اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

الرسام

الأعضاء
  • مجموع الأنشطة

    2008
  • تاريخ الانضمام

  • آخر نشاط

كل منشورات العضو الرسام

  1. البينة بعد التحليف لكان له الأمران معا أعني اليمين وإقامة البينة مع أن الحديث يقتضي أن ليس له إلا أحدهما.وقد يقال في هذا إن المقصود من الكلام نفي طريق أخرى لإثبات الحق فيعود المعنى إلى حصر الحجة في هذين الجنسين- أعني البينة واليمين- إلا أم هذا قليل النفع بالنسبة إلى المناظرة وفهم مقاصد الكلام نافع بالنسبة إلى النظر وللأصوليين في أصل هذا الكلام بحث ولم ينبه على هذا حق التنبيه- أعني اعتبار مقاصد الكلام- وبسط القول فيه إلا أحد مشايخ بعض مشايخنا من أهل المغرب وقد ذكره قبله بعض المتوسطين من الأصوليين المالكيين في كتابه في الأصول وهو عندي قاعدة صحيحة نافعة للناظر في نفسه غير أن المناظر الجدلي قد ينازع في المفهوم ويعسر تقريره عليه.وقد استدل الحنفية بقوله عليه السلام: «شاهداك أو يمينه» على ترك العمل بالشاهد واليمين.7- عن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه: أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك».وفي رواية: «ولعن المؤمن كقتله».وفي رواية: «من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله عز وجل إلا قلة».فيه مسائل:المسألة الأولى: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كما يقول الفقهاء: إذا حلف بالطلاق على كذا ومرادهم تعليق الطلاق به وهذا مجاز وكأن سببه مشابهة هذا التعليق باليمين في اقتضاء الحنث أو المنع.إذا ثبت هذا فنقول: قوله عليه السلام: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام» يحتمل أن يراد به: المعنى الأول ويحتمل أن يراد به المعنى الثاني والأقرب أن المراد الثاني لأجل قوله: «كاذبا متعمدا».والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة وتارة لا يقع وأما قولنا والله.وما أشبهه فليس الإخبار بها أمر خارجي وهي للإنشاء أعني إنشاء القسم فتكون صورة هذا اليمين على وجهين.أحدهما: أن يتعلق بالمستقبل كقوله إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني.والثاني: أن يتعلق بالماضي مثل أن يقول إن كنت فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني.فأما الأول- وهو ما يتعلق بالمستقبل- فلا تتعلق به الكفارة عند المالكية والشافعية وأما عند الحنفية ففيها الكفارة وقد يتعلق الأولون بهذا الحديث فإنه لم يذكر كفارة وجعل المرتب على ذلك قوله: «هو كما قال» وأما إن تعلق بالماضي فقد اختلف الحنفية فيه فقيل: إنه لا يكفر اعتبارا بالمستقبل وقيل: يكفر لأنه تنجيز معنى فصار كما إذا قال هو يهودي قال بعضهم: والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل.المسألة الثانية: قوله عليه السلام: «ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة» هذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية.ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له وإنما هي ملك لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا أذن له فيه.قال القاضي عياض وفيه دليل لمالك ومن قال بقوله على أن القصاص من القاتل بما قتل به محددا كان أو غير محدد خلافا لأبي حنيفة اقتداء بعقاب الله عز وجل لقاتل نفسه في الآخرة ثم ذكر حديث اليهودي وحديث العرنيين.وهذا الذي أخذه من هذا الحديث في هذه المسألة ضعيف جدا لأن أحكام الله تعالى لا تقاس بأفعاله وليس كل ما فعله في الآخرة بمشروع لنا في الدنيا كالتحريق بالنار وإلساع الحيات والعقارب وسقي الحميم المقطع للأمعاء.وبالجملة: فما لنا طريق إلى إثبات الأحكام إلا نصوص تدل عليها أو قياس على المنصوص عند القياسيين ومن شرط ذلك: أن يكون الأصل المقيس عليه حكما أما ما كان فعلا لله تعالى فلا وهذا ظاهر جدا وليس ما نعتقده فعلا لله تعالى في الدنيا أيضا بالمباح لنا فإن لله أن يفعل ما يشاء بعباده ولا حكم عليه وليس لنا أن نفعل بهم إلا ما أذن لنا فيه بواسطة أو بغير واسطة.المسألة الثالثة: التصرفات الواقعة قبل الملك للشيء على وجهين.أحدهما: تصرفات التنجيز كما لوأعتق عبد غيره أو باعه أو نذر نذرا متعلقا به فهذه تصرفات لاغية اتفاقا إلا ما حكي عن بعضهم في العتق خاصة أنه إذا كان موسرا: يعتق عليه وقيل: إنه رجع عنه.الثاني: التصرفات المتعلقة بالملك كتعلق الطلاق بالنكاح مثلا فهذا مختلف فيه ف الشافعي يلغيه كالأول وملك وأبو حنيفة يعتبرانه وقد يستدل للشافعي بهذا الحديث وما يقاربه ومخالفوه يحملونه على التنجيز أو يقولون بموجب الحديث فإن التنفيذ إنما يقع بعد الملك فالطلاق- مثلا- لم يقع قبل الملك فمن هنا يجيء القول بالموجب.وههنا نظر دقيق في الفرق بين الطلاق- أعني تعليقه بالملك- وبين النذر في ذلك فتأمله واستبعد قوم تأويل الحديث وما يقاربه بالتنجيز من حيث إنه أمر ظاهر جلي لا تقوم به فائدة يحسن حمل اللفظ عليها وليست جهة هذا الاستبعاد بقوية فإن الأحكام كلها: في الابتداء كانت منتفية وفي أثنائها فائدة متجددة وإنما حصل الشيوع والشهرة لبعضها فيما بعد ذلك وذلك لا ينفي حصول الفائدة عند تأسيس الأحكام.المسألة الرابعة: قوله عليه السلام: «ولعن المؤمن كقتله» فيه سؤال وهو أن يقال: إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة؟ لا يمكن أن يكون المراد أحكام الدنيا لأن قتله يوجب القصاص ولعنه لا يوجب ذلك وأما أحكام الآخرة فإما أن يراد بها التساوي في الإثم أو العقاب؟ وكلاهما مشكل لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7, 8] وذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد فإن الخيرات مصالح والمفاسد شرور.قال القاضي عياض: قال الإمام- يعني المازري- الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف قال القاضي وقيل: لعنته تقتضي قصده بإخراجه من جماعة المسلمين ومنعهم منافعه وتكثير عددهم به كما لو قتله وقيل: لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه وبعده منها بإباحة لعنته فهو كمن قتل في الدنيا وقطعت عنه منافعه فيها وقيل: الظاهر من الحديث: تشبيه في الإثم وكذلك ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم.وأقول هذا يحتاج إلى تلخيص ونظر أما ما حكاه عن الإمام- من أن معناه استواؤهما في التحريم- فهذا يحتمل أمرين:أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم والإثم.والثاني: أن يقع في مقدار الإثم.فأما الأول: فلا ينبغي أن يحمل عليه لأن كل معصية- قلت أو عظمت- فهي مشابهة أو مستوية مع القتل في أصل التحريم فلا يبقى في الحديث كبير فائدة مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل.وأما الثاني: فقد بينا ما فيه من الإشكال وهو التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح وإتلافها وبين الأذى باللعنة.وأما ما حكاه عن الإمام من قوله: إن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف فالكلام عليه أن نقول: اللعنة قد تطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله تعالى وهذا الذي يقع فيه التشبيه.والثاني: أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه لذلك الإبعاد بقوله لعنة الله مثلا أو بوصفه للشخص بذلك الإبعاد بقوله فلان ملعون وهذا ليس بقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصل به الإجابة فيكون حينئذ تسببا إلى قطع التصرف ويكون نظيره: التسبب إلى القتل غير أنهما يفترقان في أن التسبب إلى القتل بمباشرة الحز وغيره من مقدمات القتل مفض إلى القتل بمطرد العادة فلو كان مباشرة اللعن مفضيا إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائما: لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل أو زاد عليه.وبهذا يتبين لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن لعنته تقتضي قصده إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله فإن قصده إخراجه لا يستلزم إخراجه كما يستلزم مقدمات القتل وكذلك أيضا ما حكاه من أن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه بإجابة دعوته إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة وقد لا تجاب في كثير من الأوقات فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله ولا يستوي القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضية إليه في مطرد العادة.ويحتمل ما حكاه القاضي عن الإمام وغيره أو بعضه أن لا يكون تشبيها في حكم دنيوي ولا أخروي بل يكون تشبيها لأمر وجودي بأمر وجودي كالقطع والقطع- مثلا في بعض ما حكاه- أي قطعه عن الرحمة أو عن المسلمين بقطع حياته وفيه بعد ذلك نظر.والذي يمكن أن يقرر به ظاهر الحديث في استوائهما في الإثم أنا نقول: لا نسلم أن مفسدة اللعن مجرد أذاه بل فيها- مع ذلك- تعريضه لإجابة الدعاء فيه بموافقة ساعة لا يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه كما دل عليه الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم, ولا تدعوا على أموالكم, ولا تدعوا على أولادكم لا توافقوا ساعة-» الحديث وإذا عرضه باللعنة لذلك وقعت الإجابة وإبعاده من رحمة الله تعالى كان ذلك أعظم من قتله لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعا والإبعاد من رحمة الله تعالى أعظم ضررا بما لا يحصى وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويا أو مقاربا لأخفهما على سبيل التحقيق ومقادير الفساد والمصالح وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطلاع على حقائقه..باب النذر: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة- وفي رواية يوما- في المسجد الحرام؟ قال: «فأوف بنذرك».فيه دليل على الوفاء بالنذر المطلق والنذور ثلاثة أقسام:أحدها: ما علق على وجود نعمة أو دفع نقمة فوجد ذلك فيلزم الوفاء به.والثاني: ما علق على شيء لقصد المنع أو الحث كقوله: إن دخلت الدار فلله علي كذا وقد اختلفوا فيه وللشافعي قولان: أنه مخير بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين وهذا الذي يسمى نذر اللجاج والغضب.والثالث: ما ينذر من الطاعة من غير تعليق بشيء كقوله لله علي كذا فالمشهور: وجوب الوفاء بذلك وهذا الذي أردناه بقولنا النذر المطلق وأما ما لم يذكر مخرجه كقوله: لله علي نذر هذا هو الذي يقول مالك: إنه يلزم فيه كفارة يمين.وفيه دليل على أن الاعتكاف قربه تلزم بالنذر وقد تصرف الفقهاء الشافعية فيما يلزم بالنذر من العبادات وليس كل ما هو مثاب عليه لازما بالنذر عندهم فتكون فائدة هذا الحديث من هذا الوجه أن الاعتكاف من القسم الذي يلزم بالنذر.وفيه دليل عند بعضهم على أن الصوم لا يشترط فيه الاعتكاف لقوله ليلة وهذا مذهب الشافعي ومذهب أبى حنيفة ومالك اشتراط الصوم أول قوله ليلة على اليوم فإن العرب تعبر بالليلة عن اليوم ولاسيما وقد ورد في بعض الروايات يوما.واستدل به على أن نذر الكافر صحيح وهو قول في مذهب الشافعي والمشهور أنه لا يصح لأن الكافر ليس من أهل التزام القربة ويحتاج على هذا إلى تأويل الحديث ولعله أن قال: أنه أمره بأن يأتي بعبادة تماثل ما التزم في الصورة وهو اعتكاف يوم فأطلق عليها وفاء بالنذر لمشابهتها إياه ولأن المقصود قد حصل وهو الإتيان بهذه العبادة.2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل».مذهب المالكية العمل بظاهر الحديث وهو أن نذر الطاعة مكروه وإن كان لازما إلا أن سياق بعض الأحاديث يقتضي أحد أقسام النذر التي ذكرناها وهو ما يقصد به تحصيل غرض أو دفع مكروه وذلك لقوله: «وإنما يستخرج به من البخيل».وفي كراهة النذر إشكال على القواعد فإن القاعدة تقتضي أن وسيلة الطاعة طاعة ووسيلة المعصية معصية ويعظم قبح الوسيلة بحسب عظم المفسدة وكذلك تعظم فضيلة الوسيلة بحسب عظم المصلحة ولما كان النذر وسيلة إلى الالتزام قربة لزم على هذا أن يكون قربة إلا أن ظاهر إطلاق الحديث دل على خلافه وإذا حملناه على القسم الذي أشرنا إليه من أقسام النذر كما دل عليه سياق الحديث فذلك المعنى الموجود في ذلك القسم ليس بموجود في النذر المطلق فإن ذلك خرج مخرج طلب العوض وتوقيف العبادة على تحصيل الغرض وليس هذا المعنى موجودا في التزام العبادة والنذر بها مطلقا.
