اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

مجموعة عامة  ·  9231 اعضاء

نادي الفهلوى ديزاين للإبداع
رودى رودى

أهمية القرآن في حياة المسلم

Recommended Posts

+
----
-




إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،


مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،

وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،

ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...





حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

إخوانى وأخواتى الاعزاء

اعضاء منتدانا الغالى


[b]
سلسلة / تفسير سورة البقرة ..
[b]

الآيات [ 150: 152 ]




[/b][/b][b]الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري [/b]






تفسير سورة البقرة




الآيات [ 150: 152 ]






ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿ ومِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ
مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
﴾ [150].




ابتدأ الله سبحانه
وتعالى هذه الآية بصيغة الأمر الوارد فيما قبلها وقرن بها صيغة الأمر
السابقة، كما جمع فيها بين خطابه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وخطابه
لجميع المكلفين، ليترتب على ذلك التعليل وبيان الحكم له، وهي ثلاث: الأولى:
قوله سبحانه: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ فليس هذا الجمع والأعادة لمجرد التأكيد، وإنما هو تمهيد للعلة وتوطئة لبيان الحكم الموصولة به، وهو أسلوب معهود عند البلغاء.




والمراد بالناس هنا
هم المشاغبون المحاجون في أمر القبلة المعروفون؛ وهم أهل الكتاب يعرفون من
كتبهم أن قبلته الحقيقية هي الكعبة، فجعل بيت المقدس قبلة دائمة له تكون
حجة لهم، على أنه ليس ذلك النبي المذكور المبشر به في التوراة لمخالفته
القبلة المنصوص عليها فيها، وإنما هو دجال والعياذ بالله أو نبي غيره، فلما
جرى التحويل عرفوا أنه الحق من ربهم.




وأما المشركون فإنهم
كانوا يرون أن نبياً جاء من ولد إبراهيم الحياء ملته لا ينبغي له أن
يستقبل غير بيت ربه الذي بناه إبراهيم و إسماعيل و توجها إليه في صلاتهم،
فلما جاء التحويل للقبلة الى هذا البيت الحرام دحضت حجتهم، ثم دحضت شبهات
المنافقين، من ورائهم، فلم يبق لأحد حجة عليه وعلى المؤمنين، لا من يهود
ولا من المشركين والمنافقين ﴿ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
﴾ ولم يقتنعوا بالحجة ظاهراً وإلا فكأنهم في قراره أنفسهم مدحوضون
مغلوبون، لكن لا بد من حصول مغالطة من بعض الظلمة يظهرونها ليبردوا الحرارة
التي في نفوسهم ولئلا يعترفوا بالهزيمة، فان كل رجل لئيم يسلك مسلك
المغالطة لتغطية هزيمته، بخلاف الكريم الشجاع، فإنه يعترف بالهزيمة ويستعد
لها.




وأما اللؤماء
والدجاجلة المضللون للناس فهم يحاولون بكل جهدهم تغطية الهزيمة وتسميتها
بأسماء شتى، أو قلبها نصراً وهمياً، ليلعبوا على الجماهير التي لا عقل لها،
كما هو المقرر، فيوجد من أجناس هؤلاء من يقول إنه رجع الى قبلة قومه
لأرضائهم، وسيرجع إلى دينهم، ويقول المشركون: هكذا رجع إلى قبلتنا وسيرجع
إلى ديننا، ويقول المنافقون: إنه مضطرب متردد لا يثبت على قبلة.




وأمثال هذه الأقوال
المزيفة من أهل الأهواء حسداً وعناداً لا قيمه لها ما دام البرهان بضدها
وما دام الدليل قامعاً لرءوس أهلها، فإنه لا بد أن يبقى فيهم لفيف على
سفاهته يتجاهل الدليل والبرهان، فلذلك قال الله سبحانه: ﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ ﴾ حيث لا مرجع لكلامهم من الحق، فلا يتمكن في النفوس أبداً لعدم استناده إلى برهان عقلي أو هداية سماوية ﴿ و ﴾ لكن ﴿ وَاخْشَوْنِ
﴾ أنا، فلا تعصوني بمخالفة ما جاءكم به رسولي عني، فإنني القاهر القادر
على جزائكم بما وعدتكم وبما أوعدتكم، فخشية الله رأس كل خير، لأن من لم يخش
الله لم ينكف عن معاصيه ولم يبتعد عن مشابهة أعدائه والتلقي منهم خشية
منهم، لأن من زالت منه خشية الله ابتلي بخشية المخلوقين.




