Hamdy Tawfik-manar9
الأعضاء-
مجموع الأنشطة
3650 -
تاريخ الانضمام
-
آخر نشاط
نوع المحتوي
الاقسام
المدونات
Store
التقويم
التحميلات
مكتبة الصور
المقالات
الأندية
دليل المواقع
الإعلانات
كل منشورات العضو Hamdy Tawfik-manar9
-
مجموهة كتب مختلفة تشمل الكتب الاتية أحترف فن الفراسة أسرار قادة التميز أيقظ قدراتك و اصنع مستقبلك إدارة الوقت البرمجة اللغوية العصبية و فن الإتصال اللامحدود التنويم بالإيحاء الثقة و الإعتزاز بالنفس الطاقة البشرية و الطريق إلى القمة الطريق إلى الإمتياز الطريق إلى النجاح العمل الجماعي تلخيص المفاتيح العشرة للنجاح حلل شخصيتك بنفسك حياة بلا إحباط حياة بلا توتر سحر القيادة ॥ كيف تصبح قائداً فعالاً سحر الكلمة سيطر على حياتك غير حياتك فى 30 يوم فن و أسرار إتخاذ القرار قوة التحفيز قوة التفكير قوة الحب و التسامح قوة الذكاء الروحي قوة العقل الباطن mediafire.com ?01m2a776w2ruhjn mediafire.com ?382oykekq16dak1
-
الشخصية المتطرفة.. ملامحها وأبعادها عائض بن سعد الدوسري الغلو ظاهرة تستحق التوقف والتأمل، ليس لأنها ظاهرة غريبة ونشاز فقط؛ بل لخطورتها على الفرد والمجتمع، وتتمثل تلك الخطورة فيما يخلفه الغلو من تناقض وتضارب واضطراب وقلق في شخص المتطرف، ذلك التناقض الذي يهدد ذات الشخص ويهدد مجتمعه بل ودينه الذي سوف يدفع الثمن نتيجة التشويه الذي سيتعرض له على يد هذا الشخص المتطرف. والغلو بكل ألوانه مرفوض، إذ هو في الحقيقة مرض عقلي ونفسي لأنه يمثل مجموعة من الأفكار القلقة القاهرة والمسيطرة على عقلية المتطرف أو الغالي. والغلو: هو تجاوز الحد، والغلو في الدين هو التشدد والتصلب. والتطرف: هو تجاوز حد الاعتدال والتوسط، والركون إلى أقصى الأطراف. ولذلك عُرف الغلو بأنه: مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء، عن حده. والتطرف الديني: هو مجاوزة الحد الشرعي للدين سواء في العبادات أو في العقائد، فالشخص المتطرف في العبادات تجده يشدد على نفسه في أمور ليست من الدين كأن يحرم الزواج، أو أكل أطايب الطعام، أو يحرم طلب الرزق ويؤثر التبتل الدائم المنقطع عن الحياة وعن الناس، هذا بالنسبة للتطرف في العبادات، وأما التطرف في العقائد: فهو يكون بتكفير المخالف في الرأي ولو كانت المسألة فرعية، ومعاداة الجميع والوقوف ضد المجتمع، بل ويتعدى ذلك إلى إيصال الأذى للآخرين، كلعن علماء الأمة بأسرها، وتكفيرهم ومعاداتهم، ونقض بيعة وليّ الأمر الشرعي، واعتزال المجتمع لأنه في نظر المتطرف مجتمع جاهلي. والتطرف ليس حكرا على دين بعينه ولا على فكرة أو مذهب، فالتطرف والغلو موجود في كل مجتمع ودين، فهناك التطرف اليهودي؛ والمسيحي، والتطرف الشيوعي، والتطرف العلماني، والتطرف القومي... وهكذا في كل أمة تطرف. ونود أن نبيّن أن الدين الإسلامي نفسه لا يتحمل مسؤولية التطرف أو المتطرفين، لأن التطرف ليس نابعا من ذات الدين وتعاليمه بل هو نابع من خلل عند المتطرف، وحقيقة التطرف معاكسة لحقيقة الدين الإسلامي، إذ الشخص المتطرف لا يقبل الوسطية ولا الاعتدال، فهو دائما يشط ويحيف نحو الأطراف سواء كانت لليمين أو لليسار، فالتحيز نحو الطرف القصي طبيعة مركوزة في نفسيته وعقليته، وأهم خصيصة للتدين الصحيح هي الوسطية. إن من يتأمل شخصية ذلك المتطرف يجد خللا واضحا عنده في طريقة التفكير وطريقة التحليل وطريق العمل والأداء، وكل ذلك راجع إلى خلل نفسي أو عقلي نتيجة ترسبات اجتماعية أو اقتصادية أو شخصية، والتطرف ليس نتاج قراءات دينية أو اجتهادات فكرية تمخضت في النهاية عن اطروحة الغلو والتطرف ! كلا... بل هي في المقام الأول نتاج أزمة نفسية اجتماعية عقلية، حرفت الشخص عن طريق التوسط والاعتدال الى طريق الغلو والتطرف والتشدد والتعنت. فالمتطرف لا يرضى بالوسطية، ولا يحس بالأنس وعدم الوحشة إلا في الزوايا المتطرفة الضيقة، وهذا يدل أن المتطرف يعاني من خلل نفسي وعقلي يمس شخصيته الذاتية!. وإذا أردنا أن نخطو خطوة نحو فهم أكثر (لشخصية المتطرف الديني) فمن الواجب أن نتلمس صفات الشخصية المتطرفة، ومن صفات المتطرف ما يلي: (1) ضعف البصيرة بحقيقة الدين. ضعف البصيرة يقصد بها نصف العلم، الذي يظن صاحبه به أنه دخل في زمرة العلماء، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف نتفاً من العلم من هنا وهناك وهنالك، غير متماسكة، ولا مرتبطة، يعنى بما يطفو على السطح، ولا يهتم بما يرسب في الأعماق، ولا يربط الجزئيات بالكليات، ولا يرد المتشابهات إلى المحكمات، ولا الظنيات إلى القطعيات، ولا يعرف من فنون التعارض والترجيح ما يستطيع به أن يجمع به بين المختلفات، وعليه فالمتطرف شخص مصاب بضعف البصيرة كما هو أيضا مصاب ببلادة الفهم تجاه الأدلة والمسائل الشرعية وكثيرا ما يكتمل - كما يتوهم - قبل أوانه. (2) التشديد على النفس والإسراف في التحريم. لقد وضع الشارع الشريعة في الأصل على مقتضى قدرة الإنسان ووسعه، وجعل للمشقات العارضة رخصاً تخففها رحمة بعباده وتيسيراً عليهم، كما نهى عن الغلو والتطرف والتشديد. قال تعالى: {قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل } [المائدة: 77] . وهذا التشدد والغلو يدفع صاحبه إلى نتائج وخيمة، يكون منها السآمة من هذا التشدد ثم الملل ثم العجز، بل قد يتطور الوضع تطورا رأسيا إلى كره التشدد (وهو في نظر المتطرف تكاليف شرعية) ثم احتقاره ونبذه وأخيرا الإنقلاب والتمرد عليه، بل والانتقال من صفوف التطرف الديني إلى التطرف المضاد المعاكس، ومن نتائج هذا التشديد والتطرف التعبدي، تعطيل الحياة والانقطاع عن تأدية الحقوق للأخرين، مما يدفع المتطرف إلى التأمل في حاله وواقعه بنظرة متطرفة مضادة ! إذ كيف ضيع حياته في هذه المشاق التعبدية والاحتساب للدين (كما يتوهم) وقد عطل بذلك معظم جوانب حياته اليومية. (3) الاختلال النفسي، والنزوع العقلي للمتقابلات والمتضادات. قيل : المتسمّم يشعر ويبصر من خلال السموم التي تسري في كيانه، وهذا صحيح فمتى كان العقل يستقي الغذاء من مادة فاسدة، فلا عجب أن يمر صاحبه بجميع الحالات والأوضاع النفسية الفاسدة، لأن أقل تسمم يكفي لشل الذهن وإشاعة الفوضى فيه، وإيجاد التشاؤم، والكآبة، والانخذال، والخوف... إن المتطرف مختل النفس مختل الإرادة، ولا بد من أن تتعب نفسه بتأثير التوتر الذي يحدثه فيها التطرف الذي يخيل له أنه ينمي ذاته ويقويها في مجتمعه، وهذا التعب أحيانا يأتي مسرعا وأحيانا بطيئا، ولكنه في الغالب يستحوذ على همته وصياغة ذاته، مما يسبب في النهاية تغيراً عنده يأتي على أشكال مختلفه، وأهم ما يميز شخصية المتطرف النزوع الدائم للأطراف والزوايا وكره الوسط والاعتدال. يقول الباحث النفسي (سمير أحمد): (إن دراسات وبحوث علم النفس والطب النفسي دلت على أن الشخصية المتطرفة شخصية مريضة، وأن هناك خصائص عديدة مشتركه بين المتطرفين وبين مرضى العقل). ويبيّن بعض المختصين في علم النفس مظاهر التطرف وصفاته كالتالي: المتطرف يحب العزلة المذمومة، الاكتمال قبل الأوان، الاحساس بدونية الأخرين النابعة من احساسه الباطن بدونيته هو مما يدفعه للاستعلاء، العدوانية على الأفراد كتكفيرهم أو على المجتمعات كاحراق المحلات ونسف المنشآت أو على العلماء وولاة الأمر كتكفيرهم والتقرب إلى الله بلعنهم والوقيعة فيهم، الارتيابية، المثالية، الطاعة العمياء. (4) المتطرف شخصية تستجيب لردود الأفعال. الغلو في أصله استجابة سلوكية يميل السلوك البشري عادة إلى الانطباع بها كانعكاس لعدد من العوامل الداخلية المتعلقة بصميم الحياة النفسية للفرد والخارجية المتعلقة بتأثيرالبيئة. يقول الدكتور (محمد شعلان) أستاذ ورئيس قسم الأمراض العصبية بجامعة القاهرةإذا وجد الإنسان واقعا لا يقبله فإنه يلجأ لا شعوريا إلى رد فعل معاكس لهذا الواقع، وكلما كان الدافع قوياً كلما كان رد الفعل قوياً، بل وقد يؤدي إلى التطرف والعنف). (5) الاعتداد الزائف بالذات الى درجة الاستعلاء. أولى دلائل التطرف هي التعصب للرأي تعصبا لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحة، والعجيب أن المتطرف يجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل وأغمض القضايا، ويفتي فيها بما يلوح له من رأي، وافق فيه أوخالف، ولكنه لا يجيز لعلماء العصر المتخصصين، منفردين أو مجتمعين، أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه. (6) التفكيرالذري. تفكير