اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

mido mix

الأعضاء
  • مجموع الأنشطة

    8227
  • تاريخ الانضمام

  • آخر نشاط

كل منشورات العضو mido mix

  1. لم يشهد عصر من العصور انتشار الشهوات وسهولة الحصول عليها.. وتيسير الوقوع فيها مثل ما حدث في عصرنا هذا.. وإذا كنا نتكلم عن انتشار هذا البلاء عموما فإن نصيب الشباب من التعرض له لا شك أكبر من نصيب غيرهم؛ خصوصا مع قلة الوازع الديني الناتج عن حياة سياسية وقيادة بعيدة كل البعد عن نشر الوعي الديني والأخلاقي، وكذلك زيادة البطالة وصعوبة إيجاد فرص العمل؛ مما ارتفع بمتوسط سن الزواج ارتفاعا مخيفا. وهذا ما حدا بطائفة كثيرة أو سول لها أو يسر لها أو اضطرها أحيانا لتكون صيدا سهلا وفريسة قريبة المنال للشهوات. وهذه القضية تنعكس - لا ريب - على حقل الدعوة والتربية، إذ إن جهد المربين ينصرف أكثر ما ينصرف إلى الشباب وتربيتهم على الصلاح والعفة والاستقامة. إننا ونحن نحاول معالجة هذه القضية الخطيرة ينبغي ألا نقع فيما وقع فيه البعض من التهويل أحيانا الذي قد يصيب العاصين باليأس والقنوط، أو التهوين الذي يفتح لهم باب التساهل ويهون عليهم المعصية. فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والوسط دائما ما يقع بين طرفين، وقد يميل لأحدهما دون الآخر حسب كل شخص وحاله. نحو منهج راشد:نحن نؤمن تمام الإيمان بأن منهج القرآن والسنة في معالجة هذا الأمر وغيره من الأمور هو المنهج الأسمى والأسنى والأجدى والأحق بالاتباع من غيره، فهو يستند إلى شريعة محكمة، ووحي لا يتطرق إليه الخلل، غير أن الخلل إنما يكون في وسيلة التطبيق وطريقة المطبق لهذا النظام. إن هناك بعض المحاور التي يدور عليها تناول هذه القضية نرى أنها تمثل المنهج القرآني والنبوي لمواجهة إلحاح الشهوة، كما يقول بعض من حاول معالجة هذا الموضوع.. لعل من أهمها: كل ابن آدم خطاءفميل النفوس إلى الشهوة ليست سُبَّة وإنما هو سنة في الخلق، ولا هي ممَّا يعاب طبعا لأن الله فطر كلا الجنسين للميل للآخر في هذا الباب خصوصا؛ وفطر العباد على حب الشهوات عموما؛ وهو ما قرره القرآن الكريم: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}[آل عمران:14]. غير أن هذا الميل لا يبيح للإنسان التعلل به لفعل الفاحشة ولا لإدراك الشهوة من طريق محرم.. ذلك لأن الله تعالى أخبرنا أن دفع هواجس الشهوات ومقدمات المعاصي والسيطرة عليها ليس بالأمر العسير، بل هو داخل في تكليف العبد وإلا كان الأمر به من قبيل العبث وتكليف مالا يقدر عليه.. والله تعالى نفى ذلك بقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وإنما تتمرد الشهوة على صاحبها وتطوِّعه لها حينما يعرض نفسه لدواعيها، وينأى بنفسه عن معالم الطريق الذي رسمه الشارع الحكيم للتعامل معها، فهذا ما يجعل الأمر بالنسبة إليه عسيراً. علاج نبوي عظيمروى الأمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه: "أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا. فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه. فقال: ادنه. فدنا منه قريبا فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. وفي هذا الحديث فوائد تتعلق بموضوعنا منها:أن بعض الشباب لا يفكر إذا ثارت شهوته إلا في قضائها ويظن أنه بذلك ستنتهي معاناته، والحق أن هذا بعينه قد يكون بداية المعاناة لا نهايتها. في حمأة الشهوة ينسى الإنسان أو يذهل عقله عن عواقب إتيان الشهوة الحرام.. وأثر ذلك عليه وعلى مجتمعه. وربما إذا بان له عواقب فعله انزجر عنه؛ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب. الزجر والترهيب ليس علاجا حقيقيا، وإنما الإقناع هو الباب الأعظم لصرف العقول والقلوب عن المخالفات.. لقد انتفض الصحابة عند سماع الطلب من الشاب لرسوله عليه السلام.. فزجروه.. "مه.. مه"، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عالجه