وهذه الآية الكريمة ترشدنا بكل جلاء ووضوح على أن صاحب الحق هو المرهوب الذي يخشى جانبه، وأن المبطل لاينبغي أن يخشى، لأن المبطل مخذول كباطله، زاهق ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [الإسراء: 81] وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه. وما آفة الحق إلا ترك أهله له وتخاذلهم لانصياعهم لتخويف الشيطان. والله يقول: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].



ولو أن أهل الحق
استعانوا بالله استعانة صادقة بعد تحقيقهم لطاعته في الأخذ بالمقدور من
الأسباب وتوكلوا على الله فيما عجزوا عن تحصيلها توكلاً صحيحاً واسثغاتوا
به اسثغاتة صادقة كاسثغاتة يوم بدر، وأخلصوا مقاصدهم لله، لم يغلبهم غالب
مهما بلغ من القوة، لأن الله معهم إذا اخلصوا المقاصد وصدقوا بالاستعانة
بالله، وامتثلوا أمره بالاستعانة بالصبر والصلاة كما سيأتي.




ومن تأمل تكرار الآيات
القاضية بالأمر باستقبال القبلة وجد أن لكل آية معنى مخالفاً للآخر،
فالآية الأولى جاءت لتلبية رغبة الرسول وتقليب وجهه في السماء، والآية
الثانية جاءت لتقرير أن هذا التحويل هو الحق من الله لا لمجرد الهوى
والاتجاه، وهذه الآية الثالثة جاءت لقطع حجة الناس من يهود وغيرهم، كما
جاءت أيضاً لإبلاغ الأمة بإتمام النعمة عليهم في ذلك، حيث ختمها بقوله
سبحانه: ﴿ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ
﴾ باستقلالكم في الاتجاه عن غيركم، ذلك الاستقلال العظيم الذي حسدكم عليه
اليهود، فقاموا بكل ما استطاعوا من أنواع الدجل والأراجيف، فهي نعمة عظيمة
يجب أن نرعاها وأن نعرف مغزاها، لنكون من المهتدين هداية صحيحة تامة.




ولذا أكمل الله ختام الآية بقوله: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
يعني وليعلمكم ويمدكم بذلك إلى الاهتداء بالثياب على الحق والرسوخ فيه،
وذلك لأن المقلد لغيره والمحاكي لغيره لا يكون مهتدياً، فينبغي أن تهتدوا
لحقيقة دينكم الكامنة وراء هذا التحويل في الاتجاه عن قبلة اليهود، فإن
تحويل الاتجاه الحسي في القبلة يدل بطريق الأولى على تحويل كل اتجاه معنوي
نلتقي به مع اليهود أو غيرهم من الكافرين في أي شأن من شئون الحياة، فإن
هذا التمييز والتخصيص من الله لنا في الاتجاه الحسي يوجب علينا أن نتميز
عنهم في كل شأن وفي كل ميدان، ولا نلتقي معهم ولا مع غيرهم في الثقافة، ولا
في أنظمة الاقتصاد وتشريعاته، ولا في المجال السياسي أو الاجتماعي، بل
يكون لنا في كل شيء من ذلك منهج خاص مخالف لهم تمام المخالفة، ومستقل عنهم
تمام الاستقلال. منهج منبثق من عقيدتنا ومستمد من وحي ربنا سبحانه وتعالى، وإلا
فما قيمة تحويل الاتجاه الحسي للقبلة إذا التقينا مع أحد من الكفار في بعض
المناهج الثقافية، واستوردنا منهم مذهب (لامارك) و(دارون) أو مذهب (فرويد)
و(دور كيم) وغيرهم في علم النفس أو الاجتماع، كأن وحي الله الذي أكرمنا به
مفلس من ذلك؟