  2. وقد يقال أن البخيل لا يأتي بالطاعة إلا إذا اتصفت بالوجوب فيكون النذر هو الذي أوجب له فعل الطاعة لتعلق الوجوب به ولو لم يتعلق به الوجوب لتركه البخيل فيكون النذر المطلق أيضا مما يستخرج به من البخيل إلا أن لفظة البخيل هنا قد تشعر بما يتعلق بالمال وعلى كل تقدير فاتباع النصوص أولى.وقوله عليه السلام: «إنما يستخرج به من البخيل» الأظهر في معناه أن البخيل لا يعطي طاعة إلا في عوض ومقابل يحصل له فيكون النذر هو السبب الذي استخرج منه تلك الطاعة.وقوله عليه السلام: «لا يأتي بخير» يحتمل أن تكون الباء باء السببية كأنه يقول: لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القرب والطاعة من غير عوض يحصل له وإن كان يترتب عليه خير وهو فعل الطاعة التي نذرها ولكن سبب ذلك الخير حصول غرضه.3- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال: «لتمش ولتركب».نذر المشي إلى بيت الله الحرام لازم عند مالك مطلقا وتعليقا فيحتاج إلى تأويل قوله: «ولتركب» فيمكن أن يحمل على حالة العجز عن المشي فإنها تركب وفي ما يلزم عن ذلك الركوب تفصيل مذهبي عندهم.4- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاقضه عنها».فيه دليل على جواز قضاء المنذور عن الميت وقوله: «عن نذر» هو نكرة في الإثبات ولم يبين في هذه الرواية ما كان النذر.وقد انقسمت العبادة إلى مالية وبدنية والمالية لا إشكال في دخول النيابة فيها والقضاء على الميت وإنما الإشكال في العبادة البدنية كالصوم.5- عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك».فيه دليل على أن إمساك ما يحتاج إليه من المال أولى من إخراج كله في الصدقة وقد قسموا ذلك بحسب أخلاق الإنسان فإن كان لا يصبر على الإضافة كره له أن يتصدق بكل ماله وإن كان ممن يصبر لم يكره.وفيه دليل على أن الصدقة لها أثر في محو الذنوب ولأجل هذا شرعت الكفارات المالية وفيها مصلحتان كل واحدة منهما تصلح للمحو.إحداهما: التواب الحاصل بسببها وقد تحصل به الموازنة فتمحو أثر الذنب.والثانية: دعاء من يتصدق عليه فقد يكون سببا لمحو الذنوب.وقد ورد في بعض الروايات: «يكفيك من ذلك الثلث».واستدل بعض المالكية على أن من نذر التصدق بكل ماله اكتفى منه بالثلث وهو ضعيف لأن اللفظ الذي أتى به كعب بن مالك ليس بتنجيز صدقة حتى يقع في محل الخلاف وإنما هو لفظ عن نية قصد فعل متعلقها ولم يقع بعد فأشار عليه السلام بأن لا يفعل ذلك وأن يمسك بعض ماله وذلك قبل إيقاع ما عزم عليه هذا ظاهر اللفظ أو هو محتمل له وكيفما كان فتضعف منه الدلالة على مسألة الخلاف وهو تنجيز الصدقة بكل المال نذرا مطلقا أو معلقا..باب القضاء: 1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».وفي لفظ: «من عمل ليس عليه أمرنا فهو رد».هذا الحديث أحد الأحاديث الأركان من أركان الشريعة لكثرة ما يدخل تحته من الأحكام وقوله: «فهو رد» أي مردود أطلق المصدر على اسم المفعول.ويستدل به على إبطال جميع العقود الممنوعة وعدم وجود ثمراتها.واستدل به في أصول الفقه على أن النهي يقتضي الفساد نعم قد يقع الغلط في بعض المواضع لبعض الناس فيما يقتضيه الحديث من الرد لأنه قد يتعرض أمران فينتقل من أحدهما إلى الآخر ويكون العمل بالحديث في أحدهما كافيا ويقع الحكم به في الآخر في محل النزاع فللخصم أن يمنع دلالته عليه فتنبه لذلك.2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك».استدل به بعضهم على القضاء على الغائب وفيه ضعف من حيث أنه يحتمل الفتوى بل ندعي أنه يتعين ذلك للفتوى لأن الحكم يحتاج إلى إثبات السبب المسلط على الأخذ من مال الغير ولا يحتاج إلى ذلك في الفتوى وربما قيل: إن أبا سفيان كان حاضرا في البلد ولا يقضي على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماعه للدعوى عليه في المشهور من مذاهب الفقهاء فإن ثبت أنه كان حاضرا فهو وجه يبعد الاستدلال عنه الأكثرين من الفقهاء وهذا يبعد ثبوته إلا أن يؤخذ بطريق الاستصحاب بحال حضوره.نعم فيه دليل على مسالة للظفر بالحق وأخذه من غير مراجعة من هو عليه.ولم يدل الحديث على جواز أخذها من الجنس أو من غير الجنس ومن يستدل بالإطلاق في مثل هذا يجعله حجة في الجميع.واستدل به على أنه لا يتوقف أخذ الحق من مال من عليه على تعذر الإثبات عند الحاكم وهو وجه للشافعية لأن هندا كان يمكنها الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الحق بحكمه.وفيه دليل على أن النفقة غير مقدرة بمقدار معين بل بالكفاية لقوله: «ما يكفيك وبنيك».وفيه دليل على تصرف المرأة في نفقة ولدها في الجملة.وقد يستدل به من يرى أن للمرأة ولاية على ولدها من حيث أن صرف المال إلى المحجور عليه أو تمليكه له يحتاج إلى ولاية وفيه نظر لوجود الأب فيحتاج إلى الجواب عن هذا التوجيه المذكور فقد يقال إن تعذر استيفاء الحق من الأب أو غيره مع تكرر الحاجة دائما يجعله كالمعدم وفيه نظر أيضا.وفيه دليل على جواز ذكر بعض الأوصاف المذمومة إذا تعلقت بها مصلحة أو ضرورة.وفيه دليل على أن ما يذكر في الاستفتاء لأجل ضرورة معرفة الحكم إذا تعلق به أذى الغير لا يوجب تعزيرا.3- عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: «ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها».فيه دليل على إجراء الأحكام على الظاهر وإعلام الناس بأن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره وإن كان يفترق مع الغير في إطلاعه على ما يطلعه الله عز وجل عليه من الغيوب الباطنة وذلك في أمور مخصوصة لا في الأحكام العامة وعلى هذا يدل قوله عليه السلام: «إنما أنا بشر» وقد قدمنا في أول الكتاب أن الحصر في إنما يكون عاما يكون خاصا هذا من الخاص وهو فيما يتعلق بالحكم بالنسبة إلى الحجج الظاهرة.ويستدل بهذا الحديث من يرى أن القضاء لا ينفذ في الظاهر والباطن معا مطلقا وإن حكم القاضي لا يغير حكما شرعيا في الباطن.واتفق أصحاب الشافعي على أن القاضي الحنفي إذا قضى بشفعة الجار للشافع أخذها في الظاهر واختلفوا في حل ذلك في الباطن له على وجهين.والحديث عام بالنسبة إلى سائر الحقوق والذين يتفقون عليه- اعني أصحاب الشافعي- أن الحجج إذا كانت باطلة في نفس الأمر بحيث لو اطلع عليها القاضي لم يجز له الحكم بها إن ذلك لا يؤثر وإنما وقع التردد في الأمور الاجتهادية إذا خالف اعتقاد القاضي اعتقاد المحكوم له كما قلنا في شفعة الجار.4- عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما قال: كتب أبي أو كتبت له إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسجستان أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان».وفي رواية: «لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان».النص وارد في المنع من القضاء حالة الغضب وذلك لما يحصل للنفس بسببه من التشويش الموجب لاختلال المنظر وعدم استيفائه على الوجه وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل منه ما يشوش الفكر كالجوع والعطش وهو قياس مظنة على مظنة فإن كل واحد من الجوع والعطش مشوش للفكر ولو قضى مع الغضب والجوع لنفذ إذا صادف الحق وقد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك وكأن الغضب إنما خص لشدة استيلائه على النفس وصعوبة مقاومته.وفيه دليل على أن الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل وأما في الرواية فقد اختلفوا في ذلك والصواب أن يقال إن أدى الرواية بعبارة مطابقة للواقع جاز كقوله: كتب إلي فلان بكذا وكذا.5- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟»- ثلاثا- قلنا: بلى يا رسول الله, قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين», وكان متكئا فجلس وقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.فيه مسائل:الأولى: قد يدل الحديث على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر وعليه أيضا يدل قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] وفي الاستدلال بهذا الحديث على ذلك نظر لأن من قال: كل ذنب كبيرة فالكبائر والذنوب عنده متواردان على شيء واحد فيصير كأنه قيل: ألا أنبئكم بأكبر الذنوب.وعن بعض السلف أن كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وظاهر القرآن والحديث على خلافه ولعله أخذ الكبيرة باعتبار الوضع اللغوي ونظر إلى عظم المخالفة للأمر والنهي وسمى كل ذنب كبيرة.الثانية: يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر لقوله عليه السلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» وذلك بحسب تفاوت مفاسدها ولا يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء رتبها أيضا في نفسها فإن الإشراك بالله أعظم كبيرة من كل ما عداه من الذنوب المذكورة في الأحاديث التي ذكر فيها الكبائر.الثالثة: اختلف الناس في الكبائر.فمنهم من قصد تعريفها بتعددها وذكروا في ذلك أعدادا من الذنوب ومن سلك هذه الطريقة فليجمع ما ورد في ذلك في الأحاديث إلا أنه لا يستفيد بذلك الحصر ومن هذا قيل: إن بعض السلف قيل له: أنها سبع فقال: إنها إلى السبعين أقرب منها إلى السبع.ومنهم من سلك طريق الحصر بالضوابط فقيل عن بعضهم: إن كل ذنب قرن به وعيد أو لعن أو حد فهو من الكبائر فتغيير منار الأرض كبيرة لاقتران اللعن به وكذا قتل المؤمن لاقتران الوعيد به والمحاربة به والزنا والسرقة والقذف كبائر لاقتران الحدود بها واللعنة ببعضها.وسلك بعض المتأخرين طريقا فقال: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإذا نقصت على أقل مفاسد الكبائر فهي من مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليه فهي من الكبائر وعد من الكبائر شتم الرب تبارك وتعالى أو الرسول والاستهانة بالرسل وتكذيب واحد منهم وتضميخ الكعبة بالعذرة وإلقاء المصحف في القاذورات فهذا من أكبر الكبائر ولم يصرح الشرع بأنه كبيرة.وهذا الذي قاله داخل عندي فيما نص عليه الشرع بالكفر إن جعلنا المراد بالإشراك بالله مطلق الكفر على ما سنسببه عليه ولابد مع هذا من أمرين:أحدهما: أن المفسدة لا تؤخذ مجردة عما يقترن بها من أمر آخر فإنه قد يقع غلط في ذلك ألا ترى أن السابق إلى الذهن أن مفسدة الخمر السكر وتشويش العقل فإن أخذنا هذا بمجرده لزم منه أن لا يكون شرب القطرة الواحدة كبيرة لخلائها عن المفسدة المذكورة لكنها كبيرة فإنها وإن خلت عن المفسدة المذكورة إلا أنه يقترن بها مفسدة الإقدام والتجري على شرب الكثير الموقع في المفسدة فبهذا الاقتران تصير كبيرة.
  3. الثاني: أنا إذا سلكنا هذا المسلك فقد تكون مفسدة بعض الوسائل إلى بعض الكبائر مساويا لبعض الكبائر أو زائدا عليها فإن من أمسك امرأة محصنة لم يزني بها أو مسلما معصوما لمن يقتله فهو كبيرة أعظم مفسدة من أكل مال الربا أو أكل مال اليتيم وهو منصوص عليهما وكذلك لو دل على عورة من عورات المسلمين تفضي إلى قتلهم وسبي.ذراريهم وأخذ أموالهم كان ذلك أعظم من فراره من الزحف والفرار من الزحف منصوص عليه دون هذه وكذلك تفعل على هذا القول الذي حكيناه من أن الكبيرة ما رتب عليها اللعن أو الحد أو الوعيد فتعتبر مفاسد بالنسبة إلى ما رتب عليه من ذلك فما ساوى أقلها فهو كبيرة وما نقص عن ذلك فليس بكبيرة.الرابعة: قوله عليه السلام: «الإشراك بالله» يحتمل أن يراد به مطلق الكفر فيكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود لاسيما في بلاد العرب فذكر تنبيها على غيره ويحتمل أن يراد به خصوصه إلا أنه يرد على هذا الاحتمال أنه قد يظهر أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو كفر التعطيل فبهذا يترجح الاحتمال الأول.الخامسة: عقوق الوالدين معدود من أكبر الكبائر في هذا الحديث ولا شك في عظم مفسدته لعظم حق الوالدين إلا أن ضبط الواجب من الطاعة لهما والمحرم من العقوق لهما فيه عسر ورتب العقوق مختلفة.قال شيخنا الإمام أبو محمد بن عبد السلام: ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما فلا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء وقد حرم على الولد السفر إلى الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه ولشدة تفجعهما على ذلك وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو على عضو من أعضائه وقد ساوى الوالدان الرقيق في النفقة والكسوة والسكنى انتهى كلامه.والفقهاء قد ذكروا صورا جزئية وتكلموا فيها منثورة لا يحصل ضابط كلي فليس يبعد أن يسلك في ذلك ما أشرنا إليه في الكبائر وهو أن تقاس المصالح في طرف الثبوت بالمصالح التي وجبت لأجلها والمفاسد في طرف العدم بالمفاسد التي حرمت لأجلها.السادسة: اهتمامه عليه السلام بأمر شهادة الزور أو قول الزور يحتمل أن تكون لأنها أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فبمفسدتها أيسر وقوعا ألا ترى أن المذكور معها هو الإشراك بالله؟ ولا يقع فيه المسلم وعقوق الوالدين والطبع صارف عنه.وأما قول الزور فإن الحوامل عليه كثيرة كالعداوة وغيرها فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمها وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها وهو الإشراك قطعا «قول الزور وشهادة الزور» ينبغي أن يحمل قوله الزور على شهادة الزور فإنا لو حملناها على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة وليس كذلك وقد نص الفقهاء على أن الكذبة الواحدة.وما يقاربها لا تسقط العدالة ولو كانت كبيرة لسقطت وقد نص الله تعالى على عظم بعض الكذب فقال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [النساء:112] وعظم الكذب ومراتبه تتفاوت بحسب تفاوت مفاسده وقد نص في الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة لإيجابها الحد ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقة مثلا أو قبح بعض الهيئة في اللباس مثلا والله أعلم.6- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه».الحديث دليل على أنه لا يجوز الحكم إلا بالقانون الشرعي الذي رتب وإن غلب على الظن صدق المدعي ويدل على أن اليمين على المدعى عليه مطلقا وقد اختلف الفقهاء في اشتراط أمر آخر في وجه اليمين على المدعى عليه وفي مذهب مالك وأصحابه تصرفات بالتخصيصات لهذا العموم خالفهم فيها غيرهم منها: اعتبار الخلطة بين المدعي والمدعى عليه في اليمين ومنها أن من ادعى سببا من أسباب القصاص لم تجب به اليمين إلا أن يقيم على ذلك شاهدا فتجب اليمين ومنها إذا ادعى رجل على امرأة نكاحا لم يجب له عليها من يمين في ذلك قال سحنون: منهم إلا أن يكونا طارئين ومنها أن بعض الأمناء ممن يجعل القول قوله لا يوجبون عليه يمينا ومنها: دعوى امرأة طلاقا على الزوج وكل من خالفهم في شيء من هذا يتدل بعموم هذا الحديث..كتاب الأطعمة: .مدخل: 1- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه-: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وأن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».هذا أحد الأحاديث العظام التي عدت من أصول الدين فأدخلت في الأربعة الأحاديث التي جعلت أصلا في هذا الباب وهو أصل كبير في الورع وتارك المتشابهات في الدين.والشبهات لها مثارات:منها: الاشتباه في الدليل الدال على التحريم أو التحليل أو تعارض الأمارات والحجج ولعل قوله عليه السلام: «لا يعلمهن كثير من الناس» إشارة إلى هذا المثار مع أنه يحمل أن يراد: لا يعلم عينها وإن علم حكم أصلها في التحليل والتحريم وهذا أيضا من مثار الشبهات.وقوله عليه السلام: «من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» أصل في الورع وقد كان في عصر شيوخ شيوخنا بينهم اختلاف في هذه المسألة وصنفوا فيها تصانيف وكان بعضهم سلك طريقا في الورع فخالفه بعض أهل عصره وقال: إن كان هذا الشيء مباحا- والمباح ما استوى طرفاه- فلا ورع فيه لأن الورع ترجيح لجانب الترك والترجيح لأحد الجانبين مع التساوي محال وجمع بين المتناقضين وبنى على ذلك تصنيفا.والجواب عن هذا عندي من وجهين:أحدهما: أن المباح قد يطلق على ما لا حرج في فعله وإن لم يتساو طرفاه وهذا أعم من المناخ المتساوي الطرفين فهذا الذي ردد فيه القول وقال: إما أن يكون مباحا أو لا فإن كان مباحا فهو مستوي الطرفين يمنعه إذا حملنا المباح على هذا المعنى فإن المباح قد صار منطلقا على ما هو أعم من المتساوي الطرفين فلا يدل اللفظ على التساوي إذ الدال على العام لا يدل على الخاص بعينه.الثاني: أنه قد يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجحا باعتبار أمر خارج ولا يتناقض حينئذ الحكمان.وعلى الجملة: فلا يخلو هذا الموضع من نظر فإنه إن لم يكن فعل هذا المشتبه موجبا لضرر ما في الآخرة وإلا فيعسر ترجيح تركه إلا أن يقال: إن تركه محصل لثواب أو زيادة درجات وهو على خلاف ما يفهم من أفعال الورعين فإنهم يتركون ذلك تحرجا وتخوفا وبه يشعر لفظ الحديث.وقوله عليه السلام: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» يحتمل وجهين.أحدهما: أنه إذا عود نفسه عدم التحرز مما يشتبه أثر ذلك استهانة في نفسه توقعه في الحرام مع العلم به.والثاني: أنه إذا تعاطى الشبهات وقع في الحرام في نفس الأمر فمنع من تعاطي الشبهات لذلك.وقوله عليه السلام: «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» من باب التمثيل والتشبيه و«يوشك» بكسر الشين بمعنى يقرب و«الحمى» المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول وتنطلق المحارم على المنهيات قصدا وعلى ترك المأمورات التزاما وإطلاقها على الأول أشهر.وقد عظم الشارع أمر القلب لصدور الأفعال الاختيارية عنه وعما يقوم به من الاعتقادات والعلوم ورتب الأمر فيه على المضغة والمراد المتعلق بها ولا شك أن صلاح جميع الأعمال باعتبار العلم أو الاعتقاد بالمفاسد والمصالح.2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله».يقال لغبوا إذا أعيوا وأنفجت الأرنب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء وسكون الجيم فنفج أي: أثرته فثار كأنه يقول: أثرناه وذعرناه فعدا ومر الظهران موضع معروف.والحديث دليل على جواز أكل الأرنب فإنه إنما ينتفع ببعضها إذا ذبحت بالأكل وفيه دليل على الهدية وقبولها.3- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه).وفي رواية: «ونحن بالمدينة».4- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل).ولمسلم وحده قال: (أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي).يستدل بهذين الحديثين من يرى جواز أكل الخيل وهو مذهب الشافعي وغيره وكرهه مالك وأبو حنيفة واختلف أصحاب أبي حنيفة هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم؟ والصحيح عندهم أنها كراهة تحريم واعتذر بعضهم عن هذا الحديث أعني بعض الحنفية بأن قال: فعل الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجة إذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه شك على أنه معارض بقول بعض الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الخيل ثم إن سلم عن المعارض ولكن لا يصح التعلق به في مقابلة دلالة النص.وهذا إشارة إلى ثلاثة أجوبة:فأما الأول: فإنما يرد على هذه الرواية والرواية الأخرى لجابر وأما الرواية التي فيها: (و أذن في لحوم الخيل) فلا يرد عليها التعلق.وأما الثاني: وهو المعارضة بحديث التحريم فإنما نعرفه بلفظ النهي لا بلفظ التحريم من حديث خالد بن الوليد وفي ذلك الحديث كلام ينقض به عن مقاومة هذا الحديث عند بعضهم.وأما الثالث: فإنما أراد بدلالة الكتاب قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] ووجه الاستدلال أن الآية خرجت مخرج الامتنان بذكر النعم على ما دل عليه سياق الآيات التي في سورة النحل فذكر الله تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير وترك الامتنان بنعمة الأكل كما ذكر في الأنعام ولو كان الأكل ثابتا لما ترك الامتنان به لأن نعمة الأكل في حنسها فوق نعمة الركوب والزينة فإنه يتعلق بها البقاء بغير واسطة ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين وذكر الامتنان بأدناهما فدل ترك الامتنان بالأكل على المنع منه ولاسيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها من الأنعام وهذا- وإن كان استدلالا حسنا- إلا أنه يجاب عنه من وجهين:أحدهما: ترجيح دلالة الحديث على الإباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى بلك الدلالة.الثاني: أن يطالب بوجه الدلالة على عين التحريم فإنما يشعر بترك الأكل وترك الأكل أعم من كونه متروكا على سبيل الحرمة أو على سبيل الكراهة.وفي الحديث دليل من حيث ظاهر اللفظ في هذه الرواية على جواز النحر للخيل.وقوله: (و نهى النبي صلى الله عليه وسلم الخ) يستدل به من يرى تحريم الحمر الأهلية لظاهر النهي وفيه خلاف لبعض العلماء بالكراهة المغلظة وفيه احتراز عن الحمار الوحشي ودلالة على جواز أكله بطريق المفهوم.5- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور وربما قال: ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا).هذه الرواية تشتمل على لفظ التحريم وهو أدل من لفظ النهي وأمره عليه السلام بإكفاء القدور محمول على أن سببه تحريم الأكل للحومها عند جماعة وقد ورد فيه علتان أخريان أحدهما: أنها أخذت قبل المقاسم والثانية: أنه لأجل كونها من جوال القرية ولكن المشهور والسابق إلى الفهم أنه لأجل التحريم فإن صحت تلك الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تعين الرجوع إليها وكفأت القدر قلبته ففرغت ما فيه.