بطريقة أخرى وهو بيان مفاسد مطلبه، وسوء عواقبه، وذكره أننا لو أذنا لكل راغب في الزنا لربما طال ذلك بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وهو ما لا يرضاه أحد منا لأهله.. فلا ينبغي أن يرضاه لغيره. ارض للناس جميعا .. .. مثلما ترضى لنفسك إنـمـا النـاس جميعـا .. .. كلــهم أبـنـاء جنسك غير عدل أن توخى .. .. وحشة الناس بأنسك فلــهم نــفس كنفسك .. .. ولهـم حـس كـحسك تقوية البناء الإيماني:الشهوات في الغالب أمور يتطلبها البدن وتميل إلها النفس، وأحيانا يكون العلاج في تنبيه النفس إلى الجانب الروحاني والإيماني بل هو في كثير من الأحيان يكون من أنجع أساليب العلاج.. فدفع أهواء النفس يحتاج إلى قوة لا تتأتى إلا بتقوية الجانب الإيماني,, فكلما زاد إيمان المسلم كلما كان دفعه للشهوات ورده للآفات أسهل وأيسر، خصوصا إذا أضاء جانب المراقبة في قلبه.. وربما دل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء](متفق عليه). وقد نبه ابن القيم على مثل هذا الأمر فقال في مدارج السالكين: (اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور قوةً وضعفاً لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف.... إلى أن قال: وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتدَّ، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنباً إلا أحرقه). وباب تقوية الإيمان أول ما يتأتى من المحافظة على العبادات المفروضات وعلى رأسها جميعا الصلاة والصوم ثم تأتي بعد ذلك النوافل وعلى رأسها قيام الليل، وكل عبادة فإنما هي باب للقرب وزيادة التقوى في قلب صاحبها يعظم بها إيمانه كما قال تعالى: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة:21). سد ذرائع الفتنة:في محاولة الابتعاد عن الشهوات ومعالجة النفس عن الوقوع فيها لابد من غلق الأبواب التي تفتح عليها، وتجفيف المنابع التي تتأتى منها، وعدم التعرض لأسبابها ودواعيها.. ويأتي على رأس هذه الدواعي البصر.. فغض البصر من أهم أبواب رد الفتن ودفع الشهوات وغلق أبوابها.. فكم من نظرة أصابت قلبا في مقتل، فهي سهم من سهام إبليس إن لم يقتل فإنه يجرح.. ولا يخفى ما لإطلاق النظر في المحرمات من مفاسد على دين المسلم وعرضه وخلقه، يقول الإمام ابن الجوزي - رحمه الله-: "وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على ما هو عليه، وربما وقع من ذلك العشق فيهلك البدن والدين،. "، وقال أيضاً: "واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر، وكما يُخاف على الرجل من ذلك ... يخاف على المرأة. وقد ذهب دين خلق كثير من المتعبدين بإطلاق البصر وما جلبه، فليحذر من ذلك"(أحكام النساء:265) وقال ابن القيم رحمه الله: "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده". كـل الحــوادث مبـداها من النظر .. .. ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها .. .. فــتك الســهام بلا قــوس ولا وتــر والعبــد ما دام ذا عـيــن يقــلبـها .. .. في أعين الغيد موقوف على الخطر يـسـر مقـلـته ما ضـــر مهـجــته .. .. لا مـرحــبا بســرور عـاد بالضـرر ويأتي بعد ذلك دفع الخواطر والأفكار: فإن الخطرة تولد الفكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع.. كما قال ابن القيم رحمه الله. ومن أهم الأبواب أيضا الإرشاد إلى أهمية الصحبة الصالحة، والتحذير من تبعات مصاحبة أصدقاء السوء. ومنها: التعامل مع الجنس الآخر وَفق الضوابط الشرعية، والتي منها: عدم المصافحة، وعدم الخلوة، وترك الكلام لغير حاجة. فإن التساهل في هذا يجر متاعب وعواقب غير محمودة. ونهاية وهي الأصل والبداية الاستعانة بالله وكثرة الابتهال والدعاء إليه أن يصرف عنك السوء فهو من وراء قلب الإنسان وعقله وفكره وبصره.. فاللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.. آمين.