إن استيراد شيء من
نظريات الكفرة ومبادئهم لا يعمله إلا الذي لا يرى كفاية وحي الله، أو من هو
جاهل مركب عديم الإحساس والعياذ بالله. ثم ما قيمة مخالفتنا لهم في القبلة إذا وافقناهم في الميدان الاقتصادي على أنظمة البنوك وغيرها مما يبيح الربا ويدين به قانونياً؟
وكذلك ما قيمة مخالفتنا لهم في القبلة إذا التقينا بهم واتفقنا معهم في
الشئون الاجتماعية أو بعضها من المسارح والمراقص والأفلام الخليعة
والبلاجات العارية والفسح للبغاء، وإباحة الزنا حالة الرضى وتشريع الأنظمة
الديوثية المعفية للزناة من إقامة حدود الله؟




يجب على المسلمين أن
يكونوا وعاة لحكمته ومقاصده العظيمة من كل تشريع، فإن الله العليم الحكيم
الذي أكرمنا بتمييزنا عن اليهود تمييزاً حسيّاً بتحويلنا عن قبلتهم
واستقلالنا بقبلة خاصة يريد منا أن نتميز عنهم تمييزاً معنوياً بمخالفتنا
لهم في جميع شئون الحياة وعلى مدى الخطوط، فلا نلتقي معهم ولا مع غيرهم من
الكفار في الميدان السياسي، التقاء يخالف عقيدتنا ويعاكس وحي ربنا، ولا في
الميدان الثقافي، كما أسلفناه، ولا في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي
وغيرها، لأن الالتقاء مع الكفار واستيراد الأنظمة منهم أو تقليدهم فيما
يفعلون، خطر عظيم على الدين، إما في أصل العقيدة مما يهدم ملة إبراهيم ودين
سيد المرسلين عليهما الصلاة والسلام، وإما فيما يجر إلى الردة عن الإسلام
من إباحة ما حرم الله من الخمور والربا والزنا ونحو ذلك.




فلقد أجمع علماء الأمة على من أن استحل أدنى شيء مما حرم الله كان كافراً يجب قتاله، ولهذا قال تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
﴾ [آل عمران: 100]. وقال: ﴿ يَا أيها الذين آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149].




ولا شك أن الانصياع
إلى شيء من تقاليدهم واستحباب شيء من أنظمتهم يجر إلى الكفر والردة، مع أن
فيه هزيمة عقلية ومركب نقص لا يقبله ذوو الاستقلال الفكري. فلنتعظ ونعتبر
ولا نضيع حكمة الله، ولا نبدل نعمته في استقلالنا الحسي والمعنوي الذي
أكرمنا الله به، ولهذا فقد ذكرنا بنعمته العظيمة على ذلك حيث قال في الآية
(151) و(152):


﴿ كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ
مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ
﴾ [152،151].




يعني:
أن إنعامنا عليكم بتحويل القبلة إلى الكعبة وما يستلزمه من تحويلكم عنهم
بكل اتجاه وتقليد، ليس ذلك بأول إحساننا عليكم، بل أنعمنا عليكم بأصول
النعم وأعاظمها وهي الرسالة، حيث اخترنا الرسالة منكم واصطفيناكم لها،
فأرسلنا إليكم رسولاً كريماً منكم ليس من غيركم، ولو كان من غيركم لشق
عليكم ذلك، ولكن أكرمناكم بجعله رسولاً منكم تعرفون نسبه وصدقه وأمانته
ونصحه وكماله ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل، والهدى
من الضلال. تلك الآيات التي دلتكم أولاً على توحيد الله وكماله، ثم على صدق
رسوله ووجوب الإيمان به، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب، حتى
حصل لكم الهداية التامة.