  4. لثاني: أنا إذا سلكنا هذا المسلك فقد تكون مفسدة بعض الوسائل إلى بعض الكبائر مساويا لبعض الكبائر أو زائدا عليها فإن من أمسك امرأة محصنة لم يزني بها أو مسلما معصوما لمن يقتله فهو كبيرة أعظم مفسدة من أكل مال الربا أو أكل مال اليتيم وهو منصوص عليهما وكذلك لو دل على عورة من عورات المسلمين تفضي إلى قتلهم وسبي.ذراريهم وأخذ أموالهم كان ذلك أعظم من فراره من الزحف والفرار من الزحف منصوص عليه دون هذه وكذلك تفعل على هذا القول الذي حكيناه من أن الكبيرة ما رتب عليها اللعن أو الحد أو الوعيد فتعتبر مفاسد بالنسبة إلى ما رتب عليه من ذلك فما ساوى أقلها فهو كبيرة وما نقص عن ذلك فليس بكبيرة.الرابعة: قوله عليه السلام: «الإشراك بالله» يحتمل أن يراد به مطلق الكفر فيكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود لاسيما في بلاد العرب فذكر تنبيها على غيره ويحتمل أن يراد به خصوصه إلا أنه يرد على هذا الاحتمال أنه قد يظهر أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو كفر التعطيل فبهذا يترجح الاحتمال الأول.الخامسة: عقوق الوالدين معدود من أكبر الكبائر في هذا الحديث ولا شك في عظم مفسدته لعظم حق الوالدين إلا أن ضبط الواجب من الطاعة لهما والمحرم من العقوق لهما فيه عسر ورتب العقوق مختلفة.قال شيخنا الإمام أبو محمد بن عبد السلام: ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما فلا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء وقد حرم على الولد السفر إلى الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه ولشدة تفجعهما على ذلك وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو على عضو من أعضائه وقد ساوى الوالدان الرقيق في النفقة والكسوة والسكنى انتهى كلامه.والفقهاء قد ذكروا صورا جزئية وتكلموا فيها منثورة لا يحصل ضابط كلي فليس يبعد أن يسلك في ذلك ما أشرنا إليه في الكبائر وهو أن تقاس المصالح في طرف الثبوت بالمصالح التي وجبت لأجلها والمفاسد في طرف العدم بالمفاسد التي حرمت لأجلها.السادسة: اهتمامه عليه السلام بأمر شهادة الزور أو قول الزور يحتمل أن تكون لأنها أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فبمفسدتها أيسر وقوعا ألا ترى أن المذكور معها هو الإشراك بالله؟ ولا يقع فيه المسلم وعقوق الوالدين والطبع صارف عنه.وأما قول الزور فإن الحوامل عليه كثيرة كالعداوة وغيرها فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمها وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها وهو الإشراك قطعا «قول الزور وشهادة الزور» ينبغي أن يحمل قوله الزور على شهادة الزور فإنا لو حملناها على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة وليس كذلك وقد نص الفقهاء على أن الكذبة الواحدة.وما يقاربها لا تسقط العدالة ولو كانت كبيرة لسقطت وقد نص الله تعالى على عظم بعض الكذب فقال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [النساء:112] وعظم الكذب ومراتبه تتفاوت بحسب تفاوت مفاسده وقد نص في الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة لإيجابها الحد ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقة مثلا أو قبح بعض الهيئة في اللباس مثلا والله أعلم.6- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه».الحديث دليل على أنه لا يجوز الحكم إلا بالقانون الشرعي الذي رتب وإن غلب على الظن صدق المدعي ويدل على أن اليمين على المدعى عليه مطلقا وقد اختلف الفقهاء في اشتراط أمر آخر في وجه اليمين على المدعى عليه وفي مذهب مالك وأصحابه تصرفات بالتخصيصات لهذا العموم خالفهم فيها غيرهم منها: اعتبار الخلطة بين المدعي والمدعى عليه في اليمين ومنها أن من ادعى سببا من أسباب القصاص لم تجب به اليمين إلا أن يقيم على ذلك شاهدا فتجب اليمين ومنها إذا ادعى رجل على امرأة نكاحا لم يجب له عليها من يمين في ذلك قال سحنون: منهم إلا أن يكونا طارئين ومنها أن بعض الأمناء ممن يجعل القول قوله لا يوجبون عليه يمينا ومنها: دعوى امرأة طلاقا على الزوج وكل من خالفهم في شيء من هذا يتدل بعموم هذا الحديث..كتاب الأطعمة: .مدخل: 1- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه-: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وأن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».هذا أحد الأحاديث العظام التي عدت من أصول الدين فأدخلت في الأربعة الأحاديث التي جعلت أصلا في هذا الباب وهو أصل كبير في الورع وتارك المتشابهات في الدين.والشبهات لها مثارات:منها: الاشتباه في الدليل الدال على التحريم أو التحليل أو تعارض الأمارات والحجج ولعل قوله عليه السلام: «لا يعلمهن كثير من الناس» إشارة إلى هذا المثار مع أنه يحمل أن يراد: لا يعلم عينها وإن علم حكم أصلها في التحليل والتحريم وهذا أيضا من مثار الشبهات.وقوله عليه السلام: «من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» أصل في الورع وقد كان في عصر شيوخ شيوخنا بينهم اختلاف في هذه المسألة وصنفوا فيها تصانيف وكان بعضهم سلك طريقا في الورع فخالفه بعض أهل عصره وقال: إن كان هذا الشيء مباحا- والمباح ما استوى طرفاه- فلا ورع فيه لأن الورع ترجيح لجانب الترك والترجيح لأحد الجانبين مع التساوي محال وجمع بين المتناقضين وبنى على ذلك تصنيفا.والجواب عن هذا عندي من وجهين:أحدهما: أن المباح قد يطلق على ما لا حرج في فعله وإن لم يتساو طرفاه وهذا أعم من المناخ المتساوي الطرفين فهذا الذي ردد فيه القول وقال: إما أن يكون مباحا أو لا فإن كان مباحا فهو مستوي الطرفين يمنعه إذا حملنا المباح على هذا المعنى فإن المباح قد صار منطلقا على ما هو أعم من المتساوي الطرفين فلا يدل اللفظ على التساوي إذ الدال على العام لا يدل على الخاص بعينه.الثاني: أنه قد يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجحا باعتبار أمر خارج ولا يتناقض حينئذ الحكمان.وعلى الجملة: فلا يخلو هذا الموضع من نظر فإنه إن لم يكن فعل هذا المشتبه موجبا لضرر ما في الآخرة وإلا فيعسر ترجيح تركه إلا أن يقال: إن تركه محصل لثواب أو زيادة درجات وهو على خلاف ما يفهم من أفعال الورعين فإنهم يتركون ذلك تحرجا وتخوفا وبه يشعر لفظ الحديث.وقوله عليه السلام: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» يحتمل وجهين.أحدهما: أنه إذا عود نفسه عدم التحرز مما يشتبه أثر ذلك استهانة في نفسه توقعه في الحرام مع العلم به.والثاني: أنه إذا تعاطى الشبهات وقع في الحرام في نفس الأمر فمنع من تعاطي الشبهات لذلك.وقوله عليه السلام: «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» من باب التمثيل والتشبيه و«يوشك» بكسر الشين بمعنى يقرب و«الحمى» المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول وتنطلق المحارم على المنهيات قصدا وعلى ترك المأمورات التزاما وإطلاقها على الأول أشهر.وقد عظم الشارع أمر القلب لصدور الأفعال الاختيارية عنه وعما يقوم به من الاعتقادات والعلوم ورتب الأمر فيه على المضغة والمراد المتعلق بها ولا شك أن صلاح جميع الأعمال باعتبار العلم أو الاعتقاد بالمفاسد والمصالح.2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله».يقال لغبوا إذا أعيوا وأنفجت الأرنب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء وسكون الجيم فنفج أي: أثرته فثار كأنه يقول: أثرناه وذعرناه فعدا ومر الظهران موضع معروف.والحديث دليل على جواز أكل الأرنب فإنه إنما ينتفع ببعضها إذا ذبحت بالأكل وفيه دليل على الهدية وقبولها.3- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه).وفي رواية: «ونحن بالمدينة».4- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل).ولمسلم وحده قال: (أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي).يستدل بهذين الحديثين من يرى جواز أكل الخيل وهو مذهب الشافعي وغيره وكرهه مالك وأبو حنيفة واختلف أصحاب أبي حنيفة هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم؟ والصحيح عندهم أنها كراهة تحريم واعتذر بعضهم عن هذا الحديث أعني بعض الحنفية بأن قال: فعل الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجة إذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه شك على أنه معارض بقول بعض الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الخيل ثم إن سلم عن المعارض ولكن لا يصح التعلق به في مقابلة دلالة النص.وهذا إشارة إلى ثلاثة أجوبة:فأما الأول: فإنما يرد على هذه الرواية والرواية الأخرى لجابر وأما الرواية التي فيها: (و أذن في لحوم الخيل) فلا يرد عليها التعلق.وأما الثاني: وهو المعارضة بحديث التحريم فإنما نعرفه بلفظ النهي لا بلفظ التحريم من حديث خالد بن الوليد وفي ذلك الحديث كلام ينقض به عن مقاومة هذا الحديث عند بعضهم.وأما الثالث: فإنما أراد بدلالة الكتاب قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] ووجه الاستدلال أن الآية خرجت مخرج الامتنان بذكر النعم على ما دل عليه سياق الآيات التي في سورة النحل فذكر الله تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير وترك الامتنان بنعمة الأكل كما ذكر في الأنعام ولو كان الأكل ثابتا لما ترك الامتنان به لأن نعمة الأكل في حنسها فوق نعمة الركوب والزينة فإنه يتعلق بها البقاء بغير واسطة ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين وذكر الامتنان بأدناهما فدل ترك الامتنان بالأكل على المنع منه ولاسيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها من الأنعام وهذا- وإن كان استدلالا حسنا- إلا أنه يجاب عنه من وجهين:أحدهما: ترجيح دلالة الحديث على الإباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى بلك الدلالة.الثاني: أن يطالب بوجه الدلالة على عين التحريم فإنما يشعر بترك الأكل وترك الأكل أعم من كونه متروكا على سبيل الحرمة أو على سبيل الكراهة.وفي الحديث دليل من حيث ظاهر اللفظ في هذه الرواية على جواز النحر للخيل.وقوله: (و نهى النبي صلى الله عليه وسلم الخ) يستدل به من يرى تحريم الحمر الأهلية لظاهر النهي وفيه خلاف لبعض العلماء بالكراهة المغلظة وفيه احتراز عن الحمار الوحشي ودلالة على جواز أكله بطريق المفهوم.5- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور وربما قال: ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا).هذه الرواية تشتمل على لفظ التحريم وهو أدل من لفظ النهي وأمره عليه السلام بإكفاء القدور محمول على أن سببه تحريم الأكل للحومها عند جماعة وقد ورد فيه علتان أخريان أحدهما: أنها أخذت قبل المقاسم والثانية: أنه لأجل كونها من جوال القرية ولكن المشهور والسابق إلى الفهم أنه لأجل التحريم فإن صحت تلك الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تعين الرجوع إليها وكفأت القدر قلبته ففرغت ما فيه.
