اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

khabab

الأعضاء
  • مجموع الأنشطة

    1316
  • تاريخ الانضمام

  • آخر نشاط

كل منشورات العضو khabab

  1. التواضع من أخلاق العلماء معنى تواضع العلماء طالما كانت العزة من شيم العلماء وأخلاقهم، فكان لابد أن يأتي التواضع تاجًا يزين رؤوسهم، وكما أن العزة لا تعني الغرور أو الكبر، فكذلك التواضع لا يعنى التذلل أو التزلف، وإنما يعني أن يُنصف العالِم غيره من نفسه، وأن يقف عند حدود علمه لا يتجاوزه، وألا يتدخل فيما ليس هو من اختصاصه، كما أن منه أن يَعِيَ جيدًا قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، وهذا هو المعني بخلق التواضع عند العلماء. إن العالم المتواضع يدرك أن بضاعته في العلم قليلة مهما زادت، وبسيطة مهما عظمت، وليس أدل على ذلك من موقف واحد من أعظم علماء الأرض، وهو الخضر عليه السلام؛ إذ يُقدِّر علمه بالقياس إلى علم الله تعالى بقولٍ عجيب. لقد جاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة التي كانت تُقِلُّ موسى والخضر عليهما السلام، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: "يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ" [1]!! صور من تواضع العلماء وهذا الشعور الدائم بالقلة والبساطة هو الذي يورث التواضع في القلب. وهو ما عناه الشافعي حين قال: كلَّما أدَّبنــي الـدهــــر *** أراني نقــص عقلي أو أراي ازددتُ علمًا *** زادني علمًا بجهلي! وهو أيضًا ما أدركه الفخر الرازي، إمام علم الكلام والفلسفة والعقيدة في عصره، وصاحب التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) حين قال في أخريات حياته: العلم للرحمن جلَّ جلاله *** وسواه في جهلاته يتغمغمُ ما للتراب وللعلوم وإنما *** يسعى ليعلم أنه لا يعلـــمُ! وذلك الشعور هو ما يدفع العالم الرباني إلى أن يعرف قدر نفسه وقدر غيره، فلا ينتقص من غيره، ولا يتعالى هو عليهم، وفي ذات الوقت لا يزهو بنفسه، ولا يأخذه العجب أو الغرور بما عنده، وما حصله. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يظهر الإسلام حتى يختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله، ثم يظهر قوم يقرؤون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ من أفقه منا؟ من أعلم منا؟ ثم قال لأصحابه: هل في أولئك من خير؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أولئك منكم من هذه الأمة، فأولئك هم وقود النار" [2]. وذلك شأن العلماء المغرورين، والذي إن دلَّ حالهم على شيء فإنما يدل على جهلهم وقلة علمهم؛ إذ لو كانوا يعلمون، لعلموا أنهم ما حصَّلوا كثيرًا، بل ولا قليلاً!! وقد ضرب الإمام مالك بن أنس رحمه الله أروع الأمثلة في تجسيد خلق التواضع عند العلماء؛ فقد روى ابن عبد البر عنه أنه قال: لما حجَّ أبو جعفر المنصور دعاني فدخلتُ عليه فحدثته، وسألني فأجبته فقال: "إني قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها -يعني الموطأ- فينسخ نسخًا ثم أبعث إلى كل مصر (قطر أو بلد) من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدون إلى غيره، ويدعون ما سوى ذلك من هذا العلم المحدَث؛ فإني رأيتُ أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف الناس: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار كل أهل بلد لأنفسهم". فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرتُ به. قال الراوي بعد نهاية القصة: "وهذا غاية في الإنصاف لمن فهم" [3]!! ورُويَ أيضًا عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال لمالك: "ما أعلم أحدًا أعلمَ بالبيوع من أهل مصر. فقال له مالك: وبم ذلك؟ قال: بك. فقال: أنا لا أعرف البيوع فكيف يعرفونها بي" [4]؟! وهكذا يكون العالم المتواضع، وهكذا تكون مواقفه وردود فعله، يروي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" [5]. وفي التحذير من الضد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" [6]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: "وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلى أَنْ تَوَاضَعُوا؛ حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" [7]. [1] البخاري: كتاب الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام (3220)، الترمذي (3149)، وابن حبان (6220). [2] الطبراني في الأوسط 6/221، والبزار (283)، وقال الهيثمي مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجال البزار موثقون. [3] الموطأ - رواية محمد بن الحسن 1/33. [4] ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله (1/533). [5] مسلم: كتاب البر والصلة والأدب، باب استحباب العفو والتواضع (2588)، والترمذي (2029)، وأحمد (8996)، ومالك برواية محمد بن الحسن (1817). [6] مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (91)، والترمذي (1998)، وابن ماجه (59)، وأحمد (3789). [7] مسلم: كتاب الجنة وضفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (2865)، والبيهقي في سننه الكبرى (20872). بقلم الدكتور راغب السرجاني
  2. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ كثيرًا ما يعاني المسلمون من ظلمٍ واعتداء على الحقوق، فيسعى عندئذٍ المظلومون إلى رفع الظلم، وهذا يكون بأكثر من طريقة حسب الظروف التي تمَّ فيها هذا الظلم، وأفضل هذه الطرق بلا جدال هو ما جاء في السُّنَّة النبوية؛ فقد تعرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظلم في مواطن كثيرة من حياته، كما أنه تحدَّث عن مراحل مستقبلية ستمرُّ بها الأُمَّة وتتعرَّض فيها لصور متعدِّدة من الظلم؛ ولكن ينبغي عند الرجوع إلى السيرة النبوية -أو إلى أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم- أن نُطابق بين الظروف التي ظُلِمَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الظروف التي وقع فيها الظلم علينا؛ لنفهم سُنَّته في التعامل مع هذا الظلم؛ لأننا تحت ضغط الظلم -وللأسف الشديد- ننسى كل المعايير، ونأخذ من القرآن والسُّنَّة كلَّ ما جاء عن الظلم فنستخدمه دون فقهٍ ولا دراية؛ فنقع في مخالفات شرعية جسيمة ونحن نتخيَّل أننا متوافقون مع السُّنَّة النبوية. وأخطر هذه المخالفات أن نخلط بين الظلم الواقع من كفار لا يُؤمنون بالله واليوم الآخر وبين الظلم الواقع من المسلمين أنفسهم؛ لأن هناك فروقًا فقهية هائلة بين الحالتين؛ ففي الوقت الذي نجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم يُعْلِن الجهاد -وهو أعلى تصعيدٌ يُمكن أن يُتَّخذ- على دولة قريش الكافرة وزعمائها الكفار أمثال أبي جهل وغيره، فتنتج غزوات ضخمة كبدر وأحد والأحزاب، وتسيل دماء، ويسقط شهداء، في الوقت الذي نجد مثل هذه التضحيات الرائعة نجد -أحيانًا- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته يأمر بالتعامل مع ملف الحاكم المسلم الظالم بطريقة مغايرة تمامًا قد لا يستوعبها على الإطلاق مَنْ نَظَرَ إلى ملفات تعامله مع الكفار فقط؛ وعلى سبيل المثال نذكر حوارًا عجيبًا دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو يُقَدِّم له نصيحة إذا حدث وتعرَّض لظلم فادح من حاكم مسلم! روى مسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ". قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ". فالرسول صلى الله عليه وسلم -الذي نعرف اشتياقه إلى الجهاد- هو الذي يأمر حذيفة رضي الله عنه بالسمع والطاعة للظالم، والفارق أنه مع أبي جهل وقريش يتعامل مع زعيم كافر ودولة كافرة، وفي الموقف الثاني يتعامل مع حاكم مسلم ولو كان لا يهتدي بهديه، ويتعامل مع حكومة مسلمة ولو كان فيها رجال لهم قلوب الشياطين؛ فالظالمون كما يتبيَّن لنا أنواع؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام: 58]، وبين هذين الموقفين -موقف الجهاد الصريح، وموقف السكوت التام- هناك ردود أفعال أخرى كثيرة موصوفة في السُّنَّة النبوية؛ ولكن البحث في القرآن والسُّنَّة عن ردِّ الفعل الأمثل ليس أمرًا سهلاً يمكن أن يفعله عامَّة المسلمين؛ إنما يحتاج إلى قراءة متعمِّقة متفحِّصة مِنْ علماء بالتفسير والسيرة والفقه؛ فقد يستخدم مسلمٌ آيةً أو حديثًا أو موقفًا في غير موضعه بحسن نيَّة، وليس هذا مستغرَبًا فقد حدث من بعض الصحابة أنفسهم؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]". فالظلم هنا يعني الكفر، وكذلك كثير من الآيات التي ذكرت أمر الظلم؛ أما السيرة فالتباين في مواقفها كبير كما وضَّحْتُ؛ وذلك حسب الظرف الذي تمَّ فيه الظلم، وإذا أدركنا ذلك فإننا سنفهم مدى الخطأ الفادح الذي يقع فيه بعض المسلمين بشحن الشباب في قضية قتال وجهاد ونفير وشهادة؛ بينما السُّنَّة تقتضي عكس ذلك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعْلِن الجهاد في حياته إلا على الكفار الصرحاء، وليس هناك استثناء واحد لذلك في سيرته، فناتجُ هذا الشحن سيكون واحدًا من اثنين؛ إمَّا الجهاد في غير موضعه، بكل تبعاته على الأُمَّة، وإمَّا اللجوء إلى تكفير الحاكم والحكومة والأعوان، وكلا الأمرين خطير! ولْنلحظ أننا لا نتحدَّث هنا عن الأحاسيس والمشاعر؛ لأني أعلم أن الشعور بالقهر الناتج عن الظلم قد يكون أشدَّ في بعض المواقف من المسلم الظالم عنه من الكافر؛ ولكننا نتحدَّث عن الأحكام الفقهية، والقواعد الشرعيَّة، التي تُرْضِي اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم. إنني أدعو المسلمين جميعًا -خاصة آخذي القرار في حياتهم- إلى الاهتمام بالعلم الشرعي، وإلى العودة إلى السُّنَّة النبوية، وإذا حدث ووجد مسلمٌ نفسه غير مقتنع بنصيحةٍ قدَّمها له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلْيَتَّهم عقلَه، ولْيُصَحِّح عقيدته، ولْيعلم أن دخول الجنة لن يكون إلا خلفه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]. بقلم الدكتور راغب السرجاني كثيرًا