﴿ وَيُزَكِّيكُمْ
يعني: يطهر نفوسكم من الشرك، ويربيها على الأخلاق الجميلة، ويرتفع بها عن
الأخلاق الرذيلة، فتزكية نفوسكم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى
الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى
التواضع، ومن التباغض والهاجر والتقاطع إلى المحبة والتواصل والتوادد، وغير
ذلك من أنواع التزكية، هي نعمة عظيمة ما كان لكم تحصيلها لولا هذا النبي
الكريم الذي هو أعظم نعمة من الله عليكم، ومن حسناته عليكم بإذن الله أنه ﴿
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ يعلمكم القرآن ألفاظه ومعانيه، ويعلمكم الحكمة التي هي معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها، وتنزيل الأمور منازلها.




أما تعليمه السنة
فهي داخلة في تعليم القرآن، لأنها الوحي الثاني، ولأنها تبين القرآن وتفسره
وتوضح ما أجمله الله فيه وما أطلقه وتخصص منه بعض عموماته وتزيد على ذلك
من فروعيات التشريع التي دعا إلى أصلها، وذلك أن القرآن دعا إلى التوحيد
وأمهات الفضائل، وشرع أصول الأحكام، ولكنه لم يفصل نظام البيوت والعائلات
ولم يفصل طرق الأحكام القضائية والمدنية والحربية، ولم يتطرق لسيرة الرؤساء
مع المرؤوسين.




فهذه الأمور يجب أن
تؤخذ بالأسوة به - صلى الله عليه وسلم -، والعمل بأقواله، واقتفاء أحواله،
ولذلك كانت السنة المطهرة هي المبينة لذلك بالتفصيل من سيرة النبي - صلى
الله عليه وسلم - في بيوته ومع أصحابه، في السلم والحرب، والسفر والإقامة،
وفي حال الضعف والقوة، والقلة والكثرة. فالسنة العملية والقولية هي المبينة
للقرآن بتفصيل مجمله وبيان مبهمه وتقييد مطلقه، وإظهار ما في أحكامه من
الأسرار والمنافع، ولهذا أطلق عليها لفظ (الحكمة).




ولولا هذه التربية
العملية لما كان الإرشاد القولي كافياً في انتقال الأمة العربية من طور
الشتات والفرقة والعداء والجهل والأمية إلى الائتلاف والاتحاد والتحابب
والتآخي والعلم وسياسة الأمم، فالسنة المطهرة هي التي علمتهم كيف يهتدون
بالقرآن، ومرنتهم على العدل والاعتدال في جميع أحوالهم.




وفي قوله تعالى عن رسوله إليهم - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
يعني يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه زيادة عن الحكمة مما لا سبيل لكم إلى
معرفته بالفكر والنظر، وإنما هو بالوحي. وقد كرر الفعل ليدل على أن هذا
التعليم جنس آخر كأخبار الغيب من أحوال الأمم التي ما كانوا يعلمونها، وبل
لم يكن يعلمها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسيرة الأنبياء وما جرى لهم
مع أممهم وأخبار ملك سليمان، وغير ذلك مما كان مجهولاً حتى عند أهل الكتاب،
كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ
مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
﴾ [هود: 49].




وقد تقدم في دعا
إبراهيم ذكر تعليم الكتاب والحكمة مقدماً على التزكية وفي هذه الآية مؤخراً
والنكتة في ذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لاحظ في دعوته الطريق
الطبيعي، وهو أن التعليم يكون أولاً ثم تكون التزكية كالثمرة له والنتيجة.




وهاهنا ذكر الترتيب بحسب الوجود والوقوع،
ذلك أن أول شيء فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الدعوة إلى الإيمان
واقتلاع الشرك من القلوب بما تلا عليهم من آيات الله ودلائل توحيده وإلى
الاعتقاد باليوم الآخر بتركيز عقلي بديع، وكل من آمن به كان يقتدي بأفعاله
ويتخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن في بادئ الأمر أحكام ثم
شرعت الأحكام في الأخير، فالتزكية حصلت لهم بالتأسي به بحيث صفت نفوسهم
لله، وانطبعوا انطباعاً كاملاً بدينه، على أن التزكية التي حصلت لهم نوعان:
تزكية روحية معنوية وهي التي تكلمنا عنها، وتزكية حسية وهي نماؤهم وكثرتهم
وقوتهم بسبب كثرة أتباعهم عن حب ورغبة.




وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ
يعني اذكروني ذكراً صحيحاً من أعماق قلوبكم، اذكروني ذكر المربوب العارف،
المقدر لربه، المعظم له، واذكروني ذكر المحب لحبيبه على ما حبوتكم به من
النعم، واصطفيتكم لرسالتي من بين الأمم، وأنعمت عليكم بالدين السمح الميسر
وجعلت رسولكم منكم، يعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم، وأتممت عليكم نعمتي،
باستقلال اتجاهكم عن اليهود، وتميزكم عمن سواكم، واجتبيتكم للجهاد الديني
في سبيلي لاستلام القيادة العالمية ورفعة مجدكم بين الأمم.




﴿ فاذْكُرُونِي ﴾ بقلوبكم وألسنتكم والتوجه إليَّ بجميع جوارحكم، ولا تنسوا أنني أنا المتفضل عليهم بجميع ذلك، فإنه بصدقكم في ذكري ﴿ أَذْكُرْكُمْ
في الملأ الأعلى، وأديم نعمتي عليكم وأزيدها بالنصر والتمكين، لأن الذكر
الصحيح رأس الشكر الموجب لزيادة النعم وتوفر السعادة وقوة السلطان.




فاذكروني بألسنتكم، وتلذذوا بذكر أسمائي الحسنى، والتحدث بنعمي التي لا تحصى، والثناء عليَّ بها دوماً في السر والإعلان.



ففي الصحيحين عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله عز وجل:
((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا
ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً
وإن تقرب إليَّ ذرعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة))
[1].



وهذه أفضل تربية من
الله لعباده، فكأنه يقول إنني أعاملكم بأفضل مما تعاملوني به، وهو الرب
ونحن العبيد، وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه، إذا ذكرناه زادنا ذكراً
وزادنا فضلاً ونعمة.




ثم إنه سبحانه بعد أن علمهم ما يحفظ عليهم النعم أرشدهم إلى ما يزيدها بجوده وكرمه فقال: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ
يعني اشكروا هذه النعم العظيمة التي تفضلت عليكم بها والتي من أعظمها نعمة
الرسالة والهداية التي إن تمسكتم بها حصلت لكم القيادة والسيادة العالمية
وعظم شأنكم ومجدكم.




اشكروني شكراً
عمليّاً بحسن التصرف بهذه النعم العظيمة، وذلك باستعمال كل حاسة من
أحاسيسكم، وكل جارحة من جوارحكم، بذكري وتنفيذ أوامري، وتوزيع هدايتي، وبذل
النفس والنفيس في حمل رسالتي، فإن الشكر كما تقدم تفصيله أول التفسير يكون
باللسان وبالقلب وبالجوارح جميعها والأحاسيس، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سـبأ: 13].




فمن تراخى في أوامر
الله لم يكن عبداً شكوراً، ومن استهان بحرمات الله فأقدم على ما يريده من
منهيات الله لم يكن عبداً شكوراً، ومن جبن من حمل الرسالة أو شحَّ بمال
الله في توزيع الهداية لم يكن عبداً شكوراً، فالشكر يحصل فيه بقاء النعم
الموجودة والمزيد منها، كما قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].




ولما كان الشكر ضده الكفر نهانا عن ضده، فقال: ﴿ وَلا تَكْفُرُونِ
والمراد بالكفر هنا ما يقابل الشكر، وهو كفر النعم وجحدها وعدم القيام
بها، فالإصرار عليه كفر خطير، وفي هذا تحذير لهذه الأمة مما وقعت فيه الأمم
السابقة إذ كفرت بنعم ربها، فحولت الدين عن قطبه الذي يدور عليه وهو
الإخلاص وإسلام الوجه لله وحده والعمل الصالح المصلح للأفراد والجماعات،
وعطلت ما أعطاه الله إياها من مواهب المشاعر والعقل والملك فