ فبالمنهج يمكن أن نحَدد طبيعة المعرفة وقيمتها وحقل عملها واتجاهها وكيفية البناء عليها والتوليد منها... إن أي فكر تتضارب مقولاته وتتناقض لا يعتبر فكراً منهجياً حتى لو تمكن أصحابه من تقديم مختلف التأويلات التوفيقية: كالتأويل، والمقاربة، والتلفيق، وغيرها. ولذلك فإن إطلاق مصطلح: (منهج النبي - صلى الله عليه وسلم-) و (المنهج الإسلامي) على ما يصل الباحثون إليه باجتهاد شخصي أو فردي لا بد أن يُحتاط فيه، كأن يقال: على ما نراه، أو على ما توصلنا إليه... الخ"(39). مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى قراءة السيرة ودراستها دراسة استراتيجية في مختلف الحالات الاجتماعية والتربوية والعلمية والإدارية والسياسية والاقتصادية والحركية والأمنية والثقافية.. ففي السيرة بيان لجميع الحالات أو أصولها؛ خلافاً لصنيع بعض كُتَّاب السيرة حين يصورون حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- على أنها صراع وحروب وغزوات وسرايا، ويغفلون عن الجوانب الأخرى(40). لكن المطلوب: دقة تحليل الواقع المعاش من خلال متخصصين، لا متحمسين فقط، ثم دراسة السيرة وتحليلها، ثم تحديد مواقع الاقتداء من مسيرة السيرة، أو اكتشاف المرحلة من السيرة التي تمثل حالة الاقتداء وكيفيته من خلال ظروف الحال نفسه(41). الثالث عشر: تحديد هدف الدراسة وهو الاقتداء والتأسي: من العبث اعتبار سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لمجرد التسلية وإبراز عظمة الرجال؛ بل إن سيرته هداية للناس، وترجمة عملية لدين الله - عز وجل - وتصور للإسلام يتجسد في حياة صاحب الرسالة، تطبيقاً للمبادئ والقواعد والأحكام النظرية(42). ولذا قال الزهري: "في علم المغازي علم الآخرة والأولى"(43). لمَّا وعى الصحابة وسلف الأمة هذا الغرض اكتسبت السيرة في حياتهم مكانة علمية تليق بها وبهم. قال علي بن الحسين: "كنا نتعلم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نتعلم السورة من القرآن"(44)؛ لأنه لا غنى لمن يريد الاقتداء به عن معرفة سيرته. والاقتداء أساس الاهتداء (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21](45). ولكن كيف نتعامل مع السيرة في هذه المرحلة المتغيرة، وكيف يكون الاقتداء؟ الواقع يتغير، ووسائلنا في العمل والاقتداء وقراءة القيم لا تتغير، والسيرة اتخذت لكل حالة ما يناسبها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر حين أكرهه المشركون على سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير: (( إن عادوا فعد)) (46). آية التأسي نزلت في غزوة الأحزاب لتبين أن تمام الاقتداء إنما يكون في شدة البأس والضيق وفوات الدنيا لمن تعلق بالآخرة، فلا يكون الاقتداء في اليسر دون العسر، ولا في الحاجيات والتحسينيات دون الضروريات من مقاصد الشريعة، وليس المقصود التقليل من شأن الاقتداء في العادات؛ فذلك مهم في صياغة الشخصية المتكاملة. نزلت آية الأحزاب وقد بلغت القلوب الحناجر، وحين استنجد الصحابة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما واجهتهم الصخرة الكبيرة حاول تفتيتها بالمعول طبقاً للسنن الجارية مؤملاً النصر(47). "فقيمة الاقتداء وعطاؤه وعظيم ثوابه عندما يكون في العزائم والقضايا الكبيرة التي قد يمتحن صاحبها في صدق إيمانه وقوة يقينه، فتفوته بعض النتائج في الدنيا، ويخسر المعركة، لكن الاقتداء يحميه ويحول بينه وبين السقوط، ويرتفع به من الوقوف عند النتائج القريبة إلى إبصار العواقب والمآلات.. ذلك أن مظنة الارتكاز في الاقتداء هي رجاء الله واليوم الآخر واستمرار الذكر الذي يجلِّي هذه الحقيقة، ويؤكد حضورها واستمرارها: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21]"(48). ولكل مخلص أن يتساءل: ما نصيب السيرة النبوية في المناهج التربوية اليوم؟ وما أثر معرفتها في سلوك العاملين في ميادين الدعوة والتربية والتعليم؟ الرابع عشر: معرفة مواضع الاقتداء من فعله - صلى الله عليه وسلم -: معرفة أحوال أفعاله - صلى الله عليه وسلم - وأقسامها مبحث أصولي يهم دارس السيرة. وفعله - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو إما أن يكون صدر منه بمحض الجِبِلَّة، أو بمحض التشريع، وهذا قد يكون عامّاً للأمة، وقد يكون خاصّاً به - صلى الله عليه وسلم -، فهذه ثلاثة أقسام: القسم الأول: الأفعال الجِبِلّية: كالقيام والقعود والأكل والشرب، فهذا القسم مباح؛ لأن ذلك لم يقصد به التشريع ولم نتعبد به، ولذلك نسب إلى الجِبِلَّة، وهي الخِلْقة. القسم الثاني: الأفعال الخاصة به - صلى الله عليه وسلم- التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة؛ فهذا القسم يحرم فيه التأسي به. القسم الثالث: الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع، كأفعال الصلاة والحج، فحكم هذا القسم تابع لما بيَّنه؛ فإن كان المبيَّن واجباً كان الفعل المبيِّن له واجباً، وإن كان مندوباً فمندوب"(49). الخامس عشر: معرفة كيفية الاستفادة منها في الواقع: الدراسة المفيدة للسيرة تحصل حين تُدرَس على أنها سنن ربانية يمكن أن تتكرر كلما تكررت ظروفها، ولا تتحقق أبداً حين ننظر للسيرة على أنها مجرد أحداث مفردة قائمة بذاتها حدثت زمن البعثة النبوية... بل هي آيات وعبر في شؤون الحياة كلها، وإلا ضاع رصيدها وقوتها الدافعة لأجيال المسلمين؛ فهي تربط المسلم بالسنن الربانية، وتربط قلبه بالله - تعالى-(50). إن كل حركة إصلاح أو تغيير تعجز عن الاستفادة من السيرة في صياغة مناهجها وحل مشكلاتها هي بعيدة عن الاقتداء؛ لأن الواجب تجريد السيرة من قيد الزمان والمكان لتجيب عن أسئلة الواقع ومشكلاته. وهذا النوع من الدراسات قليل جداً؛ إذ جلّ الدراسات لا تعبر عن عصر مؤلفها، ولا تخدم احتياجات واقعه، ولا تطرق مشكلاته. قد تكون المشكلة كامنة أحياناً في غياب المقاصد الحقيقية التي تمثل معاني الخلود عند دارسي السيرة أي قدرتها على التعامل مع جميع الظروف مما جعلها عند كثيرين تاريخاً لا مصدراً للاهتداء والتشريع. وهي لا شك تاريخ، ولكنها تاريخٌ وحاضر ومستقبل: تاريخٌ زماناً ومكاناً، وحاضرٌ عطاءاً ومصدراً للتشريع، ومستقبلٌ رؤية ًواستشرافاً. وإذا كان التاريخ مصدراً للدرس والعبرة فالسيرة أوْلى؛ لأنها فترة مسددة بالوحي، وحقبة بيان عملي للدين. لقد سبب غياب هذا المنطلق إغراقاً في الفقه النظري سواء الذي يسير خلف المجتمع، أو البعيد عن واقعه كما سبب تراجعاً في الفقه التطبيقي (فقه التنزيل) فصارت مشكلات المسلمين تنشد الحل المستورد. إن مما يؤكد أهمية الانطلاق من ذلك المنطلق حين التعامل مع السيرة ما يشير إليه ترتيب سور القرآن وآياته والسيرة بيان عملي للقرآن فلم يجئ ترتيبه حسب نزوله زماناً ومكاناً؛ لئلا يبقى المتأسي أسير الزمان والمكان الماضيين، بل ليبقى مسخِّراً للزمن متحكِّماً فيه يستطيع تحديد الموقع المناسب للاقتداء من خلال قيم القرآن الكريم ومسيرة السيرة بحسب الظروف والإمكانات وطبيعة أقدار التدين التي تحدد مكان الاقتداء من السيرة... هذا وإلا بقيت السيرة في خانة التبرك والفخر تصاغ في شكل موالد وموائد تشيع فيها البدعة، وتضيع فيها السنَّة، وتضيع معها الأوقات(51). وفي سيرة سلفنا إضاءات للمستنيرين بنورها، فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يقاتل مانعي الزكاة، ويقول لعمر بن الخطاب لما حاول تأجيل قتالهم: "أجبَّار في الجاهلية، وخوَّار في