اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

maly

الأعضاء
  • مجموع الأنشطة

    9
  • تاريخ الانضمام

  • آخر نشاط

الشعبية

0 Neutral
  1. المحاضره الثالثه علم العقاب 121 الجمعه 30/5/2014 انهى الدكتور عادل اليوم الفصل الثانى التدابير الاحترازيه صفحه 39 بالكتاب حتى صفحه 49 بنهايه موضوع التدابير العينيه
  2. نتائج إمتحانات آخر دور نتيجة فصل فصل سبتمبر 2013 امتحانات يناير 2014 امتحانات يناير 2014 كود المادة اسم المادة التقدير 111 الشريعة الإسلامية جيد جداَ 112 المدخل للعلوم القانونية - نظرية القانون جيد جداَ 113 النظم السياسية مقبول 117 تاريخ القانون مقبول 118 علم الإجرام جيد 124 المنظمات الدولية مقبول الحمد لله
  3. المحاضرة الثالثة غأهداف المحاضرة : نتناول فى هذه المحاضرة بعض النظريات التى قيل بها ضمن الاتجاه الاجتماعى فى تفسير الظاهرة الإجرامية وهو يشمل : 1- نظرية التفكك الاجتماعي. 2- نظرية المخالفة الفارقية. 3- نظرية النظام الرأسمالي. وبعد ذلك نختم دراستنا المتعلقة بتفسير الظاهرة الإجرامية بالتعرف على أهم نظريات الاتجاه التكاملى فى تفسير هذه الظاهرة وهى نظرية : - التكوين أو الاستعداد الإجرامي. غالاتجاه الاجتماعي في تفسير الظاهرة الإجرامية · يستند الاتجاه الاجتماعي في تفسير الجريمة، على عكس المذهب الفردي، إلى عوامل خارجية لا تتصل بالتكوين العضوي والنفسي للفرد، وإنما تتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها من الظروف المحيطة بالفرد. · وقد نشأ هذا المذهب الاجتماعي في تفسير الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أخضع علماء الاجتماع السلوك الإجرامي لنفس القواعد التي تخضع لها كافة صور السلوك الاجتماعي. وقد تعددت الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص واتسمت هذه الدراسات في بادئ الأمر بالطابع الفردي وذلك بدراسة حالات فردية وبحث نوعية معينة من الجرائم كل على حدة. وفي تطور لاحق وفي محاولة لوضع تفسير عام ظهرت بعض النظريات المفسرة للسلوك الإجرامي استناداً لعوامل اجتماعية. وقد سلكت هذه الدراسات الأخيرة أحد طريقين: الأول: دراسة صور التنظيم الإجرامي وعلاقته بمعدل الجريمة وذلك لمحاولة التعرف على كيفية ظهور الجريمة وارتباطها بالتنظيم أو التركيب الاجتماعي. الثاني: دراسة الكيفية التي يصير الفرد وفقاً لها مجرماً بدلاً من أن يأتي سلوكه متمشياً مع القانون والضوابط الاجتماعية ولذلك تعددت النظريات الاجتماعية المفسرة للسلوك الإجرامي، إلا أن دراستنا سوف تقتصر على بيان أهم هذه النظريات وهي نظرية التفكك الاجتماعي، نظرية المخالطة الفارقية، نظرية النظام الرأسمالي وذلك على النحو التالي. (1) نظرية التفكك الاجتماعي - مضمون النظرية · تستند هذه النظرية في تفسيرها للجريمة إلى ما يسود المجتمع من تنازع أو تضارب وهو ما يعبر عنه بالتفكك الاجتماعي. وفي دراستهم لبيان علاقة التفكك الاجتماعي بالجريمة ميز أنصار هذه النظرية بين أنواع المجتمعات من ناحية وبين تطور حياة الفرد داخل نفس المجتمع من ناحية أخرى. فمن ناحية، ميز أنصار هذه النظرية بين المجتمع الريفي البدائي ومجتمع الحضر الحديث حيث لاحظوا أن المجتمع الريفي يتميز بالانسجام والرقابة المتبادلة بين أعضائه وتسوده مجموعة متشابهة من القيم والعادات والتقاليد، ويعيش أفراده حياة مشتركة لخدمة مصالح الجماعة ولذلك تخلو حياتهم غالباً من النزعة الفردية والصراعات المتبادلة. وقد ترتب على ذلك انخفاض معدل الجريمة بصورة كبيرة داخل المجتمع الريفي. وعلى العكس من ذلك فإن طبيعة الحياة داخل المجتمع الحديث تتسم بالتعقيد والتشابك وتضارب المصالح وما نتج عن ذلك من تصارع بين أفراده الذين غالباً ما ينحدرون من مجتمعات متباينة في عاداتها وتقاليدها. ولذلك تسود في هذا المجتمع روح الفردية ومحاولة تحقيق كل فرد لمصلحته الشخصية ولو على حساب الآخرين دون مراعاة للقيم والمبادئ والضوابط اللازمة للحياة في المجتمع وهو ما يقود الفرد إلى مخالفة القانون وارتكاب الجريمة. · ومن ناحية أخرى، فإن الفرد وخلال مراحل حياته المختلفة يتعامل مع مجموعات متنوعة من الأشخاص المحيطين به، ففي مرحلة الطفولة يعيش الطفل في أسرته ويتلقى داخلها ما يؤثر على سلوكياته وتصرفاته ومنها سلوكه الإجرامي. فلو كان الوالدين أو أحدهما يمثل قدوة سيئة فسوف يأتي سلوك الطفل مخالفاً للقيم الاجتماعية، ولو فرض وكان أبواه صالحين ولقناه القيم والمبادئ الأخلاقية فإنه سوف يخرج في مرحلة تالية ليتعامل مع جماعة من الأشخاص المختلفين في سلوكياتهم وتصرفاتهم وذلك في مجتمع المدرسة ثم مجتمع الأصدقاء ومجتمع العمل. · وهذا التطور في تعاملاته وفقاً لتطور مراحل عمره قد يضعه، خاصة في المجتمعات الحديثة، في تناقض وأزمة اختيار ما بين السلوك القويم والسلوك المستهجن، وقد ينتهي به الأمر في النهاية إلى انتهاج السلوك الإجرامي. - تقدير النظرية · لا شك أن هذه النظرية قد أصابت الحقيقة في قدر منها وذلك عندما فسرت الجريمة استناداً لما أصاب المجتمع الحديث من تفكك وتناقض أصاب هذا المجتمع في ثقافاته وقيمه ومبادئه، الأمر الذي يشكل عاملاً دافعاً إلى ارتكاب الجريمة. · ومع ذلك فإن هذه النظرية لا تصلح لتفسير الجريمة كظاهرة عامة في حياة المجتمع، لأن فكرة التفكك الاجتماعي لا يمكن الاستناد إليها وحدها وإهمال غيرها من العوامل الخارجية والفردية التي تحكم السلوك الإنساني وتؤثر بشكل ملحوظ في السلوك الإجرامي. · وفي النهاية لا يمكن لهذه النظرية أن تقدم تفسيراً مقبولاً لعدم ارتكاب بعض أفراد المجتمع للجريمة رغم أنهم يعيشون في نفس المجتمع وفي نفس ظروف التفكك الاجتماعي التي تسوده. (2) نظرية المخالطة الفارقية: - مضمون النظرية · تنسب هذه النظرية إلى عالم الاجتماع الأمريكي سذرلاند، الذي يسلم بنظرية التفكك الاجتماعي وبما خلصت إليه من نتائج ومع ذلك فقد وضع نظرية جديدة لتفسير السلوك الإجرامي باعتباره ظاهرة اجتماعية. · ويرفض سذرلاند تفسير السلوك الإجرامي باعتباره تعبيراً عن مجموعة من الحاجات، تأسيساً على أن السلوك غير الإجرامي يأتي هو الآخر تعبيراً عن نفس الحاجات. فالحاجة كما تصلح لتفسير السلوك الإجرامي تصلح أيضاً وبنفس الدرجة لتفسير السلوك المطابق للقانون. فالحاجة إلى المال قد تدفع الشخص إلى السرقة وقد تدفعه إلى مضاعفة العمل الشريف. · ويرى سذرلاند أن السلوك الإجرامي يأتي من خلال التعلم فهو ليس سلوكاً موروثاً، فالشخص يكتسب السلوك الإجرامي من خلال اختلاطه بالأشرار وخلطاء السوء وانفصاله عن الجماعة التي تحترم القانون. مع ملاحظة أن السلوك الإجرامي وفقاً لما يراه سذرلاند يتم تفسيره من خلال التعلم المباشر القائم على العلاقات الشخصية المباشرة، ولذلك يرى سذرلاند أن وسائل الإعلام ، باعتبارها وسائل تعليم غير مباشرة، تلعب دوراً ثانوياً في هذا الخصوص. وهناك عدة عوامل تساهم في تحديد مدى تأثر الفرد بجماعة معينة عند واختلاطه بها وهي: أولها: أسبقية تأثر الفرد بالسلوك السائد في جماعة معينة سواء كان هذا السلوك مطابقاً للقانون أم مخالفاً له، فيستمر تأثر الفرد بسلوكيات هذه الجماعة رغم اختلاطه بجماعات أخرى. وثانيها: استمرار التأثر فترة من الزمن تسمح للفرد باكتساب مسلك الجماعة في مخالفة القانون. وثالثها: عمق التأثير الذي يتعرض له الفرد داخل هذه الجماعة ومدى فاعليته في دفعه إلى طريق الإجرام، وهذا يتوقف على حدة وقوة التأثير الذي تمارسه الجماعة المخالطة للفرد على سلوكه الإجرامـي. · وقد احتل التنظيم الاجتماعي أهمية كبيرة في نظرية سذرلاند، فالسلوك الإجرامي ما هو إلا انعكاس للتنظيم الاجتماعي السائد. فاختلاطات الفرد مع غيره تعتمد إلى حد بعيد على التنظيم الاجتماعي، وهذا التنظيم قد يبني بطريقة تشجع على ظهور السلوك الإجرامي وقد يبنى بطريقة تحول دون ذلك. - تقدير النظرية · لا شك أن هذه النظرية قد لفتت الأنظار إلى أهمية العلاقات الشخصية للفرد وما قد ينتج عن ذلك من اختلاط بمجموعات إجرامية تؤثر تأثيراً سيئاً على سلوكياته مما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة. ومع هذا يؤخذ عليها ما يلي: · فمن ناحية أولى، أغفلت النظرية دور العوامل الفردية وما يصيب الشخص من خلل عضوي أو نفسي في الدفع إلى ارتكاب الجريمة. · ومن ناحية ثانية، فكرة التعلم التي اتخذتها النظرية أساساً لتفسير السلوك الإجرامي لا يمكن التسليم بها، لأنه لو كان الشخص يتعلم الإجرام من مخالطته للمجرمين، فمن الذي علم المجرم الأول أسلوب ارتكاب الجريمة. بل إن البعض قد ذهب إلى القول بأن السلوك غير الإجرامي هو الذي يتم اكتسابه من خلال التعلم. · ومن ناحية ثالثة، تقود النظرية إلى نتائج لا يمكن التسليم بها، وهي أن الذين يخالطون المجرمين سوف يرتكبون الجريمة وهو أمر لا يثبت الواقع صحته، وإلا لاعتبر رجال الشرطة وأعضاء النيابة وغيرهم ممن يخالطون المجرمين ممن يخالفون القانون ويرتكبون الجريمة، فهؤلاء يخالطون المجرمين ومع ذلك لم تنتقل إليهم عدوى ارتكاب الجريمة، وفي المقابل يثبت الواقع مخالطة البعض لأفراد يحترمون القانون ومع ذلك يرتكبون الجريمة. (3) نظرية النظام الرأسمالي: · ظهر التفسير الاقتصادي للظاهرة الإجرامية بصورة واضحة على يد ماركس وأنجلز أصحاب فكرة النظام الشيوعي الاشتراكي. وترتكز هذه النظرية على ما يشوب النظام الرأسمالي من مساوئ وما يتميز به من غياب لفكرة العدالة الاجتماعية. · فالنظام الرأسمالي يؤدي إلى فتح باب المنافسة غير المشروعة بين التجار مما يؤدي إلى احتكار السلع والخدمات ويدفعهم إلى بذل الأساليب غير المشروعة لتحقيق أكبر ربح مثل الغش والاحتيال والمبالغة في رفع السعار والانتقاص من جودة السلع والخدمات التي يقدمونها. · وتظهر مساوئ النظام الرأسمالي كذلك في التفاوت الهائل في مستوى معيشة طبقة أصحاب العمل وطبقة العمال، وما يقوم به أرباب العمل من استغلال للعمال وتشغيل النساء والأطفال وزيادة عدد ساعات العمل وعدم إعطاء العامل الأجر الذي يستحقه، علاوة على انخفاض مستوى التعليم والرعاية الصحية لدى طائفة العمال، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الفقر والبطالة بين أفراد الطبقة العاملة وزيادة ثراء الطبقة الرأسمالية، وهذه بلا شك عوامل تدفع إلى ارتكاب الجريمة. · وتحت تأثير هذه الأفكار نشر العالم الهولندي بونجر كتاباً في عام 1905 عن "الجريمة والظروف الاقتصادية" انتقد فيه النظام الرأسمالي لأنه يولد انعدام المسئولية الاجتماعية ويدفع إلى ارتكاب الجريمة بسبب ما يسود هذا النظام من ظلم للطبقات الاجتماعية الفقيرة يدفعهم لارتكاب الجريمة في محاولة منهم لتحسين أحوالهم والتنفيس عما بداخلهم من حقد تجاه طبقة الرأسماليين وذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى يدفع النظام الرأسمالى بسبب ما يؤدي إليه هذا النظام من تشجيع للطبقات الرأسمالية على ارتكاب العديد من الجرائـم الاقتصادية. - تقدير النظرية · ولا شك أن هذه النظرية قد لفتت الأنظار إلى دور العوامل أو الظروف الاقتصادية في الدفع إلى ارتكاب الجريمة، خاصة فيما يتعلق بتفسير ارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال. ومع ذلك فقد وجهت لهذه النظرية بعض الانتقادات: · من ناحية، لا تصلح هذه النظرية لإعطاء تفسير مقبول لارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص أو جرائم الاعتداء على العرض، وعليه فالظروف الاقتصادية لا يمكن الاستناد إليها دون غيرها في تفسير الظاهرة الإجرامية. · ومن ناحية أخرى، فإن الواقع يكذب هذه النظرية حيث أنه لا يمكن القول بأن المجتمعات الاشتراكية تخلو من ظاهرة ارتكاب الجريمة، كما أنه لم يثبت أن جميع أفراد المجتمع الرأسمالي قد سلكوا طريق الجريمة. غالاتجاه التكاملي في تفسير الظاهرة الإجرامية · من دراسة النظريات التي حاولت تفسير السلوك الإجرامي، سواء تلك التي تنتمي للاتجاه الفردي أو تلك التي قيل بها في نطاق المذهب الاجتماعي، تبين عدم صلاحيتها لتفسير الظاهرة الإجرامية باعتبارها ظاهرة عامة. ويرجع فشل هذه النظريات إلى أن كلاً منها اكتفى بالتركيز على دراسة عامل واحد من العوامل الدافعة إلى ارتكاب الجريمة وأغفلت تماماً دور العوامل الأخرى أو أعطتها دوراً هامشياً في تفسير السلوك الإجرامي. ونتيجة ما وجه من انتقادات شديدة إلى كل من المذهب الفردي والمذهب الاجتماعي، حاول علماء الإجرام المحدثين تفسير الظاهرة الإجرامية استناداً إلى الجمع بين العوامل الفردية المتعلقة بالتكوين البدني والنفسي للفرد وبين العوامل الخارجية المحيطة به والتي تتعلق بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها وقد أطلق على هذا المذهب أو الاتجاه "التفسير التكاملي للظاهرة الإجرامية". · وقد تعددت النظريات التي قيل بها ضمن هذا الاتجاه التكاملي في تفسير الظاهرة الإجرامية وسوف نعــرض لدراسة أهم هذه النظريات وهي نظرية التكوين أو الاستعداد الإجرامــي التي قال بها العالم الإيطالي دي توليو. (4) نظرية التكوين أو الاستعداد الإجرامي : - مضمون النظرية · لم تقتصر هذه النظرية على فكرة تعدد الأسباب التي تؤدي إلى تحقق السلوك الإجرامي، وإنما بينت الكيفية التي من خلالها يحدث التفاعل بين هذه الأسباب المتعددة في إنتاج الظاهرة الإجرامية. · وتقوم هذه النظرية على أن المجرم يتوافر لديه استعداد بعدم تقبل قواعد السلوك الاجتماعي واحترام الآخرين في المجتمع، وهو ما يمكن أن يطلق عليه الاستعداد الإجرامي لدى الفرد. ولكن هذا الاستعداد الإجرامي يعتبر حالة ساكنة لا تؤدي بالضرورة إلى ارتكاب الجريمة وإنما تخلق لدى الفرد ميلاً تجاه الإجرام. هذا الميل لا يتحول إلى تنفيذ فعلي للجريمة إلا إذا اقترن وتفاعل مع عوامل أخرى خارجية، بحيث يمكن القول أن الجريمة ما هي إلا نتيجة تفاعل عوامل داخلية تتعلق بتكوين الشخص وعوامل خارجية تتعلق بالبيئة المحيطـة بـه. · وذهب دي توليو إلى أن الكشف عن الاستعداد الإجرامي لدى الفرد يتطلب دراسة متكاملة لتكوينه وشخصيته من ثلاث نواحي. · الناحية الأولى تتعلق بدراسة الأعضاء الخارجية لجسم الإنسان للتعرف على ما يتوافر لديه من شذوذ، حيث لاحظ دي توليو تميز المجرمين عن غير المجرمين بنسبة كبيرة من العيوب الجسمانية. الناحية الثانية تتعلق بدراسة وظائف الأعضاء والأجهزة الداخلية للجسم كالجهـاز الدوري والتنفسـي والبولي والهضمي والتناسلي، ودراسـة إفرازات الغـدد إلى غير ذلك، وقد لاحـظ دي توليو وجود خلل فى الجهاز البولي والعصبي والبولي لدي المجرمين بنسبة أكبر من نسبتها لدى غير المجرمين. الناحية الثالثة تتعلق بدراسة الناحية النفسية للفرد للوقوف على مدى نشاط غرائزه وحاجاته. وقد لوحظ أن المجرم غالباً ما يكون مصاباً بشذوذ في بعض الغرائز مثل الشذوذ الذي يصيب غريزة التملك فيدفع الفرد إلى ارتكاب جرائم اعتداء على الأموال، والشذوذ الذي يصيب غريزة الدفاع فيؤدي بالفرد إلى ارتكاب جرائم اعتداء على الأشخاص، والشذوذ الذي يصيب الغريزة الجنسية فيرتكب الفرد نتيجة لذلك جرائم اعتداء على العرض. · وذهب دي توليو إلى أن الاستعداد الإجرامي لدى الشخص يظل كامناً بداخله إلى أن يوقظه ويتفاعل معه بعض العوامل والمؤثرات الخارجية مما يدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة. ويقرر دي توليو أن هذا الاستعداد الإجرامي لا يتوافر لدى جميع الناس، بدليل أن العوامل الخارجية التي تدفع المجرم لارتكاب الجريمة لا تحدث هذا التأثير لدى غير المجرمين. · والعلة في ذلك أن السلوك الإجرامي أشبه بالمرض الذي تتوقف إصابة الجسم به على قدر ما يتمتع به من مناعة وقدرة على مقاومة جراثيمه. فلذلك الوضع بالنسبة للسلوك الإجرامي حيث يتوقف ارتكاب الجريمة على ضعف قدرة الشخص على التكييف مع مقتضيات الحياة الاجتماعية بسبب ما يصيبه من خلل عضوي ونفسي أدى إلى توافر الاستعداد الإجرامي لديه. · وقد قسم دي توليو الاستعداد الإجرامي إلى نوعين، الأول استعداد إجرامي أصيل والثاني استعداد إجرامي عارض. فالاستعداد الإجرامي الأصيل يتميز بالثبات والاستمرار ويرجع إلى وجود خلل عضوي ونفسي لدى الفرد ويجعله يميل إلى ارتكاب الجريمة وقد يصل ذلك إلى حد الاعتياد على ارتكابها والإقدام على ارتكاب أشدها خطورة. أما الاستعداد الإجرامي العارض فهو ذو صفة عارضة ويرجع إلى عوامل داخلية تتعلق بتكوين الفرد وإلى عوامل خارجية تؤثر عليه وتضعف من قدرته على التحكم في نزعاته الفطرية فيرتكب الجريمة على سبيل المصادفة. · واستناداً إلى فكرة الاستعداد الإجرامي قسم دي توليو طائفة المجرمين المجانين إلى نوعين: المجرم المجنون، والمجنون المجرم. · فالمجرم المجنون هو شخص يرجع ارتكابه للجريمة إلى تكوين كامن فيه وسابق على إصابته بالجنون، ولذلك فإن شفاء هذا المجرم من جنونه لا يمنع من احتمال عودته إلى ارتكاب الجريمة لأن لديه الاستعداد الإجرامي لذلك، وهذا الاستعداد يتصف بالثبات والاستمرار. أما المجنون المجرم فيرجع سبب ارتكابه للجريمة إلى إصابته بالجنون فقط، ولذلك فإن شفاء هذا المجرم من جنونه يؤدي إلى زوال سبب إجرامه نظراً لعدم توافر استعداد إجرامي لديه سابق على حالة الجنون. - تقدير النظرية · تميزت هذه النظرية بالنظرة التكاملية في تفسير الظاهرة الإجرامية مستندة في ذلك إلى العوامل الفردية المتعلقة بتكوين المجرم وشخصيته وإلى العوامل الخارجية المحيطة به، وهي بذلك تجنبت التطرف الذي اتسمت به نظريات كل من الاتجاه الفردي والاتجاه الاجتماعي كما سبق بيانه. ومع ذلك فقد أخذ على هذه النظرية بعض الملاحظات: · أولى هذه الملاحظات، أن فكرة الاستعداد الإجرامي يصعب التسليم بها لكونها لا تصدق على جميع أنواع الجرائم، لأن الجريمة كواقعة قانونية تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر حسب ما يسود مجتمع ما في زمان ما من قيم ومصالح تدفع المشرع إلى التدخل لحمايتها وهو ما يطلق عليه "الجريمة المصطنعة"، وعليه فإن فكرة الاستعداد الإجرامي لا تصلح لتفسير هذه النوعية من الجرائم. ولذلك قيل بأن فكرة الاستعداد الإجرامي تصلح فقط لتفسير ما يطلق عليه تعبير "الجريمة الطبيعية" التي قال بها جاروفالو وهي الجريمة التي تتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية الراسخة في الضمير الإنساني مثل جريمة القتل وجريمة السرقة. · وثاني هذه الملاحظات، أن هذه النظرية تقود إلى اعتبار العوامل الاجتماعية غير كافية بمفردها لدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة، باعتبار أن ذلك لا يتم إلا إذا تفاعلت مع استعداد إجرامي كامن لدى الشخص وما عليها إلى أن توقظه لتحدث الجريمة. · ولا شك أن هذه القول لا يمكن التسليم بصحته في جميع الفروض، لأنه قد ترتكب الجريمة تحت تأثير العوامل الخارجية وحدها كما هو الحال بالنسبة للزوج الذي يفاجأ زوجته متلبسة بالزنا فيقتلها في الحال هي ومن يزني بها. في هذه الحالة يرتكب الزوج جريمته تحت تأثير ظروف وعوامل خارجية دون أن يتوافر لديه استعداد إجرامي سابق. · ومع ذلك يمكن القول أن هذا الزوج قد توافر لديه استعداد إجرامي عارض تم إثارته بهذا المؤثر الخارجي ثم حدث تفاعل بينهما أدى إلى ارتكابه للجريمة. · وعلى أية حال فإن هذه النظرية لاقت تأييد واسع من جانب الفقه الحديث الذي يفضل تسميتها بنظرية "الاستعداد اللا اجتماعي أو الانحرافي" ذلك أن هذه التسمية تعتبر أكثر شمولاً من تعبير "الاستعداد الإجرامي"، ويسمح بتفسير الجريمة كواقعة قانونية متغيرة بحسب الزمان والمكان. · كما يطلق جانب من الفقه على هذه النظرية تعبير "نظرية العقلية اللااجتماعية". وهو تعبير يتفق في معناه مع فكرة الاستعداد اللا اجتماعي. · ومجمل القول أن تفسير الظاهرة الإجرامية تفسيراً علمياً يجب أن يستند إلى الجمع بين العوامل الفردية والعوامل الخارجية.