المتطرف تفكير ذري فرعي جزئي تحقيري لعقول الآخرين، والمتطرف يحمل معه سمة التفكير الذري، فهو يدور ويدور عند مسألة جزئية تتحاقر أمام المسائل الكبرى التي تحتاجها الأمة في عصره وزمانه، ويظل المتطرف يلوك ويجتر تلك المسائل الفرعية الجزئية، ويشغل الأمة بها في كل مكان. ومن المؤسف حقا أن من هؤلاء الذين يثيرون الجدل في هذه المسائل الجزئية وينفخون في جمرها باستمرار، أناس يعرف عنهم الكثيرون ممن حولهم، التفريط في واجبات أساسية مثل: بر الوالدين، أو تحري الحلال، أو أداء العمل بإتقان، أو رعاية حق الزوجة، أو حقوق الأولاد، أو حق الجوار، ولكنهم غضوا الطرف عن هذا كله، وسبحوا بل غرقوا في دوامة الجدل الذي أصبح لهم هواية ولذة، وانتهى بهم الى اللدد في الخصومة، والمماراة المذمومة... إنهم لا يسمعون لمن خالفهم في الرأي ولا يقبلون الحوار معه، ولا يتصورون أن تتعرض آراؤهم للامتحان بحيث توزن بغيرها وتقبل المعارضة والترجيح، وكثير منهم لم يتلق العلم عن أهله وشيوخه المختصين بمعرفته وإنما تلقاه من الكتب والصحف مباشرة. نستنتج مما سبق، أن الشخص المتطرف شخصية مريضة، قد ساهم في مرضها أسباب كثيرة منها ما ذكرنا ومنها ما لم نذكر، وإذا كان التطرف الديني ينشأ في كثير من الأحيان عن اختلال في المزاج العقلي واختلاط في النفس، فإن هذا التطرف يقود بدوره إلى ممارسة العنف والارهاب، إذ ذلك هو الثمرة المرة من التطرف. ونرى أعظم تجليات الشخصية المتطرفة في الخوارج؛ ففي حين أنهم يتورعون عن قتل خنزير لرجل يهودي يقدمون بكل حماس لقتل صحابي جليل وبقر بطن امرأته!! ازدواجية فظيعة ومخيفة...! دم خنزير يكون محل ورع وحيطة !! ودم صحابي جليل وامرأته يراق بكل حماسة وإقدام !! والحل العلاجي الذي أراه بالنسبة للأفراد المصابين بداء التطرف، هو أن يراجعوا أنفسهم وأفكارهم وسلوكياتهم، وأن يقدموا مصلحة الإسلام ومصالح المجتمع العامة على مصالحهم الخاصة، وألا يخجل المرء ولا يستحي من الاعتراف بالذنب فذلك والله فضيلة تحسب لهم لا عليهم، والذي يرى من نفسه الصدود والمكابرة، فليراجع ربه ويسأله الهداية، ثم ليراجع العلماء الحلماء الفضلاء، فلديهم الدواء بإذن الله ولا يمنع نفسه من أي شخص يفيده ولو أن يعرض نفسه على عيادة نفسية، وليس في ذلك عيب ولا نقص. ويجب أن يراقب المجتمع أفكاره جيداً فإنها تصبح كلمات، وكلماته تصبح أفعالاً، وأفعاله تصبح عادات، وعاداته تصبح طباعاً، ليراقب الجميع طباعه فإنها ظلال مصيره.. والله أعلم.
-
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في مقدمة كتابة السنة النبوية بين اهل الفقه واهل الحديث لقد نجح بعض الفتيان في قلب شجرة التعاليم الإسلامية فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعها أو جذورا، وجعلوا الأصول المهمة أوراقا تتساقط مع الرياح!. وشرف الإسلام أنه يبني النفس على قاعدة «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» وأنه يربط الاستخلاف في الأرض بمبدأ «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر». وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم، والى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين: أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم. وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا.. إن الصلف مع العلم رذيلة، فكيف إذا كان الصلف مع عجز وقصور؟؟ وهذا الكتاب حصيلة تجارب كثيرة في ميدان الدعوة أردت به ترشيد الصحوة، وشد أزر العاملين المخلصين. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب». 4shared.com/get/fTLvmOHc/__________.html
-
موضوع نقاش..دخول الرجل للمطبخ
قام Hamdy Tawfik-manar9 بالرد على موضوع لـ hawas في نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح's مطبخ حواء
-
من مذكرات ........ عاشق
قام Hamdy Tawfik-manar9 بالرد على موضوع لـ hawas في نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح's الادب والفنون
-
التجربة الماليزية في التنمية الإنسانية جامعة عين شمس مركز الدراسات المعرفية كلية الآداب بالقاهرة قسم الاجتماع التحديث و التغير في مجتمعاتنا؛ تقييم للتجارب و استكشاف للآفاق التجربة الماليزية في التنمية الإنسانية؛ أضواء و دروس دكتور/ علي عبد الرازق جلبي أستاذ علم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة الإسكندرية أبريل 2008 مقدمة تمثل ماليزيا واحدة من التجارب الناجحة في مجال تصميم، و إنجاز، و تنسيق السياسات الاجتماعية بين الدول النامية، و قد حققت تقدما ملحوظا في ميدان التنمية الاجتماعية و الاقتصادية. والهدف الأولي من متابعة هذه التجربة، هو البحث عن إطار توجيهي و استرشادي منها، ليس بقصد إعادة تطبيقها كما حدثت بالضبط؛ و إنما بهدف التعرف على المواقف الاقتصادية، و المؤسسية، والسياسية المختلفة التي تعوق إمكانية عدم تطبيقها، و ذلك في إطار المفهوم الحديث للسياسة الاجتماعية كما تبلور أخيرا في تراث دراسات التنمية، و كذلك التعرف على المناهج و الآليات المستخدمة في التصميم و الإنجاز و التنسيق، و كذلك تقويم السياسات التي اتبعتها ماليزيا، و فهم المتغيرات الحاكمة في هذا الصدد، و التوصية بالمقترحات المحددة التي قد تساعد في صياغة رؤية اجتماعية شاملة ربما تبنتها مجموعة البلدان العربية و الإسلامية لتحديث تجاربها التنموية، أو تعزيز و دعم هذه التجارب و ربما كان من المنطقي في البداية أن نتوقف أمام حالة ماليزيا بالتعريف، و تأكيد أهمية دراسة تجربتها التنموية، و توضيح الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها من وراء هذه الدراسة. و تقع ماليزيا في جنوب شرق آسيا قرب خط الاستواء، و تبلغ مساحتها 329.757 كيلو مترا مربعا، و تتكون من شبه جزيرة ماليزيا ( ماليزيا الغربية )، و صباح، و سراواك، و ولاية لابوان الفيدرالية ( ماليزيا الشرقية )، و تدخل في أرخبيل الملايو؛ و هي مجموعة جزر متقاربة، و تمثل أكبر أرخبيل في العالم، بينها جزر أندونيسيا، و الملايو، و الفلبين، و سنغافورة، و بروناي. و قد بلغ عدد سكان ماليزيا أخيرا 22 مليون نسمة، ينقسمون إلى مجموعات عرقية رئيسة لكل منها دينها، و لغتها، وحضارتها، و تمثل أكثر الشعوب تعددية في العالم؛ أهمها شعب الملايو، و هو أكبر و أهم هذه المجموعات - 57 % في ماليزيا الغربية، و 55 % في ماليزيا الشرقية - لأنه يتمتع بمكانة متميزة بين باقي الأعراق؛ حيث ينص دستور البلاد على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، و اللغة الملايوية هي اللغة الرسمية للبلاد، يليهم الصينيون و نسبتهم 28 % في ماليزيا الغربية، و 23 % في ماليزيا الشرقية، و هم يسيطرون على معظم الاقتصاد خاصة التجارة و السياحة، و تنتشر بينهم البوذية، و بعضهم اعتنق النصرانية، ثم الهنود و نسبتهم 10 % في ماليزيا الغربية، و 1 % في ماليزيا الشرقية، و يعملون في الزراعة، و الصناعة، و مزارع المطاط. و بلغ معدل الكثافة السكانية 59.1 في كل كيلو متر مربع، و معدل نمو السكان 3.2 % سنويا. و تتألف ماليزيا من 13 ولاية، بالإضافة إلى العاصمة الاتحادية كوالالمبور ( 1 و تتضح أهمية دراسة التجربة الماليزية في التنمية، أولا في أن ماليزيا تعتبر بمثابة نموذجا أكثر صلاحية للاستفادة من تجربتها في البلدان العربية و الإسلامية، و التعرف على ما تنطوي عليه من آليات و محركات للنهضة. و هي تجربة أثبتت تميزها بين مجموعة البلدان المصنعة حديثا أو النمور الآسيوية في جنوب شرق آسيا، و هو الأمر الذي تم الاعتراف به على المستويين الإقليمي و العالمي؛ بفضل الدور الذي قامت به دولة ماليزيا في مجال تخطيط و تنفيذ عملية التنمية؛ بهدف التصدي لمشكلاتها العرقية و الاجتماعية دون تفريط في قيمها الثقافية و الاجتماعية الخاصة، و قدمت نموذجا تنمويا فريدا يجمع بين أصالة التراث الماليزي، و حداثة التكنولوجيا المعاصرة. و بناء عليه، تسعى الورقة الحالية إلى تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة للسياسة الاجتماعية في ماليزيا و تحليلها في سياق التنمية، بالتركيز على السمات العامة لها، و تطورها، و تشكيلها، وصياغتها، و معرفة الإطار المؤسسي لها، و تكاملها مع الخطط الاقتصادية و القومية للتنمية والتنسيق بين عناصرها. و كذلك، التعرف على مستويات التنمية البشرية في