ما يعاني المسلمون من ظلمٍ واعتداء على الحقوق، فيسعى عندئذٍ المظلومون إلى رفع الظلم، وهذا يكون بأكثر من طريقة حسب الظروف التي تمَّ فيها هذا الظلم، وأفضل هذه الطرق بلا جدال هو ما جاء في السُّنَّة النبوية؛ فقد تعرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظلم في مواطن كثيرة من حياته، كما أنه تحدَّث عن مراحل مستقبلية ستمرُّ بها الأُمَّة وتتعرَّض فيها لصور متعدِّدة من الظلم؛ ولكن ينبغي عند الرجوع إلى السيرة النبوية -أو إلى أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم- أن نُطابق بين الظروف التي ظُلِمَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الظروف التي وقع فيها الظلم علينا؛ لنفهم سُنَّته في التعامل مع هذا الظلم؛ لأننا تحت ضغط الظلم -وللأسف الشديد- ننسى كل المعايير، ونأخذ من القرآن والسُّنَّة كلَّ ما جاء عن الظلم فنستخدمه دون فقهٍ ولا دراية؛ فنقع في مخالفات شرعية جسيمة ونحن نتخيَّل أننا متوافقون مع السُّنَّة النبوية. وأخطر هذه المخالفات أن نخلط بين الظلم الواقع من كفار لا يُؤمنون بالله واليوم الآخر وبين الظلم الواقع من المسلمين أنفسهم؛ لأن هناك فروقًا فقهية هائلة بين الحالتين؛ ففي الوقت الذي نجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم يُعْلِن الجهاد -وهو أعلى تصعيدٌ يُمكن أن يُتَّخذ- على دولة قريش الكافرة وزعمائها الكفار أمثال أبي جهل وغيره، فتنتج غزوات ضخمة كبدر وأحد والأحزاب، وتسيل دماء، ويسقط شهداء، في الوقت الذي نجد مثل هذه التضحيات الرائعة نجد -أحيانًا- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته يأمر بالتعامل مع ملف الحاكم المسلم الظالم بطريقة مغايرة تمامًا قد لا يستوعبها على الإطلاق مَنْ نَظَرَ إلى ملفات تعامله مع الكفار فقط؛ وعلى سبيل المثال نذكر حوارًا عجيبًا دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو يُقَدِّم له نصيحة إذا حدث وتعرَّض لظلم فادح من حاكم مسلم! روى مسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ". قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ". فالرسول صلى الله عليه وسلم -الذي نعرف اشتياقه إلى الجهاد- هو الذي يأمر حذيفة رضي الله عنه بالسمع والطاعة للظالم، والفارق أنه مع أبي جهل وقريش يتعامل مع زعيم كافر ودولة كافرة، وفي الموقف الثاني يتعامل مع حاكم مسلم ولو كان لا يهتدي بهديه، ويتعامل مع حكومة مسلمة ولو كان فيها رجال لهم قلوب الشياطين؛ فالظالمون كما يتبيَّن لنا أنواع؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام: 58]، وبين هذين الموقفين -موقف الجهاد الصريح، وموقف السكوت التام- هناك ردود أفعال أخرى كثيرة موصوفة في السُّنَّة النبوية؛ ولكن البحث في القرآن والسُّنَّة عن ردِّ الفعل الأمثل ليس أمرًا سهلاً يمكن أن يفعله عامَّة المسلمين؛ إنما يحتاج إلى قراءة متعمِّقة متفحِّصة مِنْ علماء بالتفسير والسيرة والفقه؛ فقد يستخدم مسلمٌ آيةً أو حديثًا أو موقفًا في غير موضعه بحسن نيَّة، وليس هذا مستغرَبًا فقد حدث من بعض الصحابة أنفسهم؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]". فالظلم هنا يعني الكفر، وكذلك كثير من الآيات التي ذكرت أمر الظلم؛ أما السيرة فالتباين في مواقفها كبير كما وضَّحْتُ؛ وذلك حسب الظرف الذي تمَّ فيه الظلم، وإذا أدركنا ذلك فإننا سنفهم مدى الخطأ الفادح الذي يقع فيه بعض المسلمين بشحن الشباب في قضية قتال وجهاد ونفير وشهادة؛ بينما السُّنَّة تقتضي عكس ذلك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعْلِن الجهاد في حياته إلا على الكفار الصرحاء، وليس هناك استثناء واحد لذلك في سيرته، فناتجُ هذا الشحن سيكون واحدًا من اثنين؛ إمَّا الجهاد في غير موضعه، بكل تبعاته على الأُمَّة، وإمَّا اللجوء إلى تكفير الحاكم والحكومة والأعوان، وكلا الأمرين خطير! ولْنلحظ أننا لا نتحدَّث هنا عن الأحاسيس والمشاعر؛ لأني أعلم أن الشعور بالقهر الناتج عن الظلم قد يكون أشدَّ في بعض المواقف من المسلم الظالم عنه من الكافر؛ ولكننا نتحدَّث عن الأحكام الفقهية، والقواعد الشرعيَّة، التي تُرْضِي اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم. إنني أدعو المسلمين جميعًا -خاصة آخذي القرار في حياتهم- إلى الاهتمام بالعلم الشرعي، وإلى العودة إلى السُّنَّة النبوية، وإذا حدث ووجد مسلمٌ نفسه غير مقتنع بنصيحةٍ قدَّمها له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلْيَتَّهم عقلَه، ولْيُصَحِّح عقيدته، ولْيعلم أن دخول الجنة لن يكون إلا خلفه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]. بقلم الدكتور راغب السرجاني
  3. لــــن تركـــع الأمـــة لحظــــة !! بسم الله الرحمن الرحيم [size=48]لــن تركــع الأمــة لحظــة !![/size] ( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد ) ( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد ) أبحر كما شئت أيها الضلالي في بحور التيه والهلاك فإن ذلك لا يزلزل أعمدة السماء .. ولو تكاتف الأولون والآخرون والإنس والجن في محاربة هذا الدين العظيم فلن يبلغوا مصاف الند لله .. حتى ولو كان بعضهم لبعض ظهيراَ وسنداَ وعضداَ .. ولو أجتمع الأولون والآخرون والإنس والجن أن يكونوا على أفجر قلب رجل واحد فإن ذلك لا ينقص من ملك الله شيئاَ .. ولا يضعف من قوة وجبروت وقهر الله سبحانه وتعالى .. وتلك الحرب الضروسة ضد العقيدة الإسلامية التي تقودها الأعداء والأعوان هي خاسرة في نهاية المطاف .. وتمثل وبالاَ ونكالاَ على تلك الفئة التي أمعنت في حربها بالسر والجهر دون خوف ووجل من غضب الله وسخطه .. فئة تظلم نفسها حين تتمادى في اجتهادها لتبعد الإسلام عن سواحل الحق والصراط المستقيم .. وتظن أن ذلك التمكن والسيطرة على مقاليد المركب تمكنه من الميل بالإسلام والالتفاف به حول جادة والصواب والحق .. وهي فئة تريد ذلك الإسلام الصوري الذي يتخاذل ويتراجع بالقدر الذي يواكب الأهواء والمنافع .. تلك الفئات تريد ذلك الدين أن يصبح مجرد صورة جوفاء تحمل الاسم فقط دون جوهر العقيدة .. دين لا يحمل تبعات التوحيد ولا يلتزم بقواعد العبادة وأحكام السماء .. أعداء وأعوان تكالبوا يريدون ويبتغون إسلاماَ صورياَ يجاري مفاسد الحضارات السائدة اليوم .. يريدون ذلك الإسلام السطحي الذي يجامل ويهادن ويؤازر في شتى أنواع المظاهر والموبقات .. ولكن في النهاية فإن الذي يسعى في إطفاء نور الحق فإنما هو جدل مسقوط ومدحور.. ذلك الجدل المحاط بغضب وسخط الله .. والعلة في فئات تمتطي صهوة المكانة ثم تراوغ وهي تملك زمام الأمور .. تجاري مخططاَ عالمياَ لإضعاف هذه العقيدة السماوية .. ولكن بفضل الله تعالى فإن الأمة الإسلامية لا تجاري تلك المخططات .. وهي لم ولن ترتد قيد أنملة عن النهج القويم الذي جاء به سيد البشر أحمد عليه أفضل الصلاة والتسليم .. ولن تتحول عن ذلك النهج السماوي العالي القويم مهما تعاظمت المؤامرات ومهما تكالب الأعداء والأعوان .. فتلك بيعة تتوالى منذ بيعة الشجرة .. تلك البيعة التي كانت تعلوها يد الله .. ولن تنكس الأمة الصالحة عن تلك البيعة المباركة حتى قيام الساعة بإذن الله .. فالأمة صامدة بالرغم من مظاهر التخاذل التي تفشت فيها بكيد المؤامرات والمخططات .. وفينا هؤلاء الذين تخاذلوا وتراجعوا ليمثلوا الجانب الأسود في مسار الأمة .. هؤلاء الذين أعرضوا ونأوا حين ضحكت لهم الدنيا قليلاَ .. وأبهرتهم مباهج الحياة الزائفة .. يرتجون ذلك الزيف من نعيم الدنيا الفانية .. وغرتهم كثيراَ تلك المكانة التي هم عليها .. والتي يحتلونها في غفلة من حرص الأمة .. كما غرتهم الموالاة الدائمة من أمة تخشى الفتنة الكبرى .. وهم قد مالوا ميلة فاضحة حين تعمدوا وابتعدوا بشعارات الإسلام نحو الهاوية .. يرجون بذلك عرضاَ من هذه الدنيا الزائفة والتي لا تسوى جناح بعوضة عند الله .. ودون حياء أو خجل يبشرون الأمة بإسلام معدل بكل القياسات .. يبشرون بذلك الإسلام الصوري الاسمي الذي لا يحد الحدود ولا يلتقي مع المعبود .. إسلام يجاري أهواء أهل الكتاب والملحدين .. إسلام صوري مجرد ديباجة زائفة لإسكات الجمع الكبير الذي يؤمن بالله حقاَ .. ثم إسلام معدل مفصل مبدل لإرضاء أعداء الدين والعقيدة .. فهؤلاء قد تنازلوا عن حقوق الله ليمجدوا حقوق الأعداء .. يسجدون ويركعون حتى ينالوا كلمة شكر وثناء من أعداء الله والعقيدة .. ولو كانوا يدركون ويعقلون لاجتهدوا في ترضية الله سبحانه وتعالى .. ولكن بإذن الله سوف تندحر تلك المؤامرات ضد الإسلام .. لتكون حسرة وندامة على كل مجتهد عمل ويعمل في تعديل منهج السماء بالقدر الذي يجاري الأهواء .. وتلك حرب بين الحق والباطل قائمة حتى قيام الساعة . المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد ـــــــ الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
  4. سُنَّة صلاة الضحى نِعَمُ الله لا تُحْصى أبدًا؛ فقد قال تعالى في كتابه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل:18]، وعلى المؤمن أن يشكر اللهَ كل يوم على هذه النعم الكثيرة، ولمـَّا كان هذا صعبًا؛ بل مستحيلاً، لكثرة النعم وتعدُّدها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل لنا سُنَّة جميلة تكفينا شكر هذه النعم؛ وهي سُنَّة صلاة الضحى؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى". فما أيسر ذلك من عمل! ولهذه الأهمية القصوى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوصي أصحابه بالحفاظ على هذه الصلاة؛ فهذا أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه يقول -فيما رواه مسلم-: أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: "بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لاَ أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ". وهذا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يقول -فيما رواه مسلم أيضًا-: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ: "بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ". فهي وصية متكرِّرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن نُصَلِّيَ صلاة الضحى من بعد الشروق بعشر دقائق إلى قبل الظهر بعشر دقائق؛ وهي ركعتان، أو أربعة، أو ستة، أو ثمانية، ولا تأخذ إلا دقائق معدودات. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54]. بقلم الدكتور راغب السرجاني
  5. وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ يتوتَّر كثير من الناس إذا تقدَّم لهم أحدٌ بنصيحة! خاصة إذا كانت النصيحة تدعوهم إلى تغيير مسارٍ قضوا فيه فترة من عمرهم، ولو كانت فترة قصيرة؛ لأنهم لا يحبون التغيير بشكل عام، أو يخافون منه، أو يكرهون اكتشاف أنهم كانوا على خطأ طوال هذه الفترة؛ فيدفعهم كل ذلك إلى ردِّ النصيحة؛ بل والهجوم على الناصح، ولو كان أمينًا. والحقُّ أنَّ ردَّ النصيحة خُلُقٌ غير محمود؛ لذلك ذَكَرَه الله عز وجل في صفات القوم المـُهْلَكين، ولقد قال صالح عليه السلام لقومه: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 79]! وقد يدفع هذا السلوك أصحابه إلى شيء عجيب؛ وهو الضغط على الناصح حتى يقول ما يُوافق هوى المنصوح! مع أنهم يَضُرُّون أنفسهم بذلك؛ إذ يحرمون أنفسهم من نور الحقيقة، ولقد حملت لنا كتب السيرة النبوية قصة لطيفة تدلُّنا على هذا المعنى؛ فقد روى ابن إسحاق بسند صحيح -كما قال الألباني- إلى عروة بن الزبير رضي الله عنه قال -وهو يصف رغبة المسلمين في بدر في لقاء القافلة دون الجيش-: فَأَصَابُوا رَاويةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أسْلَمُ غُلاَمُ بَنِي الحجَّاج، وعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلاَمُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالاَ: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ -أي الجيش- بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنَ الْمَاءِ. فَكَرِهَ القومُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لأَبِي سُفْيَانَ -أي القافلة- فَضَرَبُوهُمَا، فَلَمَّا أَذْلَقُوهُمَا قَالاَ: نَحْنُ لأَبِي سُفْيَانَ. فَتَرَكُوهُمَا، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَالَ: "إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاللهِ إنَّهُمَا لِقُرَيْشِ.."! إن الصحابة كانوا يُريدون سماع أنَّ القافلة ما زالت موجودة، فضربوا الغلامين حتى قالا خلاف الحقيقة! وهنا هدأت نفوسهم! هل هذا ما نُريده الآن؟! أيها الأبناء.. درِّبوا أنفسكم على سماع النصيحة، واقبلوا من هذا وذاك نصحه، فإن أعجبكم فبها، وإن كرهتموه رددتموه بأدب، ولا تحرموا أنفسكم من خبرات الآخرين، ولا تحرقوا مراكبكم، ولا تُطلقوا الأحكام على قلوب الناس فإنها سرٌّ بين الله وعباده.. تَفَكَّروا في نصيحة المحبين لكم، واخرجوا من معسكركم المغلق؛ فالخير ليس محدودًا في داخله؛ إنما يعيش في الكون معنا الآلاف ممن ينصحوننا بحبٍّ، ويُريدون لنا الخير بصدق؛ فوَسِّعوا مدارككم، وارصدوا المقدمات والنتائج، وراجعوا النصائح القديمة من هذا وذاك؛ لتعلموا صحَّة طريقكم من عدمه، وإياكم من التكبُّر عن تعديل المسار إن تبيَّن لكم الخطأ فيه.. اعملوا لآخرتكم، ولا يأخذنَّكم الشيطان بعيدًا عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقبول الأعمال لا يكون بالنوايا الحسنة فقط؛ بل لا بُدَّ من موافقة السُّنَّة فيها، ولا تَردُّوا حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتحايلوا عليه، ولا تُطَوِّعوه ليتوافق مع هواكم ورؤيتكم؛ فإن أول الهلكة اتباع الهوى، ولا تُغْلِقوا على أنفسكم منفذًا شرعيًّا جعله الله لكم رحمة بكم؛ فإن التضييق على النفس والناس إثمٌ كبير. ويعلم الله أنَّ عندي ردًّا علميًّا مُوَثَّقًا ومتينًا على كل ما ذكره العلماء، أو كل ما علَّق به أبنائي على الموقع، ولكني لا أريد أن نعيش في جوِّ المناظرات والتشتُّت، ويعلم الله كذلك أني كنتُ أتمنى أن تكون لي معكم في هذه الفترة -أيها الأبناء الفضلاء- كلماتٌ كثيرة أتناول فيها ما أراه صالحًا لزماننا وأحوالنا -على الأقل من وجهة نظري وواقع دراستي للسيرة والتاريخ- ولكن هالني ما رأيتُه من خروجٍ عن آداب الحوار، وأفزعتني حالة الصمم عن سماع النصيحة؛ خاصة من أبنائي الذين هم في أول طريق العلم، ثم الجدل المقيت الذي يقود إلى الشحناء والبغضاء، إضافة إلى حالة الاستنفار التي قادها بعض رجال الدعوة والعلم على صفحات الإنترنت والفضائيات، وعن طريق البيانات والتصريحات، يُهاجمون فيها شخصي، ويتعرَّضون -في غيابي- لاسمي؛ مع أني على مدار ما يقرب من ثلاثين سنة من العمل الدعوي لم أُصَرِّح قطُّ بنقد عالمٍ بعينه، أو داعية بشخصه؛ بل كنتُ أحفظ للجميع -من كافة الاتجاهات- هيبته، وأُوَقِّر للكلِّ ذِكْرَه، ومع أني ذكرتُ رأيًا لي على موقعي، ولم أقتحم موقع أحد، ولم أُهاجم الآراء الأخرى، مع أن الجميع يُشاهد آثارها. فما الذي حدث أيها الأحباب؟ وهل غيرُ مسموحٍ لأحدٍ أن يكون شافعيًّا في زمان أحمد بن حنبل؟ يا قوم؛ إني لكم ناصح أمين! خلاصة الأمر أنَّ هذه الأجواء العجيبة جعلت النصائح -للأسف- نوعًا من العبث وإهدار الطاقات؛ خاصة أنَّ متابعة الجدالات والبيانات والتعدِّيات تصرفني عن أعمال كثيرة مهمَّة أعلم أنها أصلح لآخرتي، فإلى أن يتغيَّر هذا الحال سلام عليكم، وحسبي أني بحثتُ عن رضا الله ولو بسخط الأصدقاء والجماهير؛ قال تعالى: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم:12]. بقلم الدكتور راغب السرجاني
  6. سُنَّة مناجاة الله عند الصباح والمساء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّم أصحابه ألا يكونوا من الغافلين؛ فلا يمرُّ عليهم نصف يومٍ دون مناجاةٍ لله ربِّ العالمين، حتى إن كانت هذه المناجاة قصيرة وسريعة؛ ولكنها في النهاية تربط العبد بربِّه، خاصةً إذا أعلن فيها العبد أنه يُقِرُّ ويعترف أن كل شيء بيد الله عز وجل، وقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ المَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ". ففي هذه المناجاة لا يطلب العبد من الربِّ شيئًا؛ إنما فقط يعترف له أن حياته في الصباح أو المساء، إنما هي بسبب نعمة الله عليه، وأنه سيظل كذلك في نعمة الله إلى حين موته، وهذه المناجاة الخالصة هي العبودية في أرقى صورها، فنحن لا نقوم بفروض الطاعة تفضُّلاً أو منَّة، إنما نفعل ذلك شكرًا وحمدًا؛ قال تعالى: {قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17]، وهذه المناجاة تقال مرَّة واحدة في الصباح، وأخرى في المساء، ولها صيغ مختلفة صحيحة، وما ذكرناه هو إحدى هذه الروايات الصحيحة. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. بقلم د/ راغب السرجاني
  7. فقال تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37} سورة البقرة وهذا أيضاً هود ( عليه السلام ) في دعوته لقومه... فقال تعالى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ {52} سورة هود وهذا صالح ( عليه السلام ) في دعوته لقومه ... قال تعالى على لسانه : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ {61} سورة هود وهذا شعيب ( عليه السلام ) يقول لقومه ... فقال تعالى : { وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ {89} وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ {90} سورة هود وهذا نبي الله موسى ( عليه السلام ) لم يجد الا التوبة ليتخذها مسلكاً ومنهجاً لغفران ربه ورحمته ورضاه ... فقال تعالى على لسانه : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {143} سورة الأعراف والمتعارف عليه اخوتنا الكرام أن مفهوم التوبة مُحدد للعصاة والمذنبين والمرتكبين الاخطاء فقط وأنها ...أي التوبة من فعل المعاصي والأخطاء ... ولا يعلم كثير من الناس أن التوبة هي انواع ... نعم هي انواع مختلفة ...ولكنها كلها تصُب في خانة واحده وهي الرجوع والانابة لله تعالي في أحسن صورة وليتم توضيح ذلك ... حتى تكون توبتنا متكاملة شاملة... فيقولون أهل العلم الفقهي الشرعي أن التوبة ...هي انواع : 1. التوبة الخاصة ... وهي التوبة من ذنوب محددة تم ارتكابها وبعينها ومما داخل في حكمها ونوعها...فيصبح التائب هنا قد تاب من ذنب محدد خاص وأصرّ على بقية الذنوب الأخري .. فمثلاً كما يتوب الزاني عن الزنا بأمراة معينة محددة... ويستمر يزنى بغيرها ... هنا التوبة عن ذنب الزنى غير صحيح وسليم.. أو يتوب ويقلع عن شرب نوع معين من الخمر ويستمر في تعاطي المُسكرات الاخري المُذهبة للعقل.... أو يتوب عن اكل مال اليتيم بالتحديد ويستمر في التعامل بالحرام في تعاملات اخري ... هنا التوبة غير صحيحة وليست مستوفية لشروطها.. لماذا ....؟ لانه قام بتبديل أدوات الفعل ...ولم يبدل أو يتوب عن الفعل نفسه وهو الزني أو شُرب الخمر أو أكل مال اليتم والتعامل بالحرام... 2- التوبة العامة.... وتأتي هذه التوبة للتائب في مايعلم من الذنوب والمعاصي التي ارتكبها...وايضاً في ما لايعلم من ذنوب كان قد ارتكبها وهنا التوبة مقبولة لانها شملت كل الهفوات والاخطاء والمعاصي حتي وأن لم يستطيع التائب أستحضار الذنوب كلها...بمعني يكون قد نسى بعض منها... وبذلك تكون التوبة عامة وشاملة لكل الذنوب والخطايا وأحياناً يتم تذكر واستحضار ذنوب بعينها لانها كبيرة وحديثة الوقوع ويغيب عن ذهن التائب الذنوب الأخري القديمة ...من تقصير ونقص في مجمل العبادات ... وبالتالي التوبة العامة الشاملة تقتضي التوبة والرجوع والانابة لله من كل ماهو سيء ولا يندرج تحت رضى الله سبحانه وتعالي .... ونأتي أخوتنا الكرام للسؤال المطروح حول ما يُتاب منه أي أنواع المعاصي والذنوب التي تندرج تحتها طلب التوبة والأنابة لله ...منها ... 1... التوبة من ترك الواجبات وفعل المحرمات فكثير من الناس يظنون أن التوبة تكون من فعل المحرمات فقط .... والأنسان عند توبته يستحضر ما فعله من المحرمات ...والمعاصي الفعلية ...فقط... وهذا خطا ....لماذا ....؟ لأن ما تركه من المأمور والواجبات التي أوجبها الله عليه من شُعب الأيمان والتوحيد وحقائقه .... أعظم من أرتكاب الأفعال المحرّمة ...لأن تارك الواجبات في صحة الأيمان والتوحيد كان مُخلد في النار....ومن أتى بالأيمان والتوحيد لم يُخلد في النارولو فعل مافعل من أفعال ومعاصي.... ومن لم يأتي بالأيمان وتوحيد الله يُخلد في النار حتي وأن لم يرتكب المحرمات ... مثل ما كان يفعله الزُهّاد والعُبّاد من المشركين فهولاء لايقتلون ولا يزنون ولا يظلمون الناس... ولكن التوحيد الواجب والأيمان بالله تركوه فتم عقابهم على ترك المأمور والواجب ... ومعنى ذلك أن العقاب يأتي ويكون على ترك المأمور تماماً مثل ما يكون العقاب على فعل المحظور... وهنا قال الامام أبن تيمية ( رحمه الله ) وليست التوبة من فعل السيئات فقط، كما يظنُّ كثيرٌ من الجهال، ... لا يتصورون التوبةَ إلا عما يفعله العبدُ من القبائح؛ كالفواحش والمظالم،... بل التوبة مِن ترك الحسنات المأمور بها، أهمُّ من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها، .... فأكثرُ الخلق يتركون كثيرًا مما أمرهم الله به، من أقوال القلوب وأعمالها، وأقوال البدن وأعماله، .... وقد لا يعلمون أن ذلك مما أُمروا به، أو يعلمون الحق ولا يتَّبعونه، فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع،وإما مغضوبًا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته. فالتوبة اخوتنا الكرام من ترك الواجبات وفعل المحرمات وحينما نقول الواجبات ... فنعني بذلك واجبات صحة الأيمان وهي التوحيد والشهادة أن لا اله الا الله محمد رسول الله وما كان في حكمها وأقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت كل هذه الأركان من الواجبات المأمور بها من الله سبحانه وتعالي ...وتركها أو رفضها ...عقابها التخليد في النار حتى وأن كان تاركها كما أسلفنا مثل العُباد والزُهّاد وحتى وأن لم يرتكبوا أفعال مثل ظُلم الناس والزنى والقتل ففعل الأفعال المحرمة يُعاقب عليها الانسان أن لم يتُب منها ....ولا يُخلد في النار... فأمره الى الله ...أن شاء غفر له وأن شاء اخرجه من النار... أما ترك المأمور والواجب من توحيد ... فهذا مُخلد في النار ان لم يتُب ... وللتوضيح أكثر نقول مثلاً أن هناك مُسلم ارتكب معاصي ولم يتب منها ومات ...هنا يُعاقب في النار على معاصية ولكن لا يُخلد فيها لانه ارتكتب افعال مُحرمة ومظالم ولكنه لم يكفر بالله ولم يترك المامور والواجب... من شٌعب الأيمان وحقائقه وهنا يخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن عدم خلود من كان في قلبه مثقال ذرة من أيمان روى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ . قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ ). والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .قال الإمام الترمذي رحمه الله عقب إيراد الحديث : و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، وأضاف العلماء في الشرح وبيان أن المسلم الذي لم يكفر ...وهو مُرتكب للذنوب والمعاصي لا يُخلد في النار ....والحديث الذي يقول : لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فهذا ثابت أيضا ، لكنه محمول عند أهل العلم على أنه : لا يدخلها دخول الكفار ، أي لا يخلد فيها ، مع أنه قد يدخلها ، جمعا بين هذا وبين النصوص الكثيرة التي تدل على أن من عصاة المؤمنين من يدخل النار مع وجود الإيمان في قلوبهم ، ثم يخرجون منها بالشفاعة وبغيرها..... 2 ... ما يُتاب منه .....هو التوبة من الحسنات ؟!!!!!! لعلكم أخوتنا الكرام تستغربون كيف يتوب الانسان المسلم من الحسنات ...؟ نعم ...يتوب الأنسان من حسناته منها: أ. أن يتوب ويستغفر من تقصيره في فعل الحسنات ويتم تعويض النقص بالكمال والكُثرة والأستمرارية... فهناك من يشعر أن حسناته قليلة وغير مستديمة وليس فيها استمرارية وفيها انقطاع ...وعدم الوصول لرضي الله الكامل فيتوب على تقصيره على فعل الحسنات القليلة ويجتهد للأكثار منها .... ب . ان يتوب الأنسان من أعجابه بنفسه اثناء فعل الحسنات وشعوره أنه يرأئي الناس في فعل الخير وأن كل هذه الأفعال الحسنة حصلت بقوته وقدرته ... وينسي فضل الله وأحسانه عليه وعلى فعل الطيبات أي يرد كل عمل صالح هو من اجتهاده وليس من تيسير الله له وهذه التوبة تأتي لألجام وكبح شهوات النفس من عُجب ورياء وتظاهر بفعل الحسنات .... فنلاحظ أن أهل العزائم والتقوى والصلاح يستغفرون كثيراً ويتوبون الى الله مخافة أن ينزلق عملهم وحسناتهم الي مهاوي الأفتتان والعُجب والرياء ... من أن ما حصل لهم هو من قدرتهم وليس من قدرة الله وتيسيره ودعمه لهم .... جــ .... ما يُتاب منه هو الظن أن مايفعله العبد من الحسنات وهو غير ذلك ...أما بجهل او عدم معرفة ..بدون علم ومنها الأبتداع في الدين ...فنري بعض الناس من يبتدع في الدين وهو يظن أنه يفعل الحسنات وهذا الأمر وجب التوبة منه... مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح عن عبدالله بن مسعود : أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاكم و محدَثاتُ الأمورِ ، فإنَّ شرَّ الأمورِ محدثاتُها ، و إنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٍ و إنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وهذا الحديث يعني تحذير الأمة من أتباع الأمور المُحدثة مما لا أصل في الشريعة يدل عليه ... هذه الأمور وجب التوبة منها .... أخوتنا الكرام نتوقف هنا ونواصل بأذن الله تعالى في الجزء ( 3 ) والأخير لشرح ومحاولة فهم الشروط الواجب اتخاذها والعمل عليها لتُقبل التوبة والأنابة لله ... جعل اللهم عملنا خالصاً لوجهه الكريم وجعل توبتنا وأنابتنا لله مقبولة لا تشوبها شائبة تُفسدها .... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخيكم...اندبها
  8. سُنَّة كفالة اليتيم ما أسوأ المجتمع الذي لا يشعر بالواجب تجاه الأطفال الذين فقدوا آباءهم! وما أتعس هذا المجتمع عندما ينمو هؤلاء الأطفال دون رعاية واهتمام! فيخرج منهم المجرم والخارج عن القانون، وهذا ليس من الإسلام في شيء، وكان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحثَّ المجتمع على رعاية وكفالة مَنْ فقدوا كفيلهم، وبَشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الذي يكفل اليتيم يصل إلى درجة في الجنة لا يصل إليها عامَّة المؤمنين؛ فقد روى البخاري عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. وهذه الدرجة العظيمة ليست فقط لحماية اليتيم، ولكن لحماية المجتمع كله، وما ظاهرة أطفال الشوارع بكل مخاطرهم إلا صورة من صور إهمال المجتمع لليتامى؛ لهذا كانت هذه القيمة الكبرى لكفالة اليتيم، فلنبدأ بمَنْ حولنا من اليتامى من الأقارب والجيران والمعارف، وليس بالضرورة أن تكون كفالتنا كاملة؛ بل يمكن أن يشترك المجموعة في كفالة يتيم إذا تطلَّب الأمر، فإذا لم نجد هؤلاء اليتامى حولنا فلنساهم في دور كفالة الأيتام، وما أكثرها! وما أحوجها! وبهذه الهمَّة سيأتي يوم بإذن الله لا نجد فيه يتيمًا بلا مأوى. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. بقلم د/ راغب السرجاني
  9. سُنَّة عدم الحلق والتقليم لمن يُضَحِّي من أعظم القربات إلى الله أن يذبح المؤمنُ القادرُ أضحيةً في عيد الأضحى، فمَنْ أراد أن يفعل ذلك فعليه أن يلتزم بسُنَّةٍ نبويةٍ خاصةٍ بالمـُضحِّين فقط؛ وهي سُنَّة الامتناع عن حلق الشعر، أو تقليم الأظافر، وذلك من أول ليالي شهر ذي الحجة، فقد روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ". وفي رواية أخرى قَالَ: "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلاَ يَأْخُذَنَّ شَعْرًا، وَلاَ يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا". فهذه سُنَّة لا ينبغي أن يفعلها عموم المسلمين؛ إنما هي فقط على مَنْ أراد أن يُضَحِّي، وفيها شيء من التَّشَبُّه بالحُجَّاج حين يبدءون إحرامهم، فيمتنعون عن الحلق وتقليم الأظافر، وهذا الامتناع يكون من أولى لحظات رؤية الهلال وإلى وقت الذبح، وهذه السُّنَّة تجعل المـُضَحِّي يعيش في أجواء التقشُّف التي يعيشها الحاجُّ؛ وبالتالي يكون على العبادة أقدر، ومن الله أقرب، ويكون قد حقَّق أجر اتباع السُّنَّة، بالإضافة إلى أجر الأضحية، فضلاً عن أن تَغَيُّر حاله قد يلفت أنظار المعارف والأهل والجيران، فيعرفون عزمه على الأضحية، وقد يُحَرِّك ذلك عواطفهم إلى تقليده، فيتحمَّس للأضحية مَنْ كسل عنها. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. بقلم د/ راغب السرجاني
  10. يعجز العقل أن يتخيَّل عظمة هذه اللحظات الخالدة في عمق الليل، التي يتنزَّل فيها ربُّ السموات والأرض إلى السماء الدنيا يُخاطب عباده! فقد روى البخاري ومسلم -واللفظ لمسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟". وفي هذه الأجواء الطاهرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب قدميه قائمًا لله عز وجل يُصَلِّي صلاة التهجد، وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه يستفتح هذه الصلاة بدعاء خاشع يُناجي به ربَّه مناجاة العبد المحتاج، والذي يبحث عن الإجابة والعطاء والمغفرة؛ فقد روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ". فلنحرص على صلاة التهجد في هذا الوقت الشريف، ولنبدأ تهجُّدنا بهذه المناجاة الخاشعة. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. بقلم د/ راغب السرجاني
  11. يحكي الدكتور راغب السرجاني قصة توبة الصحابي الجليل أبي لبابة رضي الله تعالى عنه، ومن ثم استخلاص الفوائد والعبر منها .. ‫قصة توبة أبو لبابة - د. راغب السرجاني‬â€ژ - YouTube
  12. سُنَّة التكبير في الأيام العشر مع أن كل الأعمال الصالحة مطلوبة في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة؛ فإن الذِّكْر له أهمية خاصة؛ فقد روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: "يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا". وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ. فهذه رواية البخاري قد ذكرت أن ابن عباس رضي الله عنهما قد فسَّر الأيام المعلومات بأنها الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، وفسَّر الأيام المعدودات بأنها أيام التشريق، وكان العمل الرئيس الذي طلبه الله من عباده في هذه الأيام، المعلومات والمعدودات، هو الذِّكْر؛ فقال في المعلومات: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وقال في المعدودات: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وفي تطبيق عملي لهذا التفسير ذكر البخاري في روايته أن الصحابيين الجليلين ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق فيُكَبِّران، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا، فاختارا التكبير تحديدًا ليَحُثَّا الناس عليه في هذه الأيام، ولن يفعلا ذلك إلا لعلمهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، فصارت هذه سُنَّة نبوية مهمَّة في هذه الأيام، وإن كان ذِكْر الله بشكل عامٍّ أمرًا مطلوبًا في هذا التوقيت لعموم الآيات التي ذكرناها، وقد وردت رواية صحيحة تُوَسِّع دائرة أنواع الذكر في الأيام العشر؛ فقد روى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ". فلنحرص في هذه الأيام على هذه السُّنَّة المباركة. ولا ننسَ شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. بقلم د/ راغب السرجاني
  13. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمَْ يتهيأ في هذه الأيام الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لشد الرحال إلى البيت العتيق، ويستعدون لتلبية نداء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمَْ} [إبراهيم:37]. إنه الشوق والحنين إلى بيت الله الحرام، ذلك البيت المبارك الذي نؤمه كل يوم وليلة خمس مرات، وتتصل قلوبنا به عند كل صلاة، وتحن إليه أفئدتنا، وتهفوا إليه مشاعرنا وأحاسيسنا. هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله، وأول مسجد أقيم لإقامة الصلاة، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:96-97]. فوصفه الله سبحانه وتعالى بأنه بيت مبارك، وأنه هدى للعالمين، وأنَّ فيه آيات بينات، وأن من دخله كان آمناً. يقول أبو ذر رضي الله عنه: يا رسول الله، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً" [البخاري ومسلم]. إنَّ الكعبة ما فضلت لجمال جدرانها، أو فخامة كسوتها وثمنية بابها وميزابها، وإنما فضلت لموضعها، فقد جعل الله موضعها مباركًا، وفضله على غيره من البقاع، وشرع فيه عبادات خاصة كالطواف وتقبيل الحجر الأسود. إنها بيت شامخ، وصرح عالٍ، وبناء رافع البنيان، ثابت الأركان، في حفظ من الله وأمان، رفع قواعدها خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. هناك في مكة حَجَّ الأنبياء، وصلَّى إمام الحنفاء، من مكة شعَّ نور الهدى، وانطلقت رسالة التوحيد حتى عمَّت أرجاء الأرض وغيرت العالم، وأرست أجمل وأعظم حضارة عرفها التاريخ .. مكة مركز العالم ورمز وحدة المسلمين ومصدر النور للعالمين.. أفضل البقاع عند الله وأحب البقاع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. مكة المكرمة (أم القرى) بها ميلاد أشرف الورى، وعلى رباها نشأ وترعرع، وفي أرجائها مشى وما تضعضع، نصف قرنٍ من الزمان شهدت حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة؛ فأيُّ شرفٍ يعلو هذا الشرف. في مكة نزل جبريل عليه السلام بالوحي، وصدع النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد من جبل الصفا، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام الكعبة ليقرر مبادئ الدين العُظمى، ويرسم نهج الإنسانية الأرقى، والذي عجزت عن تحقيقه كل حضارات البشر إلى يومنا هذا. كم اشتاقت لبطحاء مكة النفوس، وهفت لرباها القلوب، وكم باكٍ شوقًا وتوقًا، وكم متحسِّرٍ يتمنى رؤية وادي محسر.. يتمنى المبيت ليلةً بمنى أو الوقوف ساعةً بعرفة أو المشاركة في ليلة مزدلفة والمزاحمة عند الجمرات.. أو الطواف بالبيت وسكب العَبَرَات، يتمنى هذه المواطن حيث تسيل العَبَرَات وتنزل الرحمات وتُقَالُ العثرات وتُستجَاب الدعوات.. بقلم أ/ هشام عبد المنعم
  14. ؤ من الأخلاق التي لابد أن يتصف بها العلماء الرحمة، فكثيرًا ما يضع العالِم حواجز كثيرة بينه وبين عموم الناس إذا لم يكن متصفًا بهذا الخلق العظيم: خلق الرحمة. الرحمة لدى العلماء ضرورة الناس عادةً تنفر من الإنسان غليظ الطباع، قاسي المشاعر؛ ولذلك قد يحوي عقل العالِم علمًا هائلاً لكنه لا يستطيع أن يُفيد الخلق به؛ لأنَّ قلبه ما حوى رحمةً ولا شفقة!! لذلك على العالم أن يتعلَّم الرحمة تمامًا كما يتعلَّم العلم، ويباشر هذه الرحمة مع عباد الله تمامًا كما يباشر تجاربه وقواعده وأصوله العلمية. ومن هنا نفهم لماذا قدّم الله عز وجل صفة الرحمة عنده سبحانه وتعالى على صفة العلم؛ فقال: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]. فالملائكة يصفونه سبحانه بأنه وسع كل شيء رحمة وعلما، وقد قدموا قبل طلبهم وسؤالهم ودعائهم سبحانه للذين آمنوا -قدموا قبل ذلك رحمته تعالى ولم يقدموا علمه- في صورة إنما توحي باستئناسهم وارتياحهم وحاجتهم لهذه الرحمة أولًا. بل إنه سبحانه قال يصف العبد الصالح الذي وُصِفَ بالعلم، والذي أرسل إليه موسى عليه السلام كي يتعلم منه: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 65، 66]. فقد رزقه الله الرحمة أولاً وزوده بها، وذلك كي ييسر له التعامل مع الناس، ثم علَّمه عليه السلام من علمه بعد ذلك. وهذا بعينه ما بدا واضحًا في بقية أحداث القصة في الآيات التي جاءت بعد ذلك، وكيف عامل العبد الصالح موسى عليه السلام، وكيف صبر على أسئلته التي أثارها رغم تعهداته. رسول الله المعلم الرحيم ومن أوضح الأمثلة العملية على ذلك، ما جسده رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في حياته، فكان نعم المعلِّم هو ونعم المربي هو، ونعم القدوة هو صلى الله عليه وسلم. وانظر إلى تجسيد الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لهذه الرحمة في التعليم، وذلك حين يصف سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؛ فيقول: "بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ"، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلي! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ. قَالَ: فَلَا تَأْتِهِمْ. قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ. قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ.." [1]. ولعلنا نلحظ بوضوح في هذا الموقف أن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمرَّ هكذا دون أن يلتفت إليها معاوية رضي الله عنه أو ينتبه إليها، لقد علَّق عليها، وذكر أنها من أجلِّ صفات المعلِّم وأحسنها، ثم لعلَّنا نلحظ أيضًا أن هذه الرحمة هي التي شجعت معاوية على أن يتقدم بأسئلة أخرى ليستفيد ويستزيد، ولو كان أسلوب المعلِّم غليظًا لامتنع السائل خشية التعرُّض للغلظة أو القسوة. وإنَّ العجب بعد ذلك أن تجد علماء يستعملون هذه الغلظة في معاملتهم ودعوتهم، الأمر الذي ينفر الناس منهم، ويصدهم عن دعوتهم، فضلا عن الاقتداء بهم. وقد حدث قريب من هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له معه موقف، فقد روى أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي -وَاللَّهِ - لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا! قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ" [2]. وإن مثل ذلك الخلق يتطلبه المعلِّم في كل مكان وكل مجال، فيتطلبه الأب في البيت، والمدرس في المدرسة، والأستاذ في الجامعة، والطبيب في المستشفى أو العيادة، ويتطلبه بصفة خاصة الداعية والمربي في كل أحواله ومقاماته. [1] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة (537)، والنسائي (1218)، وأبو داود (930)، وأحمد (23813). [2] البخاري: كتاب الجماعة والإمامة، باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود (670)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (466)، والدارمي (1259)، وابن خزيمة (1605)، وابن حبان (2137)، والطبراني في الكبير (560)، وابن أبي شيبة (4657). بقلم الدكتور راغب السرجاني
  15. سُنَّة دعاء ركوب الدابة يُعَلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نذكر اللهَ في كل أحوالنا؛ ومن ذلك أنه كان يذكره عند ركوبه للدابَّة، وله في ذلك سُنَّة معلومة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا، أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ". ثَلاَثًا، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ". ثُمَّ قَالَ: "{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14]"، ثُمَّ قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ". ثَلاَثًا، "اللَّهُ أَكْبَرُ". ثَلاَثًا، "سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ". ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ". فهذه سُنَّة جميلة نذكر فيها الله بأذكار كثيرة، كما ندعوه فيها دعاءً يعجب منه سبحانه! فما أسهل هذه السُّنَّة وأعظمها! وما أجمل أن نحافظ عليها عند ركوبنا للسيارات، أو الطائرات، أو المصاعد الكهربائية، أو الدواب، أو غير ذلك من وسائل الانتقال! ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54]. بقلم الدكتور راغب السرجاني
  16. منحنى بناء أمة الإسلام منحنى بناء أمة الإسلام، وصف افتراضي وضعه الدكتور راغب السرجاني يؤصل من خلاله لمراحل البناء التي تمر على أمة الإسلام حتى يكتمل البنيان مع توضيح في أي المراحل نعيش الأمة حاليًا.
  17. الزهد في الدنيا من أخلاق العلماء يأتي الزهد في الدنيا نتيجة طبيعية وحتمية للإخلاص عند العلماء؛ فإذا لم يكن العالم مخلصًا في علمه لله تعالى، متجردًا فيه عن إغراءات الدنيا وزخارفها، لن يكون بإمكانه تحقيق خُلق وفضيلة الزهد فيها، وما لم يحقق الزهد فيها فلن يكون علمه خالصًا لوجه الله تعالى. ضرورة التخلق بالزهد وأعني فيما أعني هنا، ألا نطلب الدنيا بعلمنا .. وهذه حقيقة يقع فيها الكثيرون، وخاصة وأن أغلب العلوم الآن -وبالأخص العلوم الحياتية- تعد من مصادر الدخل الأساسية للفرد، وقد يكثر المال بسبب التفوق في هذه العلوم، فيفتن به وينسى قضيته، وتتبدل نيته !! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" [1]. أمرٌ جد خطير أن نسعى لتحصيل العلم ونتعلم -أيًّا كانت العلوم- من أجل المال، وأخطر منه أن يفتح الله تعالى أبواب الرزق الواسعة على العالم فتنة له، فيقع فيها، فتراه لا يعد يصرف علمه إلا في الوجه الذي يأتي فقط بمال !! وهذه -وللأسف- حقيقة مشاهدة، ومن دعاة في الدين وعلماء !! فقد كان أحد من أعرفهم إمامًا في مسجد في دولة غربية، وكان يأخذ راتبًا على هذه الإمامة، ولما انفصم العقد الذي كان بينه وبين إدارة المسجد، وجدته وقد قرَّر أن يظل بالبلد يعمل بأي عمل آخر ولو كان بعيدًا تمامًا عن مجال الدعوة والدين، فالمهم عنده هو الاستمرار في تحصيل المال والثروة. ورغم أن بيته كان قريبًا من المسجد الذي كان يعمل إمامًا له، إلا أنه لم يعدْ يأتي إلى الصلاة، لقد ذهب الراتب، فذهبت الدعوة، بل وذهبت صلاة الجماعة !! أما الغريب، فهو أن هذا الشيخ بعينه هو الذي قصَّ عليَّ قبل ذلك -متندرًا أحوال العلماء والدعاة الذين يقومون بمثل ذلك، فحكى لي في أسًى -أن أحدهم- وكان إمامًا أيضًا- إذا جاء يوم إجازة الأسبوع، كان لا ينزل إلى المسجد يُصلِّي، رغم أن بيته فوق المسجد تمامًا !! وقد مرَّت الأيام، ووقع هو فيما وقع فيه صاحبه، والمؤمن لا يأمن على نفسه الفتنة أبدًا، ونسأل الله الثبات. ومثل هذه الصورة نراها أيضًا في غير أئمة المساجد، فحين كنت في الأردن وجدت من يشكو إلى أن إحدى الإذاعات طلبت من أحد الدعاة البارزين أن يلقي حديثًا فيها، لتعليم الناس ونشر العلم وغيره، فوافق على أن يُدفع له أولاً مبلغٌ وقدره كذا !! لقد أُتيحت له الفرصة لنشر العلم، والدعوة إلى الخير، والقيام بمهمة الأنبياء، وتهيأت له الأسباب لتبليغ الجمع الغفير، إلا أنه غلبته الدنيا، فصار يعمل ويُعلِّم لأجلها، ولم يعد بحسبانه نفع الأمة، أو العمل على نهضتها، أو المشاركة في حل أزماتها، فوق أنه أصلاً قد حُرم أجر هذه المهمة؛ كون ما طلبه من مالٍ وأجر لم يكن بمقدورهم !! الأنبياء والزهد في الدنيا إننا إزاء هذه الأزمات والفتن لابد أن نعود إلى الأصول، وأن نقف وقفات طويلة أمام القدوات الحقيقية في هذا الشأن، ألا وهم الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، فهم القدوة في الدعوة، وهم القدوة في العلم. إننا حين نراجع قصصهم في القرآن الكريم، نجد أنهم في دعوتهم وعلمهم دائمًا ما يقرنون ذلك بقولهم: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]. وقولهم: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [هود: 29]. وقولهم: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} [هود: 51]. وقولهم: {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57]. وقولهم: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109]. وهذه الآية الأخيرة تكررت في سورة الشعراء على لسان خمسة أنبياء، وهم: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، على الترتيب !! بل إن الله تعالى قد خص نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجرًا تعطونيه من عرض الحياة الدنيا، {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أي: وما أزيد على ما أرسلني الله به، ولا أبتغي زيادة عليه، بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه، وإنما أبتغي بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة [2]. وعليه فإن ربط العالم علمه، أو ربط دعوته بالمال، فهو ليس على الطريق السويِّ، وأن علمه هذا ودعوته تلك يصبحان وبالاً عليه يوم القيامة. حقيقة فقهها ابن الهيثم وقد جاء أن أحد الأمراء قصد ابن الهيثم ليتعلَّم عليه، فخشي أن يضيع وقته معه سدى، فأراد أن يختبر حبه للعلم فطلب منه أن يدفع مائة دينار في كل شهر، فبذل الأمير المال وبعد أن تعلَّم على ابن الهيثم ثلاث سنين وأراد الانصراف، صحبه الأستاذ العظيم مودِّعًا ومعه كل ما أخذه من المال، وكان قد حفظه له فأعطاه إياه، وقال له: "أنت أحوج لهذا المال مني عند عودتك إلى بلادك، وإني قد جرَّبتك بهذه الأجرة، فلمّا علمتُ أنه لا خطر ولا موقع للمال عندك في طلب العلم بذلت مجهودي في تعليمك وإرشادك، واعلم أنه لا أجرة ولا رشوة ولا هدية في إقامة الخير". هل لا يمكن الجمع بين العلم والدنيا ؟ وقد يتساءل أحدهم: هل لا يمكن الجمع بين العلم والدنيا ؟ أو بمعنى آخر: هل يظل محكومًا على العلماء بالفقر ؟! والحقيقة أن هذه القضية ليست معضلة، وهي ليست في حسبان العلماء الحقيقيين بالمرة؛ إذ أنهم يدركون جيدًا أن ما كان من رزقهم فلن يفوتهم، وهم يعلمون أن الرزق يطلب الإنسان كما يطلبه الإنسان تمامًا، فكلاهما يبحث عن الآخر، وهكذا فما قُدِّر لنا من رزق لا يمكن الزيادة عليه، تمامًا كما لا يمكن الانتقاص منه، بعز عزيز أو بذل ذليل. ومن ثم فإن العالم يطلب العلم ويتعلمه وينشره، وقد يكون ذلك العلم هو مصدر رزقه، فإذا جاءه من وراء ذلك مال وفير، كان ذلك نعمة من الله تعالى تستحق الشكر والامتنان، فضلاً عن تأدية حقه، وإذا جاءه قليل، صبر وحمد الله، واحتسب الأجر عنده، فلا يشغل باله بهذه القضية إطلاقًا. لكن أن يصرف حياته، ويكرس علمه وعمله لأجل الدنيا وجمع المال، ويكون ذلك مقصده وديدنه، فهذا غير ممكن لمن أراد أن يكون عالمًا ربانيًّا يبغي الأجر عند الله، ويقتفي أثر الأنبياء، قدوته عليهم السلام. إن الدنيا إذا أصبحت هدفًا، فلا شك أن الفتنة عظيمة .. والشيطان يوهم الإنسان أحيانًا أنه يجب أن يمتلك الدنيا لينفقها في سبيل الله، فإذا جاءت الدنيا فُتن فيها الإنسان على الأغلب، إلا ما رحم الله وقليل ما هم. كيف نتعامل مع الدنيا والمال ؟ إننا يجب أن نراجع مناهج سلفنا وعلمائنا لنعرف الطريقة المثلى في التعامل مع قضية الدنيا والمال. فهدف عثمان بن عفان أو أبي بكر الصديق، أو عبد الرحمن بن عوف، أو طلحة بن عبيد الله، أو سعد بن عبادة، أو غيرهم من أغنياء الصحابة رضوان الله عليهم، لم يكن أبدًا جمع المال ثم إنفاقه في سبيل الله، وإنما جاءهم المال بعمل لم يستنزف كل أوقاتهم وغالب حياتهم، فأنفقوه في سبيل الله، وكان منهم من تخلَّى عن ماله وتركه بالكلية من أجل الدعوة والرسالة !! يقول يونس بن ميسرة: "ليس الزهد بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة -إذا أصبت بها- أرغب منك فيها لو لم تصبك" [3]. ثم إنك لا تضمن أبدًا أنه إذا أتتك الدنيا وجاءك المال الوفير ألا تُفتن به، وكيف تضمن أن تراعي فيه حق الله، فضلاً على أن تنفقه كله أو بعضه في سبيل الله ؟! وما أكثر من وقع في ذلك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرًا في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا .. " [4]. وفضلاً عن الزهد في الدنيا، فإن على العالم ومن يسلك طريق العلم أن يترفع عن الدنايا، ويتحرز عن الشبهات والمكروهات. يقول الشافعي رحمه الله: أَمَــتُّ مطامعي فأرحت نفسي *** فإن النفس ما طَمِعَت تهـون وأحييتُ القنــوعَ وكان ميتًا *** ففي إحيائه عِرْضٌ مَصـــون وليس معنى هذا أن ينعزل العلماء عن الدنيا، ويتركوا الاختراع والابتكار الذي يأتي بصورة طبيعية بمال أو ثروة؛ فإننا نُريد سبقًا في العلوم، وامتلاكًا للقدرات العلمية والعسكرية والحضارية التي تكفل لأمتنا مكانة سابقة في العالمين، لكن المقصود هو هدف العلماء وغايتهم: أهو تقدم الأمة ورفعتها، أم هو المال وبريقه ؟! إن القضية ليست قضية هامشية في حياة العلماء .. فالثروة الحقيقية التي يمتلكها العالِم تكمن في عقله وفي فكره، ولا يجب أبدًا للعالم أن يهبط بثروته هذه إلى سفاسف الدنيا ومغريات العوام .. فليس سهلاً أن تكون قائدًا وقدوة، وليس يسيرًا أن تكون وارثًا للأنبياء !! [1] البخاري: كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرًا (3791)، ومسلم: في أوائل كتاب الزهد والرقائق (2961) والترمذي (2462)، وابن ماجه (3997)، وأحمد (17273). [2] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/57. [3] ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم 1/289. [4] مسلم: كتاب التوبة والدعاء والذكر والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة (2742)، والترمذي (2191)، والحاكم (8543).
  18. سبعة يظلهم الله في ظلّه سبعة يظلهم الله في ظلّه "بحث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم" « سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله » إعداد : أمجاد غنيم القويعاني البلوي . روان عبد الله التويجري . تحت إشراف الاستاذة: سميرة الفيفي . « سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين ) أخرجه البخاري ومسلم: التعريف بالراوي : هو الصحابي الجليل ، سيد الحفاظ الأثبات ، أبو هريرة رضي الله عنه ، اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة ، أرجحها أنه : عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، أسلم عام خيبر ، أول سنة سبع . قال الذهبي : ( حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، لم يلحق في كثرته ) ولم يرو أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منه ، لملازمته له ، فقد بلغت مروياته 5374 حديثاً . روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة ؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم لصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا . وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة أعي حين ينسون ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه : إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول ، فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري ، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء( ) توفي أبو هريرة رضي الله عنه سنة سبع وخمسين للهجرة( المقدمة : يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه في يوم القيامة يوم العرض على الله عندما تدنوا الشمس من الرؤوس ويبلغ الكرب من النفوس مبلغاً لا يعلمه إلا الله فلا ظل ولا شجر ولا شئ يقي من حر الشمس الدانية من الرؤوس ...حينها يتنزل الله نزولاً يليق بجلاله، على عرشه، ويحمل عرشه ثمانية من الملائكة، وهو مستو على عرشه، استواء يليق بجلاله ..فإذا تنزّل، نادى بصوت يسمعه من قرُب كما يسمعه من بعد ويقول عز وجل كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (أنا الملك أين ملوك الأرض ) ويقول عز وجل كما جاء في حديث آخر (لمن الملك اليوم ؟لمن الملك اليوم ؟ )فيجيب نفسه بنفسه فيقول: (لله الواحد القهار) حديث صحيح ..في ذلك الموقف العظيم الذي يجتمع فيه الأولين والآخرين لا ظل إلا ظل عرش الله وهناك مجموعه من الناس اختصهم الله بالاستظلال بظل العرش فمن هم هؤلاء ؟؟هؤلاء هم من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق وهم سبعة أصناف ... "من هم السبعة المذكورين بالحديث؟" أولهم: إمام عادل وهو من عدل في رعيته وحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله سواء كان أمير عامة أو أمير خاصة كما يقول ابن تيمية ..حتى أن بعض أهل العلم يقول: من عدل بين طالبين فهو إمام عادل فإذا قام الأستاذ بامتحان طالبين فعدل بينهما فهو من هؤلاء السبعة ..إذن فالإمام العادل يكون في أي مكان في البيت وفي المدرسة وفي العمل .... الثاني : شاب نشأ في عبادة الله.. فلا يعرف إلا القرآن ولا يعرف إلا ذكر الله تعالى ، وقد خص الشاب بالذكر لأنه مظنة غلبة الهوى والشهوة والطيش فكانت ملازمته للعبادة مع وجود الصوارف أرفع درجة من ملازمة غيره لها ..كان أيوب السختياني، في العشرين من عمره إذا خرج إلى السوق نظر الناس إلى وجهه، فتركوا بضائعهم وقاموا على أرجلهم يقولون: لا إله إلا الله، حتى يقول الحسن البصري إذا رأى أيوب السختياني: هذا سيد شباب البصرة، وإني لأظنه من أهل الجنة .كان لا يعرف إلا الله عز وجل .فكان من بيته إلى مسجده ..يقرأ الحديث على الناس فتغلبه دموعه فيغطي أنفه ويقول :ما أشد الزكام !ليظهر أنه مزكوم وكان كما يقول الإمام مالك: ما ظننت أن في أهل العراق خيراً، حتى رأيت أيوب بن أبي تيميه.. الثالث : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. أي كان اجتماعهما بسبب المحبة في الله تعالى لا لمصلحة دنيوية لا لتجارة ولا لمكسب ولا لواسطة أو منفعة ثم تفرقا عليه أي فارق أحدهما صاحبه لأي سبب كسفر أو موت وهما لا يزالان متحابان في الله ...وفي الحديث (أن رجلاً خرج من قرية إلى قرية يزور أخاً له في الله، فأرصد الله على مدرجته ملكاً من الملائكة، فلما مر الرجل قال له الملك: أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في الله . قال :هل له من نعمة عليك تربُّها ؟ قال :لا غير أني أحببته في الله . فقال : فأنا رسول الله إليك (يعني ملكاً أرسله الله ) بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) أخرجه مسلم وأحمد ولذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتجالسين فيّ ) حديث صحيح . جل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه وهذا دليل الإخلاص فذكره لله خاليا أي لا يكون عنده أحد فيكون أبعد عن الشبهة وعن الرياء والسمعة. وذكر الله لا يلزم أن يكون تسبيحاً وتكبيراً و تحميداً وتهليلاً في الخلوة ولكن يقول بعض أهل العلم : من رأى مبتلى فدمعت عيناه فهو من الذاكرين الله لأن من المبتلين إذا رآهم المؤمن تدمع عيناه لأنه يذكر نعمة الله عليه فهذا كأنه ذكر الله بلسانه .. وكذلك قد تدمع عينه في الخلوة حينما يتذكر ذنوبه وخطاياه .. يقول ابن القيم : قال تقي الدين بن شطير : خرجت يوماً من الأيام وراء ابن تيمية، فمضى شيخ الإسلام في طريقه بحيث أراه ولا يراني قال : فانتهى إلى مكان فرأيته وقد رفع طرفه إلى السماء وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ثم بكى ثم قال : وأخرج من بين البيوت لعلني ............أحدث عنك النفس بالسر خالياً لخامس : رجل قلبه معلّق بالمساجد فالمساجد بيوت الله ومكان آداء العبادات المفروضة وميدان العلم والتعلم فالمتعلق بالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات وقريب من الله تعالى فيصفو قلبه وتنجلي همومه وأكداره ويعيش في روضة من رياض الجنة وبذلك تكفر سيئاته وتكثر حسناته وقد قال تعالى( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال *رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ) سورة النور . وكان صلى الله عليه وسلم كما تقول عاشة رضي لله عنها: يشتغل في مهنة أهله يقطع مع أهله اللحم ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويكنس بيته وهو أشرف الخلق ..وتقول عائشة : فإذا سمع الله أكبر ،قام من مجلسنا كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا .... السادس : رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه والمعنى أن المراد من إخفائه للصدقة أي لا يعلم بها إلا الله عز وجل فالصدقة فضلها كبير وأجرها عظيم ومضاعف ومكفرة للسيئات قال تعالى( إن تبدوا الصدقات فنعمّاهي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) سورة البقرة ..وذُكر أن علي بن الحسين زين العابدين كان يخرج في آخر الليل فيأخذ من الدقيق ومن السمن ومن الزبيب على ظهره ويمر على فقراء المدينة ويعطيهم في ظلام الليل بحيث لا يراه إلا الله .فلما مات وجاء الناس يغسلونه وجدوا أثر خيوط الحبال على كتفه .فسألوا أهله ماله ؟ قالوا هذا من كثرة ما كان يحمل من الدقيق ومن التمر والزبيب ويوزع على فقراء المدينة كلهم فهذا من الذين أخفوا صدقاتهم بحيث لا يراهم إلا الله عز وجل السابع : رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين أي طلبته للفاحشة وهي ذات منصب أي ذات أصل وشرف ومكانة والمعنى أنه لا يخاف من الوقوع بها فإن ذات المنصب يمكن أن تخرج نفسها وتخرجه من المشكلة ولا تخاف من إقامة الحدود وهي أيضا ذات جمال فهي تدعوه بجمالها ..ولكنه قال : إني أخاف الله رب العالمين فاستحق بهذا أن يستظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله وقد مر يوسف عليه السلام بمثل هذا الإبتلاء مع امرأة العزيز فقال ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون )سورة يوسف . : بيان فضل هؤلاء السبعة:- في الحديث بيان فضل هؤلاء السبعة يوم القيامة وهو ظل الله تعالى لهم في ذلك اليوم , يوم لا ظل إلا ظله ، فليس للناس ما يستظلون به من حرِّ الشمس وكرب ذلك اليوم إلا من ييسر الله له ذلك فيسعد بنيل صفة من هذه الصفات لحاجته لهذا الظل ، ففي ذلك اليوم الطويل قدره قال الله تعالى عنه :{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }(المعارج4) العظيم هوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }( الحج 1 ) الشديد كربه: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً } (المزمل17) تدنو الشمس فيه من الخلائق ، فعن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( تُدنى الشمس من الخلائق حتى تكون منهم بمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاما )) رواه مسلم وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – (( يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً )) فياسعادة من نال الظل في ذلك اليوم . معنى الظل :- اختلف أهل العلم في معنى الظل في قول النبي- صلى الله عليه وسلم - (( يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ )) على أقوال، وقبل ذكر الأقوال لا بد من معرفة أن الظل في الأحاديث جاء على ضربين:- - تارة يأتي مضافاً إلى الله تعالى. مثال ذلك: حديث أبي هريرة في شرحنا ، وحديث أبي اليسر- رضي الله عنه - الذي تَقدَّم في إنظار المعسر والتخفيف عنه، وحديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) رواه مسلم. - وتارة يأتي مضافاً إلى العرش. مثال ذلك: حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال)المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله (( رواه أحمد والحاكم وابن حبان وصححه، وأورده الألباني في صحيح الجامع (1937) بلفظ) إن المتحابين (( وحديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من أنظر معسراً، أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)) رواه أحمد والترمذي وصححه : أهمية هذا الحديث :- لهذا الحديث أهمية عظيمة جعلت العلماء يفردونه بالتأليف والشرح والبيان، بل لو أفرد كل واحد من هؤلاء السبعة برسالة مستقلة لكان حرياً بذلك كما قال ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-. وممن ألف في ذلك ابن حجر - رحمه الله- وأسماه "معرفة الخصال الموصِّلة إلى ظلال"، وللسيوطي كتاب اسمه:" تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش" حققه الشيخ مشهور حسن، و للسخاوي "الاحتفال بجمع أولي الظلال" ، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23/144) مؤلفاً لم ينسبه لأحد أو أنها سقطت نسبته اسمه: "اللمعة في أوصاف السبعة" ولمحمد مصطفى ماء العينين ابن محمد فاضل كتاب اسمه: "منيل البشّ فيمن يظلهم الله في ظل العرش" وللدكتور سيد عفاني كتاب اسمه: "ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله" وهذه المصنفات من أشهر ما صُنِّف، و هناك غيرها وما ذاك إلا لأهمية هذا الحديث، ولذا يقول الآجري في كتابه "الأربعين حديثاً" بعد أن ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قال: "وقد رسمت جزءاً واحداً في صفة واحد من هؤلاء وفقههم على الانفراد، من أراده وجده إن شاء الله فإنه حديث شريف يتأدب به جميع من يعبد الله تعالى، لا يتعب في عمله إلا عاقل ولا يستغني عنه إلا جاهل" وقبل ذلك قال ابن عبد البر (في التمهيد 2/282) :"هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال، وأعمها وأصحها إن شاء الله، وحسبك به فضلاً؛ لأن العلم محيط بأن من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف" * شرح ألفاظ الحديث:- (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ أي سبعة أصناف وليس سبعة أشخاص، وأيضاً حصْرهم بهذا العدد ليس مراداً بل ورد غير الأصناف الواردة في الحديث ممن يظلهم الله بظله وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى. (يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ الظل: فلان في ظل فلان أو في ظل الملك أي في كرامته وحمايته، وأما الظل في الأحاديث فإنه على ضربين سيأتي بيانهما بإذن الله تعالى، وأما إضافة الظل لله تعالى في حديث الباب فهي إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، وهو ظل يكون لمن منَّ الله عليهم من الأصناف الداخلة تحت هذا الفضل، فيقيهم من حر الشمس ووهجها في يوم لا يملك أحد الظل إلا الله جل في علاه، وهو ظل حقيقي لا معنوي كمن يقول: في ظله أي في حمايته وكنفه بل هو حقيقي وجاء في سنن سعيد بن منصور من حديث سلمان تقييداً لهذا الظل الوارد في الحديث بظل العرش (( يظلهم الله في ظل عرشه )) قال ابن حجر: إسناده حسن، وسيأتي بيان ذلك. : ذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له ، فليس المراد أنه لايدخل في الفضل إلا الرجال ، بل تشترك النساء معهم فيما ذُكر ، ويستثنى من ذلك (الإِمَامُ الْعَادِلُ ) إن كان المراد به الإمامة العظمى وإلا فإن المرأة يمكن أن تدخل بحيث تكون ذات عيال فتعدل بينهم ، وكذلك يستثنى خدمة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل ، على أنه يحتمل أ يضاً دخولها في هذا الفضل وذلك حين يكون قلبها معلق بالصلاة لأن فضل تعلق قلب المرء بالمساجد إنما هومن أجل ما عُمرت به من المساجد وأعظمها الصلاة ، فإذا تعلق قلب المرأة بالصلاة كان ذلك محتملٌ لدخولها في هذا الفضل وفضل الله تعالى واسع والله أعلم . قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : " فهل مثله من لا يحضر المساجد لكن قلبه معلَّق بالصلاة ؛ يعنى : إمرأة مثلاً في بيتها قلبها معلق بالصلاة ، أو إنسان مريض لايستطيع الصلاة في المسجد لكن قلبه معلق بالعبادة من باب أولى ؛ لأن المساجد أماكن العبادة ......الذي يظهر لي أن الذي قلبه معلق بالصلاة سواء كان يؤديها في البيت لعذر ، أو لكونه ليس من أهل الجماعة يدخل في الحديث ". [ انظر شرح البخاري لشيخنا ابن عثيمين 3/84 ] وأما الصفات الأخرى الواردة في الحديث فمشاركة النساء للرجال فيهن حاصلة لهن والله أعلم . الخاتمه" نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء السبعة فلنحرص جميعا أخوتي وأخواتي أن نكون من هؤلاء السبعة الذين يستظلون بظل الله فهذا الحديث لا يقتصر على الرجال فقط بل يشمل النساء أيضا ما عدا في الولاية والقضاء فالمرأة لاتتولى ولاية المسلمين ولاتكون قاضية ،ولكنها تدخل ضمن باقي الأصناف هذا والله أعلم وصلى الله على محمد و على آله وصحبه أجمعين *الفهرس * • تعريف بالراوي . • المقدمة . • من هم السبعه المذكورين بالحديث • بيان فضل هؤلاء السبعة • معنى الظل • أهمية هذا الحديث • شرح ألفاظ الحديث • ذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له • الخاتمة .
  19. اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته أعظم نبعٍ لمن يُريد تربية المجتمع على قيم الرأفة والرحمة، والتي ظهرت في حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الناس عامَّة، وأُمَّته خاصَّة، وكان هذا الحرص دليلاً على حسن خلقه وصدق نُبُوَّتِهِ، ولذلك وصفه الله ـ عز وجل ـ بقوله: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة: 128) . ذكر القرطبي في تفسيره عن الحسين بن الفضيل قوله: " لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فإنه قال: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة: من الآية128)، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(الحج: من الآية65) " وقال الشيخ السعدي في تفسيره: " أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم، ولهذا كان حقّه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره " . والأمثلة والصور التي تدل على حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته ورأفته ورحمته بهم ـ أفرادا وجماعات ـ كثيرة، منها : عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قبّل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحسن بن علىّ، وعنده الأقرع بن حابس التيمى، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال: من لا يرحم لا يرحم ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( دخلَ أعرابِيٌّ المسجد ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس، فصلَّى، فلما فرغ قال: اللهمَّ ارحمني ومحمدًا، ولَا ترحمْ معنا أحدا، فالتفَتَ إليهِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: لقدْ تَحَجَّرْتَ واسعًا، فلم يلبثْ أنْ بال في المسجد، فأسرع إليه الناس ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ، أوْ دلْوًا مِنْ ماء، ثُم قال : إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرين ) رواه أبو داود . وعن معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا أنا أصلي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت. فلما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ماكهرني، ولا ضربني ولا شتمني قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) رواه مسلم . قال النووي: " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وشفقته عليهم " . ومع أن التقرُّب إلى الله أمرٌ محمود ومأمور به، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعرض عن عبادة من العبادات، أو يترك عملا من الأعمال - وهو ومحبَّب إلى قلبه - لا لشيء إلاَّ لخوفه أن يشقّ على أحدٍ من أمته، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم ) رواه البخاري . وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأَتَجَوَّزْ (أخفف) في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه ) رواه أحمد . ومن صور حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته ورحمته ورأفته بهم : خوفه عليهم من النار، ورغبته أن يكونوا أكثر أهل الجنة، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار كتهافت الفراش أو الذباب ) رواه أحمد . وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال - صلى الله عليه وسلم ـ : ( إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ) رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلا قول الله ـ عز وجل ـ في إبراهيمَ ـ عليه السلام ـ: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }( إبراهيم الآية : 36 )، وقال عيسى عليه السلام: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم }( المائدة الآية : 118 )،فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ أُمَّتي أُمَّتي، وبكى، فقال الله ـ عز وجل ـ: يا جبريل ! اذهب إلى محمد، - وربُّكَ أعلم -، فسَلهُ ما يُبكيكَ؟، فأتاهُ جبريل عليهِ الصلاة والسلام فسَأله، فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُك ) رواه مسلم . قال النووي: " هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد، منها: بيان كمال شفقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم، ومنها: استحباب رفع اليدين في الدعاء، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله: سنرضيك في أمتك ولا نسوءك، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها، ومنها: بيان عظم منزلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند الله تعالى، وعظيم لطفه سبحانه به ـ صلى الله عليه وسلم ـ " . للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصفات والأخلاق أعظمها وأكملها، قال الله ـ تعالى ـ عنه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) . قال السعدي: " الآيات الحاثات على الخلق العظيم، كان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابراً لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبدّ به دونهم بل يشاورهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيرته غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " . وقد وصفه الله تعالى بالحرص على أمته والرأفة والرحمة بها فقال: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) . ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا
×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.