  4. المحاضرة الثانية غأهداف المحاضرة : دراسة للاتجاهات والمذاهب المختلفة في تفسير الظاهرة الإجرامية تفسيراً علمياً. وفى هذه المحاضرة نتناول الاتجاه الفردي في تفسير الظاهرة الإجرامية ونركز حول أهم نظريتين قيل بهما فى هذا الاتجاه وهما : 1-نظرية الخلل العضوي «نظرية لومبروزو». 2- نظرية التحليل النفسي «نظرية فرويد». غالاتجاه الفردي في تفسير الظاهرة الإجرامية: · يستند أنصار الاتجاه الفردي في تفسير الظاهرة الإجرامية إلى أن الجريمة تقع استناداً لوجود خلل في تكوين الشخص هو الذي يدفعه إلى ارتكاب الجـريمة، هذا الخلل التكويني يميز المجرمين فقط، وهو لا يوجد لدى غير المجرمـين. · وهذا الخلل التكويني قد يكون خللاً عضوياً أو بدنياً وقد يكون خللاً نفسياً، ولذلك فقد ظهرت العديد من النظريات التي تفسر ارتكاب الجريمة سواء استناداً إلى الخلل العضوي أو استناداً إلى الخلل النفسي، ومع ذلك سوف نتعرض لأهم نظريتين قيل بهما في هذا الخصوص إحداهما عضوية والأخرى نفسية وذلك في المبحثين التاليين : (1) نظرية الخلل العضوي "نظرية لومبروزو" · قال بهذه النظرية أنصار المدرسة الوضعية الإيطالية؛ حيث أرجعت هذه النظرية الجريمة إلى وجود خلل عضوي في تكوين المجرم ومع ذلك لم يغفل أنصار هذه النظرية الجانب النفسي في تكوين المجرم. وسوف تقتصر دراستنا على ما يمكن أن نطلق عليه نظرية أو أفكار لومبروزو حول تفسير الظاهرة الإجرامية وسنبين أولاً مضمون النظرية ثم نعرض ثانياً لتقدير هذه النظرية. - مضمون النظرية: · كان لومبروزو طبيباً من في الجيش الإيطالي ثم أصبح أستاذاً للطب الشرعي في إحدى الجامعات الإيطالية. وقد أتاحت له طبيعة عمله كطبيب وكضابط بالجيش وكأستاذ بالجامعة أن يقوم بفحص عدد كبير من الجنود والضباط المجرمين والأسوياء على حد سواء وذلك خلال خدمته بالجيش، كما قام بتشريح عدد من جماجم المجرمين ومقارنتها بجماجم غير المجرمين. وقد لاحظ لومبروزو في بداية أبحاثه وجود تجويف غير عادي في مؤخرة جمجمة أحد قطاع الطرق، قال بأنه يشبه التجويف الذي يوجد لدى القردة. وقد دعاه ذلك لمواصلة أبحاثه حيث قام بفحص 383 جمجمة لمجرمين بعد وفاتهم وقارنها مع عدد آخر لجماجم مجرمين أحياء يبلغ عددهم 5907. ومن بين ذلك ما قام به من فحص لأحد المجرمين الخطرين الذي اتهم بقتل ما يقرب من عشرين امرأة بطرق وحشية، وخلص لومبروزو إلى أن هذا المجرم يتميز بخصائص تشبه خصائص الإنسان البدائي. · وقد جمع لومبروزو أفكاره في كتاب شهير أصدره في عام 1876 تحت عنوان "الإنسان المجرم" خلص فيه إلى نتيجتين أساسيتين تفسران في نظره الظاهرة الإجرامية. النتيجة الأولى: أن الإنسان المجرم يتميز بشذوذ في تكوينه العضوي وبخصائص بدنية لا تتوافر لدى غير المجرمين، ومن هذه الخصائص عدم الانتظام في شكل الجمجمة، ضيق في الجبهة يقابله ضخامة في الفكين وشذوذ في تركيب الأسنان, وبروز في عظم الخدين، فرطحة أو اعوجاج في الأنف، طول أو قصر غير عادي في الأذنين، طول غير عادي في الأطراف أو الأصابع مع قصر في القامة وكذلك غزارة في الشعر. وقد دعم من أفكار لومبروزو في تشبيه المجرم الذي يتصف بهذه الخصائص بالإنسان البدائي ظهور نظرية داروين عن التطور والارتقاء. النتيجة الثانية: أن المجرم يتميز ببعض السمات النفسية التي يستدل منها على وجود خلل في التكوين النفسي لدى هؤلاء المجرمين ومن أمثلة ذلك: ضعف الإحساس بالألم، غلظة القلب وقسوة المشاعر، انعدام الشعور بالخجل. وقد استدل لومبروزو على هذه السمات النفسية مما لاحظه من كثرة الوشمات والرسوم القبيحة والخليعة التي يرسمها المجرمون على أجسادهم. · وخلص لومبروزو من ذلك إلى أن الإنسان الذي يتميز بهاتين الطائفتين من الخصائص يمكن أن يعتبر نمطاً إجرامياً، وأنه إنسان مطبوع على الإجرام ولابد أنه سيرتكب الجريمة حتماً وأطلق عليه تعبير "المجرم بالميلاد أو المجرم بالفطرة". · وفي مرحلة لاحقة، لاحظ لومبروزو أن هناك طوائف عديدة من المجرمين لا يمكن إدراجهم تحت هذا النموذج الوحيد المعروف بالمجرم بالميلاد، ولذلك فقد أشار في الطبعات اللاحقة من كتابه "الإنسان المجرم" إلى وجود طوائف أخرى من المجرمين ومن بين ذلك ما أطلق عليه المجرم الصرعي، حيث أثبت لومبروزو وجود علاقة بين الإجرام وبين مرض الصرع. وقد توصل لومبروزو إلى هذه النتيجة عندما قام بفحص أحد الجنود الإيطاليين عقب ارتكابه لجريمة قتل. وتتلخص هذه الحالة في أن هذا الجندي التحق بالجيش الإيطالي عدة سنوات، لم يرتكب خلالها أية جريمة أو سلوك غير مشروع، ولكنه ونتيجة لقيام أحد زملائه بالسخرية من مقاطعته التي ينتمي إليها، قام بمطاردة ثمانية من زملائه وقتلهم جميعاً، ثم سقط فاقداً للوعي لمدة اثنتي عشرة ساعة، وعندما أفاق من غيبوبته لم يتذكر شيئاً عن جريمته. وعندما فحص لومبروزو حالة هذا الجندي اكتشف أنه يعاني من الصرع وأنه يتميز ببعض الصفات الوحشية، فقام بإدخال تصنيف المجرم الصرعي ضمن تصنيفات المجرمين الأخرى. - تقدير النظرية · كان لأفكار لومبروزو، رائد المدرسة الوضعية الإيطالية، فضل كبير في التنبيه إلي ضرورة دراسة المجرم من الناحية التكوينية سواء تركيبه العضوي البدني أو تركيبه النفسي، واتسمت هذه الدراسة بالطابع العلمي واعتمدت علي أسلوب البحث التجريبي في دراسة الظاهرة الإجرامية ومع ذلك تعرضت هذه النظرية لعدة انتقالات أهمها: أولاً: بالغت هذه النظرية في وضع خصائص وصفات بدنية ونفسية تميز المجرمين عن غير المجرمين، وأرجعت الجريمة إلي توافر هذه الخصائص لدي الشخص المجرم. · والحقيقة انه يصعب من الناحية العلمية الربط بين توافر هذه الخصائص الجسدية وبين الإقدام علي ارتكاب الجريمة وذلك لأن هذه الخصائص تمثل حالة ساكنة غير قادرة علي إحداث نتيجة ملموسة في العالم الخارجي كارتكاب جريمة. ثانياً: أدت هذه النظرية إلي نتائج مبالغ فيها ولا يمكن التسليم بها كحقيقة علمية، ذلك أن هذه الصفات التي تقول النظرية بتوافرها لدى المجرمين توجد أيضاً وبنفس الدرجة لدى غير المجرمين. ثالثاً: أغفلت النظرية أي دور يمكن أن تقوم بع العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في دفعه لارتكاب الجريمة، وفسرت الجريمة بالاستناد إلي خصائص جسدية أو نفسية تتعلق بالمجرم ذاته، رغم أنه لا يمكن إنكار ما تقوم به العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في تكوين شخصيته وقد يكون من بين ذلك تكوين الشخصية الإجرامية. رابعاً: عدم صحة ما قالت به النظرية من تشبيه المجرم بالإنسان البدائي، لأنه لم يثبت أن لومبروزو قام بدراسة تاريخ البشرية حتى يكون فكرة صحيحة عن الإنسان البدائي، وفي نفس الوقت لم يثبت أن العلم الحديث قد توصل إلى رسم صورة لما يمكن أن يطلق عليه الإنسان البدائي، وأخيراً لا يمكن قبول فكرة أن كل إنسان بدائي قد ارتكب جريمة وبالتالي القول بأن الإنسان البدائي إنسان مجرم. خامساً: أن التسليم بفكرة المجرم بالميلاد تهدم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومضمون هذا المبدأ "أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون"، وعندما يتدخل قانون العقوبات بالتجريم والعقاب فإنه يتدخل استجابة لمتطلبات اجتماعية ورغبة في حماية مصالح اجتماعية يري الشارع ضرورة حمايتها جنائياً، ومن المعلوم أن الجريمة فكرة نسبية تختلف باختلاف المكان وتختلف من زمن إلي آخر، وبناء عليه يصعب الربط بين الجريمة كفكرة نسبية وبين توافر خصائص جسدية ثابتة لدى المجرمين عبر مختلف العصور. ( 2 ) نظرية التحليل النفسي "نظرية فرويد" · ركزت هذه النظرية في تفسير الظاهرة الإجرامية على الجانب النفسي لدى الفرد، حيث غلبت العوامل المرتبطة بالتكوين النفسي للمجرم، دون إعطاء أهمية تذكر للتكوين العضوي للفرد أو للعوامل الخارجية أو الاجتماعية المحيطة بالفرد وقال بنظرية التحليل النفسي عالم النفس الشهير "فرويد"، وسوف نتعرض لمضمون النظرية ثم لتقديرها. - مضمون النظرية · لم يهدف فرويد من أبحاثه بصفة أساسية وضع نظرية لتفسير السلوك الإجرامي بصفة خاصة، ولكنه أراد دراسة تأثير الجهاز النفسي للفرد على سلوكياته ومن بين هذه السلوكيات السلوك الإجرامي باعتباره سلوكاً بشرياً. وقد قسم فرويد النفس البشرية إلى ثلاثة أقسام، وهي النفس والعقل والضمير وذلك على التفصيل التالي: 1- النفس "الأنا الدنيا أو الذات الدنيا" · ويطلق عليها النفس ذات الشهوة حيث تكمن فيها الميول الفطرية والنزعات الغريزية، وتقف فيما وراء الشعور، وفيها يتركز الاهتمام على إشباع الرغبات والشهوات دون مراعاة للقيود الاجتماعية التي تفرضها المبادئ والقيم السائدة في المجتمع. فإذا كانت الغريزة الجنسية على سبيل المثال تتطلب إشباعاً فإن الشخص الذي يريد أن يأتي سلوكه متمشياً مع المبادئ والقيم الاجتماعية عليه إما أن يكبت هذه الغريزة ويتحكم فيها وإما أن يشبعها عن طريق الزواج باعتباره النظام الاجتماعي المقبول في هذا الخصوص. 2- الأنا "العقل" · ويطلق عليها الذات الشعورية حيث تتركز في الجانب الشعوري للإنسان والذي هو على صلة دائمة بالواقع، لأن العقل يمثل الجانب الواعي أو المدرك في النفس البشرية. والوظيفة الرئيسية للأنا هي محاولة التوفيق بين الميول والنزعات الغريزية وبين ما تقتضيه الحياة الاجتماعية من احترام للقيم والمبادئ السائدة في المجتمع. 3- الأنا العليا "الضمير" · ويطلق عليها الذات المثالية حيث تمثل الجانب المثالي للنفس البشرية حيث تتركز فيها المبادئ والقيم الأخلاقية المستمدة من الأديان السماوية والمتوارثة عن الأجيال السابقة. · وتتمثل وظيفة الأنا العليا في أنها تمد العقل أو الأنا بالقوة اللازمة لردع الميول والنزعات الغريزية التي تصعد من الأنا الدنيا، وتمارس هذه الوظيفة عن طريق تأنيب العقل وإشعاره بالذنب كلما سمح بتغليب الغرائز والشهوات على مقتضيات الحياة الاجتماعية. · وعلى ضوء ذلك التقسيم للنفس البشرية فسر فرويد السلوك الإجرامي بأحد أمرين: إما إخفاق العقل "الأنا" عن تهذيب النفس "الأنا الدنيا" وعجزه عن تحقيق التوافق بين الميول والنزعات الغريزية وبين القيم والمبادئ السائدة في المجتمع، وإما انعدام الضمير "الأنا العليا" أو عجزه عن ممارسة وظيفته في السمو بهذه الميول والنزعات الغريزية وذلك لعدم قيامه بتأنيب العقل "الأنا". وفي كلتا الحالتين تنطلق النزعات الغريزية من منطقة اللاشعور إلى منطقة الشعور دون أي احترام أو تقيد بالقواعد والضوابط الاجتماعية والأخلاقية الواجبة الاتباع. · وقدم فرويد صوراً عديدة لما يحدث للنفس البشرية من خلل يؤدي إلى ارتكاب الجريمة نذكر من ذلك عقدة الذنب وعقدة أوديب. · ويقصد "بعقدة الذنب" ما يصيب الشخص من شعور بعد ارتكاب جريمة ما أو سلوكاً غير مشروع نتيجة عدم ممارسة الضمير وظيفته في مراقبة العقل وردعه، وينتاب الشخص هذا الشعور عندما يستيقظ الضمير ويستعيد وظيفته في تأنيب العقل وإشعاره بالذنب، وقد يسيطر هذا الشعور بالذنب على الفرد لدرجة الإحساس بأنه جدير بالعقاب، فيندفع تحت تأثير هذا الإحساس بالذنب إلى ارتكاب الجريمة مفضلاً في ذلك ألم العقوبة حتى يتخلص من الألم النفسي الذي يعانيه. وغالباً ما يحرص هذا النوع من المجرمين على ترك أدلة أو آثار تساعد في التعرف والقبض عليه وقد يصل به الأمر إلى حد الاعتراف بجريمة لم يرتكبها. · أما "عقدة أوديب" فتنشأ نتيجة صراع كامن في اللا شعور وتفسر ارتكاب بعض الجرائم. · ومؤدى "عقدة أوديب" أن الغريزة الجنسية للابن تتجه لا شعورياً نحو الأم والذي ينتج عنها إحساس الابن بالغيرة من أبيه نتيجة العلاقة العاطفية التي تربط الأب والأم. وفي نفس الوقت يشعر الابن نحو أبيه بالحب نتيجة قيام الأب برعاية هذا الابن وتلبية رغباته ومتطلبات حياته. ونتيجة ذلك يتولد داخل الطفل شعور مزدوج بالحب والكراهية نحو أبيه. وإذا لم يقم العقل "الأنا" بوظيفته في ضبط هذه المشاعر ووضعها في إطارها الذي يتفق مع القيم والمبادئ السائدة في المجتمع فإن الابن سوف يقدم على ارتكاب الجريمة. - تقدير النظرية · أبرزت هذه النظرية دور الجانب النفسي للشخصية الإنسانية وتفسيره للسلوك الإجرامي، وهو ما كشف عن إمكانية علاج بعض طوائف المجرمين المصابين بخلل نفسي. ومع ذلك فقد وجهت إلى هذه النظرية عدة انتقادات منها: أولاً: حاولت هذه النظرية إرجاع كل صور سلوك الفرد وردود أفعاله إلى عامل نفسي، والحقيقة أن طريقة التحليل النفسي تؤدي إلى نتائج مبالغ فيها ولا يمكن التسليم بها بصورة كلية. ثانياً: ليس صحيحاً أن ضعف الضمير أو الأنا العليا يقود حتماً إلى ارتكاب الجريمة، فهناك من الناس من يضعف ضميرهم ولكنهم لا يقدمون على ارتكاب الجريمة. · فقد أغفلت هذه النظرية دراسة العوامل الأخرى التي قد تساهم مع الخلل النفسي في إقدام الفرد على إتيان السلوك الإجرامي. ثالثاً: يقود منطق النظرية إلى اعتبار أن جميع المجرمين يتميزون بالقسوة وغلظة القلب وانعدام العواطف وذلك كنتيجة منطقية لتخلف الأنا العليا وسيطرة الأنا الدنيا، وهذه النتيجة لا يمكن التسليم بها حيث أثبتت الدراسات والأبحاث أن هذه الصفات لا تصدق على كافة المجرمين.
  5. المحاضرة الأولى غأهـــداف المحاضرة: إعطاء الطالب نبذة تاريخية عن علم الإجرام وتعريفه بالمبادئ الولية لهذا العلم وهو ما يشمل : 1-تعريف علم الإجرام. 2-موضوع علم الإجرام: أ‌- مدلول الجريمة فى الدراسات الإجرامية. ب‌- مفهوم المجرم فى الدراسات الإجرامية. وعقب ذلك نستكمل ما يتعلق بالمبادئ الأولية لعمل الإجرام والتى ينبغى على الطالب الإلمام بها وهى : 1-فروع علم الإجرام. 2-أهمية دراسات علم الإجرام. 3-علاقة علم الإجرام بالعلوم الجنائية الأخرى. غتاريخ علم الإجرام: · عرفت البشرية الجريمة منذ أقدم عصورها وتحولت الجريمة إلى ظاهرة اجتماعية شاذة في حياة التجمعات البشرية منذ القدم، وأصبحت الجريمة تمثل مشكلة على مر الأزمنة وباختلاف المجتمعات الإنسانية. وظهرت العديد من الآراء في محاولة لتفسير هذه الظاهرة لبحث دوافعها ولمحاولة السيطرة عليها. · واتخذت هذه الآراء في البداية طابعاً غير علمي في تفسير الظاهرة الإجرامية؛ حيث كان الفلاسفة يرجعون ارتكاب الجريمة إلى أن الأرواح الشريرة تتقمص جسد المجرم وتدفعه لإغضاب الآلهة وارتكاب جريمته، أو يرجعونها إلى لعنة الآلهة وغضبها التي تنزل بالمجرم فتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة، ولذلك كانوا يرون أن الوسيلة الوحيدة لمعالجة المجرم هي في تعذيبه حتى يتم طرد هذه الأرواح الشريرة من جسده أو يتم إرضاء الآلهة. · وفي تطور لاحق وتحت تأثير الأفكار المسيحية كان ينظر إلى الجريمة على أنها خطيئة دينية؛ فالمجرم قد خالف التعاليم الدينية واتبع الشيطان وتوافرت لديه إرادة متجهة إلى الشر. · وهذه المحاولات أو الآراء التي قيل بها لتفسير ارتكاب الجريمة لا تتسم بالطابع العلمي وبالتالي لا يمكن القول بأن هذه المحاولات قد عرفت علم الإجرام بالمفهوم العلمي الحديث. وظهرت بعد ذلك وفي القرن الثامن عشر الإرهاصات الأولى لمحاولة إيجاد تفسير علمي للجريمة، وكانت هذه المحاولات تركز فقط على المجرم دون الظاهرة الإجرامية، وانصبت هذه الدراسات على الربط بين الجريمة وبين وجود عيوب خلقية ظاهرة في الجمجمة والوجه وكذلك بينها وبين وجود خلل عقلي أصاب المجرم فدفعه إلى ارتكابها. · ويمكن القول بأن دراسة الأسباب المؤدية إلى ارتكاب الجريمة لم تأخذ الطابع العلمي إلا في بدايات القرن التاسع عشر بفضل جهود المدرسة الفرنسية – البلجيكية التي تزعمها العالمان الفرنسي "جيري" والبلجيكي "كيتيليه"؛ حيث اصدر جيري مؤلفين، الأول في عام 1833 حلل فيه إحصاءات الجرائم في فرنسا ومركزاً فيه على أهمية العوامل الفردية كالجنس والسن والعوامل الاجتماعية كالحالة الثقافية والاقتصادية والأحوال المناخية، والثاني أصدره في عام 1864 تعرض فيه للعلاقة بين الفقر والجهل من ناحية والإجرام من ناحية أخرى. أما العالم البلجيكي كيتيليه فقد أصدر مؤلفه في عام 1935 حول الطبيعة الاجتماعية وترجيح دور العوامل الاجتماعية في ارتكاب الجريمة وذلك من خلال دراسة الإحصاءات حول ظاهرة الإجرام في عدة مناطق. · وقد كان لأفكار هذه المدرسة الفرنسية – البلجيكية الفضل في إلقاء الضوء على أهمية العوامل الاجتماعية في نطاق دراسة الظاهرة الإجرامية إلى جانب العوامل الفردية. · وقد كان لظهور المدرسة الوضعية الإيطالية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أثراً بالغ الأهمية في تقدم الدراسات المتعلقة بعلم الإجرام وفي إعطاء هذه الدراسات بعداً منهجياً جديداً من خلال استخدام رائدها لومبروزو المنهج التجريبي في دراسة الشخصية الإجرامية، وقد ذهب بعض الفقه إلى القول بأن الأبحاث التي قام بها لومبروزو تمثل بداية الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية بالمعنى الدقيق. وقد تزعم هذه المدرسة ثلاثة من مشاهيرها وهم لومبروزو وجاروفالو وفيري. · وكان من نتيجة الأبحاث التي قام بها لومبروزو أن نشر كتاب في عام 1876 بعنوان "الإنسان المجرم"، وذكر أن هذا الإنسان المجرم يتميز بخصائص تكوينية جسدية تختلف عن تلك التي تلاحظ لدى غير المجرمين، وأرجع ذلك إلى أن المجرم يرتد بالشبه إلى الإنسان البدائي الذي اتخذ منه نموذجاً أو نمطاً للإنسان المجرم. وقد خلص لومبروزو كذلك إلى أن الإنسان المجرم مصاب بخلل في سير أجهزة جسمه الداخلية وإلى أنه يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية ترتد به إلى الإنسان البدائي. · ونتيجة لما تعرضت له نظرية لومبروزو من انتقادات، خاصة فيما يتعلق بفكرة الإنسان المجرم وفيما يتعلق بإهمال دور العوامل الاجتماعية في ارتكاب الجريمة، فقد حاول كل من جاروفالو وفيري تطوير أفكار المدرسة الوضعية الإيطالية وذلك لإنقاذها من التطرف الذي اتسمت به هذه النظرية، وقد أدى ذلك إلى تطور الدراسات المتعلقة بعلم الإجرام. فذهب جاروفالو في مؤلفه الذي أصدره عام 1885 إلى أن الجريمة ترتكب نتيجة خلل عضوي ونفسي لدى المجرم، ولكنه أضاف إلى ذلك أن العوامل الخارجية المحيطة بالفرد تلعب دوراً في ذلك وإن اعتبر جاروفالو هذا الدور ضئيلاً وهامشياً. أما فيري فقد اعتبر الجريمة نتاجاً لعدة عوامل وهي: · عوامل داخلية مثل السن والجنس والتكوين العقلي والبدني للمجرم، وعوامل اجتماعية كالوسط العائلي والحرفة والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة، وعوامل بيئية طبيعية مثل المناخ. وقد أعطى فيري للعوامل الاجتماعية أهمية كبيرة. وقد ضمن فيري أفكاره هذه مؤلفه الذي أصدره عام 1893 عن "علم الاجتماع الجنائي". · وفي المرحلة التالية لظهور المدرسة الوضعية، اهتمت الدراسات الإجرامية بعلم الاجتماع الجنائي اهتماماً كبيراً؛ حيث تركزت الدراسات حول دور البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد في دفعه لارتكاب الجريمة. · ولا شك أن تقدم الأبحاث الخاصة بعلم الإجرام كان مرتبطاً بتقدم العديد من العلوم الأخر التي تمد الدراسات في علم الإجرام بالعديد من البحوث والمادة العلمية اللازمة لمعرفة شخصية المجرم وتكوينه وتأثره بالبيئة المحيطة به، ومن هذه العلوم علم الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع، وكان نتيجة تقدم هذه العلوم أن تقدمت البحوث الإجرامية ونشأت علوم متفرعة عن علم الإجرام مثل علم البيولوجيا الجنائية، ثم علم النفس الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي. غ(1) تعريف علم الإجرام: · أثار وضع تعريف دقيق لعلم الإجرام صعوبات كبيرة نظراً لحداثة هذا العلم، واتسمت التعريفات المتعددة التي حاول البعض وضعها لهذا العلم بالعمومية وعدم التحديد. · فقيل بأن علم الإجرام هو علم الجريمة أو علم ظاهرة الإجرام أو هو علم العلم الذي يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية أو هو العلم الذي يدرس أسباب الجريمة، سواء تعلقت هذه الأسباب بشخص المجرم أم بالبيئة المحيطة به. · وقد وسع البعض من مفهوم علم الإجرام، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث اعتبر العالم الأمريكي سذرلاند أن علم الإجرام لا يشمل فقط دراسة أسباب الجريمة وإنما أيضاً علم العقاب وعلم الاجتماع القانوني باعتبار أن الجريمة تشكل الجانب الاجتماعي لقانون العقوبات. · ويلاحظ على هذه التعريفات كما سبق أن ذكرنا أنها تتسم بالعمومية وعدم التحديد أو أنها تنطوي على توسيع واضح لمضمون علم الإجرام وتخلط بينه وبين علوم أخرى. ولذلك فإن الفقه السائد استقر على تعريف علم الإجرام بأنه "هو ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يدرس الجريمة كظاهرة فردية واجتماعية دراسة علمية لمعرفة العوامل المؤدية إليها بغية مكافحتها والحد من تأثيرها". · وهذا العلم يحتوي على علوم فرعية أخرى تتخصص في البحث عن أسباب الجريمة، كما يستعين ببعض العلوم الحديثة مثل علم الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع كما سبق الإشارة لذلك. غ(2) موضوع علم الإجرام: · من التعريف الذي بيناه لعلم الإجرام يتبين أن هذا العلم يتناول بالدراسة كل من الجريمة والمجرم والعوامل الإجرامية. ونظراً لأننا سوف نخصص باباً مستقلاً لدراسة العوامل الإجرامية، فإننا سوف نقتصر في هذا المبحث على بيان مفهوم الجريمة والمجرم في أبحاث علم الإجرام. أ- مدلول الجريمة في الدراسات الإجرامية · يميز الفقه بين مدلولين للجريمة: الأول هو المدلول القانوني أو الشكلي للجريمة والثاني هو المدلول الاجتماعي لها. – المدلول القانوني أو الشكلي للجريمة · وفقاً لهذا المدلول تعرف الجريمة بأنها محل فعل أو امتناع يقع بالمخالفة لأحكام قانون العقوبات أو القوانين المكملة له. ومؤدى هذا التعريف أنه يخرج من مدلول الجريمة الأفعال ذات الخطورة الاجتماعية التي لا تتوافر بالنسبة لها الشروط الموضوعية والشكلية اللازمة لاعتبارها جرائم من وجهة نظر قانون العقوبات. · ويؤخذ على المدلول الشكلي أو القانوني للجريمة أنه يتجاهل كون الجريمة واقعة مادية ذات آثار اجتماعية قبل أن تكون واقعة قانونية. ثم إن هذا المدلول القانوني يضيق من أبحاث على الإجرام وذلك باستبعاده الأفعال ذات الخطورة الاجتماعية غير المنصوص عليها في قانون العقوبات. ويضاف إلى ذلك أن هذا المدلول القانوني للجريمة يجعل منها فكرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومؤدى ذلك إنكار وصف العلم عن علم الإجرام لأنه لن يقـدم نتائـج مؤكدة طالما أن موضـوعه لا يتميز بالثبات والتجانس. - المدلول الاجتماعي للجريمة · ونظراً لهذه الصعوبات التي ارتبطت بالتعريف القانوني للجريمة فقد ذهب جانب من الفقه إلى تعريف الجريمة من وجهة اجتماعية. فعرفوها بأنها كل سلوك مخالف للقيم والمبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع ولو لم يكن قد ورد ضمن نصوص قانون العقوبات. وانطلاقاً من هذا المدلول استبدل جاروفالو بفكرة الجريمة القانونية فكرة "الجريمة الطبيعية" وهي تعني كل انتهاك لمشاعر الشفقة والرحمة والأمانة السائدة في المجتمع ومن أمثلة الجرائم الطبيعية جرائم القتل والسرقة، وتتميز الجريمة الطبيعية بالعمومية والثبات حيث أن مضمونها لا يتغير باختلاف الزمان والمكان. · والجريمة الطبيعية تقابل ما يطلق عليه "الجريمة المصطنعة أو الجريمة الاتفاقية" وهي التي تقع اعتداء على مشاعر ومصالح اجتماعية متغيرة باختلاف الزمان والمكان ويلجأ إليها المشرع من أجل حماية مصالح اجتماعية معينة ومن أمثلتها الجرائم الاقتصادية. · ويؤخذ على هذا المدلول الاجتماعي للجريمة أنه يتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ذلك المبدأ الذي يمثل ضمانة هامة لحماية الحريات الفردية. بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع الجنائي لا يجرم سوكاً ما لأنه مخالف للأخلاق وإنما لأنه يمثل اعتداء على مصلحة جوهرية للمجتمع، وهذا لا يمنع من أن الصلة وثيقة بين القانون الجنائي والأخلاق وإن كان للأخيرة نطاق أوسع من الأول. · ومن ناحية أخرى فإن فكرة الجريمة الطبيعية التي قال بها جاروفالو فكرة يعتبرها البعض غير واقعية، لأن طبيعة المجتمعات تختلف من مكان لآخر، ويختلف المجتمع الواحد من زمان لآخر، وبناء عليه فمن المتصور أن ما يعد جريمة في مجتمع ما أو في زمان ما لا يعد كذلك في مجتمع آخر أو في زمان آخر. - ترجيح المدلول القانوني للجريمة: · رغم الانتقادات التي سبق بيانها والتي وجهت للمدلول القانوني للجريمة، إلا أن الغالبية من الفقه تؤيد الأخذ بالمدلول القانوني للجريمة فيما يتعلق بالدراسات الإجرامية. ويتميز الأخذ بهذا المدلول في أنه يعطي لمفهوم الجريمة قدراً من الثبات والتحديد. · علاوة على أنه لا يخشى على صفة العمومية من الأخذ بالمدلول القانوني للجريمة لأن معظم الأنظمة القانونية تتفق على أغلب المظاهر والسلوكيات التي تشكل اعتداء على مصالح جوهرية للمجتمع. · وقد يؤدي هذا الثبات وهذه العمومية لمفهوم الجريمة إلى الحفاظ على صفة العمومية للدراسات الإجرامية، والثبات للنتائج المستخلصة منها فترة طويلة من الزمن. · ويرى هذا الاتجاه أنه ليس هناك ما يمنع من أن تمتد أبحاث علم الإجرام إلى الأفعال التي تكشف عن خطورة اجتماعية رغم عدم خضوعها لنصوص التجريم طالما ردت هذه الأفعال أو المظاهر الاجتماعية عن تكوين شخص لدى مرتكبيها ينذر بارتكابهم فيما بعد جريمة بالمعنى القانوني. وفي هذا ما يؤدي إلى إثراء الأبحاث الإجرامية ويساعد في وضع أنسب الوسائل للوقاية من الجريمة ومكافحتها. ب- مفهوم المجرم في الدراسات الإجرامية: · تهتم أبحاث علم الإجرام بدراسة المجرم باعتباره موضوعاً لها وذلك حتى تتعرف على مختلف جوانب شخصيته وتكوينه البدني والنفسي وحالته النفسية والعقلية وما يحيط به من ظروف اجتماعية حتى يمكن في النهاية تحديد العوامل التي أدت به إلى ارتكاب الجريمة والوقوف على ما قد يكون ملائماً لمقاومتها ومكافحتها. إذا كان ذلك كذلك فإن تحديد مفهوم المجرم في نطاق الدراسات الإجرامية ليس بالأمر اليسير، فلم يحدد القانون متى تبدأ الحالة التي يوصف فيها الشخص بأنه مجرم كما أنه لا يحدد نهايتها، وفي نفس الوقت فإن اعتبار الشخص مجرماً من عدمه تحكمه اعتبارات ومعتقدات اجتماعـية راسخة وأفكار مسبقة، كل ذلك يعطي مدلولاً نسبياً لمفهوم المجرم. - صعوبة تحديد مفهوم المجرم · يبين مما سبق أن تحديد مفهوم المجرم يكتفه بعض الصعوبات وذلك على النحو التالي. · فمن ناحية، يعرف الفقه التقليدي المجرم بأنه ذلك الشخص الذي يرتكب جريمة مما نص عليه في قانون العقوبات. وهذا يعني أن الشخص يجب أن يثبت ارتكابه للجريمة من خلال محاكمته قانوناً. ويتميز هذا التعريف بأنه يسهل من خلاله التعرف على المجرم. · ومع ذلك فقد وجه لهذا التعريف عدة انتقادات. من ناحية، يعرف التشريع الحديث عدداً هائلاً من النصوص الجنائية التي لا يعرف بوجودها الكثيرون. ومن هذه النصوص ما يهدف إلى تنظيم إداري لبعض أوجه الحياة في المجتمع، ومخالفة هذه القواعد لا تسعف في إضفاء صفة المجرم على من يخالفها. ومن ذلك مخالفات المرور والبناء وغير ذلك. وفي مقابل ذلك يفلت البعض من الوقوع تحت قبضة القانون رغم مخالفتهم له وذلك لما يتمتعون به من مهارة شخصية، فليس من الملائم استبعاد هؤلاء من دائرة الدراسات الإجرامية نظراً لما يتمتعون به من عقلية إجرامية واضحة. · وقد أدت هذه الانتقادات إلى نشأة اتجاه حديث يبحث عن تعريف جديد للمجرم يتلاءم مع طبيعة الدراسات الإجرامية. ويرى هذا الاتجاه أن هناك أنواع من السلوك تعتبر ذات طبيعة إجرامية في حقيقتها بصرف النظر عما إذا كان المشرع قد خلع عليها هذا الوصف الإجرامي أو لا. · وأهم ما يميز المجرم وفقاً لهذا المفهوم الحديث أنه يتمتع بعقلية لا اجتماعية أي عقلية غير قادرة على التكيف اجتماعياً. ويترتب على ذلك أن الإجرام من الناحـية القانونيـة لا يمثل إلا دليلاً يسـتدل من خلاله على وجود العقلية اللا اجتماعية. ومع ذلك فإن هذا المدلول الحديث للمجرم يصطدم مع مبدأ الشرعية والاحترام الواجب للحريات الفردية، لأنه من الصعب تدخل المشرع في الحالات التي تنذر بالإجرام نتيجة تمتع الشخص بعقلية لا اجتماعية تقربه من احتمال ارتكاب جريمة ما. · والخلاصة أن الأخذ بالمفهوم التقليدي للمجرم يؤدي إلى التضييق من نطاق الأبحاث الإجرامية ويغلق الباب أمام فرص الوقاية من الجريمة قبل وقوعها نظراً لاستبعاد الشخص المتمتع بعقلية لا اجتماعية من مفهوم المجرم. · كما أن الأخذ بالمفهوم الحديث يؤدي إلى التضحية بالحريات الفردية ويوسع بصورة كبيرة من نطاق أبحاث علم الإجرام. وللخروج من هذه الأزمة ينادي جانب من الفقه بضرورة اللجوء إلى حل توفيقي يجمع بين المفهومين معاً، على أن تكون الأولوية لدراسة المجرمين وفقاً للمفهوم التقليدي أو القانوني، مع إمكانية شمول الدراسة لأشخاص لم يعتبروا بعد مجرمين من الناحية القانونية، خاصة فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب في الخفاء أو التي لم يبلغ عنها، مع ملاحظة عدم التوسع في هذا الدراسات احتراماً للحرية الفردية للمواطنين. · ولم تقتصر الصعوبات المتعلقة بتحديد مفهوم المجرم على مدى ملائمة الأخذ بالمفهوم القانوني أو المفهوم الاجتماعي للمجرم، وإنما تثور المشكلة أيضاً فيما يتعلق بنوعية المجرمين الذين يجب أن تشملهم الدراسات الإجرامية. · وتثور هذه المشكلة بسبب ما جرى عليه الفقه من تقسيم للمجرمين إلى أنواع ثلاثة: المجرم العادي، المجرم المجنون والمجرم الشاذ. فالمجرم العادي هو الذي يتمتع بالإدراك والتمييز وحرية الاختيار – أي أنه يتمتع بالأهلية الجنائية ويكون مسئولاً عن أفعاله مسئولية كاملة. والمجرم المجنون هو شخص مصاب بأحد الأمراض العقلية على نحو يعدم لديه الإدراك والتمييز وبالتالي يعدم أهليته الجنائية، ويعتبر الشخص تبعاً لذلك غير مسئول جنائياً عن أفعاله التي يرتكبها تحت تأثير هذا الجنون. أما المجرم الشاذ فهو شخص مصاب بخلل نفسي أو عقلي لا يعدم لديه الإدراك والتمييز بصورة كاملة، ولذلك يتمتع هذا الشخص بأهلية جنائية ناقصة تؤدي إلى تعرضه لنوع من المسئولية الجنائية يتفق مع حالته من حيث درجة التمييز والإدراك وحرية الاختيار. · وتثور المشكلة بصدد بحث ما إذا كان يتعين إخضاع جميع أنواع المجرمين للأبحاث الإجرامية أم الاقتصار علي دراسة نوعين من المجرمين العاديين أو الأسوياء فقط؟ · ذهب جانب من الفقه إلي أن أبحاث علم الإجرام ينبغي أن تركز بصفة أساسية علي المجرمين الأسوياء. · فهذا النوع من المجرمين يكون مسئولاً عن أفعاله من الناحية الجنائية وبناء عليه فإن إخضاعه للدراسة سوف يفيد في تحديد العوامل الحقيقية الدافعة إلي الجريمة. أما المجرمين غير الأسوياء فإن إخضاعهم للدراسة لن يقدم شيئاً كبيراً، لأنه غالباً ما يفسر إجرامهم علي ضوء الخلل النفسي أو العقلي الذي أصابهم. ومع ذلك فلم ينكر أنصار هذا الاتجاه أهمية دراسة المجرمين غير الأسوياء في حالات معينة تتعلق باستظهار العلاقة بين نوع الخلل الذي يعانون منه ونوعية الإجرام الناجم عنه. · ورغم وجاهة هذا الرأي، فإن الاتجاه الغالب في الفقه يري أن دراسات علم الإجرام يجب أن تشمل جميع أنواع المجرمين الأسوياء وغير الأسوياء. · والعلة في شمول الدراسات الإجرامية للمجرمين غير الأسوياء تكمن في أن هذه الدراسة قد تفيد في تحديد الأسباب التي أدت بمريض ما إلي ارتكاب الجريمة رغم أن غيره من المصابين بنفس المرض لم يقدموا علي ارتكابها. وهذا قد يفيد في معرفة العوامل التي ساهمت مع المرض أو الخلل في الدفع إلي ارتكاب الجريمة. ومما لا شك فيه أن هذه المعرفة تفيد في الوقاية من الجريمة وحماية المجتمع من خطورة هؤلاء المجرمين، كما تفيد في منع هؤلاء من العودة إلي ارتكاب الجريمة بعد علاجهم من المرض العقلي أو الخلل النفسي الذي يعانون منه. غ1- فروع علم الإجرام: · يشمل علم الإجرام الحديث مجموعة من العلوم التي يمكن أن تمثل فروعاً لهذا العلم، وهي" علم طبائع المجرم، وعلم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي. وسوف نبين ماهية كل فرع من هذه الفروع فيما يلي: أ- علم طبائع المجرم · ويطلق عليه كذلك علم البيولوجيا الجنائية، ويرجع الفضل في نشأته إلى العالم الإيطالي لومبروزو مؤسس المدرسة الوضعية الإيطالية. · ويهتم هذا العلم بدراسة الخصائص والصفات العضوية للمجرم وذلك من ناحية التكوين البدني الخارجي أو من حيث أجهزة الجسم الداخلية. وخلص لومبروزو في أبحاثه إلى أن هناك علاقة ثابتة بين التكوين العضوي للمجرم وبين الجريمة، وأن المجرم يعتبر صورة أو نمطاً للإنسان البدائي. وذهب لومبروزو إلى القول بوجود ما يسمى "المجرم بالميلاد" وهو من تتوافر لديه مجموعة من الخصائص العضوية تميزه عن غير المجرمين. · ورغم ما تعرضت له أفكار لومبروزو من نقد خاصة فيما يتعلق بفكرة الإنسان المجرم والمجرم بالميلاد، إلا أن علم البيولوجيا الجنائية كشف عن حقيقة هامة وهي أن بعض العوامل الدافعة للجريمة ترجع إلى وجود خلل أو شذوذ في التكوين العضوي للمجرم. وحتى مع الاعتراف بأن هذه العوامل لا يمكن الاستناد إليها لإعطاء تفسير عام للظاهرة الإجرامية، إلا أن معرفة الخلل في الجانب العضوي للمجرم تفيد في اختيار أسلوب المعاملة العقابية الملائمة له وبالتالي في مكافحة الظاهرة الإجرامية. ب- علم النفس الجنائي · يهتم هذا العلم بدراسة الجوانب النفسية للمجرم والتي تدفعه لارتكاب الجريمة، وهي ما تسمى بعوامل التكوين النفسي للمجرم. · ويقوم هذا العلم على دراسة القدرات الذهنية للمجرم ومدى استعداده أو ميله الذهني لارتكاب الجريمة. ويستعين الباحثون في علم النفس الجنائي بأساليب التحليل النفسي التي قال بها فرويد وغيره من علماء النفس والتي تلقي الضوء على عناصر هذا الاستعداد الذهني لارتكاب الجريمة. · ويرى جانب من الفقه أن علم النفس الجنائي ما هو إلا جزء من علم البيولوجيا الجنائية أو علم طبائع المجرم، باعتبار هذا الأخير يتناول أيضاً بالدراسة التكوين النفسي للمجرم، وأنه من الصعب الفصل بين التكوين العضوي والتكوين النفسي للمجرم، كما أن الصفات الجسمانية للشخص تباشر تأثيراً ملحوظاً على نفسيته وميله إلى الإجرام. جــ- علم الاجتماع الجنائي · يدرس هذا العلم العوامل الإجرامية ذات الطابع الاجتماعي فهو يدرس الجـريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ناتجة عن تأثير البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد. · وتنطلق الفكرة الأساسية لهذا العلم من أن أسباب الجريمة لا يمكن أن تنحصر في الخصائص العضوية والنفسية للمجرم، وأن العوامل الاجتماعية تباشر تأثيراً هاماً لتنشيط هذه العوامل الداخلية والتفاعل معها في إنتاج الجريمة. غ2- أهمية دراسات علم الإجرام · إن علم الإجرام بما يقوم به من دراسة للعوامل المؤدية إلى ارتكاب الجريمة بطريقة علمية يمثل أهمية كبيرة من نواح متعددة، فهو يفيد كل من المشرع والقاضي وسلطة التنفيذ العقابي على حد سواء. أ- من الناحية التشريعية · تفيد أبحاث علم الإجرام المشرع فيما يتعلق بالتدخل عن طريق التشريع للمساهمة في مكافحة الظاهرة الإجرامية، ويتم ذلك من خلال ما تقدمه أبحاث علم الإجرام من دراسات حول تصنيف المجرمين إلى طوائف متباينة من خلال دراسة متكاملة لشخصية المجرم تحدد العقوبة المناسبة له والأسلوب الملائم له من ناحية المعاملة العقابية. · وفي ضوء هذه الأبحاث والدراسات يمكن للمشرع أن يتدخل باختيار العقوبات أو التدابير الاجتماعية والاحترازية المناسبة لكل طائفة من المجرمين. ولا شك أن دراسات علم الإجرام هي التي دفعت المشرع إلى أن يفرد للمجرمين الأحداث نظاماً عقابياً خاصاً يتناسب معهم ويختلف عن ذلك المقرر للمجرمين البالغين. ب- من الناحية القضائية · تفيد الدراسات التي تتم في نطاق علم الإجرام القاضي الجنائي في اختيار العقوبة أو التدبير الملائم لكل متهم وذلك في ضوء استعماله لسلطته التقديرية التي منحها له المشرع. وحتى يتم ذلك بطريقة سليمـة يتعين أن يقدم للقاضي ما يمكنه من التعرف على شخصية المتهم الإجرامية للوقوف على مدى خطورته الإجرامية على المجتمع. ولا شك أن ذلك يساعد في مكافحة الإجرام في المجتمع من خلال تطبيق الحد الأدنى أو الأقصى للعقوبة، أو توقيع تدبير احترازي بدلاً من العقوبة الجنائية أو اللجوء لنظام وقف التنفيذ إذا كانت ظروف المتهم تستوجب ذلك. جــ- من ناحية التنفيذ العقابي · تتيح الدراسات الحديثة في علم الإجرام للسلطات القائمة على تنفيذ العقوبة اختيار أنسب وسائل المعاملة العقابية للمحكوم عليه، ويتم ذلك من خلال تصنيف المجرمين من حيث السن والجنس والخطورة الإجرامية ومن حيث اختيار نوع العمل داخل المؤسسة العقابية الذي يحقق تأهيل المحكوم عليه حتى يخرج مواطناً قادراً على التكيف مع المجتمع مرة أخرى. · واختيار أسلوب المعاملة العقابية يتم كذلك من خلال الفحص البدني والنفسي والعقلي والاجتماعي للمحكوم عليه، فهذا الفحص يساعد في معرفة العوامل التي أدت إلى ارتكاب الجريمة وبالتالي يفيد ذلك في معالجتها والقضاء عليها. غ3- علاقة علم الإجرام بالعلوم الجنائية الأخرى · هناك ارتباط واضح وعلاقة وثيقة بين فروع العلم الجنائي المختلفة، فهي جميعاً تدور حول فكرة الجريمة وتهتم بدراستها إما بمعرفة العوامل التي تؤدي إليها أو لوضع العقوبات المقررة لها أو الإجراءات التي تؤدي إلى تقرير سلطة الدولة في العقاب أو لتنفيذ ما يتم توقيعه على المجرم من عقوبات. وسوف نعرض فيما يلي لأوجه الصلة بين علم الإجرام وبين أهم فروع العلم الجنائي للوقوف على مدى التأثير المتبادل بين تلك العلوم من ناحية وبين علم الإجرام من ناحية أخرى باعتباره محل دراستنا. · وعلى ذلك فسوف نبين علاقة علم الإجرام بكل من علم العقاب وقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية والسياسة الجنائية. أ- علم الإجرام وعلم العقاب · سبق أن أوضحنا أن علم الإجرام يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية لمعرفة العوامل المختلفة فردية كانت أو اجتماعية التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة، وذلك للوقوف على الوسائل الملائمة لمكافحتها والحد من تأثيرها. · ويقصـد بعلم العقـاب ذلك العلم الذي يتناول مرحلة رد الفعـل الاجتمـاعي تجاه مرتكـبي الجـريمة أي مرحلـة التنفـيذ التي تحقـق هذه الأغراض. · ورغم استقلال كل من العلمين فيما يتعلق بالموضوع الذي تنصب عليه أبحاث كل منهما، إلا أنهما يتفقان في سعيهما لتحقيق غاية واحدة وهي مكافحة الجريمة. · ووسيلة علم الإجرام في ذلك هو دراسة الظاهرة الإجرامية للتوصل إلى القانون الذي يحكمها وبالتالي السيطرة عليها قبل وقوعها، أما علم العقاب فهو يهتم بالبحث في أفضل الوسائل لمعاملة المجرمين لتحقيق أغراض الجزاء الجنائي في الإصلاح والتأهيل. · وتتجسد العلاقة بين علمي الإجرام والعقاب في أن كل منهما يكمل الآخر ويعتبر وسيلة من وسائله. · فتحقيق فاعلية علم العقاب في اختيار الوسائل الملائمة لتنفيذ العقوبة لا تتم إلا بعد معرفة الأسباب التي رفعت المجرم إلى ارتكاب الجريمة وبعد معرفة سمات شخصية المجرم وهذا هو مجال علم الإجرام. · ومن ناحية أخرى فإن علم العقاب يمد علم الإجرام بالكثير من النماذج البشـرية لإجـراء الأبحاث التي تفيد في التأكد من صحة افتراضاته. ب- علم الإجرام وقانون العقوبات · يشمل قانون العقوبات مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الجرائم وتلك التي تبين العقوبات والتدابير الأخرى التي توقع على مرتكبي الجرائم. · ورغم الارتباط بين كل من علم الإجرام وقانون العقوبات القائم على وحدة الغاية والهدف الذي يتمثل في مكافحة الجريمة، إلا أن طبيعة كل منهما تختلف عن طبيعة الآخر. فعلم الإجرام علم وصفي بمعنى أنه يصف السلوك الإجرامي ويحاول تفسيره. بينما قانون العقوبات علم قاعدي أو معياري يدرس الجريمة كواقعة قانونية لتحديد نطاقها وأنواعها وتحديد المسئولية الجنائية لمرتكبيها. · ومع ذلك فإن التأثير متبادل بين كل من علم الإجرام وقانون العقوبات. فقانون العقوبات يرسم الإطار الذي تتم فيه الدراسات الإجرامية وذلك فيما يتعلق بالجريمة والمجرم. ومن جهة أخرى يلجأ قانون العقوبات إلى أبحاث علم الإجرام وما توصلت إليه من نتائج للاستفادة منها في تقرير بعض الأنظمة والقواعد المتعلقة بتفريد العقوبة، ونظام وقف التنفيذ ونظرية الظروف المشددة والمخففة وتطبيق أنظمة التدابير الاحترازية. جــ- علم الإجرام وقانون الإجراءات الجنائية · يشمل قانون الإجراءات الجنائية مجموعة القواعد الإجرائية التي تسلكها الدولة منذ لحظة وقوع الجريمة وحتى لحظة صدور حكم بات، بما يتضمنه ذلك من إجراءات تحرى وتحقيق ومحاكمة وطرق طعن وما يحيط بكل هذه المراحل والإجراءات من ضمانات تكفل حماية الحقوق الشخصية والحريات الفردية للأشخاص محل الملاحقة الجنائية. ·