ماليزيا و تحليل مؤشراتها في ضوء أهداف الألفية الثالثة، بالتركيز على إنجازاتها في تنمية الموارد البشرية؛ وخاصة في مجالات الصحة، و التعليم، و تحقيق هدف التشغيل الكامل، و الأمن الاجتماعي، والقضاء على الفقر، ثم محاولة استخلاص الدروس المستفادة من تحليل واقع التجربة الماليزية، سواء أكانت دروسا تعكس نجاحا حقيقيا لهذه التجربة، أو الكشف عن عناصر القوة و أهم المتغيرات التي حكمت التجربة الماليزية في التنمية و النهضة. و لذلك، تم تقسيم الورقة إلى العناصر التالية، أولا: التجربة الماليزية في التراث و الدراسات السابقة؛ الأهمية و الأهداف، و ثانيا: السياسة الاجتماعية و سياق التنمية في ماليزيا، و ثالثا: مستويات التنمية البشرية في ماليزيا و أهداف الألفية الثالثة، و أخيرا، الدروس المستفادة من التجربة الماليزية في التنمية أولا: التجربة الماليزية في التراث و الدراسات السابقة؛ الأهمية و الأهداف تمتد التجربة الماليزية في التاريخ إلى أكثر من نصف قرن، بدأت منذ استقلالها عام 1957 واستمرت تنمو و تحقق طفرات واسعة و حتى الآن، على نحو استوقف الباحثين و المهتمين بتجارب التنمية في العالم. و كانت المحصلة تراثا ضخما و ثريا من الدراسات السابقة، كتب أغلبه باللغة الإنجليزية، و بعضه باللغة العربية؛ الأمر الذي قد يمثل صعوبة أمام أية محاولة للإحاطة بهذا التراث الهائل، أو حتى الإقدام على إضافة بعض الجديد في هذا الإطار. و لتجاوز هذه الصعوبة، كان من الضروري أن نختار من هذا التراث بعضه الذي قد يسهم في إلقاء الضوء على موضوع الدراسة الحالي ( التجربة الماليزية في التنمية الإنسانية: أضواء و دروس )، و نرصد بعض الثغرات والملاحظات، و التي ربما كان في معالجتها بعض الإضافة إلى هذا التراث ( 2). ففي عام 2000 نشرت دراسة عن ( العرب و التجربة الآسيوية: الدروس المستفادة ) في محاولة لإجراء تقويم موضوعي لخبرة البلدان الآسيوية الناهضة في مجال التنمية و التطوير الاقتصادي والثقافي؛ و ذلك بهدف استخلاص الدروس لإنارة الطريق أمام راسمي السياسة في الأقطار العربية في مجال التنمية و النهوض الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي. و ركزت الدراسة على خمسة بلدان رئيسة هي ( سنغافورة، و ماليزيا، و كوريا الجنوبية، و تايلاند، و الصين )، و التي تمثل كلا منها تجربة متميزة في مجال التنمية المعجلة و النهضة الاقتصادية؛ بهدف الإجابة على سؤال أين يكمن الخط الجامع بينها؟ و كيف تقدمت بلدان آسيا و تخلفت الأقطار العربية. و قد انقسمت الدراسة إلى ثلاثة أقسام، قسم يركز على التجارب التنموية في هذه البلدان الآسيوية الخمسة؛ سنغافورة كنموذج منصة التصدير، و ماليزيا كتجربة للنمو السريع، و كوريا الجنوبية أنضج النمور الآسيوية، و تايلاند نمرآسيا المريض، و الصين تجربة السير على ساقين. و قدم القسم الثاني نظرة تحليلية تقويمية لأهم السياسات الإنمائية في هذه البلدان؛ السياسات الصناعية، و العلم و الثقافة، والاستثمارات الإقليمية، و اشتراكية السوق. و قدم القسم الثالث نظرة تقويمية جامعة لماهية وأساسيات نموذج التنمية و النهضة ( 3 ). و رغم ثراء التجربة الآسيوية و تعدد أبعادها الاقتصادية، و التكنولوجية، و الاجتماعية، والسياسية، و الثقافية، و الحضارية ... الخ، فالملاحظ أن الدراسة قد استغرقت في إلقاء الضوء على الأبعاد الاقتصادية و التكنولوجية على نحو واضح، سواء بالنسبة للتجربة الآسيوية ككل، أو بالنسبة للتجربة الماليزية، و الاهتمام بتحليل الأخيرة بالمقارنة بمجموعة البلدان الآسيوية الأخرى المشار إليها، و ربما كان في تناول الأبعاد الاجتماعية و الحضارية في التجربة الماليزية خاصة ما يسمح باستخلاص بعض الدروس الهامة الأخرى. و في عام 2002 عقد اجتماع بين صناع السياسة حول السياسات الاجتماعية في منطقة الإسكوا ESCWA، و انطلاقا من مدخل نقدي للسياسات الاجتماعية لفهم تدهور الظروف الاجتماعية، و تحليل الأزمات الاجتماعية و التوترات التي تزايدت نتيجة للفشل في التعامل مع الآثار الاجتماعية لسياسات الإصلاح الاقتصادي، و التكيف الهيكلي الذي فرضته سياسات العولمة، و هو فشل يعزى في الأصل إلى السياسات الاجتماعية غير الكافية و التي تفتقر إلى التنسيق في البلدان الأعضاء. و لذلك، حدد الهدف من الاجتماع الذي عقد في القاهرة (10-12) ديسمبر 2002 في مساعدة الدول الأعضاء في الإسكوا على صياغة رؤية متكاملة أوسياسة اجتماعية يمكن إدماجها في الإطار الاقتصادي و الاجتماعي لهذه البلدان، و تطوير مفهوم للسياسات الاجتماعية، و مراجعة بعض التجارب الناجحة في ابتكار هذه السياسات في بعض البلدان المتقدمة مثل كندا و النرويج، و بعض البلدان التي حققت تنمية اقتصادية و اجتماعية ذات دلالة مثل كوريا، وماليزيا، و تونس، و تسليط الضوء على الخصائص السائدة للسياسات الاجتماعية في العالم العربي، و التركيز على مكانة السياسة الاجتماعية داخل الإطار الاقتصادي و الاجتماعي لكل بلد، والسياسات في مجالات التعليم، و التشغيل، و الصحة، و الأمن الاجتماعي، و دور الحكومة و المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص، و مراكز البحث المتخصصة، و المجالس البرلمانية، ثم الآليات التي تحتاجها عمليات التنسيق عند التخطيط و الإنجاز، و نماذج الدعم المادي و دعم الموارد المالية لصالح البرامج الاجتماعية. و قد انقسم التقرير الذي نشر عن هذا الاجتماع إلى ثلاثة أقسام، يتعلق الأول بتنظيم العمل، و يقدم الثاني ملخصا لأوراق العمل و المناقشات و كان من بينها ورقة حول التجربة الماليزية باعتبارها من بين النماذج الناجحة و الدروس المستفادة، أما القسم الأخير فإنه يعرض للمقترحات و التوصيات، و صياغة و تطبيق رؤية أو سياسة اجتماعية متكاملة في البلاد الأعضاء في الإسكوا؛ من حيث المفهوم، و الإطار العام، و صياغة و التنسيق بين السياسات على المستويات القومي و المنطقة، و المتابعة و التقويم، و توصيات تتعلق بوسائل الإعلام، و دور ومسؤولية الإسكوا( 4 ) . و قد سلط التقرير الضوء على خبرات الدول الأعضاء في الإسكوا و البلدان العربية في مجال محدد انحصر في السياسات الاجتماعية، و هو نفس الجانب الذي ركز عليه في تناول التجربة الماليزية باعتبارها نموذجا ناجحا يمكن استخلاص دروس هامة منه، و لكن ربما كان في الاهتمام بتسليط الضوء على أبعاد أخرى اجتماعية و حضارية في هذه التجربة الأخيرة ما قد يسمح باستخلاص مجموعة أخرى من الدروس المستفادة. و في عام 2005 نشرت اللجنة الاقتصادية و الاجتماعية لغربي آسيا - الإسكوا تقريرا تحت عنوان ( نحو سياسات اجتماعية متكاملة في الدول العربية: إطار و تحليل مقارن ) بهدف تقديم تحليل للسياسات الاجتماعية، و التعرف على السبل الكفيلة برفع مستوى تكاملها و فاعليتها في الدول العربية، و هو تحليل مقارن يشمل دولا متقدمة و أخرى لا تزال في مراحل مختلفة من التطور مثل ماليزيا، و كوريا الجنوبية، و النرويج؛ و الهدف بالتحديد توضيح المقصود بالسياسة الاجتماعية، وتوضيح سياق السياسات الاجتماعية، و التعرف على العوامل الفاعلة و المنظمة، و توضيح وظائف السياسات الاجتماعية و تقويم نتائجها، و وصفها في سياق المشكلات الاجتماعية و التنمية المجتمعية، و وصف النماذج الحالية لمسار هذه السياسات كما تطبقها الدول التي يشملها التحليل، ووضع الخطوط العريضة لنموذج شامل، و تحديد و مناقشة الظروف التمكينية أو المانعة التي تؤثر على رسم السياسات و تنفيذها، و تقديم التوصيات. و قد انقسم التقرير إلى خمسة عناصر تغطي هذه الأهداف ( 5 ). و ربما كان التقرير تطويرا لما جرى من مناقشات في اجتماع صناع السياسة الذي عقد عام 2002 و المشار إليه سلفا، غير أن بحثه عن سياسات اجتماعية متكاملة في الدول العربية من خلال المقارنة مع دول متقدمة و أخرى في مراحل تطور و منها ماليزيا، و إغفاله عناصر أخرى اجتماعية و حضارية و إنسانية اشتملت عليها التجربة الأخيرة؛ ربما كان يدفعنا إلى تحري هذه العناصر بحثا عن دروس أخرى يمكن الاستفادة منها و في نفس العام 2005 نشرت أعمال المؤتمر الأول الذي عقده برنامج الدراسات الماليزية التابع لمركز الدراسات الآسيوية لتحليل النموذج الماليزي للتنمية، و الذي انعقد في أبريل عام 2004. ومن خلال مجموعة أوراق بحثية، يمكن للباحث، و المثقف العربي، و القاريء العادي استخلاص أهم أبعاد التجربة التنموية الماليزية، و