-
مجموع الأنشطة
44096 -
تاريخ الانضمام
-
آخر نشاط
نوع المحتوي
الاقسام
المدونات
Store
التقويم
التحميلات
مكتبة الصور
المقالات
الأندية
دليل المواقع
الإعلانات
كل منشورات العضو alfahloy-alfahloy
-
أفتخر إنك أخت ما ولدتها أمي وصديقة سكنها دمي لاشفتك أنسى أحزاني وهمي يحميك ربي من متاهات الاقدار يا بهجة الدنيا ونجمة سماها بينك وبين العمر لو كنت باختار ارخصت نفسٍ لك عطت ما وراها ثلاث لايعيب البكاء عليها وداع صديق . . . وقصة حب . . . وبعدك عني أنت الصديق اللي صفا لي وداده ... وانت العزيز اللي له القلب يرتاح صديقنا الصادق بروحي فديته وعدونا يخذل ويقهر وينظام وللاش ولد اللاش لامن لقيته مع كلاب الضير نرمي له عظام وأنا معك بمشي بدرب مشيته سوا سوا لاقلت قدام قدام عرفت بحياتي لوعت الوقت والحرمان وعرفت العذاب وتعبت أميز ألوانه وجلست أذكر الماضي على قول كان وكان غرام حفظته ياعسى صاحبي صانه تراك بحياتي نابض القلب والشريان ودونك حياتي ياهوى البال خسرانه انت مثل الذهب مهما علا فوقه غبار يبقى مدى الايام سلعة ثمينة ومثل المطر مهما المطر هل مدرار لو غاب عام صاحوا الناس وينه ومثل البحر غلطان من قال غدار وموجه يعالج كل عبره حزينة مانساك لو ينسى الكحل سود الاهداب .... وشلون تنسى العين صافي نظرها
-
لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك .. إلا إذا كنت منحنياً. لا تطعن في ذوق زوجتك .. فقد اختارتك أولاً لا تجادل الأحمق .. فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما . من جار على صباه .. جارَتْ عليه شيخوخته. المال خادمٌ جيد .. لكنه سيدٌ فاسد . تاج القيصر لا يمكن أن يحميه من الصداع أن تكون فردًا في جماعة الأسود .. خير لك من أن تكون قائدًا للنعاج . لو أنك لا تصادق إلا إنسانًا لا عيب فيه .. لما صادَقْتَ نفسك أبدًا .
-
وفقا لبعض المصادر المطلعة على خطط شركة سامسونج، فيبدو أن الشركة الكورية تعتزم البدء في إرسال الدعوات لوسائل الإعلام للحضور إلى مؤتمر Unpacked جديد. إذا كان لهذا التاريخ أية دلالة، فينبغي أن تركز شركة سامسونج إهتمامها كليا في هذا الحدث على الهاتف اللوحي المقبل “الفابلت” Galaxy Note 4. أحدث المعلومات التي رأيناها تشير إلى أن Galaxy Note 4 سيأتي مع شاشة Super AMOLED بمقاس 5.7 إنش وبدرجة وضوح 1440×2560 بكسل، ويقال بأن هذه الشاشة من شأنها أن توفر كثافة بكسلات تصل إلى 515 بكسل في كل إنش. ونحن سمعنا أيضا بأن شاشة هذا الهاتف ستكون منحنية الأطراف في ثلاثة جوانب وهذا ما يلمح إلى قدوم الهاتف مع شاشة مرنة. ووفقا لنفس المصادر، فالتاريخ الفعلي لحدث Unpacked الذي تعتزم شركة سامسونج عقده سيتم في اليوم 3 من شهر سبتمبر المقبل، وهذا ما يعني قبل بضعة أيام فقط من موعد إنعقاد مؤتمر IFA 2014 بالعاصمة الألمانية برلين. وإلى جانب Galaxy Note 4، فمن المتوقع أن يتم الإعلان كذلك عن جهاز آخر قابل للإرتداء، والشائعات تشير إلى أن هذا الجهاز سيكون عبارة عن نظارات ذكية منافسة لنظارات Google Glass. إلى جانب ذلك، يقال بأنه من المتوقع أن يأتي Galaxy Note 4 مع مستشعر بصمات الأصابع، ومستشعر ضربات القلب، فضلا عن القلم الضوئي S Pen. وتشمل المواصفات الأخرى معالج رباعي النوى من نوع Snapdragon 805، وكاميرا رئيسية بدقة 16 ميغابكسل إضافة إلى 3GB من الذاكرة العشوائية. وجل هذه المواصفات سوف تجعل من دون أدنى شك من Galaxy Note 4 واحد من أفضل الهواتف الذكية لهذا العام.
-
قد تبدو هذه الرياضة مجرد لعبة يمارسها الأصدقاء، ولكن المشاركين في بطولة جبال الألب للمصارعة بالأصابع يأخذونها على محمل الجد بشكل لا يصدق. وبدأت هذه البطولة في مدينة ريتشيستهوفن بجنوب ألمانيا، يوم الأحد، حيث يتنافس عدد كبير من الرياضيين للحصول على اللقب في هذه الرياضة التقليدية الريفية، التي يستخدم فيها المشارك إصبعه الأوسط لسحب خصمه عبر خط مرسوم على الطاولة. ويكتنف الغموض أصول هذه الرياضة، وقد قيل إنها كانت تستخدم لتسوية النزاعات بين القبائل في منطقة جبال الألب في جنوب ألمانيا و النمسا المجاورة. ويخضع المصارعون لتدريبات شاقة، فالعديد منهم يسحقون كرات التنس بأيديهم، والبعض الآخر يرفعون أثقالا تصل إلى 50 كيلوغراما بإصبع واحد، وفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية. يذكر أن؛ الإصابات ليست شائعة في هذه الرياضة، وكان هناك حالات بسيطة لمصارعين حصل معهم فك أو كسر، بينما الحالات الأكثر شيوعا هي انحباس الدم في الإصبع.
-
في ثنايا الكتاب العزيز تمرّ بك وأنت مطوّفٌ به لوامعُ من أسماء الأدلة أو تصاريف منها : برهان، حجة، بيّنة ،بينات، سلطان، آية، آيات، مَثَل ،..إلخ وتلوح فيه وأنت تغذُّ سيرَك في رحابه بوارقُ تحفّز الإنسان إلى إعمال هذا العقل!: تعقلون، يعقلون، تتفكرون، يتدبرون، تتذكرون، تبصرون، أولي النهى، أولو الألباب، إلخ إن القاري لهذا الكتاب وإن يكُ غريبًا عنه تأخذ بلبِّه روعة الجمال في صورةٍ بهيةٍ من الجلال يجد في نفسه منها شعورًا لا مدفع له أنه بين يدي بيانٍ إلهيٍّ آسِر مفعم بالحجاج فيّاض بلهجة الثقة المطلقة، فهو ليس أخبارًا محضةً وأقاصيص، ولا مقطوعةً أدبيةً فاخرة أريد لها أن تُطرِب، بل هو فوق ذلك بنيان من الحكمة مرصوص، ينبيك أن رسالة هذا الدين العظيم أسِّست على قواعد من الدلائل عصيّة على الفتّ، حتى بلغ في القوة شأوًا كان من شأنه أن يضمّن الله رسالته الخالدة هذا الإعلان: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}! (البقرة :111)!. لَبِنات هذا القصر المشيد :آياتُه، ومِلاطُها: بلاغتُه.. التي لا عِدل لها: {كتاب أحكمت آياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير} (هود : 1 ) لعل من الملائم أن نلتمس شيئا من الحِكَم من وراء اختيار الله جل ثناؤه لهذه المفردات المنتقاة أسماءً لوصف الأدلة، وإليك بعض المستَعمل في القرآن من معاني إقامة الدليل، على وجهٍ مفصّل، ولكنّ ثمرات التدبر منها باستقراء محالّها في القرآن ثم بحثها يطول تفصيله، وحسبي هنا إشارات خاطفة: الحجة: بعد أن بيّن عالم اللغة ابن فارس أن مادة الحج تعني فيما تعني :القصد، قال: "ممكن أن يكون الحُجة مشتقّةً من هذا؛ لأنها تُقْصَد، أو بها يُقْصَد الحقُّ المطلوب. يقال: حاججت فلاناً فحججْته، أي: غلبتُه بالحجة، وذلك الظّفرُ يكون عند الخصومة" (1)، وقال الراغب في مفرداته: "الحجّة: الدلالة المبينة للمحَجّة "(2) . ولنتأمل بعض مواردها في القرآن: {قل فلله الحجة البالغة} (الأنعام :149) مقابلًا به {حجتهم داحضة} (الشورى : 16) وقال جلّ ثناؤه في بيان قيام الحجّة الرساليّة القاطعة لأي عذر لمن بلغته: {رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء: 165)، وفي سياق الحديث عن تحويل القبلة استثنى الذين ظلموا: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا} (البقرة :150)، تحصّل من ذلك : أن الحجة في الاستعمال القرآني، الأصل فيها : الدلالة المبينة للطريق المستقيم: وسمّى ما يحتج بها الكافرون حجّة من جهة كونه مستدلًا به عندهم، فهو طريق محجوج: أي مقصود، وإن كان هذا الطريق فاسدًا، وأن موقعها في الغالب في موارد الخصومة بين الآراء، ثم قيام الحجة لا يشترط فيه أن يسلّم الخصم فقد يكون جاحدًا مكابرًا. البرهان: وهو الحُجّة الفاصلة البيّنة (3) وقال الليث : الحجة وإيضاحها (4) وذكر الله البرهان في موضع بيان ثبوت الحق، فقال {قد جاءكم برهان من ربكم} (النساء : 174) كما ذكره في سياق استنهاض الكفار أن يدللوا على دعاويهم بالدليل الصادق: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (البقرة : 111)، فالبرهان فيه معنى إقامة دليل الصدق أو الحق على وجه مسفر. البيّنة: ما يكون الشيء به مستبينًا، أي: منكشفًا ظاهرًا، {قال إني على بينة من ربي} (الأنعام : 57) {أولم تأتهم بيّنة مافي الصحف الأولى} (طه : 133) , {وجاءتهم رسلهم بالبينات} (يونس: 13) ومادة البيّنة وما إليها أكثر شيء في كتاب الله يتعلق ببيان الحق والاستدلال عليه، كثيراً ما يأتي فيما اصطُلح عليه بالمعجزات الحسية، وقد يأتي في غيرها. السلطان: من التسلّط والسلطة، وهو يتضمن غلبةً وقوة، والمراد به في كتاب الله: سلطان الحجة؛ فإن الحجّة الحقة لها على النفس سلطان، وذلك أن العاقل لا يدفع البرهان الثابت إلا بالمكابرة وهي وليدة الكبر، قال عزّ سلطانه: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر} (غافر : 56). الآية: وهي بمعنى العلامة الظاهرة، آيات القرآن، وقد وردت "الآية" في كتاب الله بالإفراد والجمع كثيرًا. المثَل: في قول الله تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} (الإسراء : 89)، والمثل في الاستعمال القرآني يدخل فيه الأقيسة العقلية المبيّنة عن الحجّة الملزمة؛ وإنما سمي مثلًا لأن العقل يتخذ أصلاً معلوماً مقيسًا عليه ليُتوصّل به إلى حكم المقيس بجامع وصفٍ مؤثّرٍ بينهما، فدلّت هذه الآية ونظائرها على أن القرآن مشتملٌ على الدلائل العقلية الكافية التي من لم يكتف بها كان مكابرًا لا غير: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما انا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} (العنكبوت: 50،51)، يقول إمام المنقول والمعقول ابن تيميّة، معلقاً على قول الحق سبحانه: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} (الفرقان : 33) : "أخبر سبحانه أن الكفار لا يأتونه بقياسٍ عقلي لباطلهم، إلا جاءه الله بالحق وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرًا وكشفًا وإيضاحًا للحق من قياسهم "(5) ومما يلحظ المدّبّر أن لفظة "الدليل" نفسها لم تأت في كتاب الله إلا في موضع واحد ليس هو في باب بيان صحّة الرسالة المحمدية ولكن في سياق الحضّ على النظر وصولًا بناصية النفس إلى تدبر آية من آيات الله الكونية، فقال تعالى: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} (الفرقان : 45)، والدلالة كما يقول الراغب: ما يتوصل به إلى معرفة الشيء (6) ،كقوله تعالى: {ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته} وكأن من سرّ عدم استعمال لفظ الدليل –والله أعلم- أن الدلالة في ذاتها مفردة عامة، قد تدلّ أنت فلاناً إلى خير أو شر، إلى حق أو باطل، فلا تحمل في نفسها قوة تليق بحديث عن أم القضايا الكبرى وهي الإيمان، بخلاف الألفاظ السالفة (حجة، برهان، إلخ ). بعدما أبصرت هذه المفردات الدائرة حول الدليل ومتعلقاته، لعلك تبصّرت أن كل واحدة منها تشتمل على معنىً قوي في نفسه أو أكثر؛ ليفطن العقل إلى مراد الله منه، وإلى حقيقةٍ قوامُها أن هذا الدين مؤسس على: قصد الطريق المستقيم الموصل للغاية الصحيحة النافعة وتحرّيه، وعلى الوضوح والبيان والظهور والكشف، وعلى نصب البرهان المفضي إلى الغاية المطلوبة التي يورث سلطانها في النفس يقيناً وطمأنينةً مقابل ما يدّعيه الخصوم من حجج داحضة. ولما كان "العقل" هو الأداة المعوّل عليها في إدراك المعاني والحقائق، وهو مناط التكليف كما يقول الأصوليون، فقد نثر الباري ذكرَه -أعني العقل- في كتابه، وكذا ما يلحق به..وقل نحو ذلك عن مادة "علم" وما يتعلق بها. ولا عجب عندئذ أن يأنس العبد عند تطوافه في آيات الكتاب، بترداد تلك المفردات التي تدعوه إلى إعمال الفكر، لتُبصر كيف تفعل تلك الآيات فعلها في وجدانه، فتراه يقوم منتفضًا، يقول: وجدت الحق! كما شعر بذلك البروفيسور جفري لانج (Jeffrey Lang) –مثلًا-عالم الرياضيات الأمريكي المعروف الذي أسلم بعد إلحاد..قال يصف شعوره "إذا ما اتـّخذت القرآن بجدّية، فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة، فإما أن تكون لتوّك قد استسلمت له، أو أنك ستقاومه، فهو يحمل عليك وكأن له حقوقًا عليك بشكل مباشر وشخصي، وهو يجادلك وينتقدك ويُخجلك ويتحدّاك، ومن حيث الظاهر، يرسم خطوط المعركة. ولقد كنت على الطرف الآخر في المواجهة، ولم أكن في وضع أحسد عليه، إذ بدا واضحا أن مبدع القرآن كان يعرفني أكثر مما كنت أعرف نفسي" (7)، فلن يجد الباحث الجاد هذا الحق إلا في دين الإسلام مدلولًا عليه بسلطان البرهان الحق..والمعني بالبرهان هنا جنسٌ كليّ يندرج تحته من دلائل النبوة أصناف وأشكال بحسب تنوع معارف الناس واهتماماتهم واختلاف مداركهم واتجاهاتهم، سيجد ناشد ضالّته من الحق في آيات الآفاق والأنفس حتى يتبين له ما لو كان صادقا في طلبته: أنه الحق، ويظفر كل امرئ من هذه البيّنات بحسب تجرده في تطلبه وصدقه في قصده الصراطَ المستقيم . كم هو ضالٌ من ظن أن كتاب الله عز وجل أو دين الإسلام ليس غير أخبارٍ وقصص ومواعظ مجرّدة عن أصيل الدليل، فهذه نظرة كسولةٌ للغاية ملفوفةٌ بالكِبْر، توعّد الله صاحبَها بصرفه عن الهدى فقال: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} (الأعراف : 146)، وقال المولى يصف كتابه: {وإنه لكتاب عزيز} (فصلت : 41)، ومن معاني عزّته أن ما اشتمل عليه من حجج وتنبيهات إلى دلائل بينات لا تلقي بنفسها إليك لتقول :أرجوك آمن !، بل لا يقع لك الفتح الرباني حتى تُرِي الله من نفسك صدقًا في ابتغاء الحق والسعي إليه وقصده وتحريه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. هوامش المقال 1- معجم مقاييس اللغة –ج2،ص30. 2- كتاب الحاء ، مادة "حج " ص 107 ، وكتاب مفردات القرآن للراغب نفيس سوى وقوعه في تأويل الصفات على خلاف منهج أهل السنة والجماعة . 3- لسان العرب -ج13 ، ص51. 4- تهذيب اللغة للأزهري - ج6، ص 294. 5- مجموع الفتاوى- 4،ص106. 6- مفردات القران ،ط كيلاني- كتاب الدال ص 171. 7- الصراع من أجل الإيمان ، جيفري لانج ص 34.
-
هي نقطة تحولٍّ في الفلسفة الحديثة، تلك التي رفضت الدين في حقبة عصر الأنوار إلى حدود منتصف القرن العشرين، وخرّجت لنا فلاسفة ملحدين يزدرونه في كل وقتٍ، وينتقدونه في كلّ حينٍ، متأثرين بهيمنة النظرة التطوّرية الإلحادية، والتي تعتبر ما تجيء به الأديان مجرّد أسطورة جاد بها عقل الإنسان ! وأن الحياة ما هي إلاَّ أرحامٌ تدفع، وأرضٌ تَبلع ! فانهارت التطوّرية واكتشف العلم الحديث زَيفها، وانهارت الأنساق الفلسفية التي صاحبَتها، وأعلنَ الإنسان ثورته عَليها، فعادت البشرية إلى التديُّن من جديدـ وغاصت في أعماقه، وعضَّت عليه بالنواجد، فانقَلب حال الفلسفة، ووقفوا على هذا يتأمَّلون في هذا الواقع الجديد، وأقَرّوا باستحالة غياب الدين عن حياة البشريَّة، وحاولوا الإجابة عن سؤال جوهري يُطرح، وهو : ما دلالات هذه العودة الدينية ؟ وما هي أسبابها ؟ إن العودة الراهنة للدين، لا يمكن قراءتها إلاّ كردّ فعلٍ على الكارثة الحداثية، التي حاربت الجذور الأصلية للوجود الإنساني، وفي مقدمتها الأصل الديني . فتركُ الدين معناه انتشارٌ للعَدمية في قمة توحُّشها، تنتج عنها قلقٌ من فقدان المعنى و "أفول المثل العُليا المقدَّسة" كما عبَّر عنها جاك دريدا Jaque derrida و جياني فاتيمو Gianni vattimo في كتابهما(1)، وكذا الانغماس في ثقافة الاستهلاك واللهو مما يخلّف إحساساً بالملل، ونوعٍ من العبثية في حياة الأشخاص. " لقد أصبحنا عاجزين عن إعطاء معنىً للوجود، وهو المعنى الذي يتم البحث عنه في الدين، وكأن العودة ستوفر الأساس الصلب الذي بواسطته يتم تفسير التاريخ، واسترجاع الأصل الضائع المنسي الذي منه ينشأ كل شيء، وإليه يعود، وذلك بعد الفراغ الذي خلَّفه انهيار الحكايات الميتافيزيقية –المعتقدات التي ما وراء الطبيعة- الكبرى "(2). فالعَدمية Le Nihilisme ، هي تعبير عن أزمة المعنى وفقدانه لدى الغرب، إذ أن الإنسان فطريّاً يميل إلى ترميز الأشياء المحيطة به، فالطاولة مصنوعة لوضع الطعام، والسيارة لتسهيل التنقُّل، والزواج لإنشاء العائلة، فكيف لا توجد غاية من الحياة ؟ وكيف أن الكون جاء بدون صانع ؟؟ إن عصر التنوير والحداثة الغربية، سعى بكل ما لديه من قوةٍ إلى طرد " الجليل الديني" Le sublime Religieux ، ونزع القداسة عنه، ليس من الوجود الغربي فحسب، بل من كلِّ الكرة الأرضية، وليس عن الدِّين المسيحي فحسب، بل عن كل دين على سطح البسيطة. فسعى لاستبداله بشكلٍ لا يخلو من عنفٍ رمزيٍّ تارةً، وماديٍّ تارةً أخرى، بـ " ميتافيزيقا التقنية " حسبَ مفهوم الفيلسوف مارتن هايدغر Martin Heidegger، وحاصلها: إعادة صياغةٍ لمعنى العالَم، والكون، والغاية من الحياة، بشكلٍ لا يراعي النفس الإنسانية، ولا غرائزها التديُّنية. وقد حَسِبت الحداثة بغطرَستها وتكَبُّرها، أنها قَضت على الغريزة التديُّنية، والفطرة الإيمانية، ولم تَعلم المِسكينة أن هذه الغريزة قد تضعُف وتَذبلُ، لكنَها لا تموت، تُخبرنا موسوعة لاروس الفرنسية Encyclopédie Larousse عنها وتقول : " إنَّ الغريزة الدينية مشتركةٌ بين كلّ الأجناس البشرية، حتى أشدِّها همجيةً، وأقربها إلى الحياة الحيوانية .. وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي، وبما فوق الطبيعة، هو إحدى النَّزعات العالَمية الخالدة، وهذه الغريزة الدينية لا تختفي، بل لا تضعف ولا تذبُل إلا في فترات الإسراف في الحضارة، وعندَ عددٍ قليلٍ جدّاً من الأفراد"(3). ويُقررها الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون Henri Bergson : " لقد وُجدت وتوجد جماعاتٌ إنسانية بدون علومٍ، وفنونٍ، وفلسفاتٍ، ولكنَّه لم توجد قطّ جماعةٌ بغير ديانةٍ "(4). أما من جهةٍ أخرى، فانتشار المخاوف القِياميّة(5) ، والكوارث المُهلكة، كان له أثرٌ كبير في رجوع الناس إلى الدين، مخاوفُ تجعلُ الإنسان يستحضر فكرة الموت، وتُسببها كثيرٌ من الأشياء منها : اندلاع حربٍ نوورية، وخطر التلوث على موت الطبيعة، والاحتباس الحراري، والتلاعب بالشفرات الوراثية، توسبّب عدد من الأجهزة الحديثة والأطعمة المعلبة في الإصابة بالسرطان، والكوارث الطبيعية ( فيضانات، موجات التسونامي، الزلازل، الأعاصير، وغيرها)، والبشرية بطبيعتها رُزقت حبَّ البقاء، فتبحث عن وعود الدين في حياةٍ خالدة أُخرى. إنّ الإنسان – حسب الفلسفة الحديثة- هو ذلك الكائن الذي يحدوه نزوعٌ نحو المقدَّس، وتتشوَّف نفسه إلى الإله الخالق، ولا يهنأ باله إلا بالإجابة عن تلك الأسئلة الوجودية " هذا اللغز الذي يستحث عقولنا : ما العالم ؟ ما الإنسان ؟ من أين جاءا ؟ من صنعهما ؟ من يدبرهما ؟ ما هدفهما ؟ كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا ؟ أي مستقبلٍ ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة ؟ وما علاقتنا بهذا الخلود .. ؟ هذه الأسئلة لا توجد أمةٌ، ولا شعبٌ، ولا مجتمعٌ، إلا وضع لها حلولاً جيدةً أو رديئةً، مقبولةً أو سخيفةً، ثابتةً أو متحولةً "(6). فالنُّزوع الديني لن يكون مرحلةً عابرةً من التاريخ الإنساني، ولا فترةّ منقضيةً في مسيرة الإنسان الكونية، بل هو سمةٌ متأصّلة في فكر وتجربة البشرية، في عصرٍ يفرض الإسلام فيه نفسه على كل عاقلٍ سوي، بحججه المنطقية، ومزاياه الرقراقة، مما يؤهّله لأن يكون دين البشرية الخاتم بامتياز . هوامش المقال 1-الدين في عالمنا، ص : 42. 2-جون فرانسوا ليوتار: شرط ما بعد الحداثة – فرنسي- ص : 64. 3-ص 112 . 4-كتاب : أصلاَ الأخلاق والدين – فرنسي – ص : 7 . 5-المخاوف القيامية نقصد بها الخوف من اليوم الآخر، ونحيل القارئ إلى مقالة : الخوف من الموت، للكاتب جاري مور Gary Moore على الشبكة العنكبوتية، وكذا روبورتاجات قناة سي إن إن CNN، بخصوص نهاية العالم سنة 2012، وتهديد كوريا الشمالية بالحرب النووية، و المخاوف المرتبطة بنشوب حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في كتاب " الحرب الباردة " لجاستين فوري Justine Faure، وأيضا روبورتاج "الاحتباس الحراري " الذي بثته قناة Ushuaïa TV الفرنسية. 6-بارتلمي سانت هيلير BARTHELEMY SAINT-HILAIRE مقالة " الميتافيزيقا " منشور في المجلة الفلسفية الفرنسية بتاريخ فبراير 1880 م.
-
كتابٌ ظهر قبل أزيد من ألف وأربعمائة سنة، هزّ قريشاً والعرب، بل والعالم أجمع، إلى يومنا هذا، يقدّسه المسلمونَ ويعنون بقراءته وتفسيره، كما استخراج مكنوناته وكنوزه، تسمعه على التلفاز والمذياع، في الصلوات والمساجد، وتقرأه في المحاضرات والكتب . فهل سبق أن سألت نفسك أيها المتشكّك ما القرآن؟ أوَ تدري ما تسمع ؟ إنه ليس بياناً من الأمم المتحدة، أو من منظّمةٍ دوليّةٍ، أو جهةٍ حكوميّةٍ، بل هو بيانٌ من الله تعالى؛ {هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظة للمتقين} ( آل عمران : 138) . هو كلام الله رب العالمين، خالق الكون ومبدعه، ورسالته الأخيرة للخلق جميعاً؛ وأيّ قلب يدرك هذه الحقيقة لا يملك إلا أن يخرّ ساجداً لأنوارها، كلام العليّ من فوق سبع سماواتٍ، كلام من أحاطَ بكلّ شيءٍ علماً؛ {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} ( يونس : 61). به آياتٌ عجيباتٌ وإشاراتٌ بهيّاتٌ، {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} ( الزمر : 27)، طبٌّ القلوب وشفاؤها وراحة الأبدان ونعيمها، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ..} ( الإسراء : 82). ومن معقول الصّفات أن الله تعالى متّصفٌ بالكلام، فيكون القرآن كلام الله تعالى، وتجلٍّ بديعٍ لهذه الصفة الأزليّة العليا، فإن كلّمك تعالى {فاستمع لما يوحى} ( طه : 13)، عسى أن تبلغ مرادك، وتسكن نفسك، وتقتطف منه استشكالاتك الوجدانية، وغاية خلقك، وطبيعة حياتك، وما أنت صائرٌ إليه. إنّه بحرٌ من الغيب يحدّثك، ونورٌ من السماوات يخاطبك، فكن على قدر الخطاب، تكن إن شاء الله من الفائزين . يقول النبي -صلى الله عليه وسلّم- : ( كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ) رواه الطبري في تفسيره وصححه الألباني. فتعلّق بحبل الله عزّ وجل، يعصمك من الضلالة والتهلكة ، مصداقاً لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( أبشروا .. فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنّكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبدا ) رواه الطبري وصححه الألباني. أن تتمسّك بالقرآن فلا تفارقه ولا تفرّط فيه، ذلك تعبيرٌ نبويٌّ رفيعٌ، ومقصدٌ شرعيٌّ أصيلٌ . فهلاَّ تمسّكت ؟ لا تحسبنَّ أنّك غير معنيٍّ به، بل هو بلاغٌ يخاطبكَ أنت بالذات، اقرأه وتدبّره، فوراء كل كلمةٍ حكمةٌ بالغةٌ، {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر} ( القمر : 4-5). ومفتاح القرآن التدبّر، أن تتأمّل معانيه، وتفهم مدلولاته، وتعي أوامره ونواهيه، خيرٌ لك من كتب التنمية البشرية جميعاً إن عقلته، تجد فيه العقائد والعبادات، الفقه والمعاملات، القصص والعبر المبسوطات، ما يهمك في الدنيا والآخرة . كلامٌ فاق كل بلاغات العرب والعجم، ليس بشعرٍ ولا نثر، حتى جعلت الوليد بن المغيرة – وقد مات على الكفر- أن يعترف ويقول : " ..فو الله ما فيكم من رجلٍ أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته" (1). لقد كان للقرآن الكريم أثرٌ كبير في نفوس العرب، وقام بتغيير نفسيّاتهم بشكل جذريٍّ، وغيّرَ أخلاقهم وسلوكهم وأساليب حياتهم (2). وكوّن مجتمعاً منظّما ومتّحداً، لما فيه من طاقةٍ روحيّةٍ هائلةٍ تؤثّر على مختلف جوانب الإنسان، حيث يوقظ إدراكه وتفكيره، ويفتح له أنوار بصيرته، ويهزّ كيانه ووجدانه، ويقوم بصقلٍ للإنسان الذي يقرأه ويؤمن به، حتى يصبح إنساناً جديداً، بعقيدةٍ وثقافةٍ متنوّرةٍ، ونفسٍ مطمئنّة . إن أغلب علماء النفس المعاصرين، يتّفقون على أن أفضل علاجٍ للأمراض النفسيّة المختلفة، هو الإيمان، يقول عالم النفس ويليام جيمس Wiliam James : " إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلّبة لا تُعكّر قط، هدوء القاع العميق، ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمّق إيمانه بالله، خليقٌ بألا تعكر طمأنينته التقلّبات السطحية المؤقّتة. فالرّجل المتديّن حقّاً عصيّ القلق، محتفظٌ باتّزانه النفسي، مستعدٌّ دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف " (3). ويقول عالم النفس كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung : " استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاصٌ من مختلف شعوب العالم المتحضّر .. فلم أجد مريضا واحدا من مرضاي الذين كانوا في المنتصف الثاني من عمرهم – أي تجاوزا سن 35- من لم تكن مشكلته أساساً هي افتقاره إلى وجهة نظر دينيّة في الحياة .. ولم يتم شفاء أحد منهم حقيقة إلا بعد أن استعاد نظرته الدينيّة في الحياة. "(4). فإن كان الإيمان في أيّ دينٍ يحقق راحةً نفسيّة وعلاجاً وتحصينا، فما بالك بالإيمان بأقوى الأديان وأشرفها وأعلاها ؟ فإن أدركتَ فأقبل على القرآن، ولا تكتف بما سطّرته لك في المقال، فإنّه لا يحدّثك عن القرآن ، إلا القرآن . هوامش المقال 1- رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. وصححه الذهبي. 2- راجع سلسلة مقالاتي بعنوان " الإسلام والتغير الثقافي لعرب الجاهلية " على إسلام ويب. 3- كتاب : دع القلق وابدأ الحياة، لديل كارنجي، ص : 301. 4- كتاب : الإنسان المعاصر في بحثه عن الروح، - انجليزي – ص : 254.
-
من الآيات التي توضح موقف المؤمنين الأتقياء مما يعتريهم من شؤون هذه الحياة الدنيا قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (الأعراف:201)، فالآية تخبر عن المتقين من عباد الله، الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم إذا وسوس لهم شياطين الإنس والجن، تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب، وقد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه؛ إذ هم في مواجهة ما ينتابهم من وساوس الإنس والجن لا ملجأ لهم إلا إلى الله، فهو العاصم لهم مما يراد بهم، وهو المسدد خطاهم إلى الصراط القويم. ولنا مع هذه الآية الوقفات التالية: الوقفة الأولى: قرأ جمهور القراء {طائف} وقرأ آخرون (طيف)، وهما قراءتان متواترتان، قال النحاس: معنى (طيف) في اللغة ما يتخيل في القلب، أو يُرى في النوم، وكذا معنى (طائف). وقيل: الطيف والطائف معنيان مختلفان، فالأول: التخيل. والثاني: الشيطان نفسه. وقد روي عن مجاهد أن (الطيف) هو الغضب. قال القرطبي: "ويسمى الجنون، والغضب، والوسوسة طيفاً؛ لأنه لمة من الشيطان، تشبه بلمة الخيال". وأطلق (الطائف) هنا على الخاطر الذي يخطر في النفس، يبعث على فعل شيء نهى الله عن فعله، شبه ذلك الخاطر في مبدأ جولانه في النفس بحلول الطائف قبل أن يستقر. الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {إذا مسهم} (المس) في أصل اللغة كاللمس، ومما يفترقان فيه أن (المس) يقال في كل ما ينال الإنسان من شر، وأذى بخلاف (اللمس). وقد ذُكر (المس) في القرآن في مواضع: مس الضر، والضراء، والبأساء، والسوء، والشر، والعذاب، والكبر، والقرح، واللغوب، والشيطان، وطائف الشيطان، ولم يذكر فيه مس الخير والنفع إلا في قوله سبحانه: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين} (المعارج:19-22)، فقد ذُكر {الخير} هنا في مقابلة {الشر}، ولكن المقام مقام منع الخير لا فعله، واستعمل (المس) و(المسيس) بمعنى الجماع، وهو مجاز مشهور كاستعماله في الجنون مجازاً. الوقفة الثالثة: هذه الآية سُبقت بآية تأمر بالتعوذ من الشيطان، وهي قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} (الأعراف:200)، وجاءت الآية التي معنا بمنـزلة التعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان، إذا أحس بوسوسته؛ ولذلك افتتحت بـ {إن} التي هي لمجرد الاهتمام. فيكون الغرض من الأمر بالاستعاذة بالله مجاهدةَ الشيطان، والتيقظ لكيده، وأن ذلك التيقظ سنة المتقين، ومنهج السلف الصالحين. فالآية تأكيد وتقرير لما قبلها من وجوب الاستعاذة بالله تعالى، عند وسوسة الشيطان، وأن المتقين هذه عادتهم. قال ابن عاشور: "ولعل الله ادخر خصوصية الاستعاذة لهذه الأمة، فكثر في القرآن الأمر بالاستعاذة من الشيطان، وكثر ذلك في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، كما ادخر لنا يوم الجمعة". الوقفة الرابعة: التعبير بأداة الشرط {إذا} والفعل {مسهم} في قوله سبحانه: {إذا مسهم طائف من الشيطان} إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان، عند ابتداء إلمام الخواطر الشيطانية بالنفس؛ لأن تلك الخواطر إذا أُمهلت، لم تلبث أن تصير عزماً، ثم عملاً. الوقفة الخامسة: قوله تعالى: {تذكروا} المراد: تذكروا أوامر الله ووصاياه، كقوله: سبحانه: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} (آل عمران:135)، ويشمل التذكر تذكر الاستعاذة. فـ (التذكر) يعم سائر أحوال التذكر للمأمورات. الوقفة السادسة: قوله تعالى: {فإذا هم مبصرون} (الإبصار) هنا هو يقظة الضمير، وقوة الوجدان، وسيطرة النفس على أهوائها، وشبهت هذه الحال بالبصر الدائم المستمر، الحارس على النفس أن تنفعل لداعي الشيطان. قال ابن عاشور: "استعير (الإبصار) للاهتداء، كما يستعار ضده العمى للضلال، أي: فإذا هم مهتدون ناجون من تضليل الشيطان؛ لأن الشيطان أراد إضلالهم، فسَلِمُوا من ذلك. ووَصْفُهم باسم الفاعل {مبصرون} دون الفعل (يبصرون) للدلالة على أن (الإبصار) ثابت لهم من قبل، وليس شيئاً متجدداً، ولذلك أخبر عنهم بالجملة الاسمية {هم مبصرون} الدالة على الدوام والثبات. الوقفة السابعة: أفادت الآية الكريمة أن ذكر الله تعالى يُبَصِّر القلب بعماه إذا ضل، وما ضل الذين ضلوا إلا بتركهم لذكر الله، وأن المؤمنين الصادقين في إيمانهم لا تتمكن منهم وساوس الشيطان؛ لأنهم جعلوا وقاية لأنفسهم من خوف الله، والحرص على طاعته، فلا سبيل له إليهم، كما قال تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} فإذا ما نزغ الشيطان في قلوبهم، فوسوس لهم، أو سوَّل لهم فعل ما نهى الله عنه، فسرعان ما يستيقظ وجدانهم العامر بتقوى الله تعالى، فيتذكرون الله، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه، فإذا غشاوة الشيطان تزول عنهم، ويرجعون إلى ربهم، وينقلب الشيطان خاسئاً وهو حسير. الوقفة الثامنة: التعبير باسم الموصول {الذين} من قوله تعالى: {إن الذين اتقوا} يفيد أن الباعث على ذكر الله تعالى، وحضوره في القلب واستيلائه على الإحساس والشعور بالواجب منشؤه التقوى. ويفيد هذا التصدير في الآية أن أهل التقوى لا يكونون بعيدين من ربهم، بل هم على مقربة منه، قلوبهم عامرة بذكره، فإن أصابتهم غمزة، فغفلوا، فسرعان ما يتنبهون، وسرعان ما يبصرون، وسرعان ما يرجعون. الوقفة التاسعة: تفيد الآية الكريمة أن وسوسة الشيطان إنما تأخذ الغافلين عن أنفسهم، لا يحاسبونها على خواطرها، الغافلين عن ربهم، لا يراقبونه في أهوائها وأعمالها. وأنه لا شيء أقوى على طرد الشيطان ودحره من ذكر الله تعالى، ومراقبته في السر والجهر، فذكر الله تعالى بأي نوع من أنواعه يقوي في النفس حب الحق ودواعي الخير، ويضعف فيها الميل إلى الباطل والشر، حتى لا يكون للشيطان مدخل إليها، فهو إنما يزين لها بالباطل والشر بقدر استعدادها لأي نوع منهما. فإن وجد بالغفلة مدخلاً إلى قلب المؤمن المتقي، لا يلبث أن يشعر به; لأنه غريب عن نفسه، ومتى شعر ذكر فأبصر، فخنس الشيطان، وابتعد عنه، وإن أصاب منه غرة قبل تذكره، تاب من قريب. الوقفة العاشرة: أن مثل المؤمن في عدم تمكن الشيطان من إغوائه، وإن تمكن من مسه، كمثل المرء الصحيح المزاج، القوي الجسم، النظيف الثوب، والبدن، والمكان، لا تجد الأمراض المفسدة للصحة استعداداً لإفساد مزاجه، وإصابته بالأمراض، فهي تظل بعيدة عنه، فإن مسه شيء منها بدخوله في معدته، أو دمه، كان ما لديه من أجهزة المناعة ما يكفي لصدها، وردها، ودحرها، والقضاء عليها. وكذلك يكون قوي الروح بالإيمان والتقوى غير مستعد لتأثير الشيطان في نفسه، فهو يطوف بها، يراقب غفلتها، فلا يلبث أن تتصدى له أجهزة المناعة لديه بالتذكر والأوبة والانتباه لهذا الدخيل. الوقفة الحادية عشرة: أن الإنسان يشعر بقدر علمه بتنازع دواعي الخير والشر والحق والباطل في نفسه، وأن لداعية الحق والخير مَلَكاً يقويها، ولداعية الباطل والشر شيطاناً يقويها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: (إن للشيطان لِمَّة بابن آدم، وللمَلَك لِمَّة: فأما لِمَّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لِمَّة المَلَك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ من الشيطان) ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} (البقرة:268) رواه الترمذي، والنسائي في "السنن الكبرى".
-
بعد أن اضطهدت قريشٌ المسلمين في مكّة، وأصبحت الهجرة أمراً ضروريّاً لا مفرّ منه، تمّ اختيار يثرب ـ المدينة المنورة ـ مكاناً لإقامة الدولة الإسلامية، وقاعدةً تنطلق منها قوافل الدعوة إلى الله في أنحاء الجزيرة، وقد اشتهرت المدينة المنورة قبل هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها بأنها بلد يكثر فيه المرض وتنتشر به الحمى، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان ( وادي ) يجري نجلا أي ماء آجِنًا ( متغيرا ) ) رواه البخاري . قال ابن حجر: " وهي أوبأ: بالهمز بوزن أفعل من الوباء، والوباء مقصور بهمز وبغير همز: هو المرض العام، ولا يعارض قدومهم عليها وهي بهذه الصفة نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن القدوم على الطاعون، لأن ذلك كان قبل النهي، أو أن النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا المرض، ولو عم، قالت: فكان بطحان: يعني وادي المدينة، وقولها: يجري نجلا: تعني ماء آجنا هو من تفسير الراوي عنها، وغرضها بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة، لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنده المرض " . وقد صادف وصول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة أن كانت موبوءة ( بحمّى ) الملاريا، فلم تمض أيام حتى مرض بها أبو بكر وبلال ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. فأخذت تستيقظ فيهم العاطفة والحنين إلى مكة المكرمة، وطنهم الذي تركوه، وهاجروا منه مضطرين بسبب شدة العذاب والأذى من كفار قريش، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وعِكَ (مرض) أبو بكر وبلال،فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كُلُّ امْرىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهلِهِ والْمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وكان بلال ـ رضي الله عنه ـ يقول : ألاَ لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ وهَلْ أرِدَنْ يَوْما مِياهَ مَجَنَّةٍ وهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . وروى ابن هشام وابن كثير وغيرهما ـ في السيرة النبوية ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة حتى جهدوا مرضا، وصرف الله ذلك عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى كانوا وما يصلون إلا وهم قعود، قال: فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم يصلون كذلك فقال لهم: ( اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )، فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم، التماس الفضل " . وكان النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصبّر أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ، ويشد من عزمهم، ويبين لهم الأجر والثواب لمن يصبر على ما يجده في المدينة من شدتها وأمراضها، فعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة، ولا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ) رواه مسلم . وعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنِّي أحرِّمُ ما بينَ لابَتَي المدينة كما حَرَّمَ إبراهيم حَرمَه، لا يُقطَعُ عِضاهُها ( شجر فِيهِ شوك )، ولا يُقتَلُ صَيدُها، ولا يَخرجُ منها أحدٌ رغبةً عنها إلا أبدلَها اللَّهُ خيرًا منه، والمدينة خيرٌ لَهُم لو كانوا يعلمون ) رواه أحمد . دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة : عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكّة من البركة ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإذا أخذه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه . قال: ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر ) رواه مسلم . وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ) رواه البخاري . والجحفة قرية على بعد اثنين وثمانين ميلا من مكة، ولم تكن الجحفة حينئذ من بلاد الإسلام، وهي التي كانت مهل أهل الشام ومصر ومن على شاكلتهم، والإحرام الآن من " رابغ "، قرية قريبة منها على الطريق بين مكة والمدينة . قال الخطابي وغيره: " كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهودًا وهم أعداء الإسلام والمسلمين، ولذا توجه دعاءه - صلى الله عليه وسلم ـ عليهم، ففيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك، وللمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وفيه إظهار معجزة عجيبة فإنها من يومئذ وبيئة لا يشرب أحد من مائها إلا حم ولا يمر بها طائر إلا حم وسقط .. وقال عياض: فيه معجزة له - صلى الله عليه وسلم -، فإن الجحفة من يومئذ وبيئة وخمة لا يشرب أحد من مائها إلا حُم، أي من الغرباء الداخلين عليها " . واستجاب الله دعاء نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة، وجعلها بلدًا طيبًا، وسماها طيبة، فعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كانوا يقولون يثرب والمدينة، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ إن الله ـ تبارك وتعالى ـ سماها طيبة ) رواه أحمد . قال ابن حجر في فتح الباري: " كانوا يسمون المدينة يثرب، فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - طابة وأخرجه أبو عوانة،والطاب والطيب لغتان بمعنى، واشتقاقهما من الشيء الطيب، وقيل: لطهارة تربتها، وقيل: لطيبها لساكنها، وقيل: من طيب العيش بها، وقال بعض أهل العلم: وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية، لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها، وقرأت بخط أبي علي الصدفي في هامش نسخته من صحيح البخاري بخطه: قال الحافظ : أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده من أقام بها، ويجد لطيبها أقوى رائحة، ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد، وكذلك العود وسائر أنواع الطيب " . وهكذا خلت طَيْبةَ الطيِّبةَ - ملتقى المهاجرين والأنصار، وموطن الذين تبوؤوا الدار والإيمان ـ من الوباء، وحَسُنَ حالها، وعظُم شرفها، حتى فُضلت على سائر بقاع الأرض ـ عدا مكة المكرمة ـ، واستقر أمر المسلمين بها، وصارت حاضرة الإسلام الأولى بعد الهجرة إليها، وفيها عقدت ألوية الجهاد في سبيل الله، ومنها شعَّ النور، فأشرقت الأرض بأنوار الهداية والتوحيد ..
-
عرف النّاس في عصور الجاهليّة أنواعاً عديدةً من المعبودات الباطلة، يدعونها من دون الله، ويلتمسون شفاعتها، ويتمسّحون بها ويطوفون حولها .جماداتٌ لا تضرّ ولا تنفع، لا تُبصر ولا تسمع، غير قادرةٍ أن تنصر نفسها فضلاً عن نصرتها لغيرها ، فاعتقد الناس لجهلهم نفعها وضررها، واعتقدوا خطرها وانتقامها، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي قال : "كنّا نعبد الحجر فإذا وجدنا حَجراً هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً جمعنا جثوة من تراب –أي: كومة من التراب-ثم إذا جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به". معنى الوثنيّة وتجليّاتها : الوثنية Le polythéisme: " هي معتقدٌ دينيٌّ وطريقة تفكير مؤسسة على الإيمان بعدة آلهة خالقة للكون " (1). ويعرّفها قاموس الأديان والحركات الفلسفية – الفرنسي- : " الديانة الوثنية هي ملَّة تقدّس عدة آلهة مجتمعة في مجمع للآلهة، تسير من خلاله كل جوانب الكون والحياة" (2). إن مفهوم الوثنية في علم مقارنة الأديان، واسعٌ شامل، فهو يشمل كل دينٍ أو نِحلةٍ، تؤمن بغير إله واحد. أما في الإسلام فهو يشمل أيّ نوع من أنواع العبادة التي هي من حقّ الله لغير الله سواء كانت اعتقاديةً أو قوليةً، بدنيةٍ أو ماليةٍ . أو كان جوهر المعبود بشراً ، كحال النصارى، أو حجراً كحال الهندوس والبوذيين، أو قمراً أو ناراً أو بقراً كحال وثنيات الهند والصين، أو مَلَكاً أو شيطاناً، وقد يمتد الحال إلى ظواهر الكون القويّة، كالخسوف والكسوف والأعاصير والكوارث الطبيعية، أو إن ارتقت فكرةٌ في عقل الإنسان لحد التّأليه كالخير والشر، والحب والجمال، أو مذهباً اقتصادياً كتأليه المال . بعض أنواع الوثنية التي عرفها البشر: قد رأينا في المبحث السابق، تعريف الوثنّية من خلال مصادر معاصرة، وكيف أن دين الإسلام توسّع في تعريفها لتشمل كل معبودٍ من غير الله تعالى، سواءٌ كانت عقيدة شِركيةً، أو مؤمنة بإله وثنيٍّ واحدٍ. والوثنية شرك خطيرٌ يُعمي القلوب، ويقفل العقول، فيحول بينها وبين التصور الصادق والإيمان الحقّ، ويطغى على الأوضاع والترميزات الإنسانية فيشوّه هيكلها، ويمسخ صورتها . وقد نقل لنا القرآن الكريم عدداً من مظاهر الوثنيات المنتشرة، أبرزها: وثنية اليهود والنصارى، حين قال سبحانه : {واتخذ قوم موسى من بعده عجلا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين} (الأعراف: 148). وقصّة السامريّ التي ذكرها القرآن، اشتهرت في علم مقارنة الأديان المعاصر، حيث أن قرية السامرة عرفت كهّاناً توارثوا سحر الأب الأول – صاحب العجل- ونبّه إلى جاستين مارتير Justine Martyr إلى تفشي السحر في السامريّين وقال : " كان هناك سامري يُدعى سيمون من أهالي قرية غيتو، قام في عهد كلوديوس قيصر .. بأعمال سحرية عظيمة، وقد اعتُبر إلها .. وجميع السامريين تقريباً .. عبدوه وأذعنوا مقرين بأنه الإله الأول " (3). أما بخصوص المسيحية فقد قال تعالى : {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} ( المائدة: 17). وقد روى الإمام أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقه صليب من فضة فقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال : قلت لم يعبدوهم . فقال : (بلى، إنهم حرّموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم). هذا الغلو حسب الدكتور دانييل بوسوك Daniel bassuck، راجعٌ إلى تأثّر المسيحيّة بأساطير الوثنيات السابقة، إذ يقول :" أصبح من الواضح أن الأساطير الدّينية الإغريقيّة – الرومانيّة، التي تتحدث عن آلهة تهبط لعالم البشر تظهر على الأرض بشكل إنسان، قد سبق استخدامها لأجل تفسير حياة شخصيات تاريخية، كما أن الأساطير وجدت بشكل مبكر يكفي لجعلها متاحةً وموجودة في المتناول للاستفادة منها وتخصيصها للغرض المسيحي " (4). وحكى التاريخ عن وثنية الهند والفرس والصين وتماثيلها، والهند وآلهتها ، فالهندوسية Hindouisme على سبيل المثال، وهي ديانة الهند منذ آلاف السنين، قائمةٌ على فكرة