  6. [rtl]المحاضرة الأولـى[/rtl] التعريف بالفقه الإسلامى وموضوعاته وخصائصه غ فى التعريف بالفقه الاسلامى × يعرف الفقه فى اللغة بالعلم والفهم أى مطلق الفهم فى أى نوع من أنواع المعارف ، فيقال فقيه فى الطب وفقيه فى القانون ، ولكن شاع فى العرف نسبة الفقه الى الفهم فى أمور الدين ، وكان يراد به حينئذ معنى أخص من الفهم المطلق وقد ورد بالمعنيين فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . · فبالمعنى الأول : وهو الفهم مطلقا ورد قوله تعالى :- ] لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [ وقوله تعالى: ] قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ [ وقوله تعالى : ] ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ أى لا تفقهون وقوله: ] وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [ وقوله : - ] فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [ . · وبالمفهوم الخاص: الذى عرف فيه الفقه وغلب معناه فى أمور الدين ورد قوله تعالى ] فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [ وقوله صلوات الله وسلامه عليه ] من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين [. × ونص لفظة الفقه تدل هنا مباشرة على أن المقصود بها الدين . × وقبل أن نبين مفهوم الفقه فى الإصطلاح يجب أن نزيل اللبس القائم بين استخدام مجموعة من المدلولات تحمل معان ومسميات مختلفة ، ويضعها البعض فى غير مكانها الصحيح . فيشيع استخدام لفظ الشريعة محل الفقه وكذا اصطلاح الدين . × وهذه الاصطلاحات تختلف فى ماهيتها وأفرادها كما هو معروف فى ماهيات الألفاظ عند المناطقة ، فكلمة شريعة أو دين أعم فى أفرادها ومفهومها من كلمة فقه وحتى نتبين ذلك نقوم بتعريف هذه المصطلحات ليسهل التمييز بينها وليستخدم كل منها فى مكانه الصحيح . غ مفهوم الشريعة : × ثم نصل إلى مفهوم كلمة « الشريعة » لنتبين العلاقة بينها وبين الدين والملة. ثم إلى علاقتها بالاصطلاح محل بحثنا وهو الفقه الإسلامى . × يطلق لفظ (الشريعة) فى أصل معناه اللغوى : على مورد الماء أى مكان ورود الناس للماء والشرع بالكسر مأخوذ من الشريعة وهو مورد الناس للماء ويسمى هذا المورد بذلك لظهوره لجميع الناس ومعرفتهم به ومنه قولهم شرعت الإبل أى حضرت إلى مورد الماء . × كما يطلق فى اللغة على الطريق المستقيم الواضح ومنه قوله تعالى لنبيه محمد r : ] ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا [ . × ويتبين كما سيلى مدى الارتباط الوثيق بين المفهوم اللغوى بمعانيه المختلفة وبين المعنى الشرعى الاصطلاحى للشريعة حيث هى الطريق المستقيم - الذى لا اعوجاج فيه ولا خلل لهداية البشر - إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم . × كما أنها المورد النقى الذى لا غنى للإنسان عنه من حيث هو السبيل إلى الحياة والغذاء للأرواح فى التمسك بأهداب الحياة . فى البعد عن منابعه الموت للأبدان ففيه صلاح النفس وتهذيب الخلق وقواعد التعامل بما يفيده المعنى الشرعى. × أما الشريعة فى اصطلاح الفقهاء : فهى بمفهومها المتسع التى ترادف به اصطلاحى الدين والملة « هى الأحكام التى سنها الله لعباده على لسان رسله وأنبيائه » وهى بهذا تشمل جميع الرسالات السماوية التى هى جميعا توضح الطريق المستقيم الداعى إلى توحيد المولى عز وجل . × فما جاء به كل رسول من الرسل يسمى شريعة كشريعة موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فهى : ما شرعه الله لعباده من الأحكام التى جاء بها نبى من الأنبياء عملا واعتقادا . · ومن هذا المعنى قوله تعالى ] شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [ وقوله تعالى] لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [. ×أما ما يخصص هذا المفهوم الذى يشمل الشرائع السماوية جميعا فيظهر من تعريف « الشريعة الإسلامية » : بأنها ما نزل به الوحى على سيدنا محمد r سواء تعلق بأمور العقيدة أو الأخلاق أو العبادات أو بالمعاملات . أ - الأحكام الاعتقادية : وهى التى تتعلق بذات الله ، وصفاته ، ورسله ، وملائكته ، والبعث ، والثواب ، والعقاب ، والإيمان بالغيب والغيبات من السمعيات كالجنة والنار وعذاب القبر وغير ذلك من الأحكام التى يجب على المكلف اعتقادها والايمان بها ومحل دراسة هذه الموضوعات علم التوحيد أو ما يسمى بعلم الكلام . ب- الأحكام العملية : وهى الأحكام التى تتعلق بأعمال العباد من عبادات كصلاة وزكاة وصيام وحج وتنظيم لسلوكهم الاجتماعى من زواج وطلاق وتوارث ومعاملات مالية كالبيع والاجارة وغيرهما ومن بيان لمخالفات الأفراد لما حدده الشرع ووضع العقوبات اللازمة لكل منها إلى غير ذلك من تفاصيل سنوضحها عند الحديث عن موضوعات الفقه الإسلامى حيث محل هذا القسم من الأحكام هو علم الفقه الذى ندرس مدخلا لمعرفته . جـ- الأحكام التهذيبية : · وهو ما عبر عنه فى التعريف بالأخلاق وهو ما يتعلق بالفضائل التى يجب على الانسان أن يتحلى بها ليكون مثالا للكمال فى التعامل مع نفسه ومع غيره من الجماعة ومع المولى عز وجل من الصدق والأمانة والوفاء إلى كل ما يؤدى إلى الاقتراب من النبيل من الصفات واجتناب كل رزيل منها كالكذب أو الغدر وكل النقائص ، مما تكفل بتوضيحة ، علم الأخلاق . · كما تشمل الشريعة الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين من حيث وصفها بالوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الاباحة . · وبعد أن وضحنا مفاهيم كل من الدين والملة والشريعة وحتى يكتمل ما نصبوا إليه وقبل توضيح علاقة الاشتمال والتداخل القائم بينها. نعود إلى تعريف الفقه فى الاصطلاح . غ تعريف الفقه الإسلامى فى الاصطلاح الشرعى : مر مفهوم الفقه الإسلامى الاصطلاحى بطورين متتابعين : 7 الطور الأول : · وهو يتسع ليشمل نفس مفهوم الشريعة الإسلامية السابق ذكره . ليكون: العلم بكل أحكام الدين ، أو الفهم لجميع أحكام الدين بأنواعها المتعددة، وكان هذا الطور بهذا المعنى فى صدر الإسلام وبصورة أدق فى حياة النبى r وصدر عصر الصحابة رضوان الله عليهم . · وجاء قوله تعالى موضحا هذا المعنى العام للفقه فى قوله تعالى : ] فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [. · ولكن تدرجت أهمية الموضوعات التى يشملها الفقه بمعناه العام ليكون فى الصدارة منها ما يوضح الطريق للعمل الموصل إلى الآخرة. ثم يلى ذلك باقى الفروع من أحكام المعاملات والأحكام الفرعية الأخرى . · وكان علم الفقه يطلق فى هذا الطور على ذات الأحكام كما كان يطلق على الفهم لهذه الأحكام . · وكان من الطبيعى أن يتغير هذا المفهوم المتسع للفقه بعد انتهاء الفترة التى كان فيها متلقى الوحى هو النبى r والذى كانت له صفة التلقى والتشريع ، وبعد أن اتسعت دائرة القضايا والحاجة إلى المزيد من إصباغ دائرة الأحكام على الجديد من الوقائع . · فتتغير صفة الفقه ومفهومه فتضيق من جانب لتتسع فى الجانب الآخر. أ تضيق · من ناحية المفهوم فيختص بالأحكام العملية الصادرة من العباد فى العبادات والمعاملات ثم من ناحية المصدر لهذه الأحكام والموجه لها فقد تغيرت الصفة عندئذ فقد كانت قاصرة على الرسول r وصحبه فى صدر عهدهم من بعده فلم يكونوا بحاجة إلى تشريع أحكام جديدة لقرب العهد بمتلقى الوحى وقلة القضايا . · وكان الفقه فى هذا إنما يمثل الطابع الحقيقى للتفكير الإسلامى لاعتماده خالصا على القرآن والسنة غير متأثر بأى عوامل أخرى وقبل ظهور مصادر جديدة تعتمد فى جوانب منها على الرأى . 7 الطور الثانى لمفهوم الفقه الإسلامى : بعد انتهاء العصر الأول ، وزيادة الرقعة الإسلامية ، باتساع الفتوحات وزيادة من دخلوا فى دين الله مما استتبع كثرة الأحكام ، والحاجة إلى الفتوى، فبدأ مفهوم جديد للفقه - نظراً لاتساع دائرة من دخلوا ميدان العمل فيه .. بتسلحهم بأدوات العمل ممن يحملون صفة الفقيه أو المجتهد - وأصبح أكثر تخصصا ، وأقل فى أفراده من حيث الموضوع من المعنى الأول فاقتصرت كلمة الفقه على : - · العلم بطائفة من الأحكام الشرعية العملية المستخلصة من أدلتها التفصيلية . · أى إعمال الفهم لاستخلاص الحكم الشرعى من الأدلة المختلفة على ما سيرد تفصيله فى مصادر الفقه لإصباغ هذا الحكم على دائرة متسعة ومتجدده من الوقائع المستمرة إلى يوم الدين . · وهنا خلص مفهوم الفقه واستقر مقتصرا على جانب معين من الجوانب التى وضحتها الشريعة ألا وهو جانب الأحكام العملية العلم بها وفهمها واكتسابها من أدلتها وإخضاع المتجدد من القضايا والمشاكل لهذه الأحكام المستندة دائما على النصوص الثابته الدائمة . كما سيتبين لنا . موضوعات الفقه الإسلامى يعالج الفقه الإسلامى نوعين من الموضوعات تجعله يتسم بأنه علم دينى ودنيوى أما النوع الأول من هذه الموضوعات فهو : - 7 العبادات : · وهى تلك التكليفات الشرعية التى يراد بها التقرب إلى المولى عز وجل ، والتى تقوم بتنظيم العلاقة بين الإنسان وربه كاقامة الصلاة - وفريضة الصيام - وأداء الحج - وفعل الطاعات وتجنب المنكرات عموما. · والمقصد من تنفيذ هذا الشق إنما هو الفوز برضا الله ونيل المزيد من الثواب أملا فى الاستقرار الأخروى . أ أمثلة لأهم موضوعات المعاملات التى يعالجها الفقه الإسلامى : · بداية فانه يجب أن ننوه إلى أن القسمين السابقى الذكر لموضوعات الفقه الإسلامى إنما هما من قبيل التقسيمات العامة .. وأن الموضوعات التى يعالجها الفقه الإسلامى لا يمكن سردها على سبيل الحصر كما أسلفنا وبخاصة فى « قسم المعاملات » . · ليس شرطا أن تكون مسميات الموضوعات فى الفقه الإسلامى مماثلة لنفس المسميات الفكرية الحديثة لها . فليس هذا قصورا أو يؤدى للجهالة كما يزعم البعض وإنما هو منهج متميز للفقه الإسلامى . وقد غير المصطلحات واستبدلها بمصطلحات مترجمة فى كثير منها نفس الإنسان الذى تقبلها أولا عندما تعاقبت عليه الأحداث والسنون فأثرت عليه . فليس عيبا إذا أن تظل المسميات الشرعية للتصرفات باسمائها وإضافة الجديد لما تستلزمه الحياة فى إطار الدين - كما أنه لا مانع لمعرفة المسميات الحديثة لها لتفهم حقيقتها ومقارنتها . · لكن الخطأ كل الخطأ فى توجيه زعم عدم المعرفة للفقه الإسلامى لهذه المسميات لأن الاتهام يقدم ممن أسس وأنشأ ، وليس من الأحدث للأقدم فيقول الأول للثانى إنك قد بدلت ولا يقول الثانى للأول إنك لم تعرف. ولنتبين ذلك من خلال عرض أهم موضوعات المعاملات فى الفقه الإسلامى التى يندرج تحتها كل الموضوعات التى عالجتها القوانين الوضعية وان اختلف الشكل لعموم التشريع الإسلامى وشموله. وتتنوع إلى الموضوعات التالية : أولا : موضوعات المعاملات الخاصة : وهى تلك التى تنظم علاقات الأفراد فى معاملاتهم الخاصة . أ‌- موضوعات نظمها الفقه الإسلامى فى صورة العقود التى يتداولها الأفراد لقضاء مصالحهم وحاجياتهم فى كافة الأنشطة الإنسانية كعقد البيع ، والإجارة ، والوكالة ، الهبة ، العارية ، الوديعة ، الرهن ، الكفالة ، والتى تشمل كافة أغراض التعامل ، من نقل ملكية أو نقل منفعة ، أو ضمان ، أو إبراء ( أى إعفاء من الدين ) وما يتعلق بالأهلية وشروطها . · كذلك تنظيم علاقات العمل بتحديد أنواعها من الإجارة الخاصة والإجارة المشتركة ونظام الأجر ووقت أدائه واحترام حقوق العامل وأدوات العمل وضمانها وكان ذلك ضمن أبواب الإجارة باعتبار العمل صورة منها. كذلك تنظيم بيع وإجارة الأرض الزراعية ونظم الحقوق المترتبة على ذلك من حق السيل وحق الشرب وحقوق الإرتفاق والمساقاة والمزارعة ونظام الشفعة وأسلوب إجارة الأرض ومدته وهذا ما يعرف فى القوانين الوضعية بالقانون المدنى ، وقانون العمل والقانون الزراعى بما نرى معه اختلاف المسميات واتحاد الموضوع وان اختلف المضمون . · وأبواب هذا الفرع نجده فى كتب الفقه الإسلامى بمذاهبه المختلفة تحت عنوان « كتاب المعاملات » الذى تتوالى فيه العقود تباعا بأحكامها التفصيلية التى تنظم بجزئياتها نظريات كاملة للعقد وغيره . ب- موضوعات نظمها الفقه الإسلامى تتعلق بنظام الأسرة: واستقرارها وهى الأحكام المنظمة لبناء الأسرة ابتداء ببيان أحكام الخطبة بشروطها الشرعية ثم الزواج وأحكامه وحقوق الزوجين كل منهما قبل الآخر ثم تنظيم إنهاء هذه العلاقة بضوابط محددة عند الاقتضاء بالفرق الشرعية المحددة من طلاق أو خلع. · وما يترتب على ذلك من حقوق للمرأة من الالتزام بالنفقة للمرأة وأولادها ثم نظمت ما يترتب على انتهاء الحياة الزوجية بانقضاء الحياة فنظمت الارث ، ونظامه الشرعى المفروض ، والوصايا وما يقتضيه عدل الإسلام . كما شمل هذا الجزء من الأحكام موضوعات الولاية على النفس لمن يستلزمه ذلك والولاية على المال عند الاحتياج إلى ذلك . ثم المسائل المتعلقة بالبنوة والابوة والنسب والاقرار به . · وتتميز هذه المسائل بأنها مفصلة وبينت فى الكتاب والسنة نظرا لدقتها ، وأهمية الموضوعات التى تعالجها ولشبهها بالعبادات أكثر من المعاملات وللبعد بها عن أهواء البشر وشهواتهم الذين زين لهم حب الشهوات من النساء والبنين. · وتعالج هذه المسائل فى كتب الفقه الإسلامى تحت عناوين كتاب الزواج والطلاق ، وبالفرائض والوصايا ، والولاية . · أما القوانين الحديثة فلم تقترب منها لتنظيمها تفصيلا فى الكتاب والسنة وانحصر دورها فى اختيار العمل باراء بعض المذاهب دون البعض الآخر فيما تعددت فيه الآراء واعتمد على أكثر من دليل وإن خالف هذا الإجماع أحيانا . جـ- موضوعات تعالج القضاء وطرق الاثبات : نظم الفقه الإسلامى القواعد التى تنظم تحقيق العدالة بين الناس وقد أفاض الفقهاء فى تفصيل نظام القضاء - وشروط تولية واختيار القاضى ، وكيفية استماع الدعوى وآدابها - والأحوال التى لا يجوز فيها الحكم - ثم الطرق المتعددة للإثبات والتثبت من الشهادات والاقرارات والبيانات . · كل هذا نظمته كتب الفقه تحت أبواب الأقضية والشهادات وأبواب الدعاوى والبينات . · وهو ما نظمته القوانين الحديثه فيما يعرف بقوانين المرافعات وقانون الاثبات ثم الاجراءات فيما يتعلق بالقانون الجنائى . د - موضوعات تعالج مسائل التجارة : وقد تناوله الفقهاء وافاضوا فيه بالتنظيم فى أبواب الشركات والمضاربة ، والسلم ، والتفليس ، والحوالة. وقام الفقهاء بوضع قواعد يقاس عليها فيما يستخدم من مسائل ووسائل تستخدم فى عمليات التجارة . وهو ما يعرف لدى القوانين بالقانون التجارى ووسائله فى النقل البحرى والجوى . هـ - موضوعات التعامل مع غير المسلمين : عالج الفقه الإسلامى مسألة التعامل مع غير المسلمين الذين يتعاملون مع المجتمع الإسلامى سواء بالاقامة داخله أو خارجه . · وأسلوب تعاملهم وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم وما هى المسائل التى يكون الفصل فيها لشرائعهم وكان ذلك تحت أبواب دار السلم وعقد الذمة فى كتاب السير من كتب الفقه . · وهذه المسائل أشبه بما يسمى الآن فى القوانين بمسائل تنازع القوانين وتنازع الاختصاص فى ما يعرف بالقانون الدولى الخاص . ثانيا : موضوعات الجرائم والعقوبات : · وهى مجموعة الأحكام الشرعية التى تحدد السلوك المجرم للإنسان والتى توجب توقيع عقوبة مقدرة شرعا عند توفر شروط محددة أو تستلزم التعزير إذا لم تستكمل شروط العقوبة أو لم تفرض لها عقوبة أصلا . · وقد تجلت حكمة الشارع جل وعلا فى ألا يترك تقدير العقوبة للبشر ، فنص على العقوبات فى الكتاب الكريم بتحديد الجريمة وشروط استحقاق العقوبة فيها - فيما يعرف بالحدود الشرعية والقصاص فى النفس ومادونها. · لأنه لو ترك الناس وشأنهم لسادت شريعة الغاب بينهم ، حتى فى المجتمعات المنظمة لم يستطع المقننون فيها أن يحققوا جانب العدالة التى توخاها المشرع الحكيم من تحقيق الزجر للمجرم بردعه فى هذا السلوك الشائن ثم بالمنع لكل من تسول له نفسه التفكير فى اقتراب هذا السلوك . · كما تميزت العقوبات الشرعية بالمساواة والتساوى : فكل الناس أمام تطبيق شرع الله سواء بغض النظر عن الزمان والمكان فالحد هو الحد فى كل مكان . · أما القوانين الوضعية فهى متعددة ومختلفة فى مكان عن الآخر ومن زمان إلى زمان رغم أن الجريمة هى هى ونفس طبيعتها بين البشر واحدة فكلها خروج عن السلوك السوى فهذه دولة تقضى بالإعدام فى جريمة كما يطلقون عليه وتلك دولة تمنعه تماما وهذه تجيز الزنا تحت « مسمى آخر » وتلك تخفف من عقوبة جريمة فى نفس الظروف الذى تشددها الأخرى . · كل هذا لأن وضاع القوانين بنظريتهم الخاصة لمجتمعاتهم ، فاتهم أن من قاس طبيعة الإنسان ، ووضع له حدا لسلوكه وعقابا لمخالفته ، هو خالق الإنسان وفاطره على طبيعته البشرية التى جبل عليها أينما وجد وأينما حل ، بصرف النظر عن الحدود التى خطها الإنسان للفصل بين مجتمع وآخر من البشر . · وقد وردت تفصيلات هذه الأحكام المؤسسة أصلا على الكتاب والسنة فى أبواب الجنايات والحدود فى الفقه الإسلامى وطرق إثبات الحدود وكيفية توقيع العقوبات . وتعرف تلك الموضوعات بمنظورها الخاص بما يسمى بالقانون الجنائى باقسامه العام والخاص وإجراءاته الجنائية من وسائل وطرق للتقاضى فى هذا الفرع . × الأحكام المالية والاقتصادية : · وهى القواعد التى تبين الطرق الشرعية لاكتساب المال وتنمية الموارد الشرعية بالتجارة المباحة وتجنب أكل أموال الناس بالباطل والنهى عن استخدام الوسائل المحرمة لكسب المال كالربا والاحتكار وكل وسيلة للغش والخداع والتدليس مما نهى الشرع عنه . · وتبين هذه الأحكام موارد المال المشروعة للدولة الإسلامية من الحرص على تنفيذ موارد الإسلام المفروضة كالزكاة وصرفها على جهاتها الشرعية المحددة فى النصوص الكريمة ومنها « بيت المال » الذى تقوم عليه الدولة للقيام على مصالح رعاياها ، وتحقيق التكافل الاجتماعى بين الأغنياء والفقراء. · كما تبين تلك الأحكام احترام الإسلام للملكية الخاصة فى إطار الحل والحرمة مادامت تؤدى التزاماتها الشرعية من زكاة وغيرها فى الوقت الذى تحرص فيه على احترام الملكيات العامة فى مجالات النفع العام لجميع أفراد المجتمع وقد وضعت القواعد العامة فى مثل هذا النوع من الملكية العامة كقوله f « الناس شركاء فى ثلاث فى الماء والكلأ والنار ». وغير ذلك من القواعد. التى يتسم بها النظام الإسلامى . · وقد ورد الحديث عن هذه الموضوعات فى كتب الفقه فى أبواب الزكاة والخراج وفى الكتب المتخصصة ككتاب الأموال لأبى عبيد. · وتعرف هذه العلوم فى الفكر الحديث بعلوم المالية العامة والتشريع الضريبى والاقتصاد . · وبعد ... فان هذه الموضوعات السالف ذكرها ليست هى كل الموضوعات التى تعرض لها الفقه الإسلامى .. وإنما آثرت عرض الموضوعات الهامة والتى تحدثت عنها الأنظمة الفكرية المعاصرة .. ليعرف دارسوها أنها مست بنهج متميز من قبل الفقه الإسلامى . « خصائص الفقه السماوى » نقصد هنا بالفقه السماوى الفقه المستمدة أحكامه من السماء على أيدى الرسل والنبيين . فى التشريعات المتعددة. فلم تخل أمة من الأمم من رسول يبين لها الرشاد والطريق المستقيم يوضح لها شرع الله وأحكام دينه . مصداقا لقوله تعالى : ] وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [ . وباستقراء هدف الشرائع والرسالات السماوية يتبين لنا وحدة الهدف والغاية وهو إسلام الوجه إلى الله وتنزيهه عن الشريك فدين الأنبياء واحد ، وإن تنوعت شرائعهم وهذا ما أيده قول الله تعالى فى كتابه الكريم ] يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِي فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [ وقوله تعالى ] شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [ وقوله r « إنا معشر الأنبياء ديننا واحد ». فهذه الآيات والأحاديث تبين وتوضح أن دعوة الهداية للرسل جميعا واحدة . ولما كان الفقه السماوى عبارة عن الأحكام الشرعية المستمدة من الكتب والتكليفات السماوية كما أن الفقه الإسلامى مستمدة أحكامه من النصوص القرآنية ، والسنة المشرفة كقوله تعالى « وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة » الذى يستنبط منه أن الصلاة واجبة وأن الزكاة واجبة والأحاديث الشريفة التى وردت لبيان مواقيت الصلاة وأنواع الزكاة والجائز من المعاملات وغير الجائز لهذا فإننا نجد أن : أ أهم الخصائص المشتركة للفقه السماوى تتضح فيما يلى : - 1- الفقه السماوى مصدره الوحى الآلهى : · يستمد الفقه السماوى خاصيته الأولى المشتركة بين جميع الرسالات من مسماه وهو أن مصدره الوحى الإلهى وسيلة الاتصال بين من ينفرد بصفة التشريع وهو المولى عز وجل ، ومبلغى الوحى إلى البشر وهم الرسل والأنبياء ، وكلهم يتلقون نهج تشريعاتهم من السماء وان اختلف صورة التلقى فى صورة كتاب سماوى ، أو بطريق الإيحاء فى النفس ببث المعنى فى قلوبهم فتصدر توجيهاتهم وهى صورة من صور الوحى وهذه هى الصورة المباشرة . · وقد يكون الاعتماد على الوحى كمصدر للفقه بالطريق غير المباشر كما فى استنباط الفقهاء والمجتهدين للأحكام الشرعية من أدلتها التى هى نصوص القرآن والحديث مصدره الوحى السماوى بطريق غير مباشر لأن كل فقيه أو مجتهد لا يصح ما توصل إليه من اجتهاد إلا إذا استند واعتمد ورجع حكمه إلى نص شرعى. 2- الفقه السماوى يجمع بين الجزاء الدنيوى والأخروى : · يتميز الفقه السماوى بازدواجية الجزاء لمن خالف أحكامه والتكليفات الناتجة عنها التى يلتزم بها الإنسان. وفى هذا تدريب للعباد على الطاعة ، واحترام رقابة الله والخوف من مخالفتها ، لأن الجزاء الدنيوى يوقعه ولى الأمر عندما يتثبت فى الظاهر بمخالفة الإنسان وخطئه . كما أن ولى الأمر هذا لا يثيب العبد على أفعاله الحسنة أو على إيجابياته وإن اكتسب السيرة الحسنة لدى الناس بسلوكه الطيب - أما رقابة السماء التى تمثل جانب الجزاء الأخروى فإنه فضلا عن الحافز الدافع إلى الامتثال بالطاعات بالوعد بالثواب عليها حتى يصل مقدار الحسنة بعشر أمثالها أو يزيد . · فإنه بفرض الجزاء الأخروى كما ذكرنا تكون طاعة العبد مؤكده لعلمه أن من يراقب أفعاله وهو العليم البصير لن يغفل ولن تفوته خافية ] يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [ . · فإنه لو أفلت العبد من النوع الأول وهو الجزاء الدنيوى لعدم التثبت من فعلته أو عدم العلم بها أو رؤيتها فإنه لن يفلت أو ينجو من الجزاء الأخروى الذى نبهه الله إليه بضرورة مراقبة المولى فى كل تصرفاته وقد حقق الله لعباده أسباب اليقين بتحقق الجزاء الأخروى وتدل جميع الظواهر الكونية التى تحدث فى الدنيا - بالرغم من ضخامتها المادية فى نظر الناس من زلازل أو أعاصير أو اصطدامات فى الفضاء على أنها تبدوا متواضعة بسيطة أمام الحدث النهائى وهو يوم القيامة وأن من أوجد الحياة قادر على أن ينهيها وقد ضرب الله مثلا للأمم السابقة بأن أراهم فى الدنيا نتيجة إصرارهم على الخطأ والعصيان ألوانا من الجزاء فى الدنيا عقابا لهم يمثل رمزا مما سيرونه فى الآخرة وأنفردت أمة الإسلام بأن العقاب الأخروى مؤجل إلى يوم الدين ثقة فى هذه الأمة وأن الخير الكثير فيها من ناحية ولتميز هذه الأمة باستمراية معجزتها الكبرى وهى القرآن ودوام تشريعها وبالتالى يكون العقاب آكد عند المخالفة فى الآخرة . 3- الوازع الدينى والأخلاقى : · فقد حرصت الشرائع السماوية المتعددة على تنمية وتقوية الوازع الداخلى فى الانسان المعروف بالضمير الذى محلة غالبا قلب الإنسان تلك المضغة الذى إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله والذى غالبا ما يعبر عنه بالنفس كما فى قوله تعالى : - ] وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [ . · ولعل قضية الامتثال أى الطاعة المجردة ابتغاء وجه الله دون البحث عن العلة أو السبب والتى هى سبب الايمان بالجزاء الأخروى هى الأساس فى اهتمام الشرائع السماوية بتقوية الوازع الدينى والأخلاقى لدى البشر بمعنى أن يتصرف الانسان فى كل أموره وقد وضع نصب عينيه مخافة الله دون رقابة مادية أو الخوف من بشر .. فإذا ما وصل إلى هذه المرحلة قلنا إن هذا من تأثير قوة وازعه الدينى . · إذن يتضح لنا مدى الارتباط بين الخاصية والخاصية التى أمامنا فكلما زاد إيمان الفرد وخوفه من حساب الآخرة الذى لا يحتاج إلى إعلان واظهار ف
  7. المحاضرة الثالثة نتكلم في هذه المحاضرة عن موضوعين : أولاً :- حصانات وامتيازات المنظمة الدولية الأساس القانوني لتمتع المنظمات الدولية بالحصانات والامتيازات. تتمتع المنظمات الدولية، مثل الدول، بمجموعة من الحصانات والامتيازات التي تجد أساسها في ضمان استقلال المنظمة واحترام شخصيتها القانونية وتمكينها من مباشرة وظائفها على نحو فعال، وبصفة خاصة في مواجهة مخاطر الضغوط التي قد تتعرض لها المنظمة من جانب الدول الأعضاء. ومن ثم فإن هذه الحصانات والامتيازات تتحدد طبقاً لمبدأ تخصص المنظمات الدوليةprincipe de la spécialité ، كما يتحدد نطاقها على أساس الاختصاصات الصريحة والضمنية المعترف بها لهذه المنظمات. كما يكمن أيضاً أساس هذه الحصانات والامتيازات في تحقيق المساواة بين كل الدول الأعضاء في هذه المنظمات، بما في ذلك دول المقر، تلك المساواة التي يمكن الإخلال بها إذا كانت دولة المقر أو الدولة المضيفة، التي تمارس المنظمة على إقليمها أنشطتها، تمارس كل اختصاصاتها الإقليمية تجاه المنظمة، الأمر الذي يجعلها تتمتع بوضع متميز بالنسبة لباقي الأعضاء. وفي ذلك ما يبرر تمتع المنظمة في مواجهة دولة المقر بحصانات وامتيازات تكفل هذه المساواة. وبعبارة موجزة يمكن القول أن الأساس القانوني الذي من أجله منحت المنظمات الدولية حصانات وامتيازات يتمثل بصفة أساسية في الضرورات الوظيفيةles exigences fonctionnelles ، بمعنى تمكين المنظمات الدولية من مباشرة وظائفها بطريقة فعالة تكفل تحقيق مقاصدها وأغراضها التي أنشئت من أجلها. وهذا ما حرصت على تأكيده المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية، فضلاً عن اتفاقات المقر واتفاقات الحصانات والمزايا. مصادر امتيازات وحصانات المنظمات الدولية. إذا كانت امتيازات وحصانات المبعوثين الدبلوماسيين تقررها أحكام العرف الدولي، فإن حصانات وامتيازات المنظمات الدولية تقررها نصوص اتفاقية، أو بمعنى آخر تنشأ عن اتفاق دولي. وإذا كانت المعاهدات المتعددة والثنائية الأطراف هي مصدر حصانات وامتيازات المنظمات الدولية، فإن درجة ما تتميز به من العمومية والتجريد تجعلها - على الأقل فيما يتعلق بنظام الأمم المتحدة - منشئة لقواعد عرفية وعليه تتمثل مصادر حصانات وامتيازات المنظمات الدولية في النصوص الاتفاقية والعرف الدولي. وبصفة عامة يمكن القول أنه، إذا كانت حصانات وامتيازات المنظمات الدولية تجد مصدرها في النصوص الاتفاقية، فإن تواتر النص عليها -خاصة بعد قيام الأمم المتحدة - بصورة مستمرة، واعتقاد الدول بإلزامها، كل هذا يجعلها في عداد القواعد العرفية التي تكون ملزمة للدول كافة ولو لم يرد النص عليها. ولا يفوتنا القول -ونحن في هذا الصدد -أن الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها المنظمات الدولية قد تجد مصدرها في القوانين والتشريعات الداخلية للدول. وغالباً ما تصدر هذه القوانين والتشريعات بالتطبيق للاتفاق المبرم بين الدولة والمنظمة. مضمون الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها المنظمات الدولية. يمكن تصنيف الحصانات والامتيازات المقررة للمنظمات الدولية في ثلاث مجموعات: حصانات واميتازات مقررة لصالح المنظمة الدولية، وأخرى لممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمة، وثالثة لموظفي المنظمة الدولية. ¨ الحصانات والامتيازات المقررة لصالح المنظمة الدولية. 1) الحصانة القضائية يقصد بالحصانة القضائية للمنظمة الدولية عدم اختصاص محاكم الدول الأعضاء في المنظمة وغيرها من الدول الأخرى بنظر الدعاوى التي ترفع ضد المنظمة الدولية، ما لم يكن هناك اتفاق أو شرط في عقد أبرمته المنظمة يعطى المحكمة هذا الاختصاص. وهذا ما أكدته المادة الثانية من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة "تتمتع هيئة الأمم المتحدة وأموالها وموجوداتها أينما وجدت وتحت يد من كانت بحق الإعفاء القضائي بصفة مطلقة، ما لم تقرر الهيئة صراحة التنازل عن هذا الحق. ويسرى هذا التنازل في جميع الأحوال ما عدا ما يتعلق منها بالإجراءات التنفيذية". وكذلك تضمنت اتفاقات المقر المعقودة بين المنظمات الدولية ودول المقر صيغ مماثلة. مثل منظمة الطيران المدني الدولي مع كندا، ومنظمة اليونسكو مع فرنسا، ومنظمة الفاو مع إيطاليا. والحصانة القضائية المقررة للمنظمات الدولية هي حصانة شاملة تغطى كل ما يصدر عن المنظمة من أفعال كما تمتد لتشمل ممتلكاتها ومقرها، وهى تحمى المنظمة ضد أي صورة من الإجراءات القانونية أمام السلطات الوطنية سواء كانت قضائية أو إدارية أو تنفيذية وسواء كانت المنظمة مدعوه للمثول أمام القضاء، أو طلب منها تقديم معلومات. والجدير بالملاحظة أنه قد ظهر - منذ نهاية السبعينيات - اتجاه يقصر الحصانة القضائية للدول الأجنبية على ما يصدر عنها فحسب من أفعال عند ممارستها لسلطتها العامة، وتسعى بعض الدول إلى مد هذا القيد بحيث يشمل المنظمات الدولية.ويبدو أن القضاء الوطني قد تأثر بهذا الاتجاه؛ عندما أصدرت محكمة النقض الإيطالية في أبريل 1982، حكماً - بالمخالفة لاتفاق المقر - وبتشبيه المنظمة الدولية غير الصحيح بالدولة الأجنبية - رفضت بمقتضاه الحصانة القضائية لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة(الفاو) في نزاع يتعلق بعقد إيجار عقار. 2) حرمة المباني والأماكن التي تشغلها المنظمة ومراسلاتها. تتمتع المباني والأماكن التي تشغلها المنظمات الدولية وأموالها بحرمة، فلا تكون محلاً لأي إجراءات قسرية إدارية أو قانونية. مثل (التفتيش - الاستيلاء - المصادرة - نزع الملكية) كما تتمتع المنظمات الدولية بالنسبة لمراسلاتها بحصانات لا تقل عن تلك المقررة للرسائل والحقائب الدبلوماسية، فلا تخضع مكاتباتها ورسائلها الرسمية الخاصة بها لأية رقابة. وللمنظمات الدولية كذلك حق استعمال الرمز أو الشفرة في برقياتها. 3) الحصانات والامتيازات المالية والضرائبية. إن الحاجة التي تدعو إلى تمتع المنظمة الدولية بحصانات واميتازات وتسهيلات مالية وضرائبية هي منع دولة المقر من الاستفادة بوجود المنظمة على إقليمها، من خلال ممارستها لسلطاتها المالية والضرائبية على المنظمة، حيث تمارس هذه الأخيرة أنشطة وتحصل على عوائد، تمثل ما يمكن أن يكون محلاً لفرض الضرائب المختلفة عليها سواء من جانب دولة المقر أو غيرها من الدول التي تمارس المنظمة فوق أقاليمها هذه الأنشطة. وعليه تعفي المنظمة الدولية من الضرائب المباشرة والاستقطاعات غير المباشرة (الضرائب المحلية وضرائب المبيعات) على مشترواتها الهامة للاستعمال الرسمي. كما تعفي أيضاً من الرسوم الجمركية، ومن الضرائب المفروضة على انتقال رؤوس الأموال والمبادلات النقدية،ومن أي قيد أو حظر على الواردات أو الصادرات الخاصة باستعمالها الرسمي. ¨ الحصانات و الامتيازات المقررة لممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمة الدولية. يجرى العمل على تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية بصورتين: إ الصورة الأولى: هي التمثيل الدائم ، ويتجسد في البعثات الدائمة التي ترسلها الدول لتمثلها لدى هذه المنظمات. إ الصورة الثانية: هي التمثيل المؤقت، ويتجسد في الوفود التي ترسلها الدول لحضور جلسات أجهزة المنظمات الدولية أو لحضور الاجتماعات والمؤتمرات التي تدعو إلى عقدها،وذلك بصفة مؤقتة تنتهي بانتهاء الجلسات. والثابت في جميع المنظمات الدولية دون استثناء أن ممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمات الدولية يتمتعون - سواء كانوا مدرجين في البعثات الدائمة أو في الوفود الذين ترسلهم الدول إلى أجهزة المنظمات ومؤتمراتها - بالعديد من المزايا والحصانات التي تمنح لهم بقصد تحقيق الممارسة المستقلة لوظائفهم لدى تلك المنظمات. ولما كانت الحصانات والامتيازات المقررة لممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمات الدولية ترتبط بوظائفهم لدى تلك المنظمات، فإنهم يتمتعون بها حتى ولو لم يرد النص عليها صراحة في الاتفاقات الدولية التي تنظم وضعهم في الدولة المضيفة. ويتمتع ممثلو الدول الأعضاء لدى المنظمات الدولية في كافة الاجتماعات التي تدعو إليها، إبان اضطلاعهم بمهامهم التمثيلية، وأثناء سفرهم إلى حيث تعقد الاجتماعات، وعودتهم منها بالمزايا والحصانات الآتية: ‌أ) عدم جواز القبض عليهم أو حجزهم أو حجز أمتعتهم الشخصية، كما يتمتعون بحصانة قضائية تغطى كافة ما يصدر عنهم من أعمال بسبب قيامهم بمهامهم الرسمية. ‌ب) حرمة المحررات والوثائق. ‌ج) حق استعمال الرمز في رسائلهم وتسلم مكاتباتهم برسول خاص أو بحقائب مختومة. ‌د) حق إعفائهم وزوجاتهم من كافة القيود بالهجرة و إجراءات قيد الأجانب والتزامات الخدمة الوطنية في البلاد التي يدخلونها أو التي يمرون بها أثناء قيامهم بأعمالهم. ‌ه) ذات التسهيلات التي تمنح لممثلي الدول الأجنبية الموفدين في مهام رسمية مؤقتة فيما يتعلق بالنظم الخاصة بالعملة وسعر الصرف. ‌و) ذات الحصانات والتسهيلات التي تمنح للممثلين الدبلوماسيين فيما يتعلق بأمتعتهم الشخصية. ‌ز) جميع المزايا والتسهيلات الأخرى التي لا تتعارض مع ما سبق ذكره مما يتمتع به رجال السلك الدبلوماسي،مع استثناء حق المطالبة بالإعفاء من الرسوم الجمركية على الأشياء المستوردة، ولا يكون خاصاً باستعمالهم الشخصي أو من ضريبة الإنتاج أو البيع. ومما يلاحظ بشأن الحصانات والامتيازات المقررة لممثلي الدول لدى المنظمات الدولية ما يلي: أولاً: أن الحصانة القضائية والحرمة التي يتمتع بها مندوبى الدول لدى المنظمات الدولية -سواء كانت واردة في اتفاقيات المزايا والحصانات، أو متضمنة في اتفاقات المقر أو مقررة في اتفاقية فيينا لعام 1975- أكثر تحديداً من الحصانة القضائية والحرمة التي تمنح للممثلين الدبلوماسيين، حيث تقتصر على ما يصدر عنهم من تصرفات بصفة رسمية à titre officiel عند ممارستهم لوظائفهم. ثانياً: أن المزايا والحصانات التي يتمتع بها مندوبى الدول الذين يوفدون لحضور مؤتمر تحت إشراف المنظمة أو تمثيل الدولة في أحد الاجتماعات التي تدعو إليها المنظمة أدنى من تلك التي يتمتع بها الممثلون الدائمون. ثالثاً: لما كان ممثلي الدول لدى المنظمات الدولية لا يعتمدون لدى دولة المقر ولا توجد بين دولهم وبين دولة المقر أية علاقة تمثيلية، فإن لهم الحق في دخول إقليم دولة المقر للاشتراك في أعمال تلك المنظمات أو مؤتمراتها، كما تلتزم دولة المقر بمنحهم المزايا والحصانات المقررة لهم في هذا الخصوص. ولا يمنع من هذا عدم اعتراف دولة المقر بالدولة المرسلة أو عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما. رابعاً: تمنح المزايا والحصانات المقررة لممثلي الدول لدى المنظمات الدولية بطريقة تلقائية ودون توقف على قبول الدولة المضيفة. خامساً: لا يجوز الاستناد إلى مبدأ المعاملة بالمثل للتمييز بين ممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمات الدولية فيما يتمتعون به من مزايا وحصانات، حيث ينتفي وجود هذا المبدأ في العلاقة بين الدول المرسلة لدى المنظمات الدولية ودول المقار لهذه المنظمات. سادساً: لضمان وصيانة أمن دولة المقر في مواجهة الخروج المحتمل على قوانينها ولوائحها نتيجة الحصانات والامتيازات التي يتم ممارستها فوق إقليمها، فأنه يجب على ممثلي الدول الأعضاء لدى المنظمات الدولية احترام قوانين ولوائح دولة المقر، وكذلك عدم التدخل في شئونها الداخلية. وفي حالة الخروج على قوانين ولوائح دولة المقر أو التدخل في شئونها الداخلية من جانب بعض ممثلي الدول لدى المنظمة الدولية، فإنه يتعين على الدولة المرسلة أن تتخذ أياً أو العديد من الإجراءات التالية: غ رفع الحصانة عن الشخص المعنى. غ وضع نهاية لوظائفه في البعثة أو الوفد غ تقرير مغادرته لإقليم دولة المقر أو استدعائه. سابعاً: يجب على الدول الأعضاء التنازل عن حصانة مبعوثيها لدى المنظمات الدولية إذا كان من شأن الاحتفاظ بهذه الحصانة إعاقة سير العدالة في دولة المقر،وحينما يكون هذا التنازل ممكناً دون المساس بالغرض الذي منحت الحصانة من أجله وهو تأمين استقلالهم في ممارستهم لوظائفهم. ¨ الحصانات والامتيازات المقررة لموظفي المنظمة الدولية. يتمتع كل موظفو المنظمات الدولية - حسب الدرجة التي يشغلها الموظف في سلم الوظيفة العامة الدولية - بمجموعة من الحصانات والامتيازات والإعفاءات على أقاليم الدول الأعضاء، وهى تماثل تقريباً الحصانات والامتيازات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين طبقاً للقانون الدولي، وذلك ضماناً لاستقلال المنظمة في مواجهة الدول الأعضاء وتأميناً لاستقلال موظفيها في ممارستهم لوظائفهم. وقد جرت العادة على تكريس مبدأ تلك الحصانات و الامتيازات التي يتمتع بها موظفو المنظمات الدولية في المواثيق المنشئة لهذه المنظمات. أما تفصيل وبيان تلك الحصانات والامتيازات فتكفله -عادة - نصوص أخرى في اتفاقيات لاحقة.مثال ذلك الاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات الأمم المتحدة 13فبراير 1946، والاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة 21 نوفمبر 1947، اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية 9 أبريل 1953. وإلى جانب الاتفاقات العامة، قد ترد تفصيلات هذه الحصانات والامتيازات في اتفاقيات ثنائية بين المنظمة الدولية ودولة ما. ومن أهم صور الحصانات والامتيازات والإعفاءات المقررة لموظفي المنظمة الدولية، الحصانة القضائية الجنائية والمدنية، وحرية الإقامة والانتقال، وحرية الاتصال بالمنظمة عن طريق استخدام الشفرة والبريد الدبلوماسي والحقيبة الدبلوماسية، وذلك بالإضافة إلى بعض المزايا الأخرى مثل إعفاءهم وأفراد أسرهم من قيود الهجرة والتسجيلات الخاصة بالأجانب، وحقهم في العودة إلى أوطانهم أثناء الأزمات، ونقل أثاثهم عند مغادرة محل العمل. إلى جانب عدد من التسهيلات المالية والإعفاءات الجمركية والضريبية. ولما كانت الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها موظفو المنظمات الدولية ذات طبيعة وظيفية، بمعنى أنها ترتبط بالوظائف المعهود بها إليهم، وقد منحت لهم ليتمكنوا من خلالها من القيام بأعباء تلك الوظائف على أكمل وجه، فإن مداها يتوقف على طبيعة الوظيفة التي يشغلها هؤلاء الموظفون، الأمر الذي يعنى أنهم لا يتمتعون بها بدرجة واحدة. وعليه جرت العادة على التمييز بين فئات ثلاثة من الموظفين الدوليين: ‌أ) فئة كبار الموظفين: وهى تشمل الموظفين الذين يعملون في الدرجات القيادية Du cadre directorial، مثل الأمين العام للمنظمة، والأمناء العامين المساعدين وزوجاتهم وأولادهم القصر. وهؤلاء يتمتعون بنفس الحصانات والامتيازات والتسهيلات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين طبقا للقانون الدولي. ‌ب) فئة الموظفين الذين تقوم المنظمة بتعيينهم (الموظفون المعينون du cadre professionnel). وتتمتع هذه الفئة بالحصانات والامتيازات في الحدود اللازمة لأداء وظائفهم. ‌ج) فئة صغار الموظفين الإداريين (الكتبة – العمال – المستخدمين المؤقتين). وهؤلاء لا يتمتعون بأي من الحصانات والامتيازات. والقاعدة فيما يتعلق برفع الحصانات عن موظفي المنظمة الدولية، أن المنظمة نفسها هي التي تملك هذه السلطة في حالة مخالفة الموظف، للنظام القانوني لدولة المقر، حتى تتمكن هذه الأخيرة من مقاضاة الموظف أمام محاكمها الوطنية. ثانياً :- سلطات المنظمات الدولية تتمتع المنظمات الدولية - على وجه العموم- بعديد من السلطات أو الاختصاصات، التي تمارسها من أجل تحقيق أهدافها وغاياتها، وذلك في الحدود التي يخلعها ميثاق كل منظمة عليها سواء صراحة أو ضمنا. وتتمثل سلطات المنظمات الدولية في الزمر التالية: 1) سلطة البحث والدراسة والمناقشة وهى السلطة الأساسية أو الأولية للمنظمات الدولية، وتتمتع بها بالنسبة للمسائل التي تدخل في نطاق نشاط المنظمة فحسب. وتباشر المنظمات الدولية هذه السلطة بإحدى طرق ثلاث : ‌أ) قد تباشر المنظمة الدولية سلطة البحث والدراسة بواسطتها مباشرة، إما عن طريق خبرائها مثل الدراسات التي تقوم بها منظمة اليونسكو حول الأمية، والدراسات التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية عن الأوبئة، أو عن طريق أجهزتها. مثال ذلك ما تقرره المادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة من سلطة الجمعية العامة في القيام بدراسات بقصد إنماء التعاون الدولي في مختلف الميادين السياسية وغير السياسية. ‌ب) أو عن طريق الدعوة إلى عقد مؤتمرات دولية تحت إشراف المنظمة، لبحث موضوع من الموضوعات التي تدخل في نطاق اختصاصها. ‌ج) وقد تباشر المنظمة الدولية سلطة البحث والدراسة عن طريق الدول الأعضاء، فتقوم تلك الدول بإجراء الأبحاث والدراسات حول أحد الموضوعات - غير السياسية في غالب الأحوال - ثم تزود المنظمة بتقارير عما قامت به من دراسات. 