  2. شح مطاع"..لافتةٌ تحذيريّة رفعها النبي –صلى الله عليه وسلم- في وجه أمّته يحذّر فيها من فساد آخر الزمان، ضمّها إلى جانب لافتاتٍ أخرى: هوى متّبع، وسوء خلق، وإعجاب كلّ ذي رأيٍ برأيه، وقطيعة رحم، وكثرة الهرج والمرج، وانتشار الزنا، وتنزّل الفتن، وظهور الربا، واستحلال ما حرّم الباري تبارك وتعالى، وغيرها الكثير من القضايا التي تشير بجلاءٍ إلى قرب قيام الساعة. ومع هذه اللفتة التي نريد الوقوف عندها في هذه الأسطر؛ لنستجلي معناها، ونستبين حقيقتها، ونُوضح خطورتها من خلال ميزان الشرع المؤسّس لكل خلقٍ قويم، والمحذّر من كل خلقٍ رذيل، والمنهج الربّاني المهذّب للنفوس والمصلح للقلوب من كلّ آفة وشائبة. إنه الحديث عن الشحّ، وعن البخل، والشحّ كما يعبّر ابن منظور: حرص النّفس على ما ملكت وبخلها به، وما جاء في التّنزيل من الشّحّ فهذا معناه، ومنه قول الله تعالى: { وأُحضرت الأنفس الشح} (النساء: 128). وبين الشحّ والبخل علاقةٌ وطيدة، وتلازمٌ ظاهر، ولربما ظنّ البعض أنهما مصطلحان يعبّرانٍ عن حقيقةٍ واحدة، وأنهما صورتان لوجهٍ واحد، بينما الحال أن بينهما اشتراكٌ من جهة، واختلافٌ من أخرى، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: " والشح أعم من البخل؛ لأن البخل يختص بمنع المال، والشح بكل شيء، وقيل: الشح لازم كالطبع، والبخل غير لازم". ونرى ارتباط ظهور الشحّ وانتشاره بين الناس بأشراط الساعة ماثلاً من خلال جملةٍ من الأحاديث النبويّة الشريفة، تذكره في جملة الانتكاسات الأخلاقيّة الحاصلة آخر الزمان، ومن هذه الأحاديث ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: "إن من أشراط الساعة: أن يظهر الشح، والفحش، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويظهر ثياب يلبسها نساء كاسيات عاريات" رواه الطبراني في المعجم الأوسط، ومثل هذا لا يقال بالرأي. و عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزداد الأمر إلا شدّة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شُحّاً) رواه ابن ماجة. وأصحّ منهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح، ويكثر الهرج) قالوا: وما الهرج؟ قال: (القتل القتل) رواه البخاري ومسلم. يُعلّق الإمام النووي في شرحه لمسلمٍ قائلاً: "(ويُلقى الشح) هو بإسكان اللام وتخفيف القاف، أي: يوضع في القلوب. ورواه بعضهم (يلَقّى) بفتح اللام وتشديد القاف، أي: يُعطى، والشح هو البخل بأداء الحقوق والحرص على ما ليس له". والتفاوت بين الناس في علاقتهم بزينة الدنيا لمثارُ عجبٍ ودهشة، وبين السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه، وأشدّ درجات البخل: أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشيء فيمنعه البخل، وكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. والحال أن الشحّ خلقٌ ذميم نهى عنه القرآن وأمر بضدّه، وبيّن عاقبة أصحابه فقال: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير} (آل عمران:180)، وذمّ أهل الكفر ووصفهم به: {أشحّةً على الخير} (الأحزاب:19)، وفي المقابل: مدح أهل الإيثار والجود فقال: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر:9). وقد حذّر منه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الشحّ والبخل في أكثر من مناسبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالخلق الله الجنة لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك، فلما انتهى من بنائها قال لها الله عزّ وجل: تكلّمي. فقالت الجنة : قد أفلح المؤمنون، فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وأهل البخل محرومون من دخول الجنّة مع الأوّلين، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- : (لا يدخل الجنة بخيل) رواه الترمذي، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق) رواه الترمذي كذلك، وكثيراً ما كان خير البريّة -صلى الله عليه وسلم- يدعوا قائلاً : (اللهم إني أعوذ بك العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل) رواه مسلم. ونقول كذلك: إن حبّ الذات وإيثار النفسِ أمرٌ من صميم الطباع الإنسانيّة التي تدلّ على ضعفها، فإذا زادت هذه الصفة عن حدّها وسيطرت على صاحبها، تحوّل الأمر من محبّة الخير للنفس إلى إيصادٍ تامّ لأبوابه عن الآخرين، وانكفاءٌ مذمومٍ على الذات، وتركيزٍ على الجمع دون الإنفاق، وعلى الأخذ دون العطاء، والتكسّب دون التفضّل، فهو طغيانٌ يؤدّي بصاحبه إلى تضييع الحقوق، والاستطالة على الآخرين، والأنانية المفرطة المقيتة. ولعل من يستعرض الواقع يجد أن صور التكافل الاجتماعي كانت في الماضي القريب -فضلاً عن ذلك البعيد- أكثر كثافةً وأشدّ ظهوراً، تراه بين الجيران في صورة تلبية حاجات أهل البيت عند سفر المُعيل لتلك الأسرة، وتعاهد الجار لجاره ومبادلته له بأنواع الطعام تطبيقاً للأدب النبوي في ذلك، وتراه عند التاجر في صورة إنظار المعسرين، وعدم استغلال مواسم الجفاف في احتكار البضاعة لأجل رفع أسعارها، والرّضا بالمقسوم من الرّزق، فضلاً عن بذل البضائع دون مقابلٍ للفقراء والمساكين احتساباً، وتراه في صورٍ أخرى يعجز الإنسان عن استقصائها، واللسان عن سردها. أما اليوم فمن المحزن قوله أن الشحّ والبخل قد تناسب طرديّاً مع البسطة الحاصلة في الرّزق والسعة في المال، والطفرة المعيشيّة المعاصرة، فزادت الرفاهية وزادت معها حظوظ النفس وأَثَرتها وضنّها به، وتعلّقها بحقيقته، وبعد أن كان الدرهم يسبق الألف درهم، صارت الدراهم تجد صعوبةً في النفوذ من النطاقات (الجمركيّة) التي يفرضها أرباب الأموال على أموالهم، لكأنّها تخرج من عنق زجاجةٍ ضيّق بقدر ضيق نفوس أصحابها، فنعوذ بالله من الخذلان. وعلى المسلم أن يتذكّر أن الله سبحانه وتعالى غني عنا وعن أموالنا، وأن نفع الصدقات والأعمال عائد إلى أصحابها، ومع هذا فهو حميد على ما يأمرنا به من الأوامر الحميدة والخصال السديدة، والامتثال لها هو قوت القلوب، وحياة النفوس، ونعيم الأرواح، ذلك هو ما يريده الله سبحانه لعباده، أما الشيطان فله مرادٌ آخر: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم} (البقرة:268).
  3. جاء رجل إلى الإمام الشافعي يشكو له ضيق حاله وأخبره أنه يعمل أجيرا بخمس دراهم وأن أجره لايكفيه فما كان من الشافعي إلا أن أمره أن يذهب إلى صاحب العمل ويطالبه بإنقاص اجره إلى 4دراهم بدلا من خمسه وأمتثل الرجل لأمر الشافعي رغم انه لم يفهم سببه وبعد فتره عاد الرجل إلى الشافعي وقال :لم يتحسن وضعي إنما مازالت المشكله قائمه فأمره الشافعي بالعودة إلى صاحب العمل وطلب إنقاص أجره إلى 3 دراهم بدل 4 دراهم ذهب الرجل ونفذ ماطلب منه الإمام الشافعي مندهشاً !!!وبعد فتره عاد الرجل إلى الشافعي وشكره على نصيحته وأخبره أن الثلاث دراهم أصبحت تغطي كل حوائجه وتفيض بعدها وسأله عن تفسير هذا الثي حدث معه فأخبره الإمام الشافعي: أنه كان من البدايه يعمل عملا لايستحق عليه إلا 3 دراهم وبالتالي في الدرهمان الباقيان لم يكونا من حقه وقد نزعا البركة عن بقية ماله عندما أختلطا به وأنشد: جمع الحرام على الحلال ليكثره دخل الحرام على الحلال فبعثره
  4. التجديد الأخلاقي - د. عبد الكريم بكار الجزء الأول --------- يشكل جمود الوعي مصدراً كبيراً لكثير من المشكلات، ومنها المشكلات التي تمس القضايا الأخلاقية؛ فنحن في تصورنا للمآزق والحلول الأخلاقية ما زلنا نفكربالعقلية التي كنا نفكر بها منذ نصف قرن، حين كان الناس يعيشون في البوادي والقرى والقليل من المدن الصغيرة، وحين كان الناس يعيشون معزولين عنالعالم الخارجي، ويعملون في أعمال بسيطة، كما أن وعيهم بمصالحهم كان محدوداً.... إن كل هذا قد اختلف وتبدّل تبدّلاً واضحاً، ومن الطبيعي أن تختلف مع كل هذا تصوراتهم للطمأنينة والسعادة، وتختلف كذلك طموحاتهم وأشكال التواصل بينهم، وليس في هذا ما يقلق، لكن الذي يقلق فعلاً هو عدم وجود قدر كافٍ من الوعي بما يحدث من تغيرات شبه جذرية على صعيد الأخلاق والقيم الفردية والاجتماعية، مما يؤدي إلى برودة أفعالنا عليه، وتخلّف مشروعاتنا الإصلاحية. إن التديّن الصحيح هو الذي يقدم للمسلم التوازن على الصعيد النفسي،ومن خلال وجود أفراد كثيرين متوازنين نفسياً يتكون مجتمع مسلم متوازن.وأعتقد أن مساقات التوازن كثيرة جداً لكن أهمَّها مساقان: 1. التوازن بين الروحانيات والماديات. 2. التوازن بين الشؤون الفردية والشؤون الاجتماعية، أو بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة. وقد كان تحقيق التوازن سهلاً في الماضي على الصعيد الأول بسبب بساطةالحياة وقلة الضغوطات المادية والمعيشية، وكان المجتمع المحلي بما فيه من تلاحم وتفاهم وتعاون يؤمن درجة جيدة من التوازن بين الخاص والعام، وكانت إمكانات الفساد المالي والإداري محدودة بسبب قلة الإمكانات التي بين أيدي الناس، مما جعل تحقيق المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة محصوراً في نطاق ضيق جداً. إن كل هذا قد اختلف اليوم على نحو مثير، ويحتاج إلى علاج عاجل. إن اللغة التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية على نحو عفوي وتلقائي توضح إلى حد بعيد اهتماماتهم الأخلاقية، كما تشرح سلم القيم لديهم، ولعلكم تلاحظون كيف يتضاءل على نحو مستمر استخدام الكلمات الدالة على الزهد،والورع، والموت، وعذاب القبر، وأهوال الحشر، والدالة على الرحمة،والمروءة، والشجاعة، والشهامة، والتضحية، والصدق، والأمانة.. وذلك لصالح انتشار الكثير من الكلمات الدالة على معانٍ شبه مضادة للمعاني السابقة،وذلك من نحو: النجاح، والشطارة، والثروة، والشهرة، والقوة، والربح،والمتعة، والنفوذ، والسعادة، والجرأة والمغامرة، وتحقيق الذات، والتأثيرفي الآخرين، والوعي بالمصلحة الشخصية.. وأنتم تلاحظون أن الكلمات التي تراجع استخدامها تتصل بشيئين مهمين: 1. الانشداد إلى الآخرة والتفكير بالمصير النهائي للإنسان. 2. الاستقامة الشخصية والإحساس بهموم الآخرين والعمل على مساعدتهم. إن الفساد على الصعيد المالي والإداري كثيراً ما يعني تحويل العام إلى خاص، أي استحواذ بعض الناس على ما هو عام، من حق الجميع الاستفادة منه والانتفاع به على نحو شخصي. أما الفساد على الصعيد الاجتماعي، فإنه كثيراًما يعني وهن القوى اللاحمة للمجتمع والمهتمة بشأنه العام، أي -بعبارةأخرى- انكباب الناس على إصلاح شأنهم الشخصي والانصراف عن رعاية الشأن العام، والبذل في سبيل المصلحة العامة. وهذا يحدث اليوم لدينا على نطاق واسع بسبب ضعف التجديد الروحي على الصعيدالفردي، وبسبب ضعف التربية الاجتماعية، وضعف وندرة المؤسسات التي يوظففيها الناس طاقاتهم من أجل خير المجموع. نحن بالطبع لن نعمل على تجديد اللغة، ولكن علينا أن نعمل على تجديد القيم التي تعبر عنها اللغة، وهذا التجديد يحتاج إلى الآتي: 1. شيء جيد أن ندرك أن كل الأخلاقيين في العالم يتحركون ضد روح العصر، وضد مصالح القوى المحركة له، هذا بالإضافة إلى أن تجديد الأخلاق يحتاج إلى تجديد الإدراك والوعي والنفس والسلوك، وهذه أشياء كبيرة عدة، ويحتاج تجديدها إلى وقت طويل .2. في كل دول العالم حكماء ومفكرون كبار يشعرون بقريب مما نشعر به، وهم يقومون ببذل جهود كبيرة من أجل تجديد ما يعتقدون أنه أخلاق أساسيةلشعوبهم، ولديهم أفكار نيّرة في هذا الشأن يمكن لنا أن نستفيد من كثيرمنها. 3. إن كل بلد إسلامي يحتاج إلى مركز كبير وقوي من أجل رصد التطورات الإيجابية والسلبية التي تطرأ على مجتمعه على الصعيد الخلقي على مستوى الفرد والأسرة والمجموعات، وهذا الرصيد بالغ الأهمية، والأرقام التي ستصدرعنه ستشكل مادة ممتازة لكل العاملين في حقول الدعوة والإعلام والتربيةوالإرشاد الاجتماعي .4. على المدارس أن تهتم اهتماماً شديداً بما يمكن أن نسميه(التدريب الأخلاقي) وذلك من أجل تنمية روح التطوير والإيثار والصدق والجدية.. في نفوس طلابها، وبعض المدارس في بعض الدول المتقدمة تدرّب طلابها على أشياءكثيرة من هذا القبيل، منها -على سبيل المثال- التدريب على حل النزاعات بينالأقران والزملاء !5. كل واحد منا مطالب من أجل أن يصبح التجديد الأخلاقي حقيقة واقعة بأن يجعل من نفسه قدوة لمن حوله في خلق من الأخلاق الحميدة؛ إذ إن عدوى الأرواح والنفوس قريب من عدوى الأجسام. إن القدوات يؤثرون فينا على نحو صامت، ويدفعون بالفضائل إلى سطح الوعي، والأمة في حاجة إلى أكبر عدد منهم. والله من وراء المقصد.
  5. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فإن من أعظم أسباب شفاء القلوب وصلاحها الإكثار من ذكر الموت واستحضار ساعة الاحتضار وخروج الروح، ولهذا كان التوجيه النبوي الكريم: " أكثروا ذكر هاذم اللذات ، يعني الموت". فيا أيها الحبيب هل أكثرت من ذكر هذه الساعة وتفكرت في حالك عندها؟. وهل أعددت للموت عدته؟ ثم هل تفكرت فيما بعد الموت من وحشة القبور وظلمتها وضيقها وسؤال الملكين فيها؟ وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟ أعد على فكرك أسلاف الأمم *** وقف على ما في القبور من رمم ونادهم أين القوي منكم *** والقاهر أم أين الضعيف المهتضم تفاضلت أوصافهم فوق الثرى *** ثم تساوت تحته كل قدم لكن التفاوت هناك على حسب الأعمال، نسأل الله تعالى الستر والعافية. لحظات المحتضرين:إن لحظات الاحتضار في حقيقتها هي اختصار لحياة الإنسان كلها؛ فمن الثابت المشاهد أن العبد يموت على ما عاش عليه، لهذا اختلفت جدا أحوال المحتضرين ، فلو نظرت إلى أحوال الصحابة عند موتهم لوجدت ثباتا من عند الله تعالى وفرحا بقدوم الموت لأنه يقربهم من لقاء الله تعالى. هذا بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة وبكت زوجته وقالت: واحزاناه، قال لها: بل واطرباه، غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه. وهذا إمام العلماء ومقامهم معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول وهو يعالج السكرات: مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة. وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(القصص:83). وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر وهو يقرأ قول الله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }(القمر:55،54). وعلى الجانب الآخر تجد من يقال له: قل لا إله إلا الله، فيغني، أو يقول: أين الطريق إلى حمام منجاب، أو يقول: هو كافر بلا إله إلا الله، أو يموت وهو سكران أو يسب دين الله تعالى، ولقد رأينا بأعيننا من يموت على خشبة المسرح وهو يعزف ويغني، نسأل الله أن يختم لنا بخير. كيف نستعد للموت؟أخي الحبيب إذا عرفت أن لحظة الاحتضار هي اختصار لحياتك كلها، وأنها لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فينبغي أن تكون مستعدا لتلك اللحظات متزودا بالتقوى ليوم المعاد، فكيف نستعد للموت؟! أولا: اجتناب المنهيات فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه ". وقد توعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب. فقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(النور:63). ثانيا: أداء الفرائض والواجبات ولا تتجلى حقيقة إيمان العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه. فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ". فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان "، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا فلمّا ولّى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ". ثالثا: محاسبة النفس، والاعتبار بمن مات أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، محاسبة النفس والاعتبار بمن قد مضى ومات. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ). ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عيناه وماذا سمعت أذنه؟ فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء. وفي نفس الوقت يتعظ بمن قد مات ووضع في قبره ويزور القبور فيتذكر بها الآخرة، قال سفيان: ( من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار ). وقال حاتم الأصم: ( من مرّ بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم ). ولذلك فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس. فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ". وروي عن داود الطائي أنه مرّ على امرأة تبكي على قبر وهي تقول: عدمت الحياة ولا نلتها *** إذا كنت في القبر قد لحدوكا فكيف أذوق طعم الكرى *** وأنت بيمناك قد وسدوكاثم قالت: يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟ فصعق داود مكانه وخرّ مغشياً عليه. فأكثر أخي الكريم، من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر. رابعا: المداومة على النوافل ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل معروف صدقة ". وقال صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ". وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: ( اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ). نسأل الله أن يقيل العثرات ويغفر الزلات ويتجاوز عن الخطيئات ويحسن الخواتيم وأن يجعل آخر كلامنا في الدنيا لا إله إلا الله.
  6. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد تواترت نصوص الشرع الدالة على أن الإنسان يحاسب على ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، ويشمل ذلك ما يكتبه بيده, ومن هذه النصوص قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة:79} وقال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49}، وقوله سبحانه وتعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ {القمر:52-53}. قال ابن كثير في قوله تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق:18): أي: إلا ولها من يرقبها معد لذلك ليكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة, كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الانفطار:10-12). انتهى. فلذا ينبغي للعباد استشعار مراقبة الله تعالى وهو يقدم على الكتابة, وقد أحسن من قال: وما من كاتب إلا سيبلى *** ويبقي الدهر ما كتبت يداه. فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه. وينبغي كذلك الحرص على توظيف هذه التقنيات - وما فيها من نعمة سهولة التواصل بين الناس - في الدعوة إلى الله تعالى, والتناصح بين الناس, وإيصال الخير لهم, كما ينبغي قول ذلك لهم باللسان, فقد قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83], وقال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء:53], وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت. قال السعدي في تفسير قوله تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53} قال: هذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما, والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره. اهـ وقال النووي في شرحه لحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت قال: معناه: إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه ـ واجبًا كان أو مندوبًا ـ فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، فعلى هذا يكون المباح مأمورًا بالإمساك عنه خوف انجراره إلى الحرام والمكروه. هـ. فدل الحديث على الترغيب في الصمت, وأن قول الخير أفضل من الصمت، قال أهل العلم: لأن قول الخير غنيمة, والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة، وكذلك قالوا: قل خيرًا تغنم, واسكت عن شر تسلم. قال السفاريني في كتابه غذاء الألباب: والمعتمد أن الكلام أفضل لأنه من باب التحلية، والسكوت من باب التخلية، ولأن المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادة؛ وذلك أن غاية ما يحصل للساكت السلامة، وهي حاصلة لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير. ونقل عن الحافظ ابن رجب أنه قال: تذاكروا عند الأحنف بن قيس: أيهما أفضل الصمت أو النطق؟ فقال الأحنف: النطق أفضل؛ لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه. ونقل عن رجل أنه قال عند عمر بن عبد العزيز الصامت على علم كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالًا؛ وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه. والله أعلم.
  7. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  8. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  9. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  10. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  11. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  12. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  13. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  14. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  15. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  16. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  17. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  18. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  19. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  20. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  21. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  22. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
  23. اشكرك اخى الفاضل على مرورك الرائع الذى شرفنى وملا قلبى سرورا تحياتى لك
×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.