  5. 6- عن أبي ثعلبة رضي الله عنه قال: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية).7- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل (فقالوا: هو ضب يا رسول الله) فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه», قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر.قال رضي الله عنه: المحنوذ المشوي بالرضيف: وهي الحجارة المحماة.فيه دليل على جواز أكل الضب لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أحرام هو؟ قال: «لا» ولتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على أكله مع العلم بذلك وهو أحد الطرق الشرعية في الأحكام- أعني الفعل والقول والتقرير مع العلم-.وفيه دليل على الإعلام بما يشك في أمره ليتضح الحل فيه فإن كان لا يمكن أن لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم عين ذلك الحيوان وأنه ضب فقصد الإعلام بذلك ليكونوا على يقين من إباحته إن أكله أو أقر عليه.وفيه دليل على أن ليس مطلق النفرة وعدم الاستطابة دليلا على التحريم بل أمر مخصوص من ذلك إن قيل: إن ذلك من أسباب التحريم أعني الاستخباث كما يقول الشافعي.8- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد.فيه دليل على إباحة أكل الجراد ولم يتعرض في الحديث لكونها ذكيت بذكاة مثلها كما يقوله المالكية من أنه لابد من سبب يقتضي موتها كقطع رؤوسها مثلا فلا يدل على اشتراط ذلك ولا على عدم اشتراطه فإنه لا صيغة للعموم ولا بيان لكيفية أكلهم.9- عن زهدم بن مضرب الجرمي قال: (كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي فقال: هلم فتلكأ فقال: هلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه).زهدم: بفتح الزاي والدال المهملة وسكون الهاء بينهما ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المهملة المشددة والجرمي بفتح الجيم وسكون الراء المهملة.وفي الحديث: دليل على إباحة أكل الدجاج ودليل على البناء على الأصل فإنه قد بين برواية أخرى: أن هذا الرجل علل تأخره بأنه رآه يأكل شيئا فقذره فإما أن يكون كما قلناه في البناء على الأصل ويكون أكل الدجاج الذي يأكل القذر مكروها أو يكون ذلك دليلا على أنه لا اعتبار بأكله للنجاسة وقد جاء النهي عن لبن الجلالة وقال الفقهاء: إذا تغير لحمها بأكل النجاسة لم تؤكل.وهلم: كلمة استدعاء والأكثر فيها: أنها تستعمل للواحد والجماعة والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة وتلكأ أي تردد وتوقف.10- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها».«يلعقها» بفتح الياء متعديا إلى مفعول واحد «ويلعقها» الثاني: بضمها متعديا إلى مفعولين وقد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات: «فإنه لا يدري في أي طعامه البركة».وقد يعلل بأن مسحها قبل ذلك: فيه زيادة تلويث لما مسح به مع الاستغناء عنه بالريق ولكن إذا صح الحديث بالتعليل لم نعدل عنه..باب الصيد: 1- عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال: «أما ما ذكرت- يعني من آنية أهل الكتاب- فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل».أبو ثعلبة الخشني بضم الخاء وفتح الشين المعجمة منسوب إلى بني خشين بطن من قضاعة وهو وائل بن نمر بن وبرة بن تغلب بالغين المعجمة ابن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة وخشين تصغير أخشن مرخما قيل: اسمه جرثوم بن ناشب- أعني اسم أبي ثعلبة.وفي الحديث مسائل:الأولى: أنه يدل على أن استعمال أواني أهل الكتاب يتوقف على الغسل واختلف الفقهاء في ذلك بناء على قاعدة تعارض الأصل والغالب وذكروا الخلاف فيمن يتدين باستعمال النجاسة من المشركين وأهل الكتاب كذلك وإن كان فرق بينهم وبين أولئك لأنهم يتدينون باستعمال الخمر أو يكثرون ملابستها فالنصارى لا يجتنبون النجاسات ومنهم من يتدين بملابستها كالرهبان فلا وجه لإخراجهم ممن يتدين باستعمال النجاسات والحديث جار على مقتضى ترجيح غلبة الظن فإن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل.الثانية: فيه دليل على جواز الصيد بالقوس والكلب معا ولم يتعرض في الحديث للتعليم المشترك والفقهاء تكلموا فيه وجعلوا المعلم من ينزجر بالانزجار وينبعث بالإشلاء ولهم نظر في غير ذلك من الصفات والقاعدة أن ما رتب عليه الشرع حكما لم يحد فيه حدا يرجع فيه إلى العرف.الثالثة: فيه حجة لمن يشترط التسمية على الإرسال لأنه وقف الإذن في الأكل علىالتسمية والمعلق بالوصف ينتفي بانتفائه عند القائلين بالمفهوم وفيه هاهنا زيادة على كونه مفهوما مجردا وهو أن الأصل: تحريم أكل الميتة وما أخرج الإذن منها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه فغير المسمى عليه: يبقى على أصل التحريم داخلا تحت النص المحرم للميتة.الرابعة: الحديث يدل على أن المصيد بالكلب المعلم لا يتوقف على الذكاة لأنه فرق بينه وبين غير المعلم في إدراك الذكاة فإذا قتل الكلب الصيد بظفره أو نابه حل وإن قتله بثقله ففيه خلاف في مذهب الشافعي وقد يؤخذ من إطلاق الحديث: جواز أكله وفيه بعض الضعف أعني أخذ الحكم من هذا اللفظ.الخامسة: شرط عليه السلام في غير المعلم إذا صاد: أن تدرك ذكاة الصيد وهذا الإدراك يتعلق بأمرين:أحدهما: الزمن الذي يمكن فيه الذبح فإن أدركه ولم يذبح فهو ميتة ولو كان ذلك لأجل العجز عما يذبح به: لم يعذر في ذلك.الثاني: الحياة المستقرة كما ذكره الفقهاء فإن أدركه وقد أخرج حشوته أو أصاب نابه مقتلا فلا اعتبار بالذكاة حينئذ هذا على ما قاله الفقهاء.2- عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله؟ فقال: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك», قلت: وإن قتلن؟ قال: «وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها» قلت: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال: «إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله».3- وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه: «إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تاكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».وفيه: «إذا أرسلت كلبك المكلب فاذكر اسم الله عليه فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته».وفيه أيضا: «إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه».وفيه: «وإن غاب عنك يوما أو يومين».وفي رواية: «اليومين والثلاثة فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك؟».فيه دليل على اشتراط التسمية كما ذكرناه في الحديث السابق وهو أقوى في الدلالة من الأول لأن هذا مفهوم شرط والأول مفهوم وصف ومفهوم الشرط أقوى من مفهوم الوصف.وفيه تصريح بأكل مصيد الكلب إذا قتل بخلاف الحديث الماضي فإنه إنما يؤخذ هذا الحكم منه بطريق المفهوم وهذا الحديث يدل على أكل ما قتله الكلب بثقله بخلاف الدلالة الماضية التي استضعفناها في الحديث المتقدم.وفيه دليل على أنه إذا شارك الكلب كلب آخر لم يؤكل وقد ورد معللا في حديث آخر: «فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك».والمعراض: بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء المهملة وبعد الألف ضاد معجمة: عصا رأسها محدد فإن أصاب بحده أكل لأنه كالسهم وإن أصاب بعرضه لم يؤكل وقد علل في الحديث بأنه وقيذ وذلك لأنه ليس في معنى السهم وهو في معنى الحجر وغيره من المثقلات.والشعبي: بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة: اسمه عامر ابن شراحيل من شعب همدان.وإذا أكل الكلب من الصيد ففيه قولان للشافعي.أحدهما: لا يؤكل لهذا الحديث ولما أشار إليه من العلة فإن أكله دليل ظاهر على اختيار الإمساك لنفسه.والثاني: أنه يؤكل لحديث آخر ورد فيه من رواية أبي الخشني.وحمل هذا النهي في حديث عدي على التنزيه وربما علل بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى وأن أبا ثعلبة كان على عكس ذلك فأخذ له بالرخصة وهو ضعيف لأنه علل عدم الأكل بخوف الإمساك على نفسه وهذه علة لا تناسب إلا التحريم أعني تخوف الإمساك على نفسه.اللهم إلا أن يقال: إنه علل بخوف الإمساك لا بحقيقة الإمساك فيجاب عن هذا بأن أصل التحريم في الميتة فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وكذلك إذا شككنا في أن الصيد مات بالرمي أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت لم يحل كالوقوع في الماء مثلا.بل وقد اختفوا فيما هو أشد من ذلك وهو ما إذا غاب عنه الصيد ثم وجده ميتا وفيه أثر سهمه ولم يعلم وجود سبب آخر فمن حرمه اكتفى بمجرد تجويز سبب آخر فقد ذكرنا ما دل عليه الحديث من المنع إذا وحده غريقا لأنه سبب للهلاك ولا يعلم أنه مات بسبب الصيد وكذلك إذا تردى من جبل لهذه العلة نعم يسامح في خبط الأرض إذا كان طائرا لأنه أمر لابد منه.4- عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اقتنى كلبا- إلا كلب صيد أو ماشية- فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان».قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: «أو كلب حرث» وكان صاحب حرث.فيه دليل على منع اقتناء الكلاب إلا لهذه الأغراض المذكورة- أعني الصيد والماشية والزرع- وذلك لما في اقتنائها من مفاسد الترويع والعقر للمارة ولعل ذلك لمجانبة الملائكة لمحلها ومجانبة الملائكة أمر شديد لما في مخالطتهم من الإلهام إلى الخير والدعاء إليه.وفيه دليل على جواز اقتناء لهذه الأغراض واختلف الفقهاء: هل يقاس عليها غرض حراسة الدروب أم لا؟.واستدل المالكية بجواز اتخاذها للصيد من غير ضرورة على طهارتها فإن ملابستها- مع الاحتراز عن مس شيء منها- شاق والإذن في الشيء إذن في مكملات مقصودة كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه.وقوله وكان صاحب حرث محمول على أنه أراد ذكر سبب العناية بهذا الحكم حتى عرف منه ما جهل غيره والمحتاج إلى الشيء أكثر اهتماما بمعرفة حكمه من غيره.5- عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير فطلبوه فأعياهم وكان في القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله فقال: «إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا», قلت: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن: فعظم وأما الظفر: فمدى الحبشة».خديج: والد رافع: بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد آخر الحروف جيم.وفي الحديث دليل على أن ما توحش من المستأنس يكون حكمه حكم الوحش كما أن ما تأنس من الوحش يكون حكمه حكم المستأنس.وهذا القسم ومقابله كل عشرة من الغنم ببعير قد يحمل على أنه قسمة تعديل بالقيمة وليس من طريق التعديل الشرعي كما جاء في البدنة أنها عن سبعة ومن الناس م حمله على ذلك.وند بمعنى شرد والأوابد جمع آبدة وقد تأبدت: أي نفرت وتوحشت من الإنس يقال: أبدت- بفتح الباء المخففة- تأبد- بكسرها وضمها- أبودا وجاء فلان بآبدة أي كلمة غريبة أو خصلة للنفوس نفرة عنها والكلمة لازمة إلا أن تجعل فاعلة بمعنى مفعولة.ومعنى الحديث: أن من البهائم ما فيه نفار كنفار الوحش وفيه دليل على جواز الذبح بما يحصل به المقصود من غير توقف على كونه حديدا بعد أن يكون محددا.وقوله: «وذكر اسم الله عليه» دليل على اشتراط التسمية أيضا فإنه علق الإذن بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما وفيه دليل علة منع الذبح بالسن والظفر وهو محمول على المتصلين وقد ذكرت العلة فيهما في الحديث.واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقا لقوله عليه السلام: «أما السن فعظم» علل منع الذبح بالسن بأنه عظم والحكم يعم بعموم علته.
  6. .باب الأضاحي: 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما».الأملح: الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض.لا خلاف أن الأضحية من شعائر الدين والمالكية يقدمون فيها الغنم على الإبل بخلاف الهدايا فإن الإبل فيها مقدمة والشافعي يقدم الإبل فيهما وقد يستدل المالكية باختيار النبي صلى الله عليه وسلم في الأضاحي للغنم وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح.والأملح: الأبيض والملحة: البياض وقد اختار الفقهاء هذا اللون للأضحية.وفيه تعداد الأضحية وكذلك القرن من المحبوبات فيها.وفيه دليل على استحباب تولي الأضحية للمضحي بنفسه إذا قدر على ذلك.وفيه دليل على التكبير عند الذبح..كتاب الأشربة: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال- على منبر رسول الله-: (أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر: ما خامر العقل ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وأبواب من الربا).فيه دليل على أن اسم الخمر لا يقتصر على ما اعتصر من العنب كما قال أهل الحجاز خلافا لأهل الكوفة.وقوله: (وهي من كذا وكذا) جملة في موضع الحال.وقوله: (خامر العقل), مجاز تشبيه وهو من باب تشبيه المعنى بالمحسوس.والجد: يريد به ميراثه وقد كان للمتقدمين فيه خلاف كثير ومذهب أبي بكر رضي الله عنه: أنه بمنزلة الأب عند عدم الأب.والكلالة: من لا أب له ولا ولد عند الجمهور.2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع؟ فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام».قال رضي الله عنه: البتع: نبيذ العسل.البتع: بكسر الباء وسكون التاء ويقال: بفتحها أيضا.وفيه دليل على تحريمه وتحريم كل مسكر نعم أهل الحجاز يرون أن المراد بالشراب الجنس لا العين والكوفيون يحملونه على القدر المسكر وعلى قول الأولين: يكون المراد بقوله أسكر أنه مسكر بالقوة أي فيه صلاحية ذلك.3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها؟».جملوها: أذابوها.وفيه دليل على تحريم بيع ما حرمت عينه.وفيه دليل على استعمال الصحابة القياس في الأمور من غير نكير لأن عمر رضي الله عنه قاس تحريم بيع الخمر عند تحريمها على بيع الشحوم عند تحريمها وهو قياس من غير شك وقد وقع تأكيد أمره بأن قال عمر فيمن خالفه قاتل الله فلانا وفلان الذي كنى عنه هو: سمرة بن جندب..كتاب اللباس: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».الحديث يتناول مطلق الحرير وهو محمول عند الجمهور على الخالص منه في حق الرجال وهو عندهم نهي تحريم وأما الممتزج بغيره فللفقهاء فيه اختلاف كثير فمنهم من يعتبر الغلبة في الوزن ومنهم من يعتبر الظهور في الرؤية واختلفوا في العتابي من هذا.ومن يقول بالتحريم: لعله يستدل بالحديث ويقول: إنه يدل على تحريم مسمى الحرير فما خرج منه بالإجماع حل ويبقى ما عداه على التحريم.2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».3- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالقصير ولا بالطويل.فيه دليل على لبس الأحمر والحلة عند العرب ثوبان وفيه دليل توفير الشعر وهذه الأمور الخلقية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الاقتداء به في هيئتها وكان ضروريا منها لم يتعلق بأصله استحباب بل بوصفه.4- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم.أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم- أو عن تختم- بالذهب وعن الشرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج.عيادة المريض عند الأكثرين مستحبة بالإطلاق وقد تجب حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده وإن لمم يعد ضاع وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد لظاهر الأمر.واتباع الجنائز يحتمل أن يراد به: اتباعها للصلاة عليها فإن عبر به عن الصلاة فذلك من فروض الكفايات عند الجمهور ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب لأنه ليس من الغالب أن يصلى على الميت ويدفن في محل موته ويحتمل أن يراد بالاتباع الرواح إلى محل الدفن لمواراته والمواراة أيضا من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به.وتشميت العاطس عند جماعة كثيرة من باب الاستحباب بخلاف رد السلام فإنه من واجبات الكفايات.وقوله إبرار القسم أو المقسم فيه وجهان أحدهما: أن يكون المقسم مضموم الميم مكسور السين ويكون بمعنى القسم وإبراره هو الوفاء بمقتضاه وعدم التحنيث فيه فإن كان ذلك على سبيل اليمين كما إذا قال: والله لتفعلن كذا فهو كما أكد مما إذا كان على سبيل التحليف كقوله بالله أفعل كذا لأن في الأول إيجاب الكفارة على الحالف وفيه تغريم للمال وذلك إضرار به.ونصر المظلوم من الفروض اللازمة على من علم بظلمه وقدر على نصره وهو من فروض الكفايات لما فيه من إزالة المنكر ودفع الضرر عن المسلم.وأما إجابة الداعي فهي عامة والاستحباب شامل للعموم ما لم يقم مانع.وقد اختلف الفقهاء من ذلك في إجابة الداعي إلى وليمة العرس: هل تجب أم لا؟ وحصل أيضا في نظر بعضهم توسع في الأعذار المرخصة في ترك إجابة الداعي وجعل بعضها مخصصا لهذا العموم بقوله لا ينبغي لأهل الفضل التسرع إلى إجابة الدعوات أو كما قال فجعل هذا القدر من التبذل بالإجابة في حق أهل الفضل مخصصا لهذا العموم وفيه نظر.وإفشاء السلام إظهاره والإعلان به وقد تعلقت بذلك مصلحة المودة كما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله عليه السلام: «ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».وليتنبه لأنا إذا قلنا باستحباب بعض هذه الأمور التي ورد فيها لفظ الأمر وإيجاب بعضها كنا قد استعملنا اللفظة الواحدة في الحقيقة والمجاز معا إذا جعلنا حقيقة الأمر الوجوب ويمكن أن يتحيل في هذا على مذهب من يمنع استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز بأن يقال: نختار مذهب من يرى أن الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلق الطلب فلا يكون دالا على أحد الخاصين- الذي هو الوجوب أو الندب- فتكون اللفظة استعملت في معنى واحد.فيه دليل على تحريم التختم بالذهب وهو راجع إلى الرجال ودليل على تحريم الشرب في أواني الفضة وهو عام في الرجال والنساء والجمهور على ذلك وفي مذهب الشافعي قول ضعيف أنه مكروه فقط ولا اعتداد به لورود الوعيد عليه بالنار والفقهاء القياسيون لم يقصروا هذا الحكم على الشرب وعدوه إلى غيره كالوضوء والأكل لعموم المعنى فيه.والمياثر جمع ميثرة- بكسر الميم- واصل اللفظة: من الواو لأنها مأخوذة من الوثار فالأصل: موثرة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهذا اللفظ مطلق في هذه الرواية مفسر في غيرها.وفيه النهي عن المياثر الحمر وفي بعض الروايات مياثر الأرجوان.والقسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة- ثياب حرير تنسب إلى القس وقيل: إنها بلدة من ديار مصر.والإستبرق ما غلظ من الديباج وذكر الديباج بعده إما من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص ليستفاد بذكر الخاص فائدة التنصيص ومن ذكر العام زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر أو يكون ذكر الديباج من باب التعبير بالعام عن الخاص ويراد به: ما رق من الديباج ليقابل بما غلظ وهو الإستبرق وقد قيل: إن الإستبرق لغة فارسية انتقلت إلى اللغة العربية وذلك الانتقال بضرب من التغيير كما هو العادة عند التعريب.5- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس كذلك ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: «إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل فرمى به» ثم قال: «والله لا ألبسه أبدا» فنبذ الناس خواتيمهم.وفي لفظ: «جعله في يده اليمنى».فيه دليل على منع لباس خاتم الذهب وأن لبسه كان أولا وتجنبه كان متأخرا وفيه دليل على إطلاق لفظ اللبس على التختم.واستدل به الأصوليون على مسألة التأسي بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس نبذوا خواتيمهم لما رأوه نبذ خاتمه وهذا عندي لا يقوى في جميع الصور التي تمكن في هذه المسألة فإن الأفعال التي يطلب فيها التأسي على قسمين: أحدهما: ما كان الأصل أن يمتنع لولا التأسي لقيام المانع منه فهذا يقوي الاستدلال به في محله والثاني: ما لا يمنع فعله لولا التأسي كما نحن فيه فإن أقصى ما في الباب أن يكون لبسه حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الأمة ولا يمتنع حينئذ أن يطرحه من أبيح له لبسه فمن أراد أن يستدل بمثل هذا على التأسي فيما الأصل منعه لولا التأسي فلم يفعل جيدا لما ذكرته من الفرق الواقع.وفيه دليل على التختم في اليد اليمنى ولا يقال: إن هذا فعل منسوخ لأن المنسوخ منه جواز اللبس بخصوص كونه ذهبا ولا يلزم من ذلك نسخ الوصف وهو التختم في اليمنى بخاتم غير الذهب.6- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه: السبابة والوسطى».ولمسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع».هذا الحديث يدل على استثناء هذا المقدار من المنع وقد ذكرنا توسع من توسع في هذا واعتبر غلبة الوزن أو الظهور ولابد لهم في هذا الحديث من الاعتذار عنه إما بتأويل أو بتقديم معارض.