أهم عوامل نجاحها، و كيفية تخطيها للعقبات التي واجهتها. و يقع التقرير في أحد عشر فصلا، تناولت في مجملها مختلف جوانب النموذج الماليزي للتنمية؛ من حيث تحديات التنمية في ماليزيا: خلفية متعددة الأبعاد، و دور الدولة الماليزية في التنمية، و المتغير الثقافي و التنمية في ماليزيا، و السياسة التعليمية و تنمية الموارد البشرية في ماليزيا، و البعد الاقتصادي للتجربة التنموية الماليزية من حيث مصادر و تمويل التنمية، و دور الموارد الأجنبية في التجربة الماليزية، و استراتيجية التصنيع في ماليزيا، و العلاقة بين التنمية و الديموقراطية في ماليزيا، والنموذج الماليزي للتنمية و إدارة الأزمات، و البعد الاجتماعي في النموذج الماليزي للتنمية، والآثار المترتبة على التحولات في بنية النظام الدولي على النظام الإقليمي لمنطقة جنوب شرق آسيا؛ وبالتالي على ماليزيا. و ينطوي التقرير على دروس و عبر مستفادة من التجربة الماليزية، مما يعين صانع القرار السياسي في بلدان الجنوب على رسم و إدارة السياسات التنموية بأكبر قدر من الفاعلية و الكفاءة ( 6 ). و يسلط التقرير الضوء على النموذج الماليزي للتنمية، و على مختلف جوانب هذه التجربة الثرية، و بخاصة الأبعاد الاقتصادية، و السياسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الإدارية، وأثر بنية النظام الدولي على ماليزيا. و مع ذلك، لا يزال هناك جوانب أخرى في هذا النموذج في حاجة إلى مزيد من البحث، ربما كان في مقدمتها بعض ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية في ماليزيا، خاصة السياسة الصحية، و سياسة الحماية الاجتماعية، و تخفيض الفقر ... الخ. فضلا عن بعض ما يتعلق بالدولة التنموية، و الوحدة القومية، و الأيديولوجية السياسية ...، و كلها جوانب تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، و أن نتوقف عندها لاستخلاص الدروس المستفادة و في عام 2007 نشرت دورية النهضة بحثا تحت عنوان ( التحولات الاقتصادية و الاجتماعية في البلدان الأقل تقدما: التجربة الماليزية )، و حدد هدفه في تسليط الضوء على الظروف التنموية الأساسية، و السياسات التي ساعدت على تحول المجتمع الماليزي المتخلف إلى أمة متقدمة، وتوضيح كيف أن البلدان المصنعة حديثا LDC الأخرى أن تستفيد من هذه التجربة في تحقيق التحول الاقتصادي و الاجتماعي. و لذلك، يركز المقال على ست نقاط أساسية؛ فحص الظروف الاقتصادية و الاجتماعية في ماليزيا، و دراسة السياسات التنموية الأساسية و الاستراتيجيات التي تم تبنيها منذ عام 1970، و تحليل قاعدة الموارد البشرية في ماليزيا، و تسليط الضوء على الإنجازات التنموية الرئيسة في هذا البلد، و مناقشة العوامل الأساسية و الظروف التي أسهمت في التحول الاقتصادي والاجتماعي في ماليزيا، و عرض للظروف الأساسية و السياسات الضرورية لمساعدة البلدان النامية الأخرى على أن تكسر الدائرة المفرغة للتخلف و تحقيق تحول اقتصادي اجتماعي إيجابي ( 7 ) . وعلى الرغم من أن البحث قد انطلق من تصور التحول الاقتصادي و الاجتماعي، و أضاف بعدا جديدا في تحليل التجربة الماليزية، إلا أنه لا تزال هناك مضامين لم يتم الكشف عنها في التجربة الماليزية، يرتبط بعضها بالسياسة الاجتماعية، و يتعلق بعضها الآخر بالتنمية البشرية، و تحتاج إلى التوقف عندها، و تسليط الأضواء عليها، و استخلاص الدروس المستفادة منها. و في هذا السياق، نستطيع تأكيد أهمية دراسة التجربة الماليزية، و ذلك في ضوء نتائج هذه الدراسات السابقة؛ لأن التجربة الآسيوية في النهوض و التنمية لا تقتصر على تجربة النمور الأربعة، و إنما هناك بلدان مهمة أخرى أخذت تتقدم في مضمار السباق، و سوف تظهر قوتها بشكل أوضح في القرن القادم؛ مثل الصين، و ماليزيا، و الهند، و إندونيسيا. كما أن تجربة النمور قد نشأت في بلدان صغيرة الحجم – باستثناء كوريا الجنوبية – و بالتالي يسهل تحقيق زيادة ملموسة و سريعة في مستوى الدخل الفردي، و كذا مستوى الرفاهية للمجتمع في جملته، الأمر الذي يصعب حدوثه في البلدان ذات الكثافة السكانية الأعلى. و لذا، فإن النماذج الأكثر صلاحية للاستفادة من تجربتها في الوطن العربي و الإسلامي هي المجموعة التالية من بلدان آسيا الناهضة و في مقدمتها ماليزيا. لذلك، فإن فهم آليات و محركات النهضة على الطريقة الآسيوية، و في ظروف تاريخية مغايرة؛ يدفعنا إلى أن ندرس بعناية تجارب بلد مثل ماليزيا ( 8 ). و إنه من بين تجارب الدول الصناعية الجديدة في جنوب الشرق الآسيوي، يكتسب النموذج الماليزي للتنمية تميزه على المستويين الإقليمي و العالمي من خلال إدراكنا للدور المهم الذي قامت به الدولة الماليزية في تخطيط و تنفيذ عملية التنمية بهدف التصدي لمشكلاتها العرقية و الاجتماعية، و ذلك دون التفريط في قيمها الثقافية و الاجتماعية الخاصة. فلقد استطاعت ماليزيا أن تقدم نموذجا تنمويا فريدا يجمع بين أصالة التراث الماليزي، وحداثة التكنولوجيا المعاصرة ( 9 إذن هناك مجموعة من العوامل و الأسباب تؤكد أهمية دراسة التجربة الماليزية، و الاستمرار في تسليط الضوء على جوانبها التي لم تحظ باهتمام الدراسات السابقة، و استخلاص دروس أخرى يمكن أن تضاف إلى مجموعة الدروس التي سبق و أن كشفت عنها دراسات التراث، و يمكن الاستفادة منها في صياغة تجارب التنمية في عالمنا العربي و الإسلامي. و تأسيسا على ذلك، يمكن بلورة مجموعة من الأهداف و التساؤلات نحاول في الدراسة الحالية تحقيقها و الإجابة عليها 1 تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة للسياسة الاجتماعية في ماليزيا و تحليلها في سياق التنمية، بالتركيز على السمات العامة لها، و تطورها، و تشكيلها أو صياغتها، و الإطار المؤسسي لها، وتكاملها مع الخطط الاقتصادية و القومية للتنمية، و التنسيق بين عناصرها لأن السياسة الاجتماعية مسؤولية وطنية، و إن كل بلد عليه أن يحدد مساره الخاص في التنمية والتقدم. و هناك أهداف عامة كثيرة تلتزم الحكومات الوطنية و غيرها من الجهات الفاعلة على المسرح العالمي بالسعي إلى تحقيقها؛ و هي القضاء على الفقر و تحقيق التشغيل الكامل، و تعزيز الاندماج الاجتماعي في مجتمعات تكون مستقرة و آمنة و عادلة تحترم حقوق الإنسان. و هناك وصفات عالمية تعطي شرعية للسياسة الاجتماعية و لا غنى عنها في التنمية الاجتماعية هي بالذات: سيادة القانون، و الديموقراطية، و صلاح الحكم. كما أن السياسات لا توجد في فراغ و لا تعمل في فراغ، بل توجد داخل نظم معقدة لها معالم هيكلية و ديناميكية تشمل المجتمع بأسره و الثقافة بأسرها، و النظرة الواعية تراعي الجوانب المختلفة لهذه العلاقات المتداخلة و تأثيراتها المتبادلة التي لا يستهان بها ( 10 ). و السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هنا، ما الأهداف العامة التي تنطلق منها السياسة الاجتماعية في ماليزيا؟ و هل تتوافر لها الشرعية المطلوبة؛ من حيث سيادة القانون، و الديموقراطية، و صلاح الحكم؟ و ما طبيعة السياق الذي تعمل في ظله، و المعالم الديناميكية و الهيكلية لنظمه الاجتماعية والثقافية؟ و إلى أي حد كان السياق مواتيا؟ تختلف الدول اختلافا كبيرا فيما بينها في كيفية صياغة السياسات و تنفيذها، حيث تقوم السياسة الاجتماعية على ثلاثة نماذج أساسية: نموذج الصفوة، و فيه تتجه السياسات من أعلى إلى أسفل، ويكون فيه دور البيروقراطية بوجه عام هو التبرير و التنفيذ، و تكون المساءلة أساسا في يد الصفوة؛ و بالتالي تكون أقل تجاوبا مع قطاعات السكان الأكثر تضررا. ثم هناك نموذج توازن المصالح، ويكون مبنيا على مجتمع مدني قوي، و مجموعات مصالح جيدة التنظيم تكون هي الجسر بين الفرد والحكومة، و هو نموذج يسمح بالتوصل إلى الحلول الوسط و التنازلات اللازمة للنجاح في تنفيذ السياسات و الالتزام بالبرامج. و الملاحظ أن الفقراء و المحرومين هم أقل القطاعات قدرة على تنظيم الموارد و تعبئتها للتأثير على السياسات، و تترك لغيرهم أن يعبروا عن مصالحم و أن يضعوها أمام متخذ القرار. و النموذج الثالث نموذج العقلانية / العلمية، الذي يفترض معرفة تامة بقيم المجتمع وبدائل السياسات و نتائجها؛ لتضمن تحقيق توازن مقبول بين مكاسب السياسات و بين التضحيات المطلوبة أثناء تطبيقها. و هذه المعرفة نادرا ما تتوافر، و غالبا ما ينتهي هذا النموذج بتعبير المخططين عن مصالح الصفوة و تنفيذ هذه المصالح، أو بإحلال قيم المخططين محل قيم الصفوة(11). و السؤال هنا، ما معالم النموذج الذي تم على أساسه صياغة السياسة الاجتماعية في ماليزيا؟ الصفوة، أم توازن المصالح، أم نموذج العقلانية / العلمية؟ و إلى أي حد تحرص هذه الصياغة على التنسيق و التكامل بين عناصرها؟ و فيما يتعلق بالعلاقة بين السياسة الاجتماعية و التنمية، و ضرورة صياغة هذه السياسة في سياق التنمية، و أن تعمل السياسة الاجتماعية مرادفة للسياسة الاقتصادية؛ لتؤدي إلى تنمية اقتصادية و اجتماعية حقيقية. فلقد اتضح أن الاستمرار في بناء السياسة الاقتصادية على غرار نموذج قائد/تابع، بمعنى البدء بتحديد السياسة الخاصة بالاقتصاد الكلي؛ و التي تهتم بالنمو الاقتصادي، وتترك السياسة الاجتماعية لكي تهتم و تعنى بالآثار الاجتماعية لهذه السياسات الاقتصادية، غير أنه من الضروري تفعيل التعاون بين الإجراءات التي تعزز الرفاه و النمو الاقتصادي و اعتبارها مؤشرات متفاعلة و مكملة لبعضها البعض، و أنه ينبغي الربط بينها في نفس الوقت، و أن القضية ليست فقط مجرد سياسة صحية أو سياسة تعليمية، و إنما هي سياسة اجتماعية يجب إدماج هذه الإجراءات في داخلها على أساس متماسك؛ لأن غياب هذا الفهم الكلي للسياسات الاجتماعية يهدد بخطر واضح، و يدفع بالهيئات المتخصصة و المتباينة، والوزارات، و منظمات المجتمع المدني إلى التقاط متغيرات خاصة بها، و إغفال أو تناسي تماما علاقاتها الحاسمة بالمتغيرات الأخرى ( 12 ). وكان السؤال هنا، إلى أي حد تنطلق السياسة الاجتماعية في ماليزيا من رؤية تعمل على تفعيل التعاون بين الرفاه و النمو، و تتناولها باعتبارها مكملة لبعضها، و متفاعلة، و تدمج في داخلها مختلف المتغيرات؟ أو إلى أي حد تأخذ الأبعاد الاقتصادية، والاجتماعية، و السياسية في الاعتبار وفي نفس الوقت عند صياغة السياسة الاجتماعية؟ 2 التعرف على مستويات التنمية البشرية في ماليزيا، و تحليل مؤشراتها في ضوء أهداف الألفية الثالثة، بالتركيز على إنجازاتها في تنمية الموارد البشرية في مجالات الصحة و التعليم، وتحقيق هدف التشغيل الكامل Full Employment، و تحقيق الأمن الاجتماعي، و تخفيض أوالقضاء على الفقر. لقد عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على وضع مجموعة مختصرة من الغايات و الأهداف العديدة، و المؤشرات القابلة للحساب؛ لتقدير مدى التقدم في التنمية. و تضمنت مجموعة أهداف التنمية في الألفية الثالثة ثماني غايات، و ثمانية عشر هدفا، و ثمانية و أربعون مؤشرا، و التي تم الاتفاق عليها في المؤتمرات الدولية، و مؤتمرات القمة، و إعلان الألفية ( سبتمبر 2000 )، و أنه من المستهدف تحقيق هذه الأهداف في الفترة ما بين عامي 1990 – 2015. و تعالج أهداف التنمية الدولية أكثر الرغبات البشرية إلحاحا، و هي إيجاد عالم متحررمن الفقر، و متحرر من البؤس الذي يتسبب فيه الفقر.و يعالج كل من هذه الأهداف أحد مظاهر الفقر، و يعزز كل منها الأهداف الأخرى؛ مثل ارتفاع معدل القيد في المدارس و لا سيما بالنسبة للبنات، و تخفيض أعداد الفقراء و معدلات الوفيات. و تنحصر غايات التنمية في الألفية الثالثة في القضاء على حدة الفقر و الجوع، و تحقيق التعليم الأساسي الشامل، و المساواة في النوع، و تمكين المرأة، و خفض معدلات وفيات الأطفال، وتحسين الصحة الإنجابية، و مقاومة أمراض نقص المناعة المكتسبة ( الإيدز ) و الملاريا و غيرها من الأمراض، و ضمان الحفاظ على استدامة الموارد البيئية، و تطوير شراكة عالمية للتنمية (13). والسؤال هنا، ما سمات دليل التنمية البشرية في ماليزيا ؟ باعتباره مؤشرا مركبا يعكس بصورة أكثر شمولا الأبعاد الأساسية للتنمية، و يتكون من ثلاث أدلة فرعية: ( أ ) دليل توقع الحياة كمؤشر للصحة، ( ب ) دليل التعليم كمؤشر على المعرفة، ( ج ) دليل الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر على الوضع الاقتصادي، و ما ترتيب ماليزيا بين دول العالم طبقا لهذا المؤشر؟ و ما مدى اقتراب مستويات التنمية البشرية في ماليزيا من أهداف الألفية الثالثة و غاياتها، و توافر مؤشراتها؟ و ما الذي يجعلها تنمية إنسانية ؟ بمعنى أنها عملية مستمرة تعنى بتحقيق أهداف الألفية الثالثة 3 استخلاص دروس مستفادة من تحليلنا لواقع التجربة الماليزية، سواء أكانت دروس نجاح حقيقية في هذه التجربة، أو عناصر القوة، أو أهم المتغيرات التي حكمت تاك التجربة في التنمية والنهضة. لقد تمكنت بحوث التراث و الدراسات السابقة من خلال تحليل تجربة ماليزيا في إطار التجربة الآسيوية من ناحية، أو في إطار مقارن مع بعض الدول المتقدمة أو النامية من ناحية ثانية، أو في إطار بعض التصورات و المنطلقات النظرية مثل منظور التحولات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ثالثة؛ أن تستخلص مجموعة لابأس بها من الدروس المستفادة لإنارة الطريق أمام راسمي السياسة في الأقطار العربية في مجال التنمية و النهوض الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و التي قد تعينه على رسم و إدارة السياسات التنموية بأكبر قدر من الفاعلية و الكفاءة. و السؤال هنا، ما الدور الذي يمكن أن تؤديه القيم و المعاني الدينية لدفع المجتمع في اتجاه التحديث؟ و كيف كانت القيم الآسيوية تشغل موضع الصدارة في منظومة القيم الأساسية الماليزية، و ساعدت على مواجهة ماليزيا لتحدي العولمة؟ و كيف أسهمت هذه القيم في تأكيد التكامل الثقافي، و ضرورة التواجد المشترك و المتجانس بين سكان ماليزيا الأصليين والمهاجرين من الصين و الهند و غيرها؟ و كيف أصبحت عناصر الثقافة الماليزية جزءا من الثقافة القومية، و لم تمنع اعتبار اللغة الماليزية لغة رسمية من الحفاظ على اللغات الأخرى؟ و لم يمنع اعتبار الدين الإسلامي هو الدين الرسمي من أن تنشط الأديان الأخرى دون معوقات أمام تقدم التجربة الماليزية؟ و ربما كان تحليل التجربة الماليزية في الدراسة الحالية في سياق التنمية من ناحية، و في إطار الأهداف التنموية للألفية الثالثة من ناحية أخرى، كاف في التعرف على أسباب نجاح هذه التجربة، و فهم عناصر القوة و المتغيرات التي حكمت مسيرتها في النهضة، والإجابة عن ما أثير من تساؤلات في هذا الصدد.
-
الحمد لله
قام Hamdy Tawfik-manar9 بالرد على موضوع لـ هانى هارون في نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح's كلية دار العلوم
-
)(Socrates) المؤسس الحقيقي للفلسفة عند اليونان، حيث يعتبر أستاذاً للحكيم أفلاطون والذي هو بدوره أستاذ لأعظم الفلاسفة اليونانيين أرسطو. كان المبدأ الرئيس في فلسفة سقراط هو البحث عن المعرفة، لأنه كان يرى أن المعرفة لا يمكن أن تقوم على أساس صحيح إلا بعد دراسة طرق الوصول إليها. ثم إن الأخلاق نفسها لا يمكن أن تقوم إذا لم تسبق بالعلم، لأن الفضيلة تقوم على العلم. وهو بذلك قد غير وجهة نظر الفلاسفة لأنه وجه نظر الفلسفة إلى معرفة الماهيات أو المدركات، بدلاً من توجهها إلى معرفة الموضوعات الخارجية؛ ويعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز، كما هي حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي؛ فقد اتخذ سقراط، منذ البداية، موقفًا معارضًا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني؛ واتخذ أيضًا، في الوقت نفسه، موقفًا معارضًا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي. فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل –جمع ما بين الشكل العلمي للمذهب الأول وبين الهمِّ الإنساني للثاني– جاعلاً من علم الأخلاق في القلب من مسعاه الفلسفي. لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلَّت عن محاولة فهم الكون، أن تهبط إلى أعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوَّة (بالتذكُّر reminiscence)؛ الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية (وهذا ما سيبرهن عليه لاحقًا كل من ديكارت وكانت). إذ إنه أضحى من واجب العلم الرافض للانفعالات البشرية أن يركِّز على ماهية المعاني المجردة (أو الـconcepts)، التي كان سقراط أول من اكتشف مفهومها. فعن طريق السكينة والاستقرار الداخليين، نتوصل إلى استنباط جوهر الأشياء، ونتمكَّن من التعبير عنه بواسطة التعريفات. وكان هذا ما فعله سقراط -ممهدًا بذلك الطريق للنظرية الأفلاطونية التي ستليه– حين حاول، على سبيل المثال، تعريف مفهومي الشجاعة lachès والصداقة lysis. وبما أن موهبة (فنّ) العيش السليم، كطريق إلى السعادة (والخير هو السعادة وفق المأثور القديم)؛ مرتبطة بمعرفة النفس؛ فإنها -متجاوزة حذاقة السفسطائيين- تكشف ضلال البشر الذين لا يهتمون، في معظم الأحوال، إلا بالأشياء التافهة الزائلة (كالثروة، والسمعة، إلخ)، ويتجاهلون ما هو أساسي، أي الحقيقة الكامنة في نفوسهم. وتبدأ المعرفة، بحسب سقراط، بفعل تطهُّر (سبق أن دعا إليه الأورفيون والفيثاغوريون) يظهر من خلال التخلّص من الأفكار المسبقة بإظهار بطلانها، مختلف الخصال الحميدة (كالاعتدال، والعدالة، إلخ)؛ تلك التي، إن أحسن المرء استعمالها، تتحول إلى فضائل؛ إذ (لا أحد شرير باختياره)، وإنما بسبب الجهل. هذا وترفض طريقة سقراط لبلوغ المعرفة كل وحي يتجاوز العقل –فـ(شيطان) سقراط هو في المقدرة على الإقناع، وليس في الإبداع– وتعتمد الجدلية dialectique؛ لأن هذه الأخيرة، عبر مرحلتيها اللتين هما التهكم والتوليد (الذي هو، على طريقة سقراط، استيلاد الحقيقة من النفس maïeutique) تسمح –وسط أجواء من الصداقة– باستخلاص نقاط التلاقي بين المتحاورين، أي الحقائق الكونية المتعارف عليها وفق متطلبات المنطق. لقد كان سقراط بحق مؤسس فلسفة الأخلاق وأول منظر للعقلانية (الأمر الذي سيكسبه عداء نيتشه). كما كان داعية إلى حرية الرأي والتفكير الفردي؛ مما جعل منه، بالتالي، مثالاً يحتذى في كل موروث فلسفي لاحق. والطريقة التي اتخذها في تحصيل الماهيات هي الحوار مع الآخرين لاستخراج ما في أذهانهم من مفهومات عن الأمور، خصوصاً عن الأمور الأخلاقية، وهي طريقة يقول سقراط إنه تلقنها من أمه التي كانت قابلة (داية)، والداية ليس فقط تستخرج الأولاد من أرحام أمهاتهم، بل وأيضاً تحكم هل الوليد حي أو قابل للحياة، أو العكس ولد ميتاً. وسقراط هو الآخر يستخرج المعاني من عقول الناس ويحكم عليها بالصحة أو البطلان وهو بذلك يولد الحقيقة من عقول الناس. ولذا قال أرسطو إننا ندين لسقراط بشيئين، الأول تعريف المعاني تعريفاً جامعاً مانعاً، والثاني: عملية الاستقراء الذي يستخلص الماهيات بواسطة المقارنة بين الأمثلة والشواهد المعطاة. وفي سبيل إجراء الحوار مع من يحاوره كان سقراط يعلن أنه لا يعرف شيئاً، وأنه يريد أن يتعلم ممن يحاوره ويأخذ في فحص ما يدلي به محاوره ويكشف زيفه أو قصوره، وهذه الطريقة عرفت بمنهج التهكم السقراطي، حيث يدعي سقراط الجهل، على الرغم من معرفته الكاملة للحقيقة، أو محاولته المنهجية لتأسيس هذه المعرفة. وتعتبر محاورات سقراط مع محدثيه وسيلته الناجعة في الوصول بهم إلى الحقيقة، فقد كان يبدأ بطرح السؤال على محدثه مستفسراً منه عن معنى أو مفهوم للفظ مجرد كالتقوى أو الجمال أو العدالة. ويتظاهر بالتصديق على جوابه، مدعياً الغفلة عن نقطة أساسية تركها محدثه مبهمة دون إيضاح. ويشبه هذا السؤال الاستفهام أو الاستجواب elenchus. ويمضي سقراط في سؤاله والتعقيب على إجاباته، مستوضحاً منه ما استبهم عليه. ثم يستدرجه من حيث لا يعلم فيسترسل في الكلام ويتمادى في الخطأ حتى يقع في تناقض ظاهر كأن يقول في النهاية عكس ما كان قد أكده، كأن تتناقض النتائج مع المقدمات في آلية منطقه. وبذلك ينكشف جهله أو قصوره وعجزه عن المعرفة والفهم. ولم يكن سقراط يقصد بذلك مجرد فضح أدعياء المعرفة أو إثبات تفوقه العقلي عليهم، وإنما كان هدفه البحث عن أمثل الطرق للتوصل إلى الحقيقة. وقد اتضح له أن الإدراك العقلي، لا الإدراك الحسي هو السبيل الوحيد للمعرفة اليقينية. ورأى أن الاستجواب في التحاور هو أفضل السبل التي تمكنه من أن يستنبط من إجابات محاوريه، عن طريق الاستقراء، ما يفترض أن يكون تعريفاً جامعاً مانعاً لمفهوم مجرد معين يصلح لأن يكون أساساً لحقيقة ثابتة ومعرفة صحيحة. وكان سقراط مربياً أكثر منه معلماً، كان همه الأول حث مريديه على التفكير بأنفسهم ولأنفسهم وتنظيم حياتهم على ضوء أفكارهم الخاصة لا أفكار غيرهم. لقد اقتصرت مهمته على مساعدتهم على الاستيلاد للأفكار الكامنة في عقولهم وبعثها من رقادها وإخراجها إلى الحياة والنور. وقد شبه سقراط نفسه بالقابلة التي تقوم بالتوليد -تأثرا منه بمهنة أمه القابلة- دون أن تكون هي نفسها قادرة على الولادة. كان يؤمن بالمعرفة الجوانية النابعة من البصيرة لا بالمعرفة البرانية المنقولة عن الآخرين. وقد حث تلاميذه على إخضاع كل شيء للتفكير العقلاني دون التأثر بأي عوامل خارجية أو انفعالات عاطفية، والتحقق من صحة الفروض التي يبنون عليها أحكامهم، وكانت وسيلته إلى ذلك هي المناقشة بطريقة الحوار أو بالأحرى (الديالكيتيك) أي تقصي صحة الآراء والمعتقدات واختبارها عن طريق السؤال والجواب، والتصويب والتعقيب. وبذلك يكون قد غرس في نفوس طلابه روح النقد والشك فيما يعرض لهم من أمور لا تستقيم مع العقل. وقد كانت طريقة سقراط فلسفة حقيقية بسبب قدرته غير العادية على التعجب والدهشة، فالفلسفة تبدأ في الحقيقة نتيجة التعجب والدهشة، ولذلك يقول أرسطو في كتابه (ما بعد الطبيعة): «إن الناس بدأت التفلسف، سواء الآن أو في الماضي، انطلاقا من تعجبهم». فالإنسان «الذي يتعجب يعتقد أنه جاهل.. وهو عندما يتفلسف فإنما يفعل ذلك لينجو من الجهل، وليس لأي غاية نفعية». فأصل التفلسف إذن يحدد واحدة من أهم صفات الفلسفة: وهي أنها تدرس كغاية في ذاتها، وما دامت توجد كغاية في ذاتها، فهي علم حر ما دام تعريف الحرية هو «ما يوجد لذاته وليس لغيره». ويشرع أرسطو -بعد ذلك- في شرح طبيعة التعجب من الأشياء، كما يتعجبون أمام العرائس المتحركة، لأنها تبدو عجيبة لمن يدرك سبب تحركها. التعجب إذن سؤال عن السبب، وجهد المعرفة هو جهد لمعرفة السبب، الأمر الذي ينقلنا إلى (الحالة الأفضل) أي إلى المعرفة. فعندما يتعجب المرء أمام الكون، فهو يسأل عن السبب، والإجابة تكون بتعيين الأسباب وتلك الفلسفة. التعجب بدء الفلسفة إذن قدم لنا تعريف الفلسفة. فهو قد تجلى في السؤال عن الأسباب فحدد مسار العقل. وقدم لنا أيضاً الفلسفة بوصفها علماً نظرياً حراً ينشد لذاته لا لأي غاية نفعية أخرى. لكن عرض المسألة على أنها حركة من التعجب نحو (الحالة الأفضل) يطرح علينا مفارقة، فإذا كانت المعرفة تبدأ تعجباً فهل ينتهي التعجب باكتساب المعرفة؟ هل يحمل التعجب في ذاته، وعلى نحو جدلي، بذور فنائه، هل تتحول الفلسفة في هذه الحركة المتوترة من التعجب إلى المعرفة لتنتهي بعد ذلك؟ بعبارة أخرى: هل تنتهي الفلسفة بتحقيقها؟ يقول و.د.روس Ross في كتابه (أرسطو): «تنبع الفلسفة من التعجب، وتتحرك نحو محو abolition التعجب، نحو فهم العالم فهماً عميقاً بحيث لا يبقى هناك مجال للتعجب حول كون الأشياء على ما هي عليه». ويكتب هنري جونستون H.Johnston في مقدمته لكتاب (ما الفلسفة؟) وهو مجموعة مختارات من كتابات فلاسفة معاصرين حاولوا الإجابة عن هذا السؤال: «لقد عبر أفلاطون وأرسطو عن العلاقة بين براءة الإنسان البدائية وبين الحكمة التي يسعى إليها بقولهما إن الفلسفة تبدأ من التعجب. فإذا كان الأمر كذلك فإنها تنتهي بإزالة extinction التعجب». التعجب إذن في رأي (روس) و(جنستون) مرحلة بدء وحسب تمحى أو تزال بتحقيق معرفة موضوع التعجب. والحق إن هذه النتيجة منطقية، إلا أنه ينبغي قبل التسليم بها معرفة رأي (هيدجر) Heidegger في هذا الموضوع في كتابه (ما الفلسفة؟) يقول: «التعجب بدء الفلسفة، وعلينا أن نفهم الكلمة اليونانية archein بمعناها الكامل، إنها تشير إلى ما منه يبدأ الشيء. ولكن هذه الـ(ما منه) لا تترك مكانها في عملية الانطلاق، ولكنها تصبح بالأحرى ما يعبر عنه فعل يبدأ archein أي (ما يسود)» . إن التعجب على هذا النحو لا يتوقف ببساطة في بداية الفلسفة كالجّراح الذي يغسل يديه قبل البدء بعملية جراحية. التعجب يحمل الفلسفة ويسودها.. ويصف التعجب بأنه «ما منه يفيض التفلسف وما يحدد مجرى التفلسف تماماً». يرى (هيدجر) الموضوع إذن من منظور مختلف، فالتعجب سؤال عن الأسباب، نزوع نحو معرفة هذه الأسباب. هل يبقى النزوع نزوعاً إذا لم يجد أمامه موضوعاً يحقق ذاته فيه؟ وإذا وجدنا كانت kant يقول في مقدمة كتابه (نقد العقل الخالص) ومن وجهة نظر نقدية حديثة: «كتب على الإنسان أن يسأل أسئلة لا يجد جواباً عليها», وهذه في نظر اليونان فضيحة فلسفية، فالنزوع أو الشوق لهما موضوع. فإننا نجد أرسطو يؤكد على أنه «للأشياء ابتداء، وأن علل الأشياء الموجودة ليست بلا نهاية لا من طريق الاستقامة ولا من طريق النوع». هناك إذن حد أخير هو موضوع العلم، وحقيقة الفلسفة ترضي التعجب، وتجيب على نزوع المعرفة. وعامة كان التعجب هو مفتاح سقراط في تأسيس كل مباحث الفلسفة فقد بحث في الأخلاق بحثاً عاماً، بمعنى أنه نظر إلى الأخلاق من الناحية الصورية -على الرغم من أنه كان يعيش الحياة الأخلاقية التي يدعو إليها- فوضع المبدأ الرئيس الذي تقوم عليه، وبعد ذلك لم يعنَ بجزئيات الأخلاق. وهذا المبدأ هو قوله إن الفضيلة هي العلم، وأنه بغير العلم لا يتم العمل، وحيث يوجد العلم يوجد العمل، ومن هنا فالإنسان في نظره لا يمكن أن يفعل الشر وهو عالم بأنه يفعل الشر، وأن الإنسان ليس شريراً بطبعه، وإنما الشر مصدره الجهل، ولهذا فإن الإنسان إذا علم بأن هذا الشيء نافع له ومفيد، فإنه لابد أن يعمله ولا يؤجله. وما دام مرجع الفضائل إلى العلم، فمن الممكن أن نقول بوجه عام أن كل فضيلة علم، وكذلك كل رذيلة جهل. وكان سقراط أول من أعطى دفعة قوية لتطوير الفكر الفلسفي لا في علم الأخلاق فقط، بل في علم المنطق أيضاً. وكثيراً ما كان سقراط يشبه نفسه بالنحلة التي لا تفتأ عن الدوران والرقص في أنحاء المدينة لجعل الناس في حالة يقظة دائمة وإدراك متواصل، خشية الوقوع في حالة خدر وغياب للوعي والفهم لما يحيط بهم. ولم يدعه الناقمون عليه حتى دفعوا به للمحاكمة والإعدام، وكان بإمكانه الهرب من الموت، ولكن احترامه لقوانين مدينته جعله يرفض ذلك، ولو قدم طلب عفو للمحكمة لرأفت به وأطلقت سراحه، لكنه الفيلسوف الأبي الشجاع، عزف عن طلب الغفران وتجرع السم في سجنه طائعاً مختاراً ضاحكاً، وهو يؤكد انتقاله لعالم أفضل في موته هذا. ويعتبر سقراط، وبحق ليس المعلم، معلم الأخلاق ومبدع التحديد الأخلاقي وحسب، بل يعتبر أيضاً وقبل كل شيء الإنسان الأخلاقي. وكرجل دين مجدد، نظراً لتلك العلاقة القائمة بين الدين والدولة Polis، كما وأنه يعتبر كرجل مشاغب بالنسبة للنظام السياسي والاجتماعي الذي كان سائداً في ذلك الحين. لذلك نظراً لتطلعاته السياسية والاجتماعية حكم عليه بالإعدام موتاً. ولذلك يجب أن نعالج القضية الأخلاقية من زاوية الوضع الاجتماعي والسياسي. فالعدالة تخص الإنسان من حيث كونه فرداً، ولكن انطلاقاً من علاقاته الاجتماعية مع الآخرين. فالأخلاق والسياسة لا ينفصلان، بل يؤلفان وحدة كاملة متكاملة. فالأخلاق بالنسبة إلى سقراط هي علم الإنسان الفرد المتصل من خلال علاقاته مع المجتمع. يعني ذلك اتصال الإنسان مع السياسة. فقضية الأخلاق-السياسة، لا يمكن أن تنبثق من الإدراك العقلاني فقط. لقد توصل سقراط إلى التحديد التالي لمفهوم الفضيلة إذ يقول: إن العدالة هي الحكمة والفضيلة. وإن حياة الإنسان العادل هي في حالة من السعادة تفوق كثيراً حياة الإنسان اللاعادل. لقد جمع سقراط بقوله هذا قضية العدالة بقضية السياسة. غير أن الأخلاق والإدراك العقلاني يخلوان عنده من عمق وأساس ما ورائي-ميتافيزيقي. كما وأنهما يخلوان من عمق روحاني ديني. فإذا كانت كل فلسفة هي بشكل من الأشكال (تأريخ حياتي معقلن) يمكن إذاً أن نعتبر فلسفة أفلاطون من هذا الطراز: هي تأويل لسقراط-الإنسان, وتأويل لهذه الشخصية مبدعة الفلسفة الأفلاطونية. لذلك كانت شخصية سقراط بالنسبة إلى تلميذه أفلاطون شخصية المعلم الخارقة. إن محاورات أفلاطون هي في الواقع، تأويل وتفسير لأعمال سقراط. وهي كذلك بمثابة تاريخ لمجمل الأفكار والأخبار والأقوال التي قالها سقراط. إن أفلاطون يحاول من خلال هذه الوقائع قراءة ما يدور داخل هذه الأسطر واضعاً في داخلها شخصيته. لذلك يمكن أن نعتبر هذه الأقوال وهذه الأعمال، أقوال وأعمال أفلاطون وسقراط معاً. يعتبر سقراط الصورة الحية للفلسفة الأفلاطونية دون أن تتخلى عن ذاتها كونها فلسفة سقراط بالذات، لأنه هو المعلم الأول والحجة الأولى للتأمل عند تلميذه أفلاطون. إن حياة سقراط الفاضلة، تبقى بدون تفسير وبدون حجة ثابتة إذا ما أنكرنا عليها وجود العالم الآخر وخلود النفس الإنسانية. من هنا نقول إنه لا يمكن إطلاقاً أن نسلم بموت سقراط الهادئ والرصين لو كانت النفس نفساً متلاشية بعد مفارقتها الجسد. يعتبر سقراط أن «النظام وغاية الكون ليسا وليدة الصدفة ولا وليدة القوانين الآلية، إنما هي نتيجة للعقل الإلهي الأزلي، الذي ترجع إليه جميع القوانين والتغيرات اللامكتوبة», إذاً يمكننا أن نقول إن تفكير سقراط اللاهوتي يظهر لنا عن تحول وتطور في التفكير مختلف عن التفكير التقليدي. فعندما يعلن سقراط عن وجود العالم الآخر وعن خلود النفس الإنسانية، فإنه يعلن بذات الوقت عن نشأة الأخلاق ذات النزعة الكونية، التي تهدف بحد ذاتها إلى أن تكون في الحقيقة فلسفة لها قوانينها ومبادئها الذاتية. إن محاولات سقراط، حسب التأويل الأفلاطوني ترتكز على مبدأ الخير المطلق، هذا الخير لا يخضع للأشياء الحسية. كالخير الذي نادى به السفسطائيون. بل يعتبره الخير المطلق الذي لا يخضع لأي شرط حسي، إنه هو علة وجود الإنسان. رغم اقتناعنا الكلي بأن خير الفضيلة وخير السعادة لا يمكن التفكير بهما كونهما أشياء صعبة المنال. بل إن من واجبنا الوجودي التطلع دوماً إلى ما هو أعمق وأشمل. إن الإنسان في الواقع، هو أكمل المخلوقات الحية، وهو أيضا الكائن الأسمى بين جميع المخلوقات. ذلك لأنه يمتلك القدرة على الكلام والنطق، وأن باستطاعته بما أنه أسمى المخلوقات اكتساب العلم والمعرفة. يعتبر الإنسان بين سائر المخلوقات الحية (كأعجوبة)، رغم حياته الجسدية، فطبيعتنا المؤلفة من الجسد والروح مدعوة للانطلاق من هذين العنصرين على أن تتحدا وتتجانسا في أعمالهما وحياتهما. لذلك لا يمكن إطلاقاً فصل الفضيلة عن السعادة، إذ لا تتحقق السعادة بدون وجود الفضيلة. يوجد في كل منا فضائل وامتيازات وفرح وبعض الأعمال الكاملة. إن كل هذه الصفات والامتيازات تؤلف فيما بينها وحدة كاملة متجانسة. لذلك نقول إن هذه التصريحات والأقوال التي تدل بصورة قاطعة عن توازن في الحياة وعن استقرار نفسي، هي أقوال تنبع من صميم المبادئ السقراطية. فإذا كان هناك في الواقع علاقة متينة ودائمة بين الفضيلة والسعادة يكفي إظهارها وإعلانها للناس وحثهم على معرفتها والعمل بموجبها. حتى إذا ما أرادوا اكتساب الفضيلة كان لديهم الاستعداد الكافي والثابت على اكتساب السعادة. لقد قضى سقراط حياته كلها في سبيل تدعيم مبادئه وآرائه. وفي سبيل تبيان مفهومه للفضيلة وللسعادة. يقول سقراط إن الفضيلة تعطى نتيجة لامتلاكها السعادة؛ لأن الفضيلة بالنسبة لسقراط تساعدنا على تحقيق غايتنا وأهدافنا الوجودية. الفضيلة هي ما نسميه (الأجمل) وما نسميه أيضاً (الخير). فالأجمل والخير معاً هما -يقول سقراط- الشيء الضروري لحياة الإنسان ولسعادته. إن سقراط لا يعترف إطلاقاً بوجود (الأجمل والخير) دون أن يكون هذا الوجود معللاً، إن (الأجمل والخير) هما حقيقة واحدة. ولذلك نجد H.Maier في دراسته التي أتى بها عن سقراط Sokrates يتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً حيال هذه النقطة: إن سقراط -يقول الكاتب- هو مثالي يتمتع باقتناع كلي بهذه المثالية. لذلك كرس لها حياته كلها واعتبرها رسالته الوحيدة الجديرة بأن تكون رسالة, وأن الفضيلة تؤّمن السعادة للإنسان لا محالة. ومن هنا كانت الفلسفة عند سقراط هي علم الأخلاق والسياسة، وبعبارة أخرى هي الإنسان والدولة. ومدخله إليهما هو المنطق. وبالفعل فلقد أحدث في هذا المجال ثورة عنيفة وعميقة حين أكد أنه في مقدور الفلسفة أن تصوغ قانوناً أخلاقياً قوياً دنيوياً غير ديني، ومن غير الاعتقاد بخوارق الطبيعة، وأن هذا القانون كفيل بأن ينقذ الحضارة التي تهددها حركتها الفكرية بالانهيار والزوال، ونقطة البدء عنده أن الخير ليس فكرة دينية، بل هو فكرة دنيوية إلى حد يجعلها فكرة نفعية. فالخير هو النافع، فليس الخير خيراً لأن الآلهة ترضى عنه، ولكن الآلهة على العكس، ترضى عن الخير لأنه خير. وحيث أنه ليس من شيء يعادل المعرفة في نفعها، فإنها تكون جماع الخير وأسمى الفضائل، وأنه بالمعرفة الحقة يكون العمل الصالح أمراً محتوماً لا مفر منه. وبتطبيق هذه المبادئ في المجال السياسي؛ انتهى سقراط إلى عدد من الأفكار المهمة: مادام الخير هو النافع، فإن المواطن لا يكون خيراً ولا صالحاً إلا إذا كان نافعاً، وهو لا يكون نافعاً إلا حيث يخضع لقوانين المدينة ويحترمها، ويسهم إيجابياً في كل ما هو ملقى عليه