2) سلطة إصدار القرارات من أهم السلطات التي تتمتع بها المنظمات الدولية سلطة إصدار قرارات- بمفهومها الواسع - في المسائل التي تدخل في نطاق اختصاصاتها طبقا لأحكام الوثيقة المنشئة لكل منظمة. وتصدر المنظمات الدولية - بصفة عامة - نوعين من القرارات، أولهما هي القرارات غير الملزمة، وثانيهما هي القرارات الملزمة. وأيًا كانت صورة قرار المنظمة الدولية، فإن أهميته تكمن في كونه تعبيرا عن إرادة المنظمة الدولية. ‌أ) سلطة إصدار قرارات غير ملزمة تصدر المنظمات الدولية بعض القرارات لا تتمتع بصفة الإلزام ولا ترتب آثارا قانونية مباشرة في مواجهة الأشخاص الدولية المعنية بتلك القرارات، ومن ثم لا يترتب على مخالفتها أية مسئولية قانونية دولية، وإنما مجرد مسئولية أدبية. وتأخذ هذه القرارات واحدا من الأشكال التالية: الرغبات : ويقصد بها إبداء المنظمة الدولية لوجهة نظرها حول مسألة معينة لا تدخل في نطاق اختصاصها المباشر، مستهدفة من ذلك استرعاء نظر الدول الأعضاء أو منظمة دولية أخرى بشأن تلك المسألة. الآراء : وهى تصدر عن المنظمة الدولية بصدد مسألة محددة تدخل في اختصاصها واستشيرت فيها على سبيل الاستئناس بالرأي. مثال ذلك الآراء الاستشارية التي تقدمها محكمة العدل الدولية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول مسائل قانونية تدخل في نطاق أعمال هذه المنظمات. التوصيات : تتمتع كل المنظمات الدولية بحق إصدار توصيات وهى لا تعدو أن تكون قراراً يتضمن إبداء المنظمة لرغبة أو نصيحة أو اقتراح أو دعوة في موضوع معين توجهها المنظمة الدولية إلى الدول الأعضاء أو غير الأعضاء أو إلى المنظمات الدولية الأخرى أو إلى أجهزة أخرى داخل نفس المنظمة، دون أن ينطوي ذلك القرار على معنى الإلزام. ومن أمثلة هذه التوصيات الآراء الاستشارية التي تصدر عن محكمة العدل الدولية حول المسائل القانونية. وكذلك التوصيات التي تصدر عن منظمة دولية ما متضمنة اقتراحها لحل بعض النزاعات الدولية، حتى ولو سميت التوصيات باسم القرارات. هذا وتنظيم التوصيات إلى نوعين : غ توصيات محددة، وهى التي تتقيد فيها المنظمة بين حالتين؛ فإما أن توصى أو تمتنع عن التوصية، ولا تملك المنظمة سلطة اقتراح حل ثالث. غ توصيات غير محددة، وهى التي تكون فيها سلطة المنظمة غير مقيدة بمعنى أن للمنظمة سلطة مطلقة في تقديم الاقتراحات. وتأخذ التوصيات الصادرة عن المنظمات الدولية إحدى صورتين : 9 الصورة الأولى : أن تتعلق التوصية بنوع من النشاط الفني للمنظمة الدولية المعنية. وفي هذه الحالة لا ترتب التوصية أي أثر قانوني إلا بواسطة التنفيذ الإرادي ممن هي موجهة إليه. 9 الصورة الثانية : أن تتعلق التوصية بمسألة سياسية. مثال ذلك، أن تصدر المنظمة توصية تدعو فيها دولة ما احتلت أراضى دولة أخرى أو أراضى بعض الدول الأخرى بالقوة إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها. وفيما يتعلق بالقيمة القانونية للتوصيات، فإن الرأي الراجح في الفقه هو أن هذه التوصيات لا تتمتع بأي قوة قانونية ملزمة ولا ترتب التزامات قانونية على الدول الأعضاء، كما أنه لا يترتب على مخالفتها مسئولية قانونية دولية، ولكنها تتمتع بقيمة أدبية وسياسية لا يمكن إنكارها. وهناك اتجاها جديدا في الفقه يرى أن التوصية قد تتضمن معنى الإلزام القانوني في حالات معينة. من ذلك إذا وافقت الدولة على الالتزام بها، غير أن أساس الإلزام، في هذه الحالة، هو إرادة الدولة وليس إرادة المنظمة. كما تعتبر التوصية المتكررة في موضوع معين دليل على نشوء عرف دولي ملزم إذا توافر ركناه المادي (المتمثل في اطراد السلوك وتكراره على نهج معين) والمعنوي (المتمثل في الاعتقاد بأن هذا السلوك أصبح ملزما). ‌ب) سلطة إصدار قرارت ملزمة تملك المنظمات الدولية سلطة إصدار قرارات ملزمة، تعبر بمقتضاها عن إرادتها، وترتب هذه القرارات آثارا قانونية بذاتها، كما يترتب على مخالفتها مسئولية قانونية دولية. وتصدر المنظمات الدولية قراراتها الملزمة في الصور الآتية: إبرام الاتفاقيات الدولية لما كانت المنظمات الدولية تتمتع بشخصية قانونية دولية، فقد بات أمرا مسلما به تمتعها بأهلية عقد المعاهدات الدولية مع الأشخاص القانونية الدولية الأخرى. وتنص بعض المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية صراحة على أهلية المنظمات الدولية في إبرام الاتفاقيات الدولية نظرا لأهميتها. بيد أن المواثيق المنشئة ليست دائما واضحة إزاء وضع مبدأ مباشر يقرر هذه الأهلية، والغالب أن هذه المواثيق تقتصر على الإشارة إلى الاتفاقات التي يمكن عقدها بواسطة جهاز أو آخر من أجهزة المنظمة أو لغاية معينة. وفي جميع الأحوال تكون هذه الأهلية مقيدة بكون الاتفاقيات التي تعقدها المنظمة الدولية في نطاق أهدافها ووظائفها؛ إذ من البديهي أن المنظمات الدولية لا تملك سلطة التصرف إلا في إطار اختصاصاتها طبقا لمبدأ تخصص المنظمات الدولية. والاتفاقات التي تعقدها المنظمات الدولية قد تكون مع بعض الدول، كما تكون مع منظمات دولية أخرى. ومن أمثلة الحالة الأولى، إبرام منظمة دولية اتفاقية مع الدولة التي يوجد على إقليمها مقر المنظمة، وكإبرام اتفاقية بين منظمة الأمم المتحدة - مثلا - وإحدى الدول لتنظيم وجود قوات طوارئ دولية على إقليم مثل تلك الدولة. ومن أمثلة الاتفاقات التي تعقدها المنظمات الدولية مع غيرها من المنظمات الدولية، اتفاقات الوصل التي أبرمتها منظمة الأمم المتحدة مع الوكالات المتخصصة للوصل بينها وبين هذه المنظمات الأخيرة، وتلك الاتفاقات التي أبرمتها جامعة الدول العربية مع الوكالات المتخصصة لتنسيق التعاون معها. وفي الغالب تحدد الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية الجهاز المختص بعقد الاتفاقيات الدولية سواء أكان الجهاز العام أو الجهاز التنفيذي للمنظمة. فإذا لم تبين الوثيقة المنشئة للمنظمة الجهاز المختص، فإن العمل قد جرى على أن يتولى رئيس الجهاز الإداري (الأمانة العامة) للمنظمة تمثيلها في المعاهدات التي تعقدها باسمها ولحسابها. وذلك باعتباره الجهاز المسئول عن سير العمل اليومي للمنظمة. إصدار القرارات التنفيذية تملك المنظمات الدولية إصدار قرارات بالمعنى الدقيق، أي أنها تتمتع بقوة تنفيذية وذلك في النواحي التنظيمية والإدارية والمالية للمنظمة: كتعيين الموظفين، وتعيين السكرتير العام أو الأمين العام، وإقرار الميزانية، وقبول أعضاء جدد، وتوقيع الجزاءات على الأعضاء المخالفين... الخ. وكذلك تملك إصدار هذه القرارات في مجالات الأنشطة المختلفة للمنظمة، مثل الأحكام التي تصدر من محكمة العدل الدولية، وقرارات التحكيم التي قد تصدر من إحدى المنظمات الدولية في حالة اختيارها للتحكيم في نزاع دولي معين. وكذا القرارات المتعلقة بتنفيذ برامج أو مشروعات معينة وعلى الأخص في مجال المعونة الفنية الدولية. والأصل العام أن القرارات التنفيذية الصادرة عن المنظمات الدولية لا توجه إلى أشخاص القانون الخاص، كالأفراد أو من في حكمهم مثل الشركات، وإنما توجه إلى الدول الأعضاء فيها والتي يمثلها الحكومات الرسمية في هذه الدول. ومع ذلك هناك بعض المنظمات مثل الجماعات الأوربية تتمتع بسلطة إصدار قرارات تنفيذية ملزمة ليس فحسب في مواجهة الدول الأعضاء، بل وفي مواجهة مواطني هذه الدول أيضا دون ما حاجة إلى تدخل السلطات المختصة لتلك الدول لصياغتها في قالب تشريعي داخلي. إصدار اللوائح من الثابت أن المنظمات الدولية تتمتع بسلطة إصدار اللوائح التنظيمية (الداخلية) التي تسمح لها بتنفيذ وظائفها المختلفة. ومن أهم أمثلتها اللوائح الإدارية اللازمة لحسن سير العمل في المنظمة، ونظام العاملين بها، واللوائح المالية والحسابية. وفضلا عن اللوائح الداخلية، قد تتمتع المنظمات الدولية، وخاصة تلك التي تعمل في مجالات التعاون الفني، بسلطة إصدار لوائح دولية تحتوى على قواعد ذات صبغة عامة ملزمة،تسرى بمجرد إعلانها للدول الأعضاء دون اشتراط قبولهم لها. مثال ذلك اللوائح التي تصدرها منظمة الطيران المدني الدولية، أو منظمة الصحة العالمية، أو الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية. كما تملك المنظمات التي تعلو فوق إرادات إصدار هذه اللوائح. مثال ذلك الجماعات الأوربية التي تعترف لأجهزتها بسلطة إصدار اللوائح التشريعية التي تسرى مباشرة داخل أقاليم الدول الأعضاء دون ما حاجة إلى اتخاذ إجراءات تشريعية داخلية من جانب هذه الدول. 3) سلطة الرقابة تمارس بعض المنظمات الدولية سلطة الرقابة على سلوك الدول الأعضاء، بغية التأكد من احترامهم لأعمالها القانونية وتنفيذهم للالتزامات الناشئة عنها. وتتحقق هذه الرقابة بوسائل متعددة أهمها، إحاطة المنظمة علما بسلوك الدول الأعضاء، ويتم ذلك عن طريق التزام الدول الأعضاء بتقديم تقارير دورية عن مدى تنفيذها للأعمال القانونية الصادرة عن تلك المنظمات (المعاهدات - القرارات - التوصيات)، ويقوم بفحص هذه التقارير لجان خاصة من الخبراء، تعد قراراتها بالملاحظات عن مخالفات الدول لالتزاماتها.
  8. المحاضرة الثانية نتكلم في هذه المحاضرة بالشرح عن ثلاثة موضوعات : أولاً :- نظام العضوية في المنظمة الدولية الحق في عضوية المنظمات الدولية: لقانون المعاهدات المنظمات الدولية بأنها منظمات بين الحكومات intergouvernementales وهى بذلك الوصف تعبر عن الاتجاه التقليدي الذي يرى أن التمثيل représentation في المنظمات الدولية مقصور – فحسب - على الدول التي تعبر عن إرادتها بواسطة المندوبين الذين تعينهم حكوماتهم المعنية. وعليه فإن العضوية في المنظمات الدولية تكون – من حيث المبدأ – قاصرة على الدول، فهي التي تعتمد المواثيق المنشئة لتلك المنظمات كما أن هذه الأخيرة نشأت لتباشر سلطاتها واختصاصاتها وأنشطتها داخل مجتمع دول. بيد أنه لا يوجد ما يمنع المنظمات الدولية أن تفتح باب العضوية فيها إلى وحدات أخرى لا تشكل دولا. مثال ذلك الأقاليم التي لا تتمتع بالاستقلال أو السلطات السياسية الممثلة مؤقتا لبعض الأقاليم. كما يمكن أيضا أن تقبل المنظمة في عضويتها منظمة أخرى. صور العضوية في المنظمات الدولية. يمكن تصنيف العضوية في المنظمات الدولية إلى ثلاثة أصناف : عضوية كاملة وعضوية بالانتساب وعضوية جزئية. 1) العضوية الكاملة تكون العضوية كاملة إذا ما اكتسبت الدولة العضو كافة الحقوق والمزايا وتحملت بكافة الالتزامات التي تقررها نصوص الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية. وللعضوية الكاملة صورتين: ‌أ) العضوية الأصلية. وهى تثبت للدول المؤسسة للمنظمة والتي شاركت في المؤتمر الذي ناقش وأقر ميثاقها المنشئ ووقعت وصدقت عليه . ‌ب) العضوية بالانضمام. وهى تثبت للدول التي يتم قبولها بعد نشأة المنظمة وقيامها بأنشطتها؛ لذا يطلق عليها العضوية اللاحقة subsequent membership. ومما يلاحظ أن غالبية المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية لا تفرق بين الأعضاء الأصليين والمنضمين فكليهما سواء من حيث حقوق العضوية والتزاماتها. 2) العضوية بالانتساب قد لا تستطيع بعض الدول أو الوحدات الإقليمية الحصول على العضوية الكاملة في منظمة دولية ومن ثم لا يمكنها أن تساهم في نشاط تلك المنظمة؛ لذا فإن من المنظمات الدولية ما تقرر مواثيقها الأخذ بنظام العضوية بالانتساب بهدف تمكين تلك الدول أو الوحدات الإقليمية الأخرى من التعاون في نشاط المنظمة وجنى الفوائد الناتجة عن ذلك النشاط. ‌أ) انتساب الدول تقرر بعض المواثيق المنشئة لمنظمات دولية منح العضوية بالانتساب إلى دول لم تتمكن من الحصول على العضوية الكاملة. والانتساب إلى عضوية منظمة دولية هو نظام وسط بين صفة العضوية والغير، بمعنى أن الدولة المنتسبة إلى عضوية منظمة دولية لا تكون عضوا كاملا في المنظمة كما لا تكون أيضا من غير الأعضاء. إذ تتمتع بحقوق والتزامات منتقصة réduits، فلا تتحمل ذات التزامات الدول الكاملة العضوية، ولا يكون لها كافة حقوقها لا سيما الحق في التصويت. ‌ب) انتساب الأقاليم إن مركز العضوية بالانتساب في منظمة دولية يمكن أيضا منحه لكل إقليم أو مجموعة من الأقاليم لا تباشر مسئولية علاقاتها الدولية، وذلك يتم بناء على طلب من الدولة العضو في المنظمة أو السلطة التي تتولى مسئولية تلك العلاقات الدولية. 3) العضوية الجزئية تكون العضوية جزئية إذا ما اقتصرت عضوية الدولة على بعض الأجهزة في المنظمة دون البعض الآخر. فقد تحول بعض الاعتبارات السياسية دون دخول دولة من الدول في عضوية المنظمة. مثال ذلك ما ينص عليه دستور جامعة الدول العربية من جواز أن تكون الأقطار العربية غير المستقلة عضوا في اللجان الفنية إجراءات قبول عضوية الدول في المنظمات الدولية. تجدر الإشارة في البداية أن مسألة القبول في منظمة دولية لا تثور بالنسبة لطائفة من الدول، وهى الدول المؤسسة للمنظمة les ةtats fondateurs التي تكتسب عضوية أصلية من خلال مشاركتها في وضع ميثاق المنظمة وتوقيعها عليه ثم التصديق وفقا للإجراءات المقررة في نظامها الدستوري. معنى ذلك أن الدول المكتسبة لعضوية أصلية في المنظمة لا تخضع لأي إجراء للقبول. ولما كانت الدولة تتمتع بالسيادة فلا يمكن أبدا أن تجبر على الاشتراك في منظمة دولية فهي الحكم الوحيد في تقدير ما إذا كانت ستطلب الدخول في المنظمة أم لا. ومن المسلم به أن إجراءات قبول أعضاء جدد تختلف حسب نوع المنظمة. ونادرا ما يعد مجرد قبول الوثيقة المنشئة للمنظمة من جانب الدولة طالبة العضوية شرطا كافيا للقبول. فالغالب أن هذه الوثيقة تضع شروطا موضوعية de fond وأخرى إجرائية procedurales يتعين على الدولة أن تراعيها لقبولها عضوا في المنظمة. الشروط الموضوعية. قد يرد النص عليها في الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية التي تحدد أوصاف المرشح، أو قد يترك أمر تحديدها للأجهزة الرئيسية في المنظمة – عند سكوت النصوص – المكلفة بتقدير مدى ملائمة قبول هذا المرشح من عدمه. وهذه الشروط قد تكون جغرافية اقتصادية. مثال ذلك ما تنص عليه المادة 7من دستور منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (الأوبك) التي بمقتضاها لا تقبل المنظمة دولا جديدة إلا إذا توافرت فيها ثلاثة شروط: 1- أن تكون عربية 2- مصدرة للبترول 3- أن يمثل البترول بالنسبة لها مصدرا هاما للدخل القومي. وأحيانا تكون جغرافية سياسية. مثال ذلك المادة 3 من دستور مجلس أوربا التي بمقتضاها لا تقبل في عضوية المجلس سوى الدول الأوربية وبخاصة الدول التي تأخذ نفسها بمبادئ الديمقراطية البرلمانية التعددية وتحترم دولة القانون. وفي بعض الأحيان تكون هذه الشروط سياسية – وظيفية politico-fonctionnelles مثال ذلك المادة 4/1 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تقرر أن العضوية في الأمم المتحدة "مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات راغبة فيه". وفي ضوء هذا النص نتساءل هل تكون الدول بالغة الصغر les micro – ةtats – إذا أخذنا في الاعتبار ضيق مساحتها وقلة عدد سكانها وضعفها الاقتصادي – قادرة على تنفيذ الالتزامات التي يرتبها ميثاق الأمم المتحدة على عاتقها، وبصفة خاصة أن توفي بمساهمتها المالية؟ للإجابة على هذا التساؤل نسلم في البداية بأن الشروط المقررة في المادة 4/1 من الميثاق قد وردت على سبيل الحصر، وهى ضرورية وكافية إذا ما توافرت في وحدة جديدة لقبولها عضوا في المنظمة دون ما حاجة إلى تطلب شروط أخرى إضافية. علاوة على مبدأ المساواة في السيادة الذي لا يميز بين دولة وأخرى على أساس وزنها السياسي أو الاقتصادي. الشروط الإجرائية. إذا كانت الشروط الموضوعية – في حالة عدم النص عليها – قد يترك أمر تحديدها للأجهزة الرئيسية في المنظمة، فإن الشروط الإجرائية دائما يرد النص عليها في الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية . وغالبا ما تمثل هذه الشروط العقبة الحقيقية للقبول. والواقع أن المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية تختلف فيما بينها فيما يتعلق بإجراءات قبول الأعضاء الجدد. فثمة منظمات تتشدد في هذه الإجراءات – وهى المنظمات الإقليمية أو محدودة العضوية – وتجعل انضمام دولة جديدة إلى عضوية المنظمة أمرا متوقفا على قرار جماعي من جانب الدول الأعضاء. مثال ذلك (المادة 10 من معاهدة واشنطن لعام 1949 المنشئة لمنظمة حلف شمال الأطلنطي، المادة 4 من النظام الأساسي لمجلس أوروبا. أما المنظمات الدولية ذات الاتجاه العالمي فهي تميل إلى التيسير في إجراءات قبول الأعضاء الجدد، فلا تشترط سوى إبداء الرغبة من جانب الدولة طالبة الانضمام وموافقة الجهاز المختص الذي يصدر قراره بالأغلبية (العادية أو الموصوفة). ومن الأمثلة التي تساق في هذا الصدد المادة 4/2 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تقضى بأن قبول أية دولة في عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن. ويصدر قرار الجمعية العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت ، مسبوقا بتوصية من مجلس الأمن بقبول الدولة طالبة الانضمام إلى عضوية المنظمة. وبالنسبة للوكالات المتخصصة المرتبطة بمنظمة الأمم المتحدة فإن إجراء القبول يختلف حسب ما إذا كانت الدولة المرشحة عضوا في منظمة الأمم المتحدة أم لا، فإذا كانت عضوا في منظمة الأمم المتحدة، فإنها تكتسب العضوية في الوكالة المتخصصة بطريقة تلقائية automatique بمجرد إبداء رغبتها في الانضمام. أما إذا لم تكن الدولة المرشحة عضوا في منظمة الأمم المتحدة فلا يكفي مجرد إبداء رغبتها في الانضمام، وإنما لابد من صدور قرار من الجمعية العامة للوكالة المتخصصة بأغلبية موصوفة . ثانياً :- أجهزة المنظمة الدولية لما كانت المنظمة الدولية – بوصفها شخصا اعتباريا من أشخاص القانون الدولي العام – تتمتع بإرادة ذاتية متميزة ومستقلة عن إرادة الدول الأعضاء، فقد كان من المتعين أن توجد أجهزة تعبر من خلالها المنظمة الدولية عن تلك الإرادة، وتباشر بواسطتها الاختصاصات والوظائف المعهود بها إليها. كما لا يتسنى للدول الأعضاء أن تساهم في إنجاز اختصاصات ووظائف المنظمة إلا من خلال تلك الأجهزة. ومن ثم يمكن القول أنه لا يتصور قيام أو استمرار أية منظمة دولية إلا بوجود أجهزة تستطيع المنظمة من خلالها التعبير عن إرادتها ومباشرة أعمالها وتنفيذ أهدافها. الأجهزة الرئيسية يمكن القول أن أية منظمة دولية لا يمكن أن تحقق أهدافها وتباشر اختصاصاتها التي أنشئت من أجلها إلا من خلال ثلاثة أجهزة رئيسية وهى: الجهاز العام، والجهاز التنفيذي، والجهاز الإداري. غير أن الحاجة قد تدعو إلى إنشاء أجهزة رئيسية أخرى، إذا كانت طبيعة الوظائف المعهود بها للمنظمة تقتضى ذلك. 1) الجهاز العام لا تخلو أية منظمة دولية من جهاز عام يتجسد فيه مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء؛ بحيث يكون لكل دولة صوت واحد متساو مع صوت كل دولة أخرى عضو في المنظمة، وجهاز آخر أكثر خصوصية تحظى فيه الدول الكبرى بوضع متميز. وتطبيقا لذلك تحتوى منظمة الأمم المتحدة على جهاز عام ، يضم كل الدول الأعضاء، ولكل دولة صوت واحد، وهو الجمعية العامة. وقد يسمى الجهاز العام للمنظمة الدولية "الجمعية العامة" كما هو الشأن في منظمة الأمم المتحدة أو "الجمعية" كما هو الحال في منظمة الطيران المدني الدولية ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك قد يسمى "المؤتمر العام" كما هو الشأن في منظمة العمل الدولية أو "المؤتمر" كما هو الحال في اتحاد البريد العالمي والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية ومنظمة الأرصاد الجوية. ويختص الجهاز العام، كمبدأ عام، بمناقشة أية مسألة تدخل في دائرة اختصاص المنظمة أو تتصل بسير نشاطها. مثال ذلك ما تنص عليه المادة العاشرة من ميثاق الأمم المتحدة من أن " للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق …" كما يشرف الجهاز العام، من حيث المبدأ، على باقي أجهزة المنظمة الدولية، وفي هذا الشأن يقرر ميثاق الأمم المتحدة، أن الجمعية العامة تتلقى تقارير سنوية وخاصة من مجلس الأمن عما يكون قد قام به من تدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين، وتقارير أخرى من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية بخصوص أعمالها، في حين لا يلزم الميثاق الجمعية العامة بتقديم تقارير عن نشاطها إلى أي من الأجهزة الرئيسية الأخرى. هذا وينعقد الجهاز العام للمنظمة من خلال دورات انعقاد قد تكون عادية ، بمعنى أن مواعيدها محددة سلفا، أو غير عادية – استثنائية – وهى التي يترك تحديد موعد انعقادها للظروف الاستثنائية أو الطارئة التي قد تحدث في غير أوقات الدورات العادية. والقاعدة أن دورات انعقاد الجهاز العام تتم في مقر المنظمة الدولية، ولا يوجد ما يمنع من انعقادها في أماكن أخرى، مثلما حدث عندما جرى عقد الجمعية العامة في لندن وباريس في الأعوام الأولى التي تلت إنشاء منظمة الأمم المتحدة. 2) الجهاز التنفيذي. إذا كان الجهاز العام يضم كل الدول الأعضاء في المنظمة، فإن الجهاز التنفيذي هو جهاز محدود العضوية يجرى تمثيل الدول الأعضاء فيه على نحو محدود، وذلك حتى يتسنى له سرعة اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف المنظمة. ويسمى غالبا "المجلس"، ويتمتع بصلاحيات تمكنه من مواجهة الأمور الملحة التي تقع في اختصاص المنظمة. كمجلس الأمن- مثلا – في نطاق الأمم المتحدة. فيما يتعلق بتعيين أعضاء الجهاز التنفيذي، جرى العمل على ضرورة مراعاة ضوابط ومعايير معينة يجب أخذها في الاعتبار عند تشكيل هذا الجهاز، نذكر منها مدى قدرة الدولة على الإسهام في نشاط هذا الجهاز، كما يراعى أيضا مبدأ التوزيع الجغرافي العادل؛ بحيث يكفل تمثيل الأقاليم المختلفة تمثيلا عادلا، وقد تم الجمع بين المعيارين كما هو الحال بالنسبة لمجلس الأمن. ومما يلاحظ أن التمثيل في الجهاز التنفيذي للمنظمة مقصور على الدول الأعضاء، أما الدول غير الأعضاء فلا يجوز لها أن ترسل وفودا تمثلها لدى هذا الجهاز إلا بوصفهم مراقبين observers دون أن يكون لهم الحق في التصويت على قراراته وتوصياته. هذا ويتولى الجهاز التنفيذي اختصاصات محدودة إذا ما قورنت باختصاصات الجهاز العام، وهو أمر يقتضيه طبيعة تشكيل هذا الجهاز. وإذا كان الجهاز العام للمنظمة لا يعمل إلا من خلال دورة أو دورات انعقاد عادية أو استثنائية، فإن الجهاز التنفيذي يقوم بعمله على سبيل الاستمرار، وفي هذا ما يجعله أهم أجهزة المنظمة الدولية، كما هو الشأن بالنسبة لمجلس الأمن في نطاق منظمة الأمم المتحدة. 3) الجهاز الإداري. لما كان الجهاز العام في أية منظمة دولية لا يمكنه الانعقاد بصفة مستديمة على مدار العام، ولما كانت المنظمة الدولية تتمتع بصفة الدوام والاستمرار، فقد تعين لتحقيق هذا الدوام أن يوجد بجانب الجهاز العام جهاز آخر يمكن أن يستمر في حالة انعقاد دائم على مدار العام، وعليه يوجد في كل منظمة دولية جهاز إداري دائم برئاسة موظف إداري أعلى للمنظمة يعاونه عدد من الموظفين الدوليين. وقد يسمى الجهاز الإداري للمنظمة الدولية" الأمانة العامة" كما هو الشأن في منظمة الأمم المتحدة، وقد يسمى "الإدارة العامة" كما هو الحال في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومنظمة اليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية. ويتولى الجهاز الإداري – بصفة عامة – الاختصاصات التالية: 1)[size=9] [/size]إجراء الاتصالات الإدارية سواء مع أجهزة المنظمة الأخرى أو مع الجهات، والهيئات الخارجية. 2)[size=9] [/size]الترتيب لانعقاد دورات وجلسات الأجهزة الرئيسية الأخرى. مثل إعداد التقارير ووثائق العمل وتحضير جداول الأعمال وتوزيعها. 3) متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن الأجهزة الرئيسية الأخرى، فضلا عن استشارة الأمين العام ورؤساء الأقسام في بعض المسائل الفنية التي تدخل في اختصاصهم. الأجهزة الثانوية لما كانت الغاية من وراء وجود أجهزة رئيسية للمنظمة هي التعبير عن إرادة المنظمة وتحقيق مبادئها وإنجاز أهدافها التي أنشئت من أجلها ؛ لذا فإن الأصل أن يكون للأجهزة الرئيسية أهلية أو صلاحية إنشاء ما ترى ضرورته من الأجهزة الفرعية كلما كان ذلك يساعدها على تحقيق أهداف المنظمة. وتطبيقا لذلك يقضى ميثاق منظمة الأمم المتحدة بأحقية الجمعية العامة، ومجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في إنشاء الفروع الثانوية الضرورية لقيام هذه الأجهزة الرئيسية بوظائفها. ولعل السبب الرئيسي في وجود أجهزة ثانوية للمنظمة هو النزول على اعتبارات التخصص وتقسيم العمل، وضمان فاعلية نشاط المنظمة. وإذا كانت الأجهزة الرئيسية تحددها الوثيقة المنشئة للمنظمة؛ بحيث لا يتصور إنشاء أجهزة رئيسية أخرى إلا بتعديل نصوص هذه الوثيقة، فإن من حق الأجهزة الرئيسة أن تنشئ أجهزة فرعية لم يرد لها مسمى في الوثيقة المنشئة. كما لها الحق في إنشاء هذه الأجهزة حتى إذا لم يرد نص بهذا الشأن في الوثيقة المنشئة، وذلك بمقتضى الاختصاصات الضمنية التي تتمتع بها المنظمة الدولية. وتتمتع هذه الأجهزة بسلطات يمكن تقسيمها إلى أنواع ثلاثة: 1)[size=9] [/size]أجهزة ثانوية للبحث والدراسة ، اللجان القانونية ولجان الخبراء. 2)[size=9] [/size]أجهزة ثانوية لحل المنازعات الدولية، لجان التحقيق، والوساطة، والتحكيم. 3)[size=9] [/size]أجهزة ثانوية تملك سلطة إدارة المشروعات، تباشر نشاطها في نطاق المعونات الفنية التي تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة. أحكام التصويت داخل أجهزة المنظمة الدولية. كان التصويت في بداية عهد المنظمات الدولية يقوم على قاعدتين أساسيتين: 1) قاعدة الإجماع وفقا لهذه القاعدة لا تصدر قرارات المنظمة الدولية إلا بإجماع كل الدول الأعضاء، ولا يجوز الخروج عليها إلا بالنسبة لأقل المسائل أهمية كاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره. ويرجع الأخذ بقاعدة الإجماع إلى إفراط الدول في التمسك الشديد بأهداب فكرة السيادة؛ بحيث يكون لكل دولة عضو حق في الاعتراض يحول دون صدور القرار من المنظمة. ولما كانت التجربة قد أثبتت أن عجز المنظمة الدولية عن تحقيق أهدافها بل وفشلها يرجع – بصفة أساسية – إلى إعمال هذه القاعدة – أحد أهم أسباب فشل عصبة الأمم – فقد اتجه التطور نحو التحرر منها تدريجيا. وهكذا بدأ التحول عن قاعدة الإجماع في التصويت إلى قاعدة الأغلبية سواء أكانت بسيطة أو موصوفة. ولم يعد من المنظمات الدولية من يشترط الإجماع سوى قلة نادرة. مثل جامعة الدول العربية، ومجلس أوربا (فيما يتعلق باللجنة). والجدير بالذكر أنه إذا كان نظام التصويت وفقا لقاعدة الأغلبية يساعد على اتخاذ القرار، فإنه يتم على حساب الأقلية. ولذلك لا يسرى هذا النظام إلا إذا كانت الدول الأعضاء في المنظمة الدولية تقبل أن تخضع إرادتها لإرادة الأغلبية. 2) قاعدة تساوى الأصوات يقصد بهذه القاعدة المساواة بين الدول الأعضاء في المنظمة فيما يتعلق بعدد الأصوات الممنوحة لها؛ بحيث يكون لكل دولة صوت واحد، تستوي في ذلك أكبر الدول وأقواها مع أصغرها وأقلها شأناً. ومن ناحية أخرى ، إذا كانت مقتضيات مبدأ المساواة في السيادة بين الدول تستلزم الاعتراف لكافة الدول الأعضاء في المنظمة بأوضاع قانونية متساوية، فيكون لكل دولة صوت واحد، فإن الاعتبارات العملية ومتطلبات فاعلية نشاط المنظمات الدولية تستلزم بدورها ضرورة التمييز بين الدول الأعضاء؛ بحيث تمنح كل دولة عدداً من الأصوات يتناسب مع الوزن الحقيقي والأهمية الفعلية لكل دولة عضو، وهذا ما يعرف بنظام وزن الأصوات. وعلى الرغم من منطقية هذا النظام، وضرورة التمييز بين الدول في التصويت بالنظر إلى الأهمية النسبية لكل منها، فإن تطبيقه يثير، من الناحية الفعلية، العديد من الصعوبات قوامها وفق أي معيار يمكن تحديد الأهمية النسبية لكل دولة عضو. ولعل هذا السبب ما يفسر عدم الأخذ بنظام وزن الأصوات إلا في المنظمات الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو المالي؛ حيث يسهل تحديد الأهمية النسبية لكل دولة بالنظر إلى ما تنتجه من سلعة معينة أو بالنظر إلى حقها في رأس مال المنظمة نفسها. ثالثاً :- الشخصية القانونية للمنظمة الدولية يقصد بالشخصية القانونية للمنظمة الدولية قدرة المنظمة على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعاوى أمام القضاء. والقاعدة في الفقه والقانون الدولي التقليدي أن الشخصية القانونية بهذا المفهوم لا تثبت إلا للدول. فالدول وحدها هي أشخاص القانون الدولي المخاطبة بأحكامه، والتي يكون لها أهلية اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية واللجوء إلى القضاء. ولما كانت المنظمات الدولية ، مع تطور العلاقات الدولية وتشعبها، أصبحت تؤدى دورا هاما ورئيسيا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتباشر العديد من التصرفات القانونية التي تقوم بها الدول – لتحقيق مقاصدها التي نشأت من أجلها- كإبرام المعاهدات ، والتقدم بمطالبات دولية، والدخول في علاقات مع العديد من الدول والمنظمات الدولية الأخرى، فضلا عن مساهمتها في خلق وإنشاء قواعد قانونية دولية جديدة، وجميعها مظاهر للتمتع بشخصية القانون الدولي على صعيد العلاقات الدولية، فإنه يلزم البحث في إمكانية الاعتراف بوجود شخص قانوني آخر للقانون الدولي – بالإضافة للدول – وهو المنظمة الدولية والتسليم لها بوصف الشخصية القانونية. تتمتع كل منظمة دولية، منذ لحظة ميلادها، بشخصية قانونية دولية. فكما رأينا أن هذه الشخصية أو الإرادة الذاتية volonté propre للمنظمة تعتبر أحد العناصر اللازمة لوجودها. وغالبا ما يعترف بها صراحة في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية أو في وثائق ملحقة. وإذا خلت المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية من نصوص صريحة تضفي عليها الشخصية القانونية، فليس معنى ذلك أنها لا تتمتع بها؛ حيث يمكن أن تستخلص هذه الشخصية من تفسير النصوص وما تخوله – ضمنا – هذه النصوص للمنظمة الدولية من اختصاصات تقتضى تمتعها بشخصية قانونية. إن التمتع بالشخصية القانونية من الخصائص الرئيسية لكل منظمة اجتماعية institution sociale والتي تجد مصدرها في الوثيقة المنشئة في جملتها، دون حاجة إلى نص يقررها صراحة. والمنظمات الدولية كالأشخاص الاعتبارية تتمتع بحد أدنى من الشخصية بغرض تمكينها من أداء وظائفها ، وبالقدر اللازم لذلك فقط. ولذلك فهي توصف بالشخصية الوظيفية fonctionnalité التي تستمد من إرادة الدول، وبصفة أكثر تحديدا من الأهداف المنوط بها كل منظمة. وما خلصنا إليه من تمتع المنظمة الدولية بشخصية قانونية أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الشهير الصادر في 11 أبريل 1949، في قضية التعويض عن الأضرار التي تصيب موظفي الأمم المتحدة؛ إذ ترى المحكمة أن منظمة الأمم المتحدة لا يمكن أن تمارس نشاطها وتحقق أهدافها إلا إذا تمتعت بقدر كبير من الشخصية القانونية وبأهلية التصرف على المستوى الدولي. وهى لا تستطيع أن تلبى رغبات مؤسسيها إذا كانت مجردة من الشخصية الدولية. ولما كانت الأهداف المنوط بها المنظمات الدولية والتي تسعى إلى تحقيقها تجعلها تؤدى دورا فعالا في الحياة الدولية ، كما تلزمها بإقامة علاقات قانونية سواء مع أشخاص أخرى للقانون الدولي (دول أو منظمات) أو مع رعايا الدول، فإن الأمر يقتضى أن تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية في كل من النظام القانوني الدولي والنظم القانونية الوطنية وذلك لضمان ممارسة حقوقها واحترام القانون الدولي. الشخصية القانونية الداخلية للمنظمات الدولية إذا كان الثابت في النظم القانونية الداخلية أن الأشخاص الاعتبارية تتمتع داخل الدولة التي توجد على إقليمها بشخصية قانونية داخلية interne فيكون لها حق التعاقد، والحق في اكتساب وبيع الأموال المنقولة والعقارية، وكذا الحق في رفع الدعاوى، فإنه من الضروري أيضا التسليم للمنظمات الدولية بشخصية قانونية داخلية لاسيما وهى لا تملك – شأن الأشخاص الاعتبارية – إقليم خاص بها ولا تستطيع أن تمارس وظائفها إلا على إقليم الدول. فيكون لها أن تبرم اتفاقا بمقتضاه تنشئ مقرا لها على إقليم دولة عضو وهى ما تسمى بدولة المقر ةtat de siége، وتكون لها أهلية التعاقد مع الأفراد بالنسبة للأعمال القانونية المتعلقة بالحياة العادية، وكذلك تتعاقد مع الأشخاص الطبيعية والاعتبارية لتأمين أداء خدماتها، ومع منظمات أخرى أو مع حكومات أو إدارات وطنية من أجل عمليات المساعدة الفنية التي تقدمها المنظمة، وبصفة خاصة تتمتع بأهلية اكتساب وبيع الأموال المنقولة والعقارية وبأهلية المثول أمام القضاء. وإذا كانت جميع هذه الحقوق والصلاحيات تمارسها المنظمات الدولية في أقاليم الدول الأعضاء دون معارضة أو منازعة منها، فإن هذا يعنى التسليم والاعتراف للمنظمات الدولية بشخصية قانونية داخلية. وتطبيقا لذلك جرت العادة على تضمين المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية نصوصا تضفي عليها الشخصية القانونية الداخلية. هذا وتلتزم الدول الأعضاء في المنظمات الدولية بسن القوانين وإصدار اللوائح التي تكفل تيسير ممارسة المنظمات الدولية لشخصيتها القانونية الداخلية في أقاليمها. الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية مضت الإشارة – للتو – أن الدول قد اعترفت وأقرت وسلمت للمنظمات الدولية بشخصية قانونية داخلية، بل كفلت فيما تصدره من قوانين ولوائح تمتع المنظمات بهذه الشخصية الداخلية في أقاليمها؛ إذ ترى أنها تستهدف تمكين المنظمة من ممارسة نشاطها على النحو الذي استهدفته هى من وراء إنشائها. هذا المفهوم الذي أقرته الدول بصدد الشخصية الداخلية لا يلاحظ بنفس الدرجة من جانبها بشأن الشخصية الدولية للمنظمات. إذ ترى الدول أن الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية الدولية يمنحها استقلالا في مواجهتها، الأمر الذي يبدو لها بالغ الخطورة. لأن هذا الاستقلال يعنى أن الصلاحيات القانونية التي تمارسها المنظمات تستند – فحسب – على القانون الدولي. وفوق كل ما قيل ترى الدول أن القول بتمتع المنظمة الدولية بالشخصية الدولية ينبئ بتحول المنظمة إلى حكومة عالمية تنتظم تحت رايتها دول المجتمع الدولي، وفي ذلك مساس بسيادتها واستقلالها الأمر الذي تخشاه حقا. إن هذه النتائج – المذكورة عالية – التي تخشاها الدول من تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية جعلتها تتردد كثيرا في تضمين المواثيق المنشئة للمنظمات نصوصا صريحة تضفي عليها هذه الشخصية . وكان من البديهي أن يخامر الشك أذهان بعض المفكرين أسوة بالدول، ويختلفوا حول مسألة مدى تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. ويمكن تلخيص الآراء الفقهية التي عرضت بشأن هذه المسألة في
  9. المحاضرة الأولى نتناول في هذه المحاضرة بالشرح ثلاثة موضوعات : × أولا : تعريف المنظمة الدولية وعناصرها يمكن تعريف المنظمة الدولية- بوجه عام – بأنها، هيئة دائمة تنشأ بموجب اتفاق مجموعة من الدول، بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة يحددها الميثاق المنشئ للمنظمة، وتتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية مستقلة عن دولها الأعضاء. ويتضح من هذا التعريف أنه يلزم توافر أربعة عناصر لوجود أية منظمة دولية. العنصر الأول – الدوام أو الاستمرار لا يقصد – بداهة – بديمومة المنظمة واستمراريتها أن تظل المنظمة قائمة أبد الدهر، كما لا يقصد بدوام المنظمة ضرورة قيام أجهزتها بالعمل على نحو لا يعتوره انقطاع، إنما المقصود هنا بالديمومة والاستمرار هو استقلال المنظمة في وجودها، وفي ممارستها لنشاطها عن الدول المكونة لها، ما دام ميثاقها المنشئ نافذا. وهذا ما يميز المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي، فهذا الأخير ينعقد لإنجاز غرض معين وينفض عند الفراغ من مهمته، فهو يتسم بالعرضية والتوقيت وإن كان هو الأصل التاريخي للمنظمة الدولية، وتبعا فإن هذه الأخيرة هي الصورة المتطورة للمؤتمر الدولي. والمعيار الذي تثبت به للمنظمة الدولية صفة الدوام هو اضطلاعها برسالتها التي أنشئت لأجلها على نحو مستمر. وهذا لا يقتضى بالضرورة انصراف كافة أجهزة المنظمة إلى العمل في وقت واحد، لأن نشاط بعضها هو في الحقيقة نشاط المنظمة ككل ممثلة في هذا الجهاز أو ذاك من أجهزتها. المهم أن تمارس المنظمة ككل اختصاصاتها بصفة مستمرة، ولا يشترط أن يكون نشاط المنظمة مستمرا بالمعنى الحرفي لكلمة الاستمرار؛ إذ تثبت صفة الديمومة للمنظمة الدولية بممارستها لنشاطها في أي وقت تراه مناسبا لتحقيق رسالتها، وبالتالي فليس هناك ما يمنع المنظمة أن تستبدل بأحد أجهزتها جهازا جديدا أو أن توقف لسبب أو لآخر جهازا أو أكثر من أجهزتها عن العمل لفترة مؤقتة. ومن نافلة البيان أن استمرارية المنظمة الدولية وديمومتها لا تحول دون إمكانية زوالها بعد زمن قد يطول أو يقصر، فإذا ما طرأت ظروف تستدعى إنهاء المنظمة الدولية تثور حينئذ المشاكل المتعلقة بالتوارث بين المنظمات الدولية. ولا يقدح في ثبوت صفة الدوام للمنظمة الدولية كونها نشأت لمدة معينة، كما هو الشأن – على سبيل المثال – بالنسبة للجماعة الأوربية للفحم والصلب التي أنشئت لمدة خمسين عاما، أو كونها لم تدم أكثر من عام واحد أو بضعة شهور، ذلك لأن معيار ثبوت هذه الصفة للمنظمة هو اتجاه إرادة منشئيها؛ إذ هي بحسب هذه الإرادة تولد لتبقى ولتكون مجتمعا دوليا يحيا حياة دائمة. وصفة الدوام أو الاستمرار التي تتميز بها المنظمة الدولية قد ينص عليها صراحة في الميثاق المنشئ للمنظمة، مثال ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من ميثاق منظمة العمل الدولية وفي مواثيق أخرى تستفاد هذه الصفة ضمنيا أو تستنتج من القواعد التي تنظم عمل بعض الأجهزة، مثال ذلك ما نصت عليه المادة 28/1 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة العنصر الثاني- الصفة الاتفاقية إذا كانت الدولة لا تحتاج إلى اتفاق دولي لينشئها؛ إذ توجد بمجرد تحقق الأركان الأساسية لقيامها وهي: الإقليم، والشعب، وسلطة ذات سيادة؛ فإنه لابد لوجود المنظمة الدولية وظهورها إلى حيز النور من اتفاق دولي ينشئها. ويحدد نظامها القانوني مبينا أهدافها واختصاصاتها والأجهزة المختلفة المنوط بها تحقيق هذه الأهداف والقواعد التي تحكم سير العمل بها. وفي الغالب من الأحوال يتم هذا الاتفاق المنشئ للمنظمة الدولية في صورة معاهدة دولية جماعية، تخضع للقواعد العامة لقانون المعاهدات المقننة في اتفاقية فيينا لعام 1969 (المواد من 6 إلى 25)، سواء أطلق عليها واضعوها ميثاقا charte أو دستورا constitution أو صكا pacte أو نظاما أساسيا statut. وعليه لا تشارك الدولة في منظمة دولية إلا إذا عبرت عن رغبتها في ذلك عن طريق التصديق أو الإقرار أو الانضمام إلى الميثاق المنشئ للمنظمة أو بمجرد التوقيع عليه. ويرى بعض الكتاب أن المنظمة الدولية يمكن أن تنشأ – استثناءً – بموجب قرار يعتمده مؤتمر دولي من ذلك: المكتب الهيدروغرافي الدولي، اللجنة الحكومية المؤقتة لحركات الهجرة في أوربا. والحقيقة أن هذه القرارات تعد اتفاقات دولية غير شكلية informels، وهي طائفة من الاتفاقات أقرتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (المادة 3). وكذلك لا نقر القول بأن المنظمات الدولية يمكنها أن تنشئ منظمات أخرى، مثال ذلك مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (C.N.U.C.E.D) ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (O. N.U.D.I.)؛ إذ الحقيقة أن هذين المثالين ليسا منظمتين دوليتين بالمعنى الدقيق للمصطلح ، وإنما هما جهازان ثانويان نشأ بمقتضى قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ويتبعان هذه الأخيرة (المنظمة الأم). ومما يؤكد ذلك أن تحول منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية إلى منظمة متخصصة institution spécialisée قد تم بمقتضى معاهدة متعددة الأطراف عام 1979. والمعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية إما أن تكون معاهدة جديدة أو مستحدثة indédit أو معاهدة معدلة لمعاهدة سابقة والتي تقضى بتغيير الشخصية القانونية للمنظمة السابقة. وكون المنظمة الدولية وليدة الاتفاق الحر للدول الأعضاء فيها يجعل من المنظمة الدولية رابطة بين الدول وليست تنظيما فوق هذه الدول، تلتزم الدول بالانضمام إليه أو بالخضوع لأحكام فيه تسمو على إرادتها. وأخيرا يعتبر الاتفاق بين مجموعة من الدول على إنشاء منظمة دولية هو ما يميز المنظمة الدولية الحكومية Organisation Internationale Gourvernementale عن المنظمة الدولية غير الحكومية Organisation Internationale non gourvernementale فهذه الأخيرة لا تنشأ بموجب معاهدة إنما تولد بالمبادرة الخاصة l’initiative privée وطبقا لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي – التابع لمنظمة الأمم المتحدة – رقم (×) 288 الصادر في 27 فبراير 1950، "تعتبر منظمة غير حكومية كل منظمة لا تنشأ عن طريق اتفاق بين الحكومات". ونظرا لأهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية غير الحكومية في مختلف ميادين الحياة الدولية، فإن هناك جو من التعاون الفعال بينها وبين المنظمات الدولية الحكومية. العنصر الثالث –الصفة الدولية لما كانت المنظمة الدولية هي ثمرة الجهد الجماعي للدول ذات السيادة، فإن الطابع الدولي الخالص exclusif – في نظر الفقه – أحد أهم العناصر المكونة للمنظمة الدولية. ونعنى بالصفة الدولية للمنظمة الدولية، أن الدول التي تنشئها وتنضم إليها بعد إنشائها هي التي تتمتع وحدها – في الغالب – بالعضوية فيها، وتمثل هذه الدول في المنظمة بواسطة أعضاء في الحكومات أو مندوبين عنها. وهذا يفسر ما جرى عليه العمل في الأمم المتحدة من إطلاق اصطلاح "منظمات بين الحكومات" organizations intergouvernementales تمييزا لها عن "المنظمات غير الحكومية" organizations non gouvernementales التي تنشأ عن طريق اتفاقات تعقد بين جماعات أو هيئات خاصة تنتمي لجنسيات مختلفة كجمعية الصليب الأحمر الدولية، والاتحادات العلمية الدولية، والاتحاد الدولي للنقابات، والاتحاد البرلماني الدولي، والاتحاد النسائي العالمي، واتحاد الشباب الديمقراطي العالمي. وتلعب المنظمات الدولية غير الحكومية دورا فعالا في مختلف مجالات الحياة الدولية وآية ذلك أن عددها قد بلغ الآن ما يقرب من الثلاثة آلاف منظمة غير حكومية. كما تدخل هذه المنظمات في علاقات مع المنظمات الدولية الحكومية من جهة ومع الدول من جهة أخرى. وإذا كانت المنظمات الدولية غير الحكومية تخضع للقانون الداخلي لدولة أو لعدة دول ولا تتعامل تعاملا مباشرا مع القانون الدولي ، فإن تنامي التعاون الدولي معها أيا كانت طبيعته قد يفتح الباب أمام اكتسابها الشخصية القانونية الدولية وخروجها من نطاق الولاية الحصرية للقانون الوطني. قلنا إن العضوية في المنظمات الدولية قاصرة على الدول. فالدول وحدها هي المكونة للمنظمة الدولية، وهذا ما يعنيه عنصر الدولية. لكن يرد على هذا الأصل العام بعض الاستثناءات – تبررها أحيانا اعتبارات سياسية تاريخية ، وأحيانا أخرى تبررها ضرورات عملية وفنية – التي – رغم أهميتها – لا تؤثر في سلامة القاعدة. فلا يوجد ما يمنع أن تقبل المنظمات الدولية الحكومية في عضويتها – بحقوق منتقصة – وحدات أخرى غير دولية لا ينطبق عليها وصف الدولة كاملة السيادة والاستقلال (أقاليم – مقاطعات – أقاليم ما وراء البحار – سلطات سياسية تمثل – مؤقتا – بعض الأقاليم). وتسمح بعض المنظمات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة بقبول عضوية أقاليم أو مقاطعات ليست دولا مستقلة مثل، منظمة الصحة العالمية، منظمة الطيران المدني الدولية، المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، اتحاد البريد العالمي، الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)؛ وذلك نظرا لأن هذه الأقاليم تتمتع بقدر واسع من اللامركزية ولها مصالح قد تستدعى تمثيلها في المنظمة تمثيلا مستقلا عن دولة الأصل. ومن المناسب أن نشير أيضا ونحن في هذا الصدد أن مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية الذي طرح على مجلس وزراء خارجية الجامعة في مارس 1990، أجاز لهيئات غير حكومية الانضمام إلى الجامعة ، بيد أن المشروع لم ير النور بسبب الأحداث التي عصفت بالعالم العربي في ذلك العام. ولا شك في أن اشتراك كيانات غير حكومية (جماعات إقليمية وفئات اجتماعية أو اقتصادية) مع الدول في تكوين كثير من المنظمات الدولية هو اتجاه نحو التخفيف من قيد التمثيل الحكومي ونزع الطابع المطلق عنه، وهو بذلك يعد استثناءا على عنصر الدولية الذي هو الأصل الأول لبناء المنظمة الدولية. وعليه يكون اشتراك غير الدول في بناء المنظمة مشروطا برضا الدول وتبعيا لا أصليا، ويستند هذا الاستثناء إلى الأصل ذاته الذي يقوم عليه