التجسد للآلهة الكبرى، وهي فشنو Vishnu، وشيفا shiva، وبراهما Brahma، إضافة إلى مئات الآلهة الأخرى المضافة وصلت إلى حد تقديس البقر (5). أما الفرس فقد كانت الديانة البابلية تضم أكثر من 4000 إله مجسد في الأصنام، (6). أما ديانات الصين فكثيرة ومتنوعة، منها عبادة " شنغتاي " – الإله الأسمى – مختلطاً بعبادة الأسلاف وعبادة الأرواح (7). والجزيرة العربية، لم تكن أفضل حالاً من نظيراتها، بل كانت تعج بكثير من الصور التي تسرّبت إليها عن طريق الجوار الجغرافي، سواءٌ ما رفد إليها من اليهودية والمسيحية، أم من الوثنية الفارسية، أو حتى مما وجد في الجزيرة نفسها من بقايا ملة إبراهيم التي شوّهها العرب ومسخوها، كزعمهم أن الملائكة بنات الله، وكدعواهم أن بين الله وبين الجِنّة نسباً، يقول تعالى : {وجعلوا بينه وبين الجِنّة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون} ( الصافات: 158، 159 ). وقد كان العرب في وثنيّتهم يعتقدون وجود الله وأنه خالقهم، يقول سبحانه : {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} ( الزخرف: 87). ولكنها عقيدة وثنية حيث كانوا يشركون مع الله وسطاء وشفعاء يتقربون بعبادتها إلى الله، ويعتقدون قدرتها على الخير والشر والضرر والنفع، ويتمثل ذلك في الأصنام والأحجار والنجوم والكواكب والأشجار وغيرها، وقد حكى القرآن عنهم ذلك فقال : {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} ( الزمر: 3). وفي عصرنا الحديث أصبحت الوثنية تتمثّل كما كان الشّأن عند عرب الجاهلية في التمسّح بالأضرحة والمقابر، وطلب الحاجة منها، وفي بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي ورثناها عن المجتمع الجاهلي وهي متنوعة تمارس في كثير من المناسبات: في المواسم والمآثم. واتخذت الوثنية أيضا مظاهر أخرى في هذا العصر، فظهرت في شكل مذاهب هدّامةٍ وباطلةٍ، فإضافةً إلى معتقدات الصين والهند والفرس المتمثّلة في البوذيّة bouddhisme ، والهندوسيّة hidouisme،والمجوسيّة المعروفة بالزاردشتيّة zoroastrisme، نجد الديانات الطّوطميّة، والدّيانة الطّوطميّة Le totémisme، هي ديانة القبائل البدائية التي تقدّس كائنات "تحترمها بعض القبائل المتوحّشة ويعتقد كلّ فردٍ من أفراد القبيلة بعلاقة نسبٍ بينه وبين واحد منها". (8). وهي عقائد لازالت مستمرة عند قبائل الزولو zoulous، في إفريقيا، والماساي Massay، وغيرها من القبائل البدائية في مختلف أنحاء العالم . كما تجدر الإشارة أن المسيحية تأثرت بهذه العقيدة وجعلت نسباً بينها وبين الرب وهو البنوّة . إضافة إلى وثنيات أخرى وإن اختلفت عنها بعض الشيء في مظهرا، كالبهائية bahaïsme والقاديانيةQadianisme ، والعلمانية والماركسية والشيوعية، وهي وثنياتٌ حسب التعريف الإسلامي الموسّع لها، وغيرها من المعتقدات القائمة على تقديس الأشخاص والمال والمادّية والمُثُل والقيم، وصولاً إلى آخر صيحة في المذاهب الفكرية وهي المذهب الكوسمولوجي cosmologie religieuse الذي يتبناه ريتشارد داوكنز وأساسه أن خالق الكون هم الكائنات الفضائية الذكية! آثار الوثنيّة على حياة عرب الجاهلية : وقد تغلغلت الوثنية المتطرفة في عرب الجاهلية، وكان لذلك أثره الخطير على نفوسهم وسلوكهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم فيما بينهم على أساس بعض الشعائر الفاسدة التي خطأها القرآن الكريم وأبطلتها السنة المشرفة ومن ذلك ما حكاه القرآن : {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} ( النحل: 57). وقد تركت الوثنية أثرها كذلك في كل جانبٍ من جوانب الحياة الجاهليّة، سواءٌ من النّاحية الأخلاقيّة أو الاجتماعيّة أو السياسيّة، على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع. (9). فمن النّاحية الأخلاقية كانت العصبيّة القبليّة والدموية متحكمة فيهم. ومن الناحية الاجتماعية كانت الأسرة متفككة ومقام المرأة منحطّا عندهم، إلى غير ذلك من العادات المنكّرة في الزّواج والمعاملة. ومن الناحية السياسية كانت الغلبة للقويّ وللحميّة الجاهلية. لا رابطة تربطهم ولا صلة تجمعهم ولا نظام يحكمهم، إلا تلك الأعراف السائدة التي لم تكن تنصر مظلوماً، أو ترد حقاً، أو ترفع ضيماً. وكانوا في خضمّ هذه الوثنية الضّالة يقلّدون آباءهم في فساد العقيدة، ولا يؤمنون بالحياة الأخرى وما فيها من بعث وجزاء بينما نراهم يؤمنون بالسحر والشعوذة والكهانة والخرافة والطيرة، والتفاخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء، والدعاء بدعوى الجاهلية، ولطم الخدود، وشق الجيوب في المآثم والنياحة على الأموات إلى غير لك من الأعمال التي تدل على فساد عقيدتهم وشيوع وثنيتهم. الإسلام يبطل الوثنية : جاء الإسلام الحنيف فأخرج الناس من ظلمات الشرك ومستنقع الكفر، إلى نور اليقين وطهارة الإيمان، وطوّح بالوثنية وضلالاتها، واستطاع صاحب الدعوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ظرفٍ وجيز أن يبني على أنقاض الوثنية صرحاً إسلامياً شامخاً، وعقيدةً سليمة صحيحة، ونفوساً لا تعرف إلا الله ولا ترتبط إلا به. نعم، جاء الإسلام فدعا إلى عبادة الله وحده، ونبذ كل معبودٍ سواه، وأصلح الفرد والأسرة والمجتمع ومحا الفروق والعصبيات، وجعل التفاضل بالتقوى والعمل الصالح، فعرفت العرب تغيراً اجتماعياً جذرياً، قال الله تعالى : {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات: 13). ويقول سبحانه : {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} ( البقرة: 28 ). ويقول تعالى : {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} (الأعراف 192 إلى 193). جاء الإسلام، فشنّ حربه على ضلالة الجاهلية من الشعوذة والسحر الباطل، وكل البدع المنكرة والنياحة على الأموات فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية ) رواه مسلم. فحارب كل الدعوات الهدّامة التي تدعو لغير الله، أو تقرّر تقديس المادة أو تدعو لعبادة غير الله من المظاهر الطبيعية، أو المثل والقيم، أو الهياكل والأشخاص . مما نرى عليه المجتمع الإنساني الآن وخصوصا المجتمع الإسلامي الذي توارث أهله بعض العادات الجاهلية واندست إلى حياته بقايا الوثنية الضالة التي عاش عليها المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، ومن هنا وجب علينا ونحن أمة هذا الدين أن نعمل على قطع صلتنا بالجاهلية الجهلاء، ووثنيّتها الباطلة ونرجع أبناءنا ومجتمعنا إلى التربية الإسلامية الحق ومنابع الإسلام الصافية. إن الغاية الكبرى التي يهدف الإسلام لها من إبطال الوثنية في تقرير العبودية لله وحده وإفراده سبحانه بالربوبية والألوهية، والخضوع المطلق له في كل شيء، وإن الحاكمية والولاية والتصرف والخلق والأمر والعبادة لله وحده لا شريك له، قال تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64)، ويقول سبحانه : {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 80). وروى الإمام البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لي : ( يا معاذ! هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟) قلتُ : الله ورسوله أعلم، قال : (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ). فهذه هي الغاية الكبرى وهي تقرير العبوديّة لله، والتي تستتبع تحرير الإنسان من الخضوع لغير الله، فالإنسان في هذا الوجود ليس مسخّرا للوثنيّة وأباطيلها، ولا محدود العقل والنظر تستعبده الأوهام والخرافات، إنما هو كائنٌ بشريٌّ كرّمه المولى عز وجل، وسخَّر لأجله ما في الكون، واستخلفه في الأرض لعمارتها، وميّزه بالعقل والإرادة، وجعله حرّاً مسؤولاً، ومن هنا كانت حريته في عبادة ربه، وكرامته في الخضوع له : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء: 70). هوامش المقال 1- القاموس الأكاديمي الفرنسي، ص : 204 . 2- قاموس الأديان والحركات الفلسفية، ص : 51. 3- كتاب " اعتذار "، لجاستين مارتير، ص :26. 4- أساطير التجسّد في الشرق الأدنى، ص :31. 5- راجع كتاب أديان العالم، للدكتور حبيب سعيد ص : 76. 6- راجع المصدر السابق، ص : 47. 7- المصدر السابق، ص : 118. 8- نحو نظرية جديدة في علم الإجتماع الديني، يوسف شلحت، ص :112.
-
يحلو لبعض الماديين والملاحدة أن يجعل دور التديّن دوراً ثانويّاً هامشيّاً في الحياة، كأنّهم ظنّوا في التديّن والإيمان أغلالاً تمنعهم من الحريّة المنفلتة التي تفعل أيّ شيء وفي أيّ وقتٍ، دونما قيود أو ضوابط. والواقع يشهد أن الحاجة إلى الإيمان وإلى المعتقد الصحيح ليست مجرّد حاجةٍ إلى أمرٍ كماليّ يمكن الاستغناء عنه والانفكاك منه، بل هو ضرورةٌ ملحّة يفرضها الواقع ويشهد بثقلها ومركزيّتها، ومدى تأثيرها على طبيعة الحياة المعاصرة، ولعل فشو الأمراض النفسيّة والممارسات الاجتماعيّة السلبية - وغيرها من الأمور التي سوف يتمّ عرضها وبَسْطُها في الأسطر القادمة - خير دليلٍ على هذه الحاجة، وأنّه لا سعادة ولا طمأنينة للبشريّة إلا بالإيمان بالله جلّ وعلا ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- نبيّاً ورسولاً. وأوّل دلائل هذه القضيّة ما نراه من فشوّ القلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية، وليس من المبالغة أن نصفها بأنها مشاكل العصر بلا منازع، وأنها تقع في أعلى سلّم الأمراض المعنويّة المشتهرة والمنتشرة في المجتمعات، مما يعني أن إصابة الناس بأعراض القلق والاكتئاب قد حقّقتا نِسَباً عاليةً، لا فرق في ذلك بين الأغنياء والفقراء، والذكور والإناث، بل –وياللعجب- الصغار والكبار، فأغلب الناس مهمومٌ مغموم، قلقٌ متوجّس، إلا من عصمه الله وقليلٌ ما هم، مع تباينٍ في أسباب القلق وصوره. وصور هذا القلق ومتعلّقاته في عالمنا المعاصر كثيرةُ جداً، فإننا نجد أن الفقير يخاف على أولاده من الضياع من بعده، ويخشى عليهم الإملاق، ولولا ما فرضته الحضارة والقوانين الدوليّة من تجريم وأد الذريّة، لقام بعضهم بما قامت به الجاهليّة الأولى، وإن كان بإمكاننا أن نتعبر الإجهاض (جريمة العصر) هو تحايلٌ يكاد يتفّق في النتيجة والمُؤدّى ما ما كان يقوم به أسلافهم الجاهليّون من الوأد في التراب، ثم إنه لا ينبغي لنا هنا أن ننسى دور المخاوف المتعلّقة بالفقر على مستوى العالم وإفرازاتها الفاسدة القائمة على تشريع بعض القوانين الجائرة، كقانون تحديد النسل الذي تمارسه بعض الدول الشيوعيّة خوفاً من التزايد السكّاني، تحت ذريعة الأمن الاقتصادي على المنظور البعيد. وإذا كان الفقير يدور في فَلَك المخاوف المتعلّقة بالتفكير بمستقبل الأولاد وتوفير احتياجاتهم في ظلّ النكسات الاقتصاديّة المتتالية، وانتشار البطالة، وقلّة فرص العمل، فإن مخاوف الغنيّ تتعلّق بالمنافسة الاقتصاديّة التي تجري في سوق العمل، وصعوبة شق الطريق في ذلك الوسط المتصارع على مناطق النفوذ، والتحدّيات المتعلّقة ببسط الهيمنة وتحقيق التوسّع في النشاط التجاري، وهو قلقٌ كذلك في سياق المحافظة على المركز التجاري والبقاء في الصدارة. وعند الغني قلقٌ من المستقبل بسبب ما يراه من حال الأسواق وتأرجح أسهم الشركات صعوداً وهبوطاً، وهو خوفٌ يعضدّه إدراك المتغيّرات التي تؤثّر في مراكز القِوَى الاقتصاديّة، وما سبّبته من الإطاحة بإمبراطوريّاتٍ عظيمةٍ كان لها الآلاف من العاملين، ومئات الفروع، وملايين الدولارات، ومثلها من الأسهم والممتلكات، فإذا بها في غمضةِ عينٍ والتفاتتها تتهاوى، وتُعلن عن إفلاسها، وتسريح موظّفيها لا نزال وحتى هذه اللحظة نعاني من آثار الأزمة المالية العالمية Global Financial Crisis، وما أفرزته من انعكاسات خطيرة على اقتصاديات العالم، تمثّلت في صورة انخفاض أسعار النفط، وخسائر مالية للبنوك وصناديق الاستثمار السيادية، وانخفاض حجم الاستثمار الإنتاجي الحقيقي، فضلاً عن إفلاس مؤسسات مالية عملاقة. ونجد في عالمنا أن الصحيح المعافى يخشى المرض، ويخاف من آثار تلوّث البيئة وتأثّرها بالنفايات، ويخشى على نفسه من أمراضٍ كالسرطان والسكّري، وغيرها من الأمراض المزمنة، والتي تستنزف الكثير من الأموال، وتذهب بزهرة الحياة ونضارتها، ويزداد قلق الأصحّاء حين سماع الأخبار المتعلّقة باجتياح الأوبئة من حينٍ لآخر تحت مسمّياتٍ مختلفة: جنون البقر، انفلونزا الطيور، انفلونزا الخنازير، وفي جعبة الأطباء قائمة طويلة من تلك الأسماء التي لم تنسَ ذاكرة التاريخ آثارها المدمّرة. ونجد أن الموظّف قلقٌ على مركزه الوظيفي، ويخشى من عدم استقرار الوظيفة، ويعيش في دوّامة التسابق الحاصلة بينه وبين زملائه للظفر بأعلى المناصب، وفي ظلّ تنامي نسبة العطالة مع مرور الزمن، وقلّة تمكّن الحكومات من خلق فرصٍ للعمل، واستحداث وظائف تتناسب مع حجم المتخرّجين من الجامعات ذكوراً وإناثاً، وفي ظلّ تزايد نسبة العمالة الوافدة ذات الكفاءات العالية من الدول الفقيرة وارتضائها للرواتب المتدنّية، وما قد يشكّله ذلك من تهديدٍ وظيفي حتمي، يعشّش التشاؤم ويربو، ويتنامى القلق ويزداد، ويؤثّر على مستوى الموظّف وأدائه في العمل. ونجد أن الطلاّب يقلقون أيّام امتحاناتهم ويخشون الرسوب، وتنتابهم المخاوف حيال المناهج التي يدرسونها ويشكون من عدم فهمها. وإذا انتقلنا من نطاق القلق الفرديّ إلى النطاق العالمي، سيكون الحديث عن جملةٍ من القضايا المصيريّة التي تُسبّب قلقاً بالغاً وتخوّفاً علنيّاً من المستقبل، ونرى عند كثيرٍ من النخب الثقافيّة استخدام مصطلحاتٍ تعبّر عن هذه القلق الجمعيّ الأمميّ كمصطلح: "الدخول في النفق المظلم"، وذلك في قضايا محوريّة كالقلق المتعلّق بتضاؤل احتياطي النفط العالمي، وضبابيّة المشهد بعد نفوقه، والتصوّرات المرعبة لآثار ذلك على أنماط الحياة،وهناك أيضاً: القلق من الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الصناعية، وإسهامها في تدمير طبقة الأوزون، والتغيّرات المناخيّة المتوقّعة من هذه الظاهرة. ومن القضايا السياسيّة: القلق من حالة الاستقطاب الحادّ بين القوى السياسيّة المتصارعة، والسعي نحو امتلاك السلاح النووي، وتنامي حالات التوتّر السياسي والعيش في ظلال الحروب المتوقّعة، والخلافات الدائرة حول تقسيم الحدود، وفوضى العابثين في أمن الأوطان وسعيهم في أفساد جهود الإصلاح والتنمية. ومن القضايا الاجتماعيّة: ظاهرة الاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، وغسيل الأموال، وكيفيّة التصدّي للعصابات الدوليّة المنظَّمة والعابرة للقارّات، والأرقام الإحصائيّة تعزّز النظرة التشاؤميّة للمستقبل، فإذا كان أهل الاختصاص يذكرون أنّه وطَوَال عقد التسعينيات كان يتم غسيل ما يقرب من مائة مليار دولار من تجارة المخدرات، وبشكل سنوي في ذلك العقد، في أمريكا وأوروبا وحدهما، إذا كان ذلك قبل دخول القرن الحادي والعشرين، فكيف سيكون الحال بعد عدّة سنوات؟ ونظراً لأن هذه المشاكل التي استعرضناها تزداد تأزّماً يوماً بعد يوم، والآثار الناتجة ستكون كارثيّةً على الأجيال القادمة إن لم يتمّ علاجها أو الحدّ منها، فلا شكّ أن الارتباك والحيرة والخوف من المستقبل هو مظهرٌ من مظاهر الحضارات الماديّة التي لا تؤمن بدور الخالق في تدبير الكون وإيجاد الحلول. ثم يأتي الحديث عن روح التشاؤم والقلق، واليأس من إحداث التغيير، وانعكاس ذلك على مجالات الأدب، فإن الواقع يشهد زحفاً لهذا المسلك في تصوير الواقع، والنظر إلى المستقبل والتعبير عنه بــ(المجهول)، وما تخفيه هذه الكلمة من دلالاتٍ رافضةٍ للتفاؤل، مؤمنةٍ بعدم جدواها، وما تولّده من أدبيّاتٍ شعريّة ونثريّةٍ تميت الفاعليّة، وتنطق بالحيْرة والسوداويّة، ولو شئنا أن نمثّل لأصحاب هذه النزعات التشاؤميّة وجدنا في مقدّمها الشاعر والناقد الأمريكي إدجار آلان بو Edgar Allan Poe، صاحب أشهر قصص الرعب الناطقة بالكآبة والتعاسة، وكثيراً ما كان يجلس في غرفة معتمة، مع غرابٍ على بابه، وزجاجةٍ على طاولته، وأنبوبٍ مليء بالأفيون يكتب قصصه وأشعاره بروحٍ تشاؤميّةٍ عالية. ويقول أحد الفلاسفة المعاصرين: "الحياة شرٌّ لأنها حرب، أينما وليت وجهك لا تقع عينيك إلا على صراعٍ ومنافسةٍ ونزاع، وتبادلٍ انتحاري بين الهزيمة والنصر، وكل نوع يقاتل للفوز بالمادة والأرض والسيطرة، وإن صورة الحياة في مجملها مؤلمة جداً اذا تأمّلناها، وهي تعتمد على جهلنا بها". ويُكمل قائلاً: "إننا لو عرضنا أمام نظر الإنسان ما تتعرض له حياته دائماً من ضروب الألم والبؤس المروع عرضاً واضحاً لامتلأ رعباً، ولو دخلنا بالمتفائل الشديد تفاؤله إلى المستشفيات، وملاجئ العجزة والمقعدين، وغرف العمليات الجراحية، ولو دخلنا به إلى السجون وغرف التعذيب، وحظائر العبيد، ولو أخذناه إلى ميادين القتال، وأماكن الإعدام، ولو فتحنا له كل مشاكل البؤس والفاقة المظلمة، حيث يواري البؤس نفسَه من نظرات الفضول السمجة الباردة، وأخيراً: لو سمحنا له بالنظر إلى السجون التي يموت الناس فيها جوعاً، لعلم هذا المتفائل أخيراً طبيعة هذا العالم". وقد نجحت هذه الروح التشاؤميّة في التسلّل إلى بلاد المسلمين، وأفرزت الكثير من الكتابات المتخاذلة التي تستبعد تحقّق النصر، وترى ألاّ أمل في تغيير الواقع، ولا مناص من الانكفاء نحو الذات والتقوقع وقطع الصلة بالغد المشرق، واليأس من صلاح الزمان وأهله، وينسون آيات الله التي تُتلى كل آنٍ وحين، قائلةً: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} (النور:55)، ومؤكّدةً: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر:51). ولم يبقَ لبعضهم سوى أن يَصِفوا مجتمعاتنا المسلمة أنها قد تحوّلت إلى جثةٍ على طاولة التشريح، فهي في حُكم الميت، والموتى لا يعودون إلى الحياةِ أبداً، وقُلْ مثله عن المبالغة في قدرات الأعداء وسيادة نظريّة المؤامرة في كلّ ما يحدث، لتكون النتيجة عدم المقدرة على النصر، واستبعاد القدرة على وقف زحف الباطل وإيقاف تقدّمه أو صدّ هجماته. ومما يُؤسف له أن البعض عند تعرّض المسلمين للكثير من صنوف الإحباطات والهزائم، وألوان القهر والنكد؛ تأثّر بشكل بالغ من هذه البلاءات حتى سادت عنده روح التشاؤم واليأس، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة والاستسلام للظروف والمتغيرات، وأفرز هذا الوضع مقولات يمكن أن نسميها بـ (أدبيات الطريق المسدود) ! هذه الأدبيات تتمثل بالشكوى الدائبة من كل شيء، من خذلان الأصدقاء، ومن تآمر الأعداء، ومن تركة الآباء والأجداد، ومن تصرفات الأبناء والأحفاد!. وإذا أخذنا في الحديث عن التديّن بإطاره الواسع وجدنا أن هناك علاقةً عكسيّة بين القلق والجانب الروحي لدى الإنسان، وكنتيجةٍ لذلك، نجد أن المتديّنين من المسلمين هم أقلّ الناس قلقاً من المستقبل، فضلاً عن كونهم الأقلّ عالميّاً من ناحية اليأس من الحياة، والسعي للهروب منها بإزهاق النفس، والسبب يتعلّق بتصوّرهم الشمولي الدقيق للعقيدة، ويرتبط بعلاقتهم الوثيقة بالله سبحانه وتعالى ومدى تعلّقهم به مقارنةٍ بغيرهم، بينما يكون الحال على النقيض من ذلك عند الماديّين والمنكرين للديانات السماويّة من الملاحدة واللادينيين. ولتأكيد العلاقة بين الضيق والرُّهاب من المستقبل، وبين الفراغ الروحي، يقول الدكتور فيكتور فرانكل Viktor Emil Frankl أحد أشهر علماء النفس: "..ويمكن القول أن اهتمام الإنسان بالحياة، وقلقه بشأن جدارتها، وحتى يأسه منها، لا يخرج عن كونه ضيقاً معنوياً روحياً، وليس بالضرورة أن يكون مرضاً نفسياً بحال من الأحوال، وهنا يكون تفسير هذا الضيق المعنوي أو الروحي على أنه مرض نفسي، هو ما يدفع الطبيب أن يدفن اليأس الوجودي عند مريضه تحت كومة من العقاقير المهدئة، بدلاً من أن تكون مهمّته هي بالأحرى أن يقود المريض من خلال أزماته الوجودية إلى النمو والارتقاء". وتصبّ الدراسات الحديثة في ذات الاتجاه، وتؤكّد ما أشرنا إليه آنفاً، ففي إحدى الدراسات حديثة تبيّن أن الملحدين هم أكثر الناس يأساً وإحباطاً وتفككاً وتعاسة. والحاصل مما سبق أن البشريّة برمّتها هي بحاجةٍ مستمرّةٍ إلى الإيمان العميق ورؤية الإسلام الشموليّة لحقيقة الكون والحياة، وهذه الرؤية المنضبطة ستسهم إلى حدٍّ بعيد في بثّ الثقة في النفوس، وستساعد على بناء العقليّة السويّة التي تتعامل مع الواقع وتًراعي الظروف المتباينة من خلال هذه القيمة الإيجابيّة، وبالتالي فهي سياجٌ منيعٌ ضد كلّ صور اليأس والإحباط، والقلق والجزع. وإذا كانت مآلات المشاعر السوادويّة التي يُصاب بها البعيدون عن المنهج النبويّ كارثيّةٌ بكل المقاييس، وبحسب ما ظهر لنا من خلال اللمحة السريعة التي أظهرت غياب الطمأنينة العالميّة، فإن التفاؤل سيكون وفق واقعنا المعاصر ضرورةً مُلحّة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تزال الماديّة الراهنة تدفع ثمناً باهضاً نتيجةً للبعد عن الدين، بكلّ قيمه وتعاليمه التفاؤليّة، وهي حتميّةُ نستلهمها من كتاب الله عزّ وجل:{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه:124).
-
من تجليّات العدالة الإلهيّة ما قاله أحكم الحاكمين وأصدق القائلين: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} (الأنبياء:47)، ففي يوم القيامة تُنصب موازينُ على وجه الحقيقة، ليتّضح من خلالها أحوال العباد وأعمالهم، فيُجازوا على حسناتهم بالإحسان، وعلى سيّئاتهم بالعقاب، أو التجاوز والغفران. وقد دلّت النصوص الشرعيّة على ثبوت الميزان وإقامته يوم القيامة، وأنه بيد الرحمن جلّ جلاله، يرفع به أقواماً، ويضع به آخرين، وبالميزان تتحدّد مآلات البشر يوم القيامة ونهاياتهم فوزاً أو خسارة، وإذا كانت المحاسبة لتقرير الأعمال، فالوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، وهذا ما يعتقده أهل السنّة والجماعة خلافاً للمذاهب البدعيّة التي أنكرت حقيقة الميزان، كالجهميّة ومن تبعهم. ومع وضوح قيام الوزن كإحدى الحقائق الغيبيّة التي وردت بها النصوص، وأجمع السلف عليها، إلا أن خلافاً قد ورد بينهم حول طبيعة ما سيوضع في تلك الموازين وفقاً لبعض الألفاظ الواردة فيما يوزن فيها، وكانت أقوال أهل العلم على النحو الآتي: القول الأول: أن الله تعالى يضع في الموازين أعمال العباد، فهي وإن كانت معانٍ مجرّدة، إلا أن الله تعالى –وهو القادر على كل شيء-، يحوّلها إلى أجسامٍ حقيقيّة، فتوضع الحسنات في إحدى كفّتي الميزان، والسيئات في الكفّة الأخرى. والدلائل على وزن الأعمال يوم القيامة كثيرةٌ جداً، منها تكملةُ الآية التي صدّرنا بها الموضوع: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء:47)، ومنها قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} (المؤمنون: 102-103). ومن الأحاديث الصحيحة التي تدلّ على وزن الأعمال، حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) رواه البخاري، وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق) رواه أبو داود والترمذي. ويبدو من ظواهر الأحاديث أن الموزون بالإضافة إلى الأعمال التي تنقلبُ من معانٍ إلى أجسام –كما تقدّم-، فإنه يشمل صحائف الأعمال كذلك، ويدلّ عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، فيُنشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجلٍّ مد البصر... فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة) رواه ابن ماجه، فمن الواضح أن السجلاّت قد وُضعت –بنص الحديث- في الميزان، فرجحت بها بطاقة لا إله إلا الله، يقول القرطبي: "والصحيح أن الموازين تثقل بالكتب فيها الأعمال مكتوبة، وبها تخف". القول الثاني: أن العامل نفسه يوزن كذلك، فيكون مقياس تفاضلهم في الميزان على الأعمال لا على الأبدان، فيثقل المرء بثقل أعماله، ويخفّ بخفّتها وقلّتها. واستدلّ القائلون لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} (الكهف: 105) رواه البخاري ومسلم، وفي المقابل: يؤتى بالرجل الهزيل الضعيف، ولكنّ أعماله قد بلغت الغاية في الحُسْن والإتقان، والفضل والإحسان، فيثقل صاحبها بثقلِ أعماله، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أنه كان يجتني سواكاً من الأراك –وهو اسم الشجر الذي يُؤخذ منه-، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تحرّكه يمنةً ويسرة، فضحك القوم منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مم تضحكون؟) قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد) رواه أحمد، كما جاء في أحد سياقات حديث البطاقة الذي سبق ذكره، ففيه: (توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصي عليه، فتمايل به الميزان) رواه أحمد. بعد هذه الأقوال يمكن أن نتساءل: ما الذي يوضع في الميزان يوم القيامة؟ والجواب هو بالعودة إلى المعنى الذي تمّ ذكره في بداية الموضوع، بأن المقصود من وضع الموازين هو بيان أثر الأعمال في نجاة الشخص أو خسارته يوم القيامة، فوزن الأعمال هو الأصل في ذلك، ولا إشكال في كونِ الأعمال الموزونة أصلها معانٍ، فالله القادر على كلّ شيء، وسعت قدرتُه في تحويل المعاني إلى أجسامٍ لها وزن، وقد ضرب الله لنا مثلاً بتحويل الموت إلى كبشٍ يوم القيامة ثم يُذبح بين الجنّة والنار –كما ثبت في الحديث الصحيح-. ولا إشكال في إمكانِ وزنِ العاملين يوم القيامة فقد وردت النصوص السابقة في حقّهم، إلا أنه يبدو -والله أعلم- أنهم في الغالب لن يوزنوا يوم القيامة، بمعنى: لن يوضع كلّ مكلّفٍ في الميزان فيُوزن مع عمله، لأن المقصود الأعظم من وضع الميزان هو إجراء التفاضل بين الأعمال، وبالأعمال يظهر حال المكلّف ويتحدّد مصيره، أما النصوص التي ذكرتْ وزن الرجل العظيم وبأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فليس صريحاً في كون المكلّفين جميعاً يوضعون في الميزان كما توضع الأعمال، بل إن سياق الحديث يبيّن معنى حقارةِ قدره، فلا يُعتدّ به، ولا يكون له عند الله منزلة، فكأنّه بيانٌ عن حالةٍ تبيّن طبيعة الوزن، لا أنها تُثبت حقيقته وحصوله كحالةٍ مستقرّة. قال السفاريني: " هذا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً للذي يغترّ ببعض الأجسام، وهو كنايةٌ عن عدم اكتراث الله بالأجساد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب، فكم من جسمٍ وسيمٍ وهو عند الله من أصحاب الجحيم، فهذا محمل الحديث الصحيح". وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فكذلك، فنصّ الحديث:(لهما أثقل في الميزان من أحد) فلو وُزن ابن مسعودٍ رضي الله عنه يوم القيامة لكان وزنُ ساقيه تثقلان على جبل أحد، وما كان ثقلهما إلا بسبب فعل صاحبهما من الحسنات الكثيرة التي بسببها فاقت وزن جبلٍ كامل، أما القدر الزائد من الفهم، وهو أن العاملين سيوزنون مع أعمالهم، فيحتاج إلى نصٍّ أكثر وضوحاً، كمثل الحديث الذي رواه أحمد، وقد تقدّم، وفيه: (توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة) فهو نصٌّ في بابه، إلا أن الحديث فيه ضعفُ من جهة راويه أبي لهيعة. والحق أن القول بوزنِ العاملين له قوّة، وقال به عددٌ كبير من العلماء، إلا أن القول بوزن الأعمال فقط هو الأظهر، وهو رأي السفاريني والقرطبي وابن عبدالبر وغيرهم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، والعلم عند الله تعالى.
-
يسعى نجم الكرة البرازيلية “رونالدينيو”؛ إلى استغلال بطولة كأس العالم 2014 بأي شكل وذلك بعدما قرر المدير الفني “فيليبي سكولاري” استبعاده من تشكيلة منتخب البرازيل المشاركة بكأس العالم الشهر القادم. وقرر رونالدينيو اللجوء إلى فكرة غير متوقعة بعدما أعلن عن عرض منزله بمدينة ريو دي جانيرو للإيجار 9.120 آلاف جنيه إسترليني في الليلة الواحدة معطياً جماهيره الفرصة للبقاء في محل إقامة الأسطورة البرازيلية. هذا ودعم رونالدينيو هذا الخبر عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر عندما غرد للتأكيد أن منزله الذي يحتوى على 5 غرف نوم متاحا للإيجار خلال فترة إقامة بطولة كأس العالم. وغرد نجم نادي برشلونة وميلان وباريس سان جيرمان السابق وأتليتكو مينيرو الحالي عبر تويتر قائلاً؛ أؤكد أن منزلي متاح للإيجار عبر موقعAirbnb.com وونشرت “صحيفة دايلي ميل البريطانية”؛ صور منزل أحد أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم و يحتوى على 6 دورات مياه يقع بإحدى المناطق الراقية في “بارا دا تيجوكا” بمدينة ريو دي جانيرو. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يحتوي المنزل على ساونا وقبو كبير ومكان للشواء، بالإضافة للوحات الفني والرسومات الخاصة برونالدينيو أثناء مسيرته الكروية بميلان وبرشلونة وباريس سان جيرمان والمنتخب البرازيلي، إلا أنه من غير المسموح التدخين داخل المنزل.