من واجبات تستهدف النفع العام. وقوانين المدينة التي يلتزم بها المواطن الصالح، ليس هو ما تضعه المدينة من أوامر فحسب، ولكنها كذلك القوانين العليا غير المكتوبة التي لا يرجع مصدرها إلى عمل البشر، والتي تكون خيرة لأنها نافعة حين تساعد على تحقيق العدل في المجتمع، باعتبار أن العدل هو مقياس الفضيلة. وإذا كانت المعرفة فضيلة، فإن الأرستقراطية هي خير أشكال الحكم، وكانت الديمقراطية سخفاً وعبثاً، فمن السخف عند سقراط أن نختار الحكام بالقرعة على حين أن أحد لا يفكر قط في أن يختار بالقرعة مرشد السفن أو البناء أو النافخ في الناي أو أي صانع على الإطلاق، مع أن عيوب هؤلاء أقل ضرراً من عيوب أولئك الذين يفسدون حكوماتنا. لاشيء ينجي (أثينا) إلا حكم أصحاب المعرفة والكفاية، وليست السبيل إلى هذا الحكم هي الاقتراع، كذلك لا يجب أن يختار موظفو الدولة علي أساس جاههم أو ثرائهم، ذلك لأن الاستبداد وسلطان المال لا يقل شرهما عن شر الديمقراطية. وأهم هذه الأفكار أهمية التمسك بالقانون، حيث تكمن العدالة في عدم انتهاك القوانين، لذلك فإن أفضل طرق تحقيق العدالة هو احترام القوانين. ومن هذا المنطلق فليس ثمة فكرة فلسفية كان لها التأثير في حياة سقراط ما كان لفكرة القانون، فقد كان السفسطائيون يعتقدون أن القانون من اختراع الإنسان، وأنه تعاقد وضعي مصطنع يتعارض مع قوانين الطبيعة ويرمي إلي حماية الضعفاء من سلطان الأقوياء، فلا بأس من الخروج عليه ما دام غير ذي قواعد راسخة في طبائع الأشياء، وإنما البأس كل البأس أن يخضع له وأن يضحى بحرية الفرد في سبيل أوهام أو عادات متوارثة لا حقيقة لها. لكن سقراط الذي يؤمن بنظام الخير في الإنسان وفي الأشياء لم يقبل أن تترك الحياة الإنسانية للنزوات والأهواء، بل يجب أن تكون هناك قواعد ثابتة للعمل، كلية، عامة، مطلقة، وهذه القوانين يجب على العقل أن يكتشفها كما يجب على الإرادة أن تطبقها وتخضع لها، وهذه القوانين إذن ليست اصطناعية، وإنما هي تقوم على أصل ثابت وجذور راسخة في بناء الفرد والمجتمع والطبيعة. ومن الجدير بالذكر معرفة أن كلمة (القانون) يتسع معناها -في نظر سقراط- بحيث يشمل جميع قواعد السلوك التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، سواء كان مصدرها العقل أو العرف أو التشريع أو الأخلاق أو الدين. والحق أن سقراط عندما تناول قضية العدالة على هذا النحو لم يكن يعبر عن وجهة نظر فلسفية محضة، فقد كان هو نفسه أولاً وقبل كل شيء مواطناً ممتازاً، دائم الاستعداد للانصياع للقوانين، سواء أكان المطلوب منه أن يحافظ على موقعه في معركة (بوتيديوم) أم أن يناضل في مجلس الشيوخ، الذي وقعت عليه القرعة لدخوله، ضد الغزوات اللامشروعة للطاغية (أقرينياس) أم أخيراً أن يرفض، احتراماً منه لقوانين بلاده، ما اقترحه (أقريطون) من فرار للنجاة بنفسه من الموت بعد صدور الحكم بإدانته. ولكننا سنجد سقراط في محاورة الجمهورية يبين لنا -في بلاغة رائعة- لماذا يجب على المواطن في كل الأحوال أن يحترم قوانين بلاده، قوانين الدولة: فالقوانين إنما أريد بها تحقيق الصالح العام. والمواطن برضاه العيش في الدولة بعد أن عرف قوانينها ولم يعترض عليها يكون بذلك قد (تعاقد ضمناً) وقطع على نفسه عهداً أنه سيطيع هذه القوانين ويصدع بما تأمره به. وعلى ذلك فإن صفة الإلزام في القوانين لا يجب البحث عنها في الإكراه الذي تفرضه قوة عليا خارجة عن الجماعة أو في الإكراه الذي تمارسه الدولة، وإنما في القبول الضمنى لهذه القوانين. وخلاصة القول إذن هي أن العدالة -في نظر سقراط- تندمج مع القانون: فالعادل والمشروع شيء واحد، والعدالة هي ما تقرره القوانين، ومن ثم فإن الإنسان العادل هو الذي يراعي قوانين الدولة في جميع تصرفاته وأفعال. وقد ميز سقراط بين نوعين من القوانين المكتوبة وهي التي تنظم علاقات الناس اليومية وتحقق الوئام في المدينة، وهذه القوانين قد تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة. وما القوانين المكتوبة سوى صورة أو أنموذج من القوانين الإلهية غير المكتوبة، ولهذا استقت القوانين الشعبية عظمة وقدسية من عظمة نموذجها الإلهي وقدسيته، وعلى هذا يعيد سقراط قدسية القوانين إليها تلك القدسية التي هدمها السفسطائيون. ونتج عن إيمانه بالآلهة وحكمتها أن أعاد إلى القوانين قدسيتها. كما أن هناك قوانين أخرى غير مكتوبة وهي القوانين الأخلاقية، وهذه ألزم للإنسان من القوانين المكتوبة، لأنها في الواقع أساسها، وهي في نظر سقراط مطلقة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال. ولذلك رأينا معارضة سقراط للسفسطائيين أنه يرفض نسبية القوانين الإنسانية وتغيرها، فقد أكد أن القوانين سواء كانت قوانين مكتوبة وضعها البشر، لتحقيق السلام والسعادة في المدينة أو كانت قوانين غير مكتوبة مستمدة من إرادة الآلهة، فهي حقائق ثابتة متوارثة ينبغي المحافظة عليها من أي تغيير أو تبديل. فالقانون في ثباته وكماله كالحقيقة الرياضية عند سقراط لا تتغير بتغير الزمان والمكان، لأن هناك قوانين غير مكتوبة مستمدة من الآلهة، وهي ليست خاصة بمدينة معينة أو بزمان معين فهي عامة ومعروفة للجميع منها بر الوالدين واحترام الآلهة وتقديسها وعدم الزواج من المحارم. ولذلك عاش سقراط حياته كلها طائعاً للقوانين رافضاً الخروج عليها، وحتى عندما حكمت عليه هذه القوانين ظلماً بالإعدام رفض خرقها بالهرب من السجن، واعتبر أن هذه خيانة لنظام المدينة الذي ولد وعاش فيه وخيانة الآلهة التي فرضت هذه القوانين، ولم يرتكب الظلم أبداً في حياته حتى ولو كان رداً على ظلم قد حل بساحته؛ إيماناً منه بأن الظلم سيظل في كل الحالات شراً وعاراً على صاحبه، وتكشف الوقائع التاريخية عن شدة تمسك سقراط بالقوانين ومنها مقاومته لحكم الثلاثين. لذلك رأى سقراط أن الدولة نتيجة حتمية مرغوب فيها لاحتياجات الإنسان وضرورات معيشته ورغباته كما رأى أن القانون إذا اعتمد على الحكمة فإنه يتجاوب مع التفكير العام. وقد طالب سقراط بالتعليم السياسي للجميع كما هاجم وانتقد الديمقراطية السائدة في اليونان القديمة واختيار من يتولون الوظائف العامة، ونادى بأنه يجب أن تحكم الدولة بواسطة الأرستقراطية الفكرية، وقد جاهد في إيجاد الروابط بين المقاييس الأخلاقية والأحوال والظروف السياسية. ولقد كانت الفلسفة كلها عند سقراط معنى واحد ورسالة واحدة هي إقرار العدل بين الناس يقول سقراط: «العدل هو السعادة الحقة التي لا سعادة سواها وما من تعس غير الظالم». وهو يعلن أن «العدالة نافعة للدولة كما هي نافعة للأفراد أنها هي التي تحفظ للأمم قوتها وسعادتها وبها يكون الأفراد في مأمن من المهانة فيربحون قضاياهم في المحاكم ويصلون إلى المكارم كذلك, فالصداقة نافعة لنا لأنها تقدم لنا حلفاء يدافعون عنا عند الحاجة وهم على استعداد دائماً لتقديم الخدمات لنا، كذلك أيضاً فالشجاعة نافعة لأنها تتيح لنا أن نخرج منتصرين من المواقف الخطرة». ويرى سقراط أنه ليس المهم هو أن نعيش، ولكن أن نحيا حياة أفضل هذا هو الشيء الأهم، فإن تحيا حياة أفضل هو أن تحيا شريفاً وعادلاً، ولذلك فالحياة الحسنة هي الحياة الفاضلة. وعلى الرغم من أن سقراط ذكر فضيلة واحدة هي العدالة، فإن الكلمة اليونانية الدالة على العدالة استخدمت كمرادف للصلاح والاستقامة بصفة عامة. ويرى سقراط أن من لديه إحدى الفضائل فسيملك الفضائل كلها. وعلى حين نظر السفسطائيون إلى الإنسان لكي يحقق ما قدر له، ينبغي له أن يعيش وفقاً لنظام العالم، إذ أن العدالة وهي الصورة العليا للحكمة هي العقل الإنساني في توافقه مع العقل الأبدي، إن العدالة ورع أيضاً، حينما تظهر مشاركة الإنسان فيما هو إلهي، فما الورع في حقيقته إن لم يكن مراعاة للقوانين الإلهية؟ .د. بركات محمد مراد
-
سأعيد قرائتها لاني تصفحتها سريعا دون تأني أثناء المراجعة السريعة لموضوعات المنتدي لكن هذا الحوار ذكرني بموضوع قديم في المنتدي كان اسمه ( ماهو انطباعك عن اعضاء المنتدي ) كان موضوع طريف ويثبت وجهة نظري في ان عالم الانترنت الافتراضي كثيرا مايكون خادعا لكن كعادتنا نحن المصريين والعرب بعض الزملاء حولوا الموضوع الي خناقة فاضطريت الي اغلاقه /t612-topic
-
ايه رأيكو في النشيد المصري القديم
قام Hamdy Tawfik-manar9 بالرد على موضوع لـ somya في نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح's ساحة الحوار والنقاش