وجود المنظمة الدولية، أي مبدأ التعاون الدولي الذي تراجع أمامه مبدأ السيادة، وفتح الطريق للتعاون بين الدول وبين هذه الكيانات غير الحكومية وإدخالها في بنية المنظمة الدولية. ولا يفوتنا في غمرة ما أسلفنا الإشارة إليه أنه يمكن لبعض المنظمات الدولية أن تشترك في أنشطة منظمات أخرى، وهو اشتراك في الغالب ينحصر في علاقات على مستوى السكرتاريات. وقد تمثل منظمة لدى منظمة أخرى بصفتها مراقب أو عضوا فيها. العنصر الرابع- الإرادة الذاتية عندما تحدثنا عن عنصر الدوام أو الاستمرار، أحد العناصر المكونة للمنظمة الدولية، انتهينا إلى حقيقة مفادها أن المنظمة الدولية هي بفضل صفة الدوام تعد مجتمعا دوليا مستقلا عن أعضائه من الدول ذات السيادة. وتستكمل المنظمة الدولية استقلالها عن الدول الأعضاء المكونة لها فتتمتع بفضل طبيعتها التنظيمية بإرادة خاصة متميزة عن إرادة الدول الأعضاء، يتم التعبير عنها وفقا للقواعد الواردة في ميثاقها وفي حدود الاختصاصات المحددة لها. وهذا ما نعنيه بالإرادة الذاتية أهم عناصر المنظمة الدولية وركنها الأساسي، الذي يؤهلها للتمتع بشخصية قانونية خاصة بها. ولعل هذا العنصر هو ما يميز المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي conférence internationale، الذي يعتبر تجمعا لا يتمتع بإرادة ذاتية متميزة عن إرادات الدول المشتركة فيه ، والتي من خلالها يحقق المؤتمر الدولي أغراضه ويصدر قراراته التي تستمد قوتها الملزمة من إرادة هذه الدول ، وبالتالي لا تكون القرارات الصادرة من المؤتمر الدولي ملزمة إلا للدول التي وافقت عليها. وبعبارة أخرى يمكن القول أن ما يميز المؤتمر الدولي عن المنظمة الدولية، هو أن إرادة المؤتمر الدولي ليست واحدة وإنما هي مجموع إرادات الدول المؤتمرة ، بينما تكون إرادة المنظمة الدولية واحدة وإن تعددت إرادات الدول المكونة لها. وإذا كانت الإرادة الذاتية للمنظمة الدولية هي في حقيقة الأمر تعبير عن إرادات الدول الأعضاء فيها، فإن خصوصية هذه الإرادة تظهر بجـلاء في تلك الحالات التي تصدر فيها المنظمة قراراتها بالأغلبية، ففي هذه الحالة تلزم هذه القرارات كل الدول الأعضاء بما فيها دول الأقلية المعترضة، وذلك باعتبارها قرارات صادرة عن المنظمة ذاتها ومنسوبة إليها. وعليه فإن مصدر القوة الإلزامية لهذه القرارات ليس هو إرادة الدول التي وافقت عليها وإلا لقتصر تأثيرها الإلزامي على دول الأغلبية، وإنما هو تمتع المنظمة الدولية بالإرادة الذاتية وفي هذا ما يبرر بالكفاية تأثيرها الإلزامي على دول الأقلية المعترضة. أما عندما تتخذ القرارات بالإجمــاع داخل أروقة المنظمة، فإنها – في رأي البعض – لا تتمتع بالإرادة الذاتية؛ حيث ينسب القرار إلى مجموع إرادات الدول الأعضاء المصوتة، وبذلك تتفق المنظمة مع المؤتمر الدولي حيث لا ذاتية لها. والرأي عندنا غير ذلك؛ إذ تتمتع المنظمة الدولية بالإرادة الذاتية حتى في الأحوال التي يصدر فيها القرار بالإجماع، لأن هذه القرارات تصدر باسم المنظمة وتعبر عن إرادتها، أما إرادة الدول المشتركة في التصويت فلا تنصرف إلا إلى مجرد واقعة التصويت دون النتائج التي تنسب فقط إلى المنظمة. يضاف إلى ذلك أنه في كثير من الأحوال يشترط ميثاق المنظمة الإجماع بالنسبة لأمور معينة، والاكتفاء بالأغلبية العادية أو الموصوفة فيما يتعلق بأمور أخرى، فهل من المتصور إذا ما تم التصويت على موضوعين في جلسة واحدة أحدهما يشترط فيه الإجماع والآخر يشترط فيه الأغلبية أن تتمتع المنظمة بالإرادة الذاتية عند التصويت على أحد الموضوعين (بالأغلبية) ثم تفقدها للتو عند التصويت على الموضوع الآخر (بالإجماع). هذا ما لا يتصور عقلا ومنطقا فأما أن تكون المنظمة الدولية ذات إرادة ذاتية أو لا تكون، الأمر الذي يعنى أن تمتع المنظمة بالإرادة الذاتية لا يرتبط بأحكام التصويت. هذا ويترتب على تمتع المنظمة الدولية بالإرادة الذاتية، أن آثار تصرفاتها لا تنصرف إلى الدول المكونة لها بل إلى المنظمة نفسها باعتبارها شخصا قانونيا دوليا مستقلا في حياته القانونية عن الدول التي أنشأته. وتتحمل المنظمة المسئولية عن أعمالها القانونية المشروعة وغير المشروعة وفقا لأحكام القانون الدولي. كما أن الموظفين يتبعون المنظمة لا الدول الأعضاء، ولا يدينون بالولاء إلا للمنظمة العاملين بها. وتكون للمنظمة ميزانية خاصة مستقلة؛ بحيث لا تستطيع الدول الأعضاء التدخل في تسييرها. ×[size=9] [/size]ثانياً : أنواع المنظمات الدولية نظرا لتزايد وتشعب وتشابك العلاقات الدولية في العالم المعاصر وهو ما أدى بالضرورة إلى تعدد وتنوع المنظمات الدولية وتزايد عددها واتساع مجال نشاطها يوما بعد يوم، حاول الفقه تقسيم هذه المنظمات – بهدف تيسير دراستها – إلى عدد محدود من الطوائف الكبرى تجمع بين ما يندرج تحت كل طائفة منها خصائص أو معالم مشتركة واضحة ومحددة، الأمر الذي من شأنه أن ييسر استنباط أو صياغة القواعد العامة التي تحكم كل طائفة من هذه الطوائف بصفة عامة. وتعددت التقسيمات بتعدد المعايير التي يمكن أن تتخذ أساسا للتقسيم، والتي اختلفت بحسب الزاوية التي يمكن أن ينظر إلى المنظمة الدولية من خلالها . أولا- من حيث العضوية يمكن تقسيم المنظمات الدولية، بالنظر إلى نطاق العضوية إلى منظمات عالمية organisations universelles ، ومنظمات إقليمية organisations régionales، ومنظمات عقائدية organisations idéologies وتعتبر المنظمة عالمية إذا كانت عضويتها مفتوحة لأية دولة من دول العالم متى توافرت فيها الشروط التي يتطلبها ميثاق المنظمة ومثالها عصبة الأمم، ومنظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما المنظمات الإقليمية فهي تلك المنظمات التي تقتصر العضوية فيها على طائفة معينة من الدول التي تتوافر فيها شروط التقارب الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والفكري واللغوي وكذلك شروط الجوار الجغرافي، ومثالها جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومجلس أوربا ومنظمة الدول الأمريكية. وأما المنظمات العقائدية فهي تلك المنظمات التي تضم في عضويتها دولا تتصف بأيديولوجية معينة كمنظمة المؤتمر الإسلامي. ثانيا- من حيث الاختصاص تنقسم المنظمات الدولية من حيث اختصاصاتها إلى منظمات عامة organisations générales، وأخرى متخصصة organisations spéciales. والمنظمات الدولية العامة هي تلك المنظمات التي تهدف إلى تحقيق التعاون الدولي في أمور عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية وغير ذلك. أو بمعنى آخر هي تلك المنظمات التي تتعدد أنشتطها واختصاصاتها؛ بحيث تشمل كافة مظاهر العلاقات الدولية. ومن أمثلة هذه الطائفة من المنظمات عصبة الأمم، الأمم المتحدة، وكذلك، وإن كانت بدرجة أقل ، منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمة السوق الأوربية المشتركة، وغيرها من التجمعات الأوربية. أما المنظمات المتخصصة فهي تلك المنظمات التي يقتصر نشاطها على قطاع واحد من قطاعات الحياة الدولية أو على مرفق معين من مرافقها. ولقد تزايد عدد هذه المنظمات بعد الحرب العالمية الثانية، ويمكن تقسيمها بدورها حسب طبيعة الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه إلى أنواع متعددة: 1)[size=9] [/size]منظمات دولية اقتصادية. 2)[size=9] [/size]منظمات دولية علمية. 3)[size=9] [/size]منظمات اجتماعية وإنسانية . 4)[size=9] [/size]منظمات عسكرية. 5)[size=9] [/size]وأخيرا منظمات سياسية بالمعنى الضيق. ثالثا- من حيث السلطات إن تقسيم المنظمات الدولية من حيث السلطات التي تتمتع بها من أهم التصنيفات وأكثرها صعوبة. وغالبية المنظمات الدولية لا تتمتع بسلطات قوية تمس بسيادة الدول الأعضاء ، فلا تزال الدول تتشبث وتعض بنواجزها على مبدأ سيادتها، الأمر الذي جعلها تتمسك كثيرا بعدم فرض رقابة عليها أو توقيع جزاءات في مواجهتها. وتتمتع كل المنظمات الدولية – من حيث المبدأ – بالسلطات الضرورية لمواجهة حاجاتها من الإدارة الداخلية، كتسوية المشاكل المتعلقة بموظفيها، وتمويلها، وأساليب تسيير العمل فيها. ويمكن أن نميز بين ثلاثة أنواع من المنظمات الدولية وفقا لمدى السلطات التي تتمتع بها: 1) عدد كبير من المنظمات الدولية لا يمارس أية سلطات حقيقية حيال الدول الأعضاء، وإنما ينحصر دوره في القيام ببعض الأعمال المادية التي لا يترتب عليها أي أثر قانوني ملزم في مواجهة الدول. ومن أمثلة هذه الأعمال القيام بجمع المعلومات ونشرها وإجراء البحوث وعمل الدراسات. ومن المنظمات التي ينطبق عليها هذا الوصف المنظمة الاستشارية البحرية، ومنظمة الأرصاد الجوية. 2) بعض المنظمات الدولية تتمتع بسلطات ذاتية تستطيع أن تمارسها دون أن تحل محل الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء. وتقتصر سلطاتها على تحقيق قدر من التعاون والتنسيق بين أنشطة الدول في مجالات اختصاصاتها. ومثالها منظمة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية. 3) وفي الوقت الحالي يوجد صنف من المنظمات الدولية يتمتع بسلطات ذاتية قوية واسعة في المجالات التشريعية والقضائية والتنفيذية يحل بها محل الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء. والأعمال القانونية الصادرة عن هذه المنظمات لا تخاطب الدول الأعضاء فحسب بل تتعداهم إلى رعاياهم. وتكاد تقتصر هذه الطائفة من المنظمات - في الوقت الحاضر- على الجماعات الأوربية الموجودة في إطار الاتحاد الأوربي (الجماعة الأوربية للفحم والصلب، والجماعة الاقتصادية الأوربية، والجماعة الأوربية للطاقة الذرية). ثالثاً :- المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية ، وضعها وطبيعتها القانونية تنشأ المنظمة الدولية بموجب معاهدة دولية جماعية، يطلق عليها غالبا اصطلاح الميثاق. مثل ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، جامعة الدول العربية. وتحتل المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية أهمية كبرى في حياتها، فهي – كما رأينا سابقا- عنصرا من عناصر تكوينها، المصدر الرئيسي والأساسي لنظامها القانوني. ومن ثم يجب الرجوع إليها في كل المسائل المتصلة بالمنظمة. والحديث عن المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية يوجب تناولها من الجوانب التالية: ‌أ) وضع المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية ودخولها حيز النفاذ. جرت العادة على أن يتم وضع المعاهدة المنشئة لمنظمة دولية بواسطة مؤتمر دولي تتولى الدعوة إليه مجموعة من الدول المعنية أو دولة واحدة. ومثال الحالة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق وانجلترا والصين التي كانت الدول الداعية لمؤتمرات (دومبارتون أوكس، ويالتا، وسان فرانسيسكو) والتي أعدت مشروع ميثاق الأمم المتحدة، ومثال الحالة الثانية مصر التي دعت إلى مؤتمر الإسكندرية عام 1944والذي أسفر عن وضع مشروع ميثاق جامعة الدول العربية. وقد تتولى بعض المنظمات الدولية المبادرة إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي بهدف وضع معاهدة منشئة لمنظمة دولية جديدة . وتطبيقا لهذا وجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي – أحد أجهزة الأمم المتحدة – الدعوة إلى عقد مؤتمر الصحة الثاني الذي أقر دستور منظمة الصحة العالمية في 15 فبراير 1946. وكما يتم وضع المعاهدة المنشئة لمنظمة دولية بواسطة الدول من خلال مؤتمر دولي يعقد من أجل ذلك الغرض، وتلك هي الصورة الغالبة التي مضت الإشارة إليها ، فإنه يمكن لمنظمة دولية قائمة أن تقوم بإعداد هذه المعاهدة لنشأة منظمة دولية أخرى. وتتكون المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية من ديباجة أو مقدمة يذكر فيها البواعث والأسباب التي كانت وراء التفكير في إنشاء المنظمة ، يتبعها أحكام تأخذ شكل مواد يذكر فيها كل ما يتعلق بالمنظمة : أهدافها ومبادئها وأحكام العضوية فيها وأجهزتها وفروعها واختصاصاتها ونفاذ وتفسير وتعديل الوثيقة المنشئة ... إلخ. ولما كانت الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية تأخذ شكل المعاهدة بالمعنى الدقيق، فلا تصبح سارية النفاذ إلا بعد التصديق عليها وفقا للقواعد المقررة في القانون الدولي العام في هذا الصدد، والتي قررتها أحكام اتفاقية فيينا لعام 1969 بشأن المعاهدات. وفي حالة انضمام دولة للمعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية بعد دخولها حيز النفاذ (العضوية بالانضمام) تكون المعاهدة نافذة في مواجهة هذه الدولة بعد تمام إجراءات قبولها في المنظمة وإتمامها للإجراءات الدستورية الداخلية. وباعتبار أن المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية هي القانون الأساسي للمنظمة؛ لذا يتعين على كل الدول الأعضاء احترام هذه المعاهدة في كل تعهداتها الدولية سواء أكانت هذه التعهدات سابقة أو لاحقة على هذه المعاهدة. ‌ب)[size=9] [/size]الطبيعة القانونية للمعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية. اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للوثيقة المنشئة للمنظمة. ويمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات رئيسية في هذا الصدد: الاتجاه الأول- الطبيعة الدستورية للوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية. يرى أنصار هذا الاتجاه أن الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية إن كانت تبدو في ثـوبها الخارجي كالمعاهدات الدولية إلا أنها من حيث الجوهر والمضمون ذات طبيعة دستورية. وتتجلى الطبيعة الدستورية التي تنطوي عليها الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية في كون أن هذه الوثيقة هي التي تنشئ المنظمة وأجهزتها وتحدد اختصاصاتها وقواعد توزيع هذه الاختصاصات بين مختلف فروع المنظمة. ثم إن هذه الوثيقة هي القانون الأعلى للنظام القانوني الذي تنشئه ، وتلك من حيث الأصل هي وظيفة الدستور. ويترتب على الطبيعة الدستورية للوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية عدة نتائج عملية تتمثل فيما يلي: 1)[size=9] [/size]أن القرار الذي تتخذه المنظمة الدولية بالأغلبية يلزم دول الأقلية. 2)[size=9] [/size]تختلف قواعد تعديل نصوص المعاهدات عن تلك القواعد الخاصة بتعديل نصوص الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية. فبينما يشترط في الأولى إجماع الأصوات لتمام التعديل، يمكن أن يكتفي في الثانية بأغلبية الدول الأعضاء، وعندئذ يفرض رأي الأغلبية على الأقلية. 3)[size=9] [/size]بينما لا تلزم المعاهدة غير أطرافها، فإن الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية قد تلزم – في غالب الأحيان – دولا غير أعضاء المنظمة. 4)[size=9] [/size]تتمتع أحكام الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية بالأولوية في التطبيق على أحكام المعاهدات العادية التي تكون الدول الأعضاء في المنظمة قد التزمت بها من قبل بموجب اتفاقات سارية وذلك في حالة التعارض بينهما. ولا خلاف في ذلك؛ إذ القاعدة أن النص اللاحق يلغى النص السابق. ولكن تثور الصعوبة في حالة تعارض أحكام الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية مع التزامات ترتبط بها الدول الأعضاء وفقا لمعاهدات دولية لاحقة للانضمام للمنظمة، وخاصة إذا كان من بين أطراف تلك المعاهدات دولا غير أعضاء في المنظمة. تحاول الوثائق المنشئة للمنظمات الدولية إزالة هذا التعارض بطرق شتى تستهدف أساسا ضمان احترام أهداف المنظمة دون المساس في الوقت ذاته بحقوق الدول الغير . على أن بعض الوثائق تنص صراحة على سريان أحكام الوثيقة وأولويتها في التطبيق على ما عداها من اتفاقيات، بغض النظر عن تاريخ نشأة هذه الاتفاقيات. وهو ما أخذ به ميثاق الأمم المتحدة في المادة103. كما تسمو أحكام الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية على ما تعقده هذه الأخيرة من معاهدات، وذلك لمنع الدول الأعضاء وأجهزة المنظمة من إعادة النظر في تلك الوثيقة بطريقة غير مباشرة. كذلك تسمو أحكام الوثيقة على القرارات التي تصدرها المنظمة من جانب واحد وفي هذا ما يضمن التدرج القاعدي الداخلي لكل منظمة. 5)[size=9] [/size]من المقرر بصفة عامة عدم جواز التحفظ على الوثائق المنشئة للمنظمات الدولية؛ حيث يصعب تصور إمكان قيام المنظمة بوظائفها بصورة طبيعية ما لم تقبل كافة الدول الأعضاء ذات الالتزامات، ثم إن المساواة بين الدول الأعضاء تمنع قبول إجراء التحفظات. وعندما تتضمن الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية نصوصا تبيح أو تمنع التحفظ، في هذه الحالة يجب إتباع الحل المنصوص عليه. بينما تثور الصعوبة في حالة خلو تلك الوثيقة من نصوص صريحة في هذا الشأن. ويمكن القول بجواز التحفظات على الوثائق المنشئة للمنظمات الدولية التي لا تتعارض مع أهداف المنظمة واختصاصاتها وبشرط موافقة الجهاز المختص في المنظمة . وقد تتفاوت القوة الدستورية للوثائق المنشئة للمنظمات الدولية من منظمة إلى أخرى: مثال ذلك أن الجماعة الأوربية للفحم والصلب يمكنها أن تتخذ قرارات تسرى مباشرة في أقاليم الدول الأعضاء دون ما حاجة إلى تدخل من جانب الأجهزة الوطنية لهذه الدول. وكذلك السوق الأوربية المشتركة التي بلغت سلطاتها درجة من القوة؛ بحيث تنفذ آثار أعمالها نفاذاً مباشراً في كل الدول الأعضاء بمعزل عن الأجهزة الوطنية لهذه الدول، بل يمكن للأفراد والمشروعات الاستفادة من تلك الآثار مباشرة. ومن ذلك أيضا، أن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة يملك ، وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق، سلطة اتخاذ تدابير عسكرية لقمع العدوان دون أن يتوقف ذلك على موافقة الدولة المعتدى عليها بل له أن يستمر في تنفيذ هذه التدابير رغم اعتراض هذه الأخيرة عليها. ويرى جانب من الفقه أن النظرة التي تقتصر في تحديد الطبيعة القانونية للوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية على أنها دستور رغم وجاهتها إلا أنها تغفل اعتبارًا هامًا ذلك لأننا "لا نستطيع أن نتجاهل ما للناحية الشكلية من أهمية لأنها هي التي تكفل للمعاهدة المنشئة مكانة خاصة بين المعاهدات لاسيما فيما يتعلق بالتطبيق والتفسير والتحفظات". الاتجاه الثاني - الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية لا تخرج عن كونها معاهدة دولية. ينحو جانب آخر من الفقه إلى القول بأن الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية هي معاهدة دولية شكلاً وموضوعاً تخضع لكافة القواعد التي تحكم صحة المعاهدات الدولية من حيث الشكل والموضوع. بيد أنها تعد معاهدة دولية من نوع خاص، بسبب تعدد أطرافها وطبيعة العلاقات التي تنظمها والهيكل التنظيمي الذي ينشأ عنها. وقد أطلق الفقه عليها اصطلاح معاهدة جماعية أو متعددة الأطراف traité-multilatérale ذات صبغة تشريعية traité-loi أو دستورية traité-constitutionnel وهي تتميز عن المعاهدة العقدية traité-contrat فبينما في هذه الأخيرة تكون مصالح الأطراف مختلفة ومتعارضة، فإنها تكون متوافقة ومتطابقة في المعاهدة الشارعة وتستهدف التوصل إلى نتيجة واحدة، كما تتميز هذه الأخيرة بإمكانية انضمام دول لم تكن أطرافا فيها وقت إبرامها إلى النظام القانوني الذي تقيمه، وذلك أمر لا يمكن أن يتحقق بالنسبة للمعاهدة العقدية. بيد أن القول باعتبار الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية ، معاهدة دولية من نوع خاص يغفل عن حقيقة هامة وهي أن نصوص تلك الوثيقة المنشئة للمنظمة هي التي تحدد العلاقة بين المنظمة ودولها الأعضاء، كما أنها هي التي تنشئ أجهزتها وتوزع الاختصاصات بينها وتلك هي من حيث الأصل وظيفة الدستور. الاتجاه الثالث – الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية ذات طبيعة مزدوجة. عرضنا فيما سبق لرأيين أحدهما يرى أن الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية ذات طبيعة دستورية، والآخر يرى أنها لا تعدو أن تكون معاهدة دولية، ولما كان لكل رأي منطقه وحجته السديدة؛ لذا ذهب فريق ثالث إلى الجمع بين الرأيين واعتبر الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية دستور ومعاهدة في آن واحد فهي ذات طبيعة مزدوجة. غير أن هذا الفريق من الفقه يختلف فيما بينه حول مضمون هذه الطبيعة المزدوجة. فمن قائل أن الوثيقة المنشئة للمنظمة هي معاهدة في المعنى الشكلي، ودستور في المعنى الموضوعي. بينما يذهب البعض الآخر منهم إلى القول بأن الطبيعة التعاهدية للوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية تتحول إلى الطبيعة الدستورية منذ اللحظة التي تباشر فيها المنظمة وظيفتها. ومن جانبنا لا يسعنا سوى التأييد والانحياز لتلك الطبيعة المزدوجة التي تتسم بها الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية؛ حيث تؤكد حياة المنظمة الدولية تلك الصفة المزدوجة للوثيقة المنشئة ألا وهي أنها معاهدة من حيث الشكل ودستور من حيث الموضوع.
×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.