  7. .باب الأضاحي: 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما».الأملح: الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض.لا خلاف أن الأضحية من شعائر الدين والمالكية يقدمون فيها الغنم على الإبل بخلاف الهدايا فإن الإبل فيها مقدمة والشافعي يقدم الإبل فيهما وقد يستدل المالكية باختيار النبي صلى الله عليه وسلم في الأضاحي للغنم وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح.والأملح: الأبيض والملحة: البياض وقد اختار الفقهاء هذا اللون للأضحية.وفيه تعداد الأضحية وكذلك القرن من المحبوبات فيها.وفيه دليل على استحباب تولي الأضحية للمضحي بنفسه إذا قدر على ذلك.وفيه دليل على التكبير عند الذبح..كتاب الأشربة: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال- على منبر رسول الله-: (أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر: ما خامر العقل ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وأبواب من الربا).فيه دليل على أن اسم الخمر لا يقتصر على ما اعتصر من العنب كما قال أهل الحجاز خلافا لأهل الكوفة.وقوله: (وهي من كذا وكذا) جملة في موضع الحال.وقوله: (خامر العقل), مجاز تشبيه وهو من باب تشبيه المعنى بالمحسوس.والجد: يريد به ميراثه وقد كان للمتقدمين فيه خلاف كثير ومذهب أبي بكر رضي الله عنه: أنه بمنزلة الأب عند عدم الأب.والكلالة: من لا أب له ولا ولد عند الجمهور.2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع؟ فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام».قال رضي الله عنه: البتع: نبيذ العسل.البتع: بكسر الباء وسكون التاء ويقال: بفتحها أيضا.وفيه دليل على تحريمه وتحريم كل مسكر نعم أهل الحجاز يرون أن المراد بالشراب الجنس لا العين والكوفيون يحملونه على القدر المسكر وعلى قول الأولين: يكون المراد بقوله أسكر أنه مسكر بالقوة أي فيه صلاحية ذلك.3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها؟».جملوها: أذابوها.وفيه دليل على تحريم بيع ما حرمت عينه.وفيه دليل على استعمال الصحابة القياس في الأمور من غير نكير لأن عمر رضي الله عنه قاس تحريم بيع الخمر عند تحريمها على بيع الشحوم عند تحريمها وهو قياس من غير شك وقد وقع تأكيد أمره بأن قال عمر فيمن خالفه قاتل الله فلانا وفلان الذي كنى عنه هو: سمرة بن جندب..كتاب اللباس: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».الحديث يتناول مطلق الحرير وهو محمول عند الجمهور على الخالص منه في حق الرجال وهو عندهم نهي تحريم وأما الممتزج بغيره فللفقهاء فيه اختلاف كثير فمنهم من يعتبر الغلبة في الوزن ومنهم من يعتبر الظهور في الرؤية واختلفوا في العتابي من هذا.ومن يقول بالتحريم: لعله يستدل بالحديث ويقول: إنه يدل على تحريم مسمى الحرير فما خرج منه بالإجماع حل ويبقى ما عداه على التحريم.2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».3- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالقصير ولا بالطويل.فيه دليل على لبس الأحمر والحلة عند العرب ثوبان وفيه دليل توفير الشعر وهذه الأمور الخلقية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الاقتداء به في هيئتها وكان ضروريا منها لم يتعلق بأصله استحباب بل بوصفه.4- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم.أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم- أو عن تختم- بالذهب وعن الشرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج.عيادة المريض عند الأكثرين مستحبة بالإطلاق وقد تجب حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده وإن لمم يعد ضاع وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد لظاهر الأمر.واتباع الجنائز يحتمل أن يراد به: اتباعها للصلاة عليها فإن عبر به عن الصلاة فذلك من فروض الكفايات عند الجمهور ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب لأنه ليس من الغالب أن يصلى على الميت ويدفن في محل موته ويحتمل أن يراد بالاتباع الرواح إلى محل الدفن لمواراته والمواراة أيضا من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به.وتشميت العاطس عند جماعة كثيرة من باب الاستحباب بخلاف رد السلام فإنه من واجبات الكفايات.وقوله إبرار القسم أو المقسم فيه وجهان أحدهما: أن يكون المقسم مضموم الميم مكسور السين ويكون بمعنى القسم وإبراره هو الوفاء بمقتضاه وعدم التحنيث فيه فإن كان ذلك على سبيل اليمين كما إذا قال: والله لتفعلن كذا فهو كما أكد مما إذا كان على سبيل التحليف كقوله بالله أفعل كذا لأن في الأول إيجاب الكفارة على الحالف وفيه تغريم للمال وذلك إضرار به.ونصر المظلوم من الفروض اللازمة على من علم بظلمه وقدر على نصره وهو من فروض الكفايات لما فيه من إزالة المنكر ودفع الضرر عن المسلم.وأما إجابة الداعي فهي عامة والاستحباب شامل للعموم ما لم يقم مانع.وقد اختلف الفقهاء من ذلك في إجابة الداعي إلى وليمة العرس: هل تجب أم لا؟ وحصل أيضا في نظر بعضهم توسع في الأعذار المرخصة في ترك إجابة الداعي وجعل بعضها مخصصا لهذا العموم بقوله لا ينبغي لأهل الفضل التسرع إلى إجابة الدعوات أو كما قال فجعل هذا القدر من التبذل بالإجابة في حق أهل الفضل مخصصا لهذا العموم وفيه نظر.وإفشاء السلام إظهاره والإعلان به وقد تعلقت بذلك مصلحة المودة كما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله عليه السلام: «ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».وليتنبه لأنا إذا قلنا باستحباب بعض هذه الأمور التي ورد فيها لفظ الأمر وإيجاب بعضها كنا قد استعملنا اللفظة الواحدة في الحقيقة والمجاز معا إذا جعلنا حقيقة الأمر الوجوب ويمكن أن يتحيل في هذا على مذهب من يمنع استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز بأن يقال: نختار مذهب من يرى أن الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلق الطلب فلا يكون دالا على أحد الخاصين- الذي هو الوجوب أو الندب- فتكون اللفظة استعملت في معنى واحد.فيه دليل على تحريم التختم بالذهب وهو راجع إلى الرجال ودليل على تحريم الشرب في أواني الفضة وهو عام في الرجال والنساء والجمهور على ذلك وفي مذهب الشافعي قول ضعيف أنه مكروه فقط ولا اعتداد به لورود الوعيد عليه بالنار والفقهاء القياسيون لم يقصروا هذا الحكم على الشرب وعدوه إلى غيره كالوضوء والأكل لعموم المعنى فيه.والمياثر جمع ميثرة- بكسر الميم- واصل اللفظة: من الواو لأنها مأخوذة من الوثار فالأصل: موثرة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهذا اللفظ مطلق في هذه الرواية مفسر في غيرها.وفيه النهي عن المياثر الحمر وفي بعض الروايات مياثر الأرجوان.والقسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة- ثياب حرير تنسب إلى القس وقيل: إنها بلدة من ديار مصر.والإستبرق ما غلظ من الديباج وذكر الديباج بعده إما من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص ليستفاد بذكر الخاص فائدة التنصيص ومن ذكر العام زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر أو يكون ذكر الديباج من باب التعبير بالعام عن الخاص ويراد به: ما رق من الديباج ليقابل بما غلظ وهو الإستبرق وقد قيل: إن الإستبرق لغة فارسية انتقلت إلى اللغة العربية وذلك الانتقال بضرب من التغيير كما هو العادة عند التعريب.5- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس كذلك ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: «إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل فرمى به» ثم قال: «والله لا ألبسه أبدا» فنبذ الناس خواتيمهم.وفي لفظ: «جعله في يده اليمنى».فيه دليل على منع لباس خاتم الذهب وأن لبسه كان أولا وتجنبه كان متأخرا وفيه دليل على إطلاق لفظ اللبس على التختم.واستدل به الأصوليون على مسألة التأسي بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس نبذوا خواتيمهم لما رأوه نبذ خاتمه وهذا عندي لا يقوى في جميع الصور التي تمكن في هذه المسألة فإن الأفعال التي يطلب فيها التأسي على قسمين: أحدهما: ما كان الأصل أن يمتنع لولا التأسي لقيام المانع منه فهذا يقوي الاستدلال به في محله والثاني: ما لا يمنع فعله لولا التأسي كما نحن فيه فإن أقصى ما في الباب أن يكون لبسه حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الأمة ولا يمتنع حينئذ أن يطرحه من أبيح له لبسه فمن أراد أن يستدل بمثل هذا على التأسي فيما الأصل منعه لولا التأسي فلم يفعل جيدا لما ذكرته من الفرق الواقع.وفيه دليل على التختم في اليد اليمنى ولا يقال: إن هذا فعل منسوخ لأن المنسوخ منه جواز اللبس بخصوص كونه ذهبا ولا يلزم من ذلك نسخ الوصف وهو التختم في اليمنى بخاتم غير الذهب.6- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه: السبابة والوسطى».ولمسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع».هذا الحديث يدل على استثناء هذا المقدار من المنع وقد ذكرنا توسع من توسع في هذا واعتبر غلبة الوزن أو الظهور ولابد لهم في هذا الحديث من الاعتذار عنه إما بتأويل أو بتقديم معارض.