الإسلام؟! إنه قد انقطع الوحي، وتم الدين، أَوَ ينقص وأنا حي؟! "(52)، فلم يتقيد بقيد الزمان، وهو ما قبل فرضية الزكاة في صدر الدعوة، ولذا فإن من الخطأ أن نريد إعادة مراحل السيرة التي كانت قبل اكتمال شرائع الإسلام، فنكتفي ببعضها ردحاً من الزمن، ونحمل الناس على شيء من الدين مرحلة من الزمن(53) فذلك "تبسيط شديد للأمور من ناحية، وتجاوز لتحليل ومعرفة أهم الأبعاد التي غابت عن محاولات التغيير، وأدت إلى تراجعها"(54). ولكي يتضح جانب التبسيط فإنه يُرّدُّ على من أراد تقييد الإفادة من السيرة بالزمان بتقييدها بالمكان! فهل يطيقه؟ ولا بد أن نلاحظ حال الإفادة من معطيات السيرة أنه لا يمكن أن تُنتِج الوسائلُ والتصرفات التي استعملها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النتائج نفسها إذا استعملها سواه؛ لاختصاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوحي والتسديد من الله - عز وجل - (55). ولذا، فإنه تبقى للسيرة النبوية صفة المعيارية الخالدة في الإطار العملي التطبيقي، وليس ذلك أبداً لممارسات أحد غيره كائناً من كان، فلا يجوز إسقاط السيرة على تصرفات بعض الأفراد أو الجماعات لتسويغ بعض الممارسات وإكسابها المشروعية، سواء قبل التصرف أو بعده، وسواء في ذلك القراءات الحركية أو العسكرية أو الأمنية أو الاقتصادية أو التربوية ما دامت فصّلت حوادثها على تصرفات معينة، والتي لا يمكن أبداً أن تكون معياراً، بل هي في الحقيقة صفحة من التاريخ تفيد الدرس والعبرة(56). وفي الختام: لعل فيما سبق من الضوابط محاولة لرسم معالم في كتابة السيرة ودراستها؛ والمرجو أن تبعث لدى المهتمين المبادرة بنقدها وتقويمها، والسعي لتحرير منهج علمي متين في دراسة سيرة الهادي - صلى الله عليه وسلم -. ــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: (1) طالعت مقدمات عدد من كتب السيرة، حيث لم أجد دراسة مفردة، وقبيل الانتهاء من كتابة الموضوع وجدت مقدمة في السيرة اشتملت على جملة من الضوابط المهمة أملاها د. عبد الرحمن المحمود في بعض دروسه العلمية فاستفدت منها كثيراً. (2) د. أكرم ضياء العمري، في السيرة النبوية الصحيحة: 1/18. (3) انظر: مقدمة عمر عبيد حسنة لكتاب: في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحماية والحذر، ص 25، 26. (4) مقدمة في السيرة، د. المحمود.. والقصة أخرجها مسلم، ح/ 1766. (5) انظر: كيف نكتب التاريخ الإسلامي، محمد قطب 81. (6) مقدمة في السيرة النبوية، د. عبد الرحمن المحمود. (مخطوط). (7) انظر: كيف نكتب التاريخ الإسلامي، لمحمد قطب: 81. (8) كتاب: السيرة في القرآن، لمحمد عزة دروزة، في مجلدين كبيرين، وحيد في بابه، ولا يخلو من ملاحظات، فلا يزال المجال شاغراً. (9) أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع، الجزء الثامن (2/ 224). (10) انظر: السنة ومكانتها في التشريع، للسباعي: 344. (11) في إسنادها: محمد بن سعيد الحراني، قال ابن حجر: شيخ (التقريب: 848)، وقال النسائي: لا أدري ما هو (التهذيب 5/113) "فروايته لا يحتج بها، وإنما تكتب للاعتبار، وذلك إشعار ضعف" (مرويات غزوة بدر، باوزير: 34). (12) الجامع للخطيب 2/224. (13) انظر: فتاوى ابن تيمية: 13/346، والبرهان للزركشي: 2/651، والإتقان للسيوطي: 2/228. (14) ولا يفهم من هذا رد أحاديث الآحاد في باب الاعتقاد فهو خلاف منهج أهل السنة، مقدمة في السيرة، د. المحمود. (15) السيرة، للعمري: 1/40، وانظر التزامه هذا المنهج في مقدمته، ص 19. (16) السابق: 1/41. (17) انظر: تحقيق مواقف الصحابة، لأمحزون: 1/98 - 100. (18) العمري، مصدر سابق: 1/20. (19) التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، د. عبد العزيز الحميدي، 1/ 28 35. (20) انظر: صحيح مسلم، ح/ 2770، شرح النووي، 17/156. (21) منهاج السنة النبوية، 8/105، ولابن تيمية قاعدة للتمييز بين الصدق والكذب في المنقولات في غاية الأهمية تجدها في منهاج السنة، 7/34 43، 7/ 419 479، وقد أنشأ (صادق عرجون) في كتابه: (خالد بن الوليد) نموذجاً محسوساً لمنهج النقد التاريخي جدير بالمطالعة. وقد ناقش فيه عدداً من الحوادث التي اضطربت فيها الروايات والآراء مناقشة عقلية، وحاكمها محاكمة دقيقة. انظر مثلاً: ص: 265 - 279. (22) د. العمري: 1/12 17. (23) ولقد رد الغزالي في (فقه السيرة ص: 10) رواية البخاري في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا بني المصطلق وهم غارُّون، بناءاً على أنه لا تجوز مباغته العدو إلا بعد إنذاره، مع أنه يجوز ذلك مع من بلغتهم الدعوة. انظر: مناقشة لطيفة لرأيه في: أضواء على دراسة السيرة، للشامي: 44-46. (24) د. العمري، مصدر سابق: 1/17. (25) أبو شهبة، في السيرة النبوية: 1/26. (26) انظر: صنيع د. العمري في السيرة: 1/20. (27) مقدمة في السيرة، د. المحمود. (28) انظر أضواء، للشامي، 36. (29) فقه السيرة، ص 5. (30) انظر: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مدخل لدراسة السيرة النبوية، د. محمد الغمراوي، ص 15. (31) ذكره ابن حجر في المطالب العالية المسندة: 4/420 (ح 4303) وقال: هذا حديث صحيح. (32) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، ح/ 3445، (فتح 6/ 551). (33) انظر أضواء، للشامي: 36، 37. (34) انظر: محمد قطب، مصدر سابق: 59 72. (35) انظر: الشامي: مصدر سابق: 39. (36) د. العمري، في السيرة: 1/14 -15. (37) الطيب برغوث، في منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حماية الدعوة: 45. (38) محمد أبو شهبة، السيرة النبوية: 1/17. (39) انظر: الطيب برغوث، مصدر سابق. (40) طه جابر العلواني، في مقدمته للسابق: 36 37. (41) من المحاولات الجيدة في هذا الصدد: كتاب منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حماية الدعوة، للطيب برغوث، وكتاب في السيرة النبوية.. قراءة لجوانب الحماية والحذر، د. إبراهيم علي. (42) انظر: عمر حسنة، مصدر سابق: 27. (43) د. محمد سعيد البوطي، في فقه السيرة: 21، 41. (44) أخرجه الخطيب في الجامع، الجزء الثامن: 2/ 252. (45) المصدر السابق. (46) انظر كلاماً قيماً لابن القيم في زاد المعاد، 4/ 69 70. (47) أخرجه الحاكم في المستدرك، 3/ 358، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي، 8/208، وابن سعد في الطبقات، 3/249. (48) كما في الحديث الذي رواه البخاري، ح 4101 (الفتح 7/456). (49) عمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 29 32. (50) معالم أصول الفقه عند أهل السنة، محمد الجيزاني: 127 132. وفي تفصيل الموضوع رسالة قيمة في أفعال الرسول، د. محمد الأشقر. وانظر: أفعال الرسول، للعروسي. (51) انظر: كيف نكتب التاريخ الإسلامي، محمد قطب: 81. (52) انظر: عمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 21 23، 28 29. (53) ذكره أحمد بن عبد الله الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، 2/45، 1/451، وقال: "خرجه النسائي بهذا اللفظ، ومعناه في الصحيحين"، ولم أقف عليه. (54) مقدمة في السيرة، د. المحمود. (55) طه العلواني، مصدر سابق، 27، 28. (56) انظر: السابق، 26. (57) انظر: عمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 24 25.[/rtl] الكـاتب : عبد اللطيف بن محمد الحسن أسأل الله تعال أن يشغلنا بذكره وطاعته [b]ويطهر ألسنتنا..من كل ما يغضبه .. [/b][/rtl] [/center][/center]