  8. .باب الأضاحي: 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما».الأملح: الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض.لا خلاف أن الأضحية من شعائر الدين والمالكية يقدمون فيها الغنم على الإبل بخلاف الهدايا فإن الإبل فيها مقدمة والشافعي يقدم الإبل فيهما وقد يستدل المالكية باختيار النبي صلى الله عليه وسلم في الأضاحي للغنم وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح.والأملح: الأبيض والملحة: البياض وقد اختار الفقهاء هذا اللون للأضحية.وفيه تعداد الأضحية وكذلك القرن من المحبوبات فيها.وفيه دليل على استحباب تولي الأضحية للمضحي بنفسه إذا قدر على ذلك.وفيه دليل على التكبير عند الذبح..كتاب الأشربة: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال- على منبر رسول الله-: (أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر: ما خامر العقل ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وأبواب من الربا).فيه دليل على أن اسم الخمر لا يقتصر على ما اعتصر من العنب كما قال أهل الحجاز خلافا لأهل الكوفة.وقوله: (وهي من كذا وكذا) جملة في موضع الحال.وقوله: (خامر العقل), مجاز تشبيه وهو من باب تشبيه المعنى بالمحسوس.والجد: يريد به ميراثه وقد كان للمتقدمين فيه خلاف كثير ومذهب أبي بكر رضي الله عنه: أنه بمنزلة الأب عند عدم الأب.والكلالة: من لا أب له ولا ولد عند الجمهور.2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع؟ فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام».قال رضي الله عنه: البتع: نبيذ العسل.البتع: بكسر الباء وسكون التاء ويقال: بفتحها أيضا.وفيه دليل على تحريمه وتحريم كل مسكر نعم أهل الحجاز يرون أن المراد بالشراب الجنس لا العين والكوفيون يحملونه على القدر المسكر وعلى قول الأولين: يكون المراد بقوله أسكر أنه مسكر بالقوة أي فيه صلاحية ذلك.3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها؟».جملوها: أذابوها.وفيه دليل على تحريم بيع ما حرمت عينه.وفيه دليل على استعمال الصحابة القياس في الأمور من غير نكير لأن عمر رضي الله عنه قاس تحريم بيع الخمر عند تحريمها على بيع الشحوم عند تحريمها وهو قياس من غير شك وقد وقع تأكيد أمره بأن قال عمر فيمن خالفه قاتل الله فلانا وفلان الذي كنى عنه هو: سمرة بن جندب..كتاب اللباس: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».الحديث يتناول مطلق الحرير وهو محمول عند الجمهور على الخالص منه في حق الرجال وهو عندهم نهي تحريم وأما الممتزج بغيره فللفقهاء فيه اختلاف كثير فمنهم من يعتبر الغلبة في الوزن ومنهم من يعتبر الظهور في الرؤية واختلفوا في العتابي من هذا.ومن يقول بالتحريم: لعله يستدل بالحديث ويقول: إنه يدل على تحريم مسمى الحرير فما خرج منه بالإجماع حل ويبقى ما عداه على التحريم.2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».3- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالقصير ولا بالطويل.فيه دليل على لبس الأحمر والحلة عند العرب ثوبان وفيه دليل توفير الشعر وهذه الأمور الخلقية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الاقتداء به في هيئتها وكان ضروريا منها لم يتعلق بأصله استحباب بل بوصفه.4- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم.أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم- أو عن تختم- بالذهب وعن الشرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج.عيادة المريض عند الأكثرين مستحبة بالإطلاق وقد تجب حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده وإن لمم يعد ضاع وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد لظاهر الأمر.واتباع الجنائز يحتمل أن يراد به: اتباعها للصلاة عليها فإن عبر به عن الصلاة فذلك من فروض الكفايات عند الجمهور ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب لأنه ليس من الغالب أن يصلى على الميت ويدفن في محل موته ويحتمل أن يراد بالاتباع الرواح إلى محل الدفن لمواراته والمواراة أيضا من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدى به.وتشميت العاطس عند جماعة كثيرة من باب الاستحباب بخلاف رد السلام فإنه من واجبات الكفايات.وقوله إبرار القسم أو المقسم فيه وجهان أحدهما: أن يكون المقسم مضموم الميم مكسور السين ويكون بمعنى القسم وإبراره هو الوفاء بمقتضاه وعدم التحنيث فيه فإن كان ذلك على سبيل اليمين كما إذا قال: والله لتفعلن كذا فهو كما أكد مما إذا كان على سبيل التحليف كقوله بالله أفعل كذا لأن في الأول إيجاب الكفارة على الحالف وفيه تغريم للمال وذلك إضرار به.ونصر المظلوم من الفروض اللازمة على من علم بظلمه وقدر على نصره وهو من فروض الكفايات لما فيه من إزالة المنكر ودفع الضرر عن المسلم.وأما إجابة الداعي فهي عامة والاستحباب شامل للعموم ما لم يقم مانع.وقد اختلف الفقهاء من ذلك في إجابة الداعي إلى وليمة العرس: هل تجب أم لا؟ وحصل أيضا في نظر بعضهم توسع في الأعذار المرخصة في ترك إجابة الداعي وجعل بعضها مخصصا لهذا العموم بقوله لا ينبغي لأهل الفضل التسرع إلى إجابة الدعوات أو كما قال فجعل هذا القدر من التبذل بالإجابة في حق أهل الفضل مخصصا لهذا العموم وفيه نظر.وإفشاء السلام إظهاره والإعلان به وقد تعلقت بذلك مصلحة المودة كما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله عليه السلام: «ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».وليتنبه لأنا إذا قلنا باستحباب بعض هذه الأمور التي ورد فيها لفظ الأمر وإيجاب بعضها كنا قد استعملنا اللفظة الواحدة في الحقيقة والمجاز معا إذا جعلنا حقيقة الأمر الوجوب ويمكن أن يتحيل في هذا على مذهب من يمنع استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز بأن يقال: نختار مذهب من يرى أن الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلق الطلب فلا يكون دالا على أحد الخاصين- الذي هو الوجوب أو الندب- فتكون اللفظة استعملت في معنى واحد.فيه دليل على تحريم التختم بالذهب وهو راجع إلى الرجال ودليل على تحريم الشرب في أواني الفضة وهو عام في الرجال والنساء والجمهور على ذلك وفي مذهب الشافعي قول ضعيف أنه مكروه فقط ولا اعتداد به لورود الوعيد عليه بالنار والفقهاء القياسيون لم يقصروا هذا الحكم على الشرب وعدوه إلى غيره كالوضوء والأكل لعموم المعنى فيه.والمياثر جمع ميثرة- بكسر الميم- واصل اللفظة: من الواو لأنها مأخوذة من الوثار فالأصل: موثرة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهذا اللفظ مطلق في هذه الرواية مفسر في غيرها.وفيه النهي عن المياثر الحمر وفي بعض الروايات مياثر الأرجوان.والقسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة- ثياب حرير تنسب إلى القس وقيل: إنها بلدة من ديار مصر.والإستبرق ما غلظ من الديباج وذكر الديباج بعده إما من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص ليستفاد بذكر الخاص فائدة التنصيص ومن ذكر العام زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر أو يكون ذكر الديباج من باب التعبير بالعام عن الخاص ويراد به: ما رق من الديباج ليقابل بما غلظ وهو الإستبرق وقد قيل: إن الإستبرق لغة فارسية انتقلت إلى اللغة العربية وذلك الانتقال بضرب من التغيير كما هو العادة عند التعريب.5- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس كذلك ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: «إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل فرمى به» ثم قال: «والله لا ألبسه أبدا» فنبذ الناس خواتيمهم.وفي لفظ: «جعله في يده اليمنى».فيه دليل على منع لباس خاتم الذهب وأن لبسه كان أولا وتجنبه كان متأخرا وفيه دليل على إطلاق لفظ اللبس على التختم.واستدل به الأصوليون على مسألة التأسي بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس نبذوا خواتيمهم لما رأوه نبذ خاتمه وهذا عندي لا يقوى في جميع الصور التي تمكن في هذه المسألة فإن الأفعال التي يطلب فيها التأسي على قسمين: أحدهما: ما كان الأصل أن يمتنع لولا التأسي لقيام المانع منه فهذا يقوي الاستدلال به في محله والثاني: ما لا يمنع فعله لولا التأسي كما نحن فيه فإن أقصى ما في الباب أن يكون لبسه حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الأمة ولا يمتنع حينئذ أن يطرحه من أبيح له لبسه فمن أراد أن يستدل بمثل هذا على التأسي فيما الأصل منعه لولا التأسي فلم يفعل جيدا لما ذكرته من الفرق الواقع.وفيه دليل على التختم في اليد اليمنى ولا يقال: إن هذا فعل منسوخ لأن المنسوخ منه جواز اللبس بخصوص كونه ذهبا ولا يلزم من ذلك نسخ الوصف وهو التختم في اليمنى بخاتم غير الذهب.6- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه: السبابة والوسطى».ولمسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع».هذا الحديث يدل على استثناء هذا المقدار من المنع وقد ذكرنا توسع من توسع في هذا واعتبر غلبة الوزن أو الظهور ولابد لهم في هذا الحديث من الاعتذار عنه إما بتأويل أو بتقديم معارض.
  9. .كتاب الجهاد: 1- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر, حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف», ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».فيه دليل على استحباب القتال بعد زوال الشمس وقد ورد فيه حديث أصرح من هذا أو أثر عن بعض الصحابة.ولما كان لقاء الموت من أشق الأشياء وأصعبها على النفوس من وجوه كثيرة وكانت الأمور المقدرة عند النفس ليست كالأمور المحققة لها: خشي أن لا تكون عند التحقيق كما ينبغي فكره تمني لقاء العدو لذلك ولما فيه- إن وقع- من احتمال المخالفة لما وعد الإنسان من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة وقد ورد النهي عن تمني الموت مطلقا لضر نزل وفي حديث: «لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد» وفي الجهاد زيادة على مطلق الموت.وقوله عليه السلام: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» من باب المبالغة والمجاز الحسن فإن ظل الشيء لما كان ملازما له جعل ثواب الجنة واستحقاقها عن الجهاد وإعمال السيوف لازما لذلك ن كما يلزم الظل.وهذا الدعاء لعله أشار إلى ثلاثة أسباب تطلب بها الإباحة.أحدها: طلب النصر بالكتاب المنزل وعليه يدل قوله عليه السلام: «منزل الكتاب» كأنه قال: كما أنزلته فانصره وأعله وأشار إلى القدرة بقوله: «ومجري السحاب» وأشار إلى أمرين أحدهما: بقوله: «وهازم الأحزاب» إلى التفرد بالفعل وتجريد التوكل واطراح الأسباب واعتقاد.أن الله وحده هو الفاعل والثاني: التوسل بالنعمة السابقة إلى النعمة اللاحقة وقد ضمن الشعراء هذا المعنى أشعارهم بعدما أشار إليه كتاب الله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام في قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [مريم: 4] وعن إبراهيم عليه السلام في قوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم: 47].وقال الشاعر:كما أحسن الله فيما مضى ** كذلك يحسن فيما بقي وقال الآخر:لا والذي قد من بالإ ** سلام يثلج في فؤادي ما كان يختم بالإساء ** ة وهو بالإحسان بادي2- عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم في الجنة: خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما فيها».الرباط: مراقبة العدو في الثغور المتاخمة لبلاده.وفي قوله عليه السلام: «خير من الدنيا وما عليها» وجهان.أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له وتثبيتا في النفوس فإن ملك الدنيا ونعيمها ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس.فحقق عندها أن ثواب اليوم الواحد في الرباط- وهو من المغيبات- خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا.والثاني: أنه قد استبعد بعضهم أن يوازن شيء من نعيم الآخرة بالدنيا كلها فحمل الحديث أو ما في معناه على أن هذا الذي رتب عليه الثواب خير من الدنيا كلها لو أنفقت في طاعة الله تعالى وكأنه قصد بهذا أن تحصل الموازنة بين ثوابين أخرويين لاستحقاره الدنيا في مقابلة شيء من الأخرى ولو على سبيل التفضيل والأول عندي أوجه وأظهر.والغدوة: بفتح الغين السير في الوقت الذي من أول النهار إلى الزوال والروحة: من الزوال إلى الليل واللفظ مشعر بأنها تكون فعلا واحدا ولا شك أنه قد يقع على اليسير والكثير من الفعل الواقع في هذين الوقتين ففيه زيادة ترغيب وفضل عظيم.3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انتدب الله» , ولمسلم: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي وهو علي ضامن: أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة».4- ولمسلم: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن جاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة».الضمان والكفالة ههنا: عبارة عن تحقيق هذا الموعود من الله سبحانه وتعالى فإن الضمان والكفالة: مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها.وقوله: «لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي» دليل على أنه لا يحصل هذا الثواب إلا لمن صحت نيته وخلصت من شوائب إرادة الأغراض الدنيوية فإنه ذكر بصيغة النفي والإثبات المقتضيين للحصر.وقوله: «فهو علي ضامن» قيل: إن فاعلا هاهنا بمعنى مفعول كما قيل في ماء دافق وعيشة راضية أي مدفوق ومرضية على احتمال هاتين اللفظتين لغير ذلك.وقد يقال إن ضامنا بمعنى ذا ضمان كلابن وتامر ويكون الضمان ليس منه وإنما نسب إليه لتعلقه به والعرب تضيف لأدنى ملابسة.وقوله: «أرجعه» مفتوح الهمزة مكسور الجيم من رجعه ثلاثيا متعديا ولازمه ومتعديه واحد قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83].قيل إن هذا الحديث معارض للحديث الآخر وهو قوله عليه السلام: «من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كان قد تعجلوا ثلثي أجرهم وما من غازية أو سرية تغزو فتخفق أو تصاب إلا تم لهم أجرهم» والإخفاق أن تغزو فلا تغنم شيئا ذكر القاضي معنى ما ذكرناه من المعارضة عن غير واحد.وعندي: أنه أقرب إلى موافقته منه إلى معارضته ويبعد جدا أن يقال بتعارضهما نعم كلاهما مشكل أما ذلك الحديث فلتصريحه بنقصان الأجر بسبب الغنيمة وأما هذا فلأن أو تقتضي أحد الشيئين لا مجموعها فيقتضي إما حصول الأجر أو الغنيمة وقد قالوا: لا.يصح أن تنقص الغنيمة من أجر أهل بدر وكانوا أفضل المجاهدين وأفضلهم غنيمة ويؤكد هذا تتابع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده على أخذ الغنيمة وعدم التوقف عنها.وقد اختلفوا بسبب هذا الإشكال في الجواب فمنهم من جنح إلى الطعن في ذلك الحديث وقال: إنه لا يصح وزعم أن بعض رواته ليس بمشهور وهذا ضعيف لأن مسلما أخرجه في كتابه ومنهم من قال: إن هذا الذي تعجل من أجره بالغنيمة في غنيمة أخذت على غير وجهها قال بعضهم وهذا بعيد لا يحتمله الحديث وقيل إن هذا الحديث أعني الذي نحن في شرحه شرط فيه ما يقتضي الإخلاص والحديث الذي في نقصان الأجر يحمل على من قصد مع الجهاد طلب المغنم فهذا شرك بما يجوز له التشريك فيه وانقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره والأول أخلص فكمل أجره.قال القاضي: وأوجه من هذا عندي في استعمال الحديثين على وجهيهما أيضا إن نقص أجر الغانم بما فتح الله عز وجل عليه من الدنيا وحساب ذلك بتمتعه عليه في الدنيا وذهاب شظف عيشه في غزوه وبعده إذا قوبل بمن أخفق ولن يصب منها شيئا وبقي على شظف عيشه والصبر على غزواه في حاله وجد أجر هذا أبدا في ذلك وافيا مطردا بخلاف الأول ومثله في الحديث الآخر: «فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها».وأقول أن التعارض بين الحديثين فقد نبهنا على بعده فأما الإشكال في الحديث الثاني فظاهره الجار على القياس لأن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات لاسيما ما كان أجره بحسب مشقته أو لمشقته دخل في الأجر وإنما يشكل عليه العمل المتصل بأخذ الغنائم فلعل هذا من باب تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض فإن ذلك الزمن كان الإسلام فيه غريبا أعني ابتداء زمن النبوة وكان أخذ الغنائم عونا على علو الدين وقوة المسلمين وضعفاء المهاجرين وهذه مصلحة عظمى قد يغتفر بعض النقص في الأجر من حيث هو هو.وأما ما قيل في أهل بدر فقد يفهم منه أن النقصان بالنسبة إلى الغير وليس ينبغي أن يكون كذلك بل ينبغي أن يكون التقابل بين كمال أجر الغازي نفسه إذا لم يغنم وأجره إذا غنم فيقتضي هذا أن يكون حالهم عند عدم الغنيمة أفضل من حالهم عند وجودها لا من حال غيرهم وإن كان أفضل من حال غيرهم قطعا فمن وجه آخر لكن لابد من هذا من اعتبار المعارض الذي ذكرناه فلعله مع اعتباره لا يكون ناقصا ويستثنى حاله من العموم الذي في الحديث الثاني أو حال من يقاربهم في المعنى.وأما هذا الحديث الذي نحن فيه فإشكاله من كلمة (أو) أقوى من ذلك الحديث فإنه قد يشعر بأن الحاصل إما أجر وإما غنيمة فيقتضي أنه إذا حصلنا الغنيمة يكتفى بها له وليس كذلك.وقيل في الجواب عن هذا بأن أو بمعنى الواو وكأنه التقدير بأجر وغنيمة وهذا وإن كان فيه ضعف من جهة العربية ففيه إشكال من حيث إنه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين كان ذلك داخلا في الضمان فيقتضي أنه لابد من حصول أمرين لهذا المجاهد إذا رجع مع رجوعه وقد لا يتفق ذلك بأن يتلف ما حصل في الرجوع من الغنيمة اللهم إلا أن يتجاوز في لفظة الرجوع إلى الأهل أو يقال: المعية في مطلق الحصول لا في الحصول في الرجوع.ومنهم من أجاب بأن التقدير أو أرجعه إلى أهله مع من نال من أجره وحده أو غنيمة وأجر فحذف الأجر من الثاني وهذا لا بأس به لأن المقابلة إنما تشكل إذا كانت بين مطلق الأجر وبين الغنيمة مع الأجر وأما مع الأجر المفيد بانفراده عن الغنيمة فلا.5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون الدم والريح ريح المسك».الكلم: الجرح ومجيئه يوم القيامة مع سيلان الجرح فيه أمران.أحدهما: الشهادة على ظلمه بالقتل الثاني: إظهار شرفه لأهل المشهد الموقف بما فيه من رائحة المسك الشاهدة بالطيب وقد ذكروا في الاستنباط من هذا الحديث أشياء متكلفة غير صابرة على التحقيق.منها: أن المراعى في الماء تغير لونه دون تغير رائحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا الخارج من جرح الشهيد دما وإن كان ريحه ريح المسك ولم يكن مسكا فغلب الاسم لونه على رائحته فكذلك الماء ما لم يتغير طعمه لم يلتفت إلى تغير رائحته وفي هذا نظر يحتاج إلى تأمل.ومنها ما ترجم البخاري فيما يقع من النجاسات في الماء والسمن قال القاضي: وقد يحتمل أن حجته فيها الرخصة في الرائحة كما تقدم أو التغليظ بعكس الاستدلال الأول فإن الدم لما انتقل لطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة ومن حكم القذارة إلى التطييب بتغير رائحته وحكم له بحكم المسك والطيب للشهيد فكذلك الماء ينتقل إلى العكس بخبث الرائحة وتغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة.ومنها: ما قال القاضي: ويحتج بهذا الحديث أبو حنيفة في جواز استعمال الماء المضاف المتغيرة أوصافه بإطلاق اسم الماء عليه كما انطلق على هذا اسم الدم وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب قال: وحجته بذلك ضعيفة وأقول: الكل ضعيف.6- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت» أخرجه مسلم.7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» أخرجه البخاري.قد تقدم الكلام على هذا المعنى في حديث مضى.
  10. وأما المعارض فمنه ما روى عبد الله بن عمر وهو أخو عبيد الله الذي قدمنا ذكره عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم يوم خيبر للفارس سهمين وللرجال سهما قال الشافعي: وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ وقال في القديم: فإنه سمع نافعا يقول للفرس سهمين وللرجل سهما فقال: للفرس سهمين وللرجل سهما. قلت: وعبيد الله وعبد الله هذان هما ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. وما ذكره الشافعي من تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه عند أهل العلم فهو كذلك ولكن في حديث مجمع بن جارية ما يعضده ويوافقه وهو حديث رواه أبو داود من حديث مجمع بن يعقوب بن مجمع عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن قال: شهدت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قال: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] فقال رجل: يا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم, والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» فقسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيه ثلاثة مائة فارس فأعطى للفارس سهمين وأعطى للرجال سهما رواه أبو داود عن محمد بن عيسى عن مجمع وهذا يوافق رواية عبد الله بن عمر في قسم خيبر إلا أن الشافعي قال في مجمع بن يعقوب أنه شيخ لا يعرف فقال: فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ولم نر له خبرا مثله يعارضه ولا يجوز خبر إلا بخبر مثله. 18- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث في السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش. هذا هو التنفيل بالمعنى الثاني الذي ذكرناه في معنى النفل وهو أن يعطي الإمام لسرية أو لبعض أهل الجيش خارجا عن السهمين والحديث مصرح بأنه خارج عن قسم عامة الجيش إلا أنه ليس مبينا لكونه من رأس الغنيمة أو من الخمس فإن اللفظ محتمل لها جميعا والناس مختلفون في ذلك ففي رواية مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس وهذا مرسل وروى محمد بن إسحاق عن نافع ابن عمر قال: بعث رسول الله سرية إلى نجد فخرجت معها فأصبنا نعما كثيرة فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله. وهذا يدل على أن التنفيل من رأس الغنيمة وروى زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة وهذا أيضا يدل على أن التنفيل. من أصل الغنيمة ظاهرا مع احتماله لغيره وروى في حديث حبيب هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل» وهذا يحتمل أن يكون المراد منه ينفل بعد إخراج الخمس أي ينفله من أربعة أخماس ما يأتون به ردء الغنيمة إلى موضع في البدأة او في الرجعة وهذا ظاهر وترجم أبو داود عليه باب فيمن قال: الخمس قبل النفل وأبدى بعضهم فيه احتمالا آخرا وهو أن يكون قوله بعد الخمس أي بعد أن ينفرد الخمس فعلى هذا يبقى محتملا لأن ينفل ذلك من الخمس أو من غير الخمس فيحمله على أن ينفل من الخمس احتمالا وحديث ابن إسحاق صريح أو كالصريح. وللحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال وما يضر من المقاصد الداخلة وما لا يضر وهو موضع دقيق المأخذ ووجه تعلقه به أن التنفيل للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة والمجاهدة وفي ذلك مداخله لقصد الجهاد لله تعالى إلا أن ذلك لم يضرهم قطعا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ففي ذلك دلالة لا شك فيها على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا يقدح من الإخلاص وإنما الإشكال في ضبط قانونها وتمييز ما يضر مداخلته من المقاصد ويقتضي الشركة فيه المنافاة للإخلاص وما لا تقتضيه ويكون تبعا لا له ويتفرع عنه غير ما مسألة. وفي الحديث دلالة على أن لنظر الإمام مدخلا في المصالح المتعلقة في المال أصلا وتقديرا على حسب المصلحة على ما اقتضاه حديث حبيب بن مسلمة في الربع والثلث فإن الرجعة لما كانت أشق على الراجعين واشد لخوفهم لأن العدو قد كان نذر بهم لقربهم فهو على يقظة من أمرهم اقتضى زيادة التنفيل والبدأة لما لم يكن فيها هذا المعنى اقتضى نقصه ونظر الإمام متقيد بالمصلحة لا على أن يكون بحسب التشهي حيث يقال: إن النظر للإمام إنما يعني هذا أعني أن يفعل ما تقتضيه المصلحة لا أن يفعل على حسب التشهي. 19- عن أبي موسى عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا». حمل السلاح: يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السلام: «علينا» ويحتمل أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم قتال المسلمين وتغليظ الأمر فيه. وقوله: «فليس منا» قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين لأنه إذا حمل: «علينا» على أن المراد به المسلمون كان قوله: «فليس منا» كذلك وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا إلى تأويله كقوله عليه السلام: «من غشنا فليس منا» وقيل فيه: ليس مثلنا أو ليس على طريقتنا أو ما يشبه ذلك فإذا كان الظاهر كما ذكرناه ودل الدليل علة عدم الخروج عن الإسلام بذلك اضطررنا إلى التأويل. 20- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». في الحديث دليل على وجوب الإخلاص في الجهاد وتصريح بأن القتال للشجاعة والحمية والرياء خارج عن ذلك. فأما الرياء: فهو ضد الإخلاص بذاته لاستحالة اجتماعهما- أعني أن يكون القتال لأجل الله تعالى ويكون بعينه لأجل الناس. وأما القتال للشجاعة فيحتمل وجوها: أحدها: أن يكون التعليل داخلا في قصد المقاتل أي قاتل لأجل إظهار الشجاعة فيكون فيه حذف مضاف وهذا لا شك في منافاته للإخلاص وثانيها: أن يكون ذلك تعليلا لقتاله من غير دخول له في القصد بالقتال كما يقال: أعطى لكرمه ومنع لبخله وآذى لسوء خلقه وهذا بمجرده من حيث هو هو لا يجوز أن يكون مرادا بالسؤال ولا الذم فإن الشجاع المجاهد في سبيل الله إنما فعل ما فعل لأنه شجاع غير أنه ليس يقصد به إظهار الشجاعة ولا قصد إظهار الشجاعة في التعليل وثالثها: أن يكون المراد بقولنا: قاتل للشجاعة: أنه يقاتل لكونه شجاعا فقط وهذا غير المعنى الذي قبله لأن الأحوال ثلاثة: حال يقصد بها إظهار الشجاعة وحال يقصد بها إعلاء كلمة الله تعالى وحال يقاتل فيها لأنه شجاع إلا أنه لم يقصد إعلاء كلمة الله تعالى ولا إظهار الشجاعة عنه وهذا يمكن فإن الشجاع الذي تداهمه الحرب وكانت طبيعته المسارعة إلى القتال يبدأ بالقتال لطبيعته وقد لا يستحضر أحد الأمرين- أعني أنه لغير الله تعالى أو لإعلاء كلمة الله تعالى. ويوضح الفرق بينهما أيضا: أن المعنى الثاني لا ينافيه وجود قصد فإنه يقال: قاتل إعلاء كلمة الله تعالى لأنه شجاع وقاتل للرياء لأنه شجاع فإن الجبن مناف للقتال مع كل قصديفرض وأما المعنى الثالث: فإنه ينافيه القصد لأنه أخذ فيه القتال للشجاعة بقيد التجرد عن غيرها ومفهوم الحديث أنه في سبيل الله تعالى إذا قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وليس في سبيل الله إذا لم يقاتل لذلك. فعلى الوجه الأول: تكون فائدته بيان أن القتال لهذه الأغراض مانع وعلى الوجه الأخير تكون فائدته: إن القتال لأجل إعلاء كلمة الله تعالى شرط وقد بينا الفرق بين المعنيين وقد ذكرنا أن مفهوم الحديث الاشتراط لكن إذا قلنا بذلك فلا ينبغي أن نضيق فيه بحيث تشترط مقارنته لساعة شروعه في القتال بل بالخروج إليه لإعلاء كلمة الله تعالى ويشهد لهذا الحديث الصحيح في أنه يكتب للمجاهد استنان فرسه وشربها في النهر من غير قصد لذلك لما كان القصد الأول من الجهاد واقعا لم يشترط أن يكون ذلك في الجزئيات ولا يبعد أن يكون بينهما فرق إلا أن الأقرب عندنا ما ذكرناه من أنه لا يشترط اقتران القصد بأول الفعل المخصوص بعد أن يكون القصد صحيحا في الجهاد إعلاء كلمة الله تعالى دفعا للحرج والمشقة فإن حالة الفزع حالة دهش وقد تأتي على غفلة فالتزام حضور الخواطر في ذلك الوقت حرج ومشقة. ثم إن الحديث يدل على أن المجاهد في سبيل الله مؤمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا والمجاهد لطلب ثواب الله تعالى والنعيم المقيم مجاهد في سبيل الله ويشهد له فعل الصحابة وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» فألقى الثمرات التي كن في يده وقاتل حتى قتل وظاهر هذا أنه قاتل لثواب الجنة والشريعة كلها طافحة بان الأعمال لأجل الجنة أعمال صحيحة غير معلولة لأن الله تعالى ذكر صفة الجنة وما أعد فيها للعاملين ترغيبا للناس في العمل ومحال أن يرغبهم للعمل للثواب ويكون ذلك معلولا مدخولا اللهم إلا أن يدعى أن غير هذا المقام أعلى منه فهذا قد يتسامح فيه وأما أن يكون علة في العمل فلا. فإذا ثبت هذا وأن المقاتل لثواب الله وللجنة مقاتل في سبيل الله تعالى فالواجب أن يقال: أحد الأمرين إما أن يضاف إلى هذا لامقصود- أعني القتال إعلاء كلمة الله تعالى- ما هو مثله أو ما يلازمه كالقتال لثواب الله تعالى وإما أن يقال: إن المقصود بالكلام وسياقه بيان أن هذه المقاصد منافية للقتال في سبيل الله فإن السؤال إنما وقع عن القتال لهذه المقاصد وطلب بيان أنها في سبيل الله فإن السؤال إنما وقع عن القتال لهذه المقاصد وطلب بيان أنها في سبيل الله أم لا؟ فخرج الجواب عن قصد السؤال بعد بيان منافاة هذه المقاصد للجهاد في سبيل الله هو بيان أن هذا القتال إعلاء كلمة الله تعالى هو قتال في سبيل الله لا على أن سبيل الله للحصر وأن لا يكون غيره في سبيل الله مما لا ينافي الإخلاص كالقتال لطلب الثواب والله أعلم. وأما القتال حمية فالحمية من فعل القلوب فلا يقتضي ذلك إلا أن يكون مقصود الفاعل إما مطلقا وإما في مراد الحديث ودلالة السياق وحينئذ يكون قادحا في سبيل الله تعالى إما لانصرافه إلى هذا الفرض وخروجه عن القتال إعلاء كلمة الله تعالى وإما لمشاركته المشاركة القادحة في الإخلاص ومعلوم أن المراد بالحمية الحمية لغير دين الله وبهذا يظهر لك ضعف الظاهرية في مواضع كثيرة ويتبين أن الكلام يستدل على المراد منه بقرائنه وسياقه ودلالة الدليل الخارج عن المراد منه وغير ذلك. فإن قلت: فإذا حلت قوله قاتل للشجاعة أي إظهار الشجاعة فما لفائدة بعد ذلك في قولهم: يقاتل رياء. قلت: يحتمل أن يراد بالرياء إظهار قصده للرغبة في ثواب الله تعالى والمسارعة للقربات وبذل النفس في مرضاة الله تعالى والمقاتل إظهار الشجاعة مقاتل لغرض دنيوي وهو تحصيل المحمدة والثناء من الناس عليه بالشجاعة والمقصدان مختلفان ألا ترى أن العرب في جاهليتها كانت تقاتل للحمية وإظهار الشجاعة ولم يكن لها قصد في المراءاة بإظهار الرغبة في ثواب الله تعالى والدار الآخرة؟ فافترق القصدان. وكذلك أيضا القتال للحمية مخالف للقتال شجاعة والقتال للرياء لأن الأول يقاتل لطلب المحمدة بخلق الشجاعة وصفتها وإنها قائمة بالمقاتل وسجية له والقتال للحمية قد لا يكون كذلك وقد يقاتل الجبان حمية لقومه أو لحريمه مكره أخاك لا بطل والله أعلم. .كتاب العتق: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق». الكلام عليه من وجوه: الأول: صيغة من للعموم فيقتضي دخول أصناف المعتقين في الحكم المذكور ومنهم المريض وقد اختلف في ذلك فالشافعية يرون أنه إن خرج من الثلث جميع العبد قوم عليه نصيب الشريك وعتق عليه لأن تصرف المريض في ثلثه كتصرف الصحيح في كله ونقل أحمد أنه لا يقوم في حال المريض وذكر قاضي الجماعة أبو الوليد ابن رشد المالكي عن ابن الماجشون من المالكية فيمن أعتق حظه من عبد بينه وبين شريكه في المرض أنه لا يقوم عليه نصيب شركه إلا من رأس ماله إن صح وإن لم يصح لم يقوم في الثلث على حال وعتق منه حظه وحده والعموم كما ذكرناه يقتضي التقويم وتخصيصه بما يحتمله الثلث مأخوذ من الدليل الدال على اختصاص تصرف المريض بالتبرعات بالثلث.
  11. الثالث والعشرون: اختلف العلماء في وقت حصول العتق عند وجود شرائط السراية إلى الباقي وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: وهو الأصح عند أصحابه أنه يحصل بنفس الإعتاق وهي رواية عن مالك الثاني: أن العتق لا يحص إلا إذا أدى نصيب الشريك وهذا ظاهر مذهب مالك الثالث: أن يتوقف فإن أدى القيمة بأن حصول العتق في وقت الإعتاق وإلا بان أنه لم يعتق وألفاظ الحديث المذكور مختلفة عند الرواة ففي بعضها قوة لمذهب مالك وفي بعضها ظهور لمذهب الشافعي وفي بعضها احتمال متقارب. وألفاظ هذه الرواية تشعر بما قاله مالك وقد استدل بها على هذا المذهب لأنها تقتضي ترتيب التقويم على عتق النصيب وتعقب الإعطاء وعتق الباقي للتقويم فهذا الترتيب بين الإعطاء وعتق الباقي للتقويم. فالتقويم إما أن يكون راجعا إلى ترتيب في الوجود أو إلى ترتيب في الرتبة والثاني باطل لأن عتق النصيب الباقي على قول السراية بنفس إعتاق الأول إما مع إعتاق الأول أو عقيبه فالتقويم أن أريد به الأمر الذي يقوم به الحاكم والمقوم فهو متأخر في الوجود عن عتق النصيب والسراية معا فلا يكون عتق نصيب الشريك مرتبا على التقويم في الوجود مع أن ظاهر اللفظ يقتضيه. وإن أريد بالتقويم وجوب التقويم مع ما فيه من المجاز فالتقويم بهذا التفسير مع العتق الأول يتقدم على الإعطاء وعتق الباقي فلا يكون عتق الباقي متأخرا عن التقويم على هذا التفسير لكنه متأخر على ما دل عليه ظاهر اللفظ. وإذا بطل الثاني تعين الأول وهو أن يكون عتق الباقي راجعا إلى الترتيب في الوجود أي يقع أولا التقويم ثم الإعطاء وعتق الباقي وهو مقتضى مذهب مالك. إلا أنه يبقى على هذا احتمال أن يكون وعتق معطوفا على قوم لا على أعطى فلا يلزم تأخر عتق الباقي على الإعطاء ولا كونه معه في درجة واحدة. فعليك بالنظر في أرجح الاحتمالين أعني عطفه على أعطى أو عطفه على (قوم). وأقوى منه رواية عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه إذ فيها: (فكان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة)- أو قال: قيمة (ولا وكس ولا شطط ثم يقوم لصاحبه حصته ثم يعتق), فجاء بلفظة ثم المقتضية لترتيب العتق على الإعطاء والتقويم. وأما ما يدل ظاهره للشافعي: فرواية حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: (من أعتق نصيبا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق) وأما ما في رواية بشر بن المفضل عن عبيد الله فما جاء فيها: (من أعتق شركا له في عبد فقد عتق كله إن كان للذي عتق نصيبه من المال ما يبلغ ثمنه يقوم عليه قيمة عدل فيدفع إلى شركائه أنصباءهم ويخلي سبيله). فإن في أوله: ما يستدل به لمذهب الشافعي لقوله: (فقد عتق كله) فإن ظاهره يقتضي: تعقيب عتق كله لإعتاق النصيب وفي آخره: ما يشهد لمذهب مالك فإنه قال: (يقوم قيمة عدل فيدفع) فأتبع إعتاق النصيب للتقويم ودفع القيمة للشركاء عقيب التقويم وذكر تخلية السبيل بعد ذلك بالواو. والذي يظهر لي في هذا: أن ينظر إلى هذه الطرق ومخارجها فإذا اختلفت الروايات في مخرج واحد: أخذنا بالأكثر فالأكثر أو بالأحفظ فالأحفظ ثم نظرنا إلى أقربها دلالة على المقصود فعمل بها. وأقوى ما ذكرناه لمذهب مالك لفظة: (ثم) وأقوى ما ذكرناه لمذهب الشافعي رواية حماد وقوله: (من أعتق نصيبا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق) لكنه يحتمل أن يكون المراد: أن مآله إلى العتق أو أن العتق قد وجب له وتحقق. وأما قضية وجوبه بالنسبة إلى تعجيل السراية أو توقفها على الأداء: فمحتمل فإذا آل الحال إلى هذا فالواجب النظر في أقوى الدليلين وأظهرهما دلالة ثم على تراخي العتق عن. التقويم والإعطاء أو دلالة لفظة عتيق على تنجيز العتق هذا بعد أن يجري ما ذكرناه من اعتبار اختلاف الطرق أو اتفاقها. الرابع والعشرون: يمكن أن يستدل به من يرى بنفس الإعتاق على عكس ما قدمناه في الوجه قبله. وطريقه أن يقال: لو لم تحصل السراية بنفس الإعتاق لما تعينت القيمة جزاء للاعتاق لكن تعينت فالسراية حاصلة بالإعتاق. بيان للملازمة: أنه إذا تأخرت السراية عن الإعتاق وتوقفت على التقويم فإذا أعتق الشريك الآخر نصيبه: نفذ وإذا نفذ فلا تقويم فلو تأخرت السراية: لم يتعين التقويم لكنها متعينة للحديث. الخامس والعشرون: اختلف الحنفية في تجزيء الإعتاق بعد اتفاقهم على عدم تجزي العتق فأبو حنيفة يرى التجزي في الإعتاق وصاحباه لا يريانه. وانبنى على مذهب أبي حنيفة: أن للساكت أن يعتق إبقاء للملك ويضمن شريكه لأنه جنى على ملكه بالإفساد واستسعى العبد لأنه ملكه وهذا في حال يسار المعتق فإن كان في حال إعساره: سقط التضمين وبقي الأمران الآخران. وعند أبي يوسف ومحمد: لما لم يتجزأ الإعتاق: عتق كله ولا يملك إعتقاه ولهما أن يستدلا بالحديث من جهة ما ذكرناه من تعين القيمة فيه ومع تجزي الإعتاق لا تتعين القيمة. السادس والعشرون: الحديث يقتضي وجوب القيمة على المعتق للنصيب: إما صريحا كما في بعض الروايات: «يقوم عليه قيمة العدل فيدفع لشركائه حصصهم» وإما دلالة سياقية لا يشك فيها كما في رواية أخرى وهذا يرد مذهب من يرى أن باقي العبد يعتق من بيت مال المسلمين وهو قول مروي عن ابن سيرين مقتضاه: التقويم على الموسر. وذكر بعضهم قولا آخر أنه ينفذ عتق من أعتق ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء وروي في ذلك عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان بيني وبين الأسود غلام شهد القادسية وأبلى فيها فأرادوا عتقه وكنت صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر فقال: أعتقوا أنتم ويكون عبد الرحمن على نصيبه حتى يرغب في مثل ما رغبتم فيه أو يأخذ نصيبه وفي رواية عن الأسود قال كان لي ولأخوتي غلام أبلى يوم القادسية فأردت عتقه لما صنع فذكرت ذلك لعمر فقال: لا تفسد عليهم نصيبهم حتى يبلغوا فإن رغبوا فيما رغب فيه وغلا لم تفسد عليهم نصيبهم فقال بعضهم: لو رأى التضمين لم يكن ذلك إفسادا لنصيبهم والإسناد صحيح غير أن في إثبات قول بعدم التضمين عند اليسار بهذا نظر ما. وعلى تقدير: فالحديث يدل على التقويم عند اليسار المذكور فيه. السابع والعشرون: (قوم عليه قيمة عدل), يدل على إعمال الظنون في باب القيم. هو أمر متفق عليه, لامتناع النص على الجزئيات من القيم في طول مدة الزمان. الثامن والعشرون: استدل به على أن ضمان المتلفات التي ليست من ذوات الأمثال بالقيمة لا بالمثل صورة. التاسع والعشرون: اشتراط قيمة العدل: يقتضي اعتبار ما تختلف به القيمة عرفا من الصفات التي يعتبرها الناس. الثلاثون: فيه التصريح بعتق نصيب الشريك المعتق بعد إعطاء شركائه حصصهم قال يونس- هو ابن يزيد- عن ربيعة: سألته عن عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه من العبد؟ فقال ربيعة: عتقه مردود فقد حمل على أنه يمنع عتق المشاع. الحادي والثلاثون: ظاهره: تعليق العتق بإعطاء شركائه حصصهم لأنه رتب على العتق التقويم بالفاء ثم على التقويم بالفاء: الإعطاء والعتق وعلى قولنا: إنه يسرى بنفس العتق: لايتوقف العتق على التقويم والإعطاء. وقد اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال أحدها: أنه يسري إلى نصيب الشريك بنفس العتق والثاني: يعتق بإعطاء القيمة والثالث: أنه موقوف فإن أعطى القيمة ثبتت السراية من وقت العتق وهذا القول قد لا ينافيه لفظ الحديث. الثاني والثلاثون: قوله وإلا فقد فقد عتق منه ما عتق فهم منه عتق ما عتق فقط لأن الحكم السابق يقتضي عتق الجميع أعني عتق الموسر فيكون عتق المعسر لا يقتضيه. نعم يبقى ههنا: أنه هل يقتضي بقاء الباقي من العبد على الرق أو يستعسي العبد؟ فيه نظر والذين قالوا بالاستعساء: منع بعضهم أن يدل الحديث على بقاء الرق في الباقي وأنه إنما يدل على عتق هذا النصيب فقط ويؤخذ حكم الباقي من حديث آخر وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى. 2- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شقيصا من مملوك فعليه خلاصه كله في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعي العبد غير مشقوق عليه». فيه مسائل: المسألة الأولى: في تصحيحه وقد أخرجه الشيخان في صحيحهما وحسبك بذلك فقد قالوا: إن ذلك أعلى درجات الصحيح والذين لم يقولوا بالاستعساء: تعللوا في تضعيفه بتعللات لا تصبر على النقد ولا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليهم فيها مثل تلك التعللات فلنقصر على هذا القدر هاهنا في الاعتماد على تصحيح الشيخين ونترك البسط فيه إلى موضع البسط إن شاء الله. المسألة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «من مملوك» يعم الذكر والأنثى معا وهو أدل من لفظ «من عبد» على أن بعض الناس: ادعى أن لفظ العبد يتناول الذكر والأنثى وقد نقل «عبد وعبدة» وهذا إلى خلاف مراده أقرب منه إلى مراده على أنه قد يتعسف متعسف ولا يرى أن لفظ المملوك يتناول المملوكة. المسألة الثالثة: قوله عليه السلام: «فعليه خلاصه» قد يشعر بأنه لا يسري بنفس العتق لأنه لو عتق بنفس العتق سراية: لتخلص على هذا التقدير بنفس العتق واللفظ يشعر باستقبال خلاصه إلا أن يقدر محذوف كما يقال: فعليه عوض خلاصه أو ما يقارب هذا. المسألة الرابعة: قوله عليه السلام: «فعليه خلاصه» هذا يراد به: الكل من حيث هو كل أعني الكل المجموعي لأن بعضه قد تخلص بالعتق السابق والذي يخلصه كله من حيث هو كل: هو تتمة عتقه. المسألة الخامسة: قوله عليه السلام: «في ماله» يستدل به على خلاف ما حكي عمن يقول: إنه يعتق من بيت المال وهو مروي عن ابن سيرين. المسألة السادسة: قد يستدل به لمن يقول: إن الشريك الذي لم يعتق أولا ليس له أن يعتق بعد عتق الأول إذا كان الأول موسرا لأنه لو أعتق ونفذ لم يحصل الوفاء يكون خلاصه من ماله لكن يرد عليه لفظ ذلك الحديث فإن كان من لوازم عدم صحة عتقه: أنه يسري بنفس العتق على المعتق الأول فيكون دليلا على السراية بنفس العتق ويبقى النظر في الترجيح بين هذه الدلالة وبين الدلالة التي قدمناها من قوله صلى الله عليه وسلم: «قوم عليه قيمة عدل وأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد» فإنه ظاهره: ترتب العتق على إعطاء القيمة فأي الدليلين كان أظهر عمل به. المسألة السابعة: قوله عليه السلام: «فعليه خلاصه من ماله» يقتضي عدم استعساء العبد عند يسار المعتق. المسألة الثامنة: قوله عليه السلام: «فإن لم يكن له مال» ظاهره: النفي العام للمال وإنما يراد به: مال يؤدي إلى خلاصه. المسألة التاسعة: قوله عليه السلام: «استسعى العبد» أي ألزم السعي فيما يفك به بقية رقبته من الرق وشرط مع ذلك: أن يكون غير مشقوق عليه وفي ذلك: الحوالة على الاجتهاد والعمل بالظن في مثل هذا كما ذكرناه في مقدار القيمة. المسألة العاشرة: الذين قالوا بالاستعساء في حالة عسر المعتق: هذا مستندهم ويعارضه مخالفوهم بما قدمناه من قوله صلى الله عليه وسلم: «وإلا فقد عتق منه ما عتق» والنظر بعد الحكم بصحة الحديث منحصر في تقديم إحدى الدلالتين على الأخرى أعني دلالة قوله: «عتق منه ما عتق» على رق الباقي ودلالة استعسى على لزوم الاستعساء في هذه الحالة والظاهر: ترجيح هذه الدلالة على الأولى. .باب بيع المدبر: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: دبر رجل من الأنصار غلاما له. وفي لفظ: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر- لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم ثم أرسل ثمنه إليه. اختلف العلماء في بيع المدبر ومن منع من بيعه مطلقا: فالحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي وقد دل الحديث على بيع المدبر بصريحه فهو يناقض المنع من بيع كل مدبر. وأما من أجاز بيع المدبر في صورة من الصور: فإذا احتج عليه بهذا الحديث من يرى جواز بيع كل مدبر يقول: أنا أقول به في صورة كذا والواقعة واقعة حال لا عموم لها فيجوز أن يكون في الصورة التي أقول بجواز بيعه فيها فلا تقوم علي الحجة في المنع من بيعه في غيرها كما يقول مالك في جواز بيعه في الدين على التفصيل المذكور في مذهبه ومذهب الشافعي: جواز بيعه مطلقا والله أعلم. والحمد لله وحده وصلاته على أشرف خلقه محمد وآله وصحبه وسلم
  12. اخي الكريم من جديد اعتزر على كثرة طلباتيهل يمكنك تعديل ستايل المنتدى هذا http://ttwer.lolbb.com/ الى هذا الشكل ؟http://egy-mix.ahlamontada.com/ولك الشكر
  13. مشكور اخي اثابك الله بعدد اعمالك حسنات وجزاك خيرا تحياتي لك
  14. تم اعطاء الصلاحيات اخي واذا واجهت اي مشكلة بلغني لاعطيك بيانات المنشئ
  15. اسف اخي تم الارسال من جديد وانا متاكد انني ارسلت لك بيانات صحيحة
  16. شكرا لموافقتك على الطلب اخي الكريم ممكن رابط لارسل لك البيانات ؟
  17. السلام عليكم اخي الكريم انا موافق على طلباتك كلها وارجو تركيب الستايل اليوم لو تكرمت ولك الشكر
  18. السلام عليكم اخي الكريم اعتزر على تكرار طلباتي ارجو منك تركيب هذا الستايل لمنتداي ولك الشكر الستايل المقصود تركيبه http://alfahloy.cool.st/t19988-topic#76827 المنتدى المقصود تعديله http://ttwer.lolbb.com/ ولك بالغ التقدير والاحترام اخوك الرسام
  19. السلام عليكم اخي الكريم ارجو منك التعديل على ستايل منتداي وهو من تشميمك وبرمجتك ارجو ان تعدل الاسم الى اسم منتداي وهو عاصفة التطوير واذا تركمت بنزح الحقوق الغير لائقة اما اسمك لا يهم وانت خبير وتعلم ماذا يحتاج الستايل من تعديل بحق اسم المنتدى ولك الشكر والتقدير رابط المنتدى http://ttwer.lolbb.com/
  20. اخي اعرف الطريقة وعلمتها لكن مش راضي يركب اعطاني تم رفع الصميم من جهازك حاولت 3 مرات ولكن مافي فائدة
  21. السلام عليكم ارجمو منكم تركيب هاذا الستايل لمنتداي ولكم الشكر الستايل المطلوب هو http://alfahloy.cool.st/t10704-topic رابط المنتدى المقصود http://ttwer.lolbb.com/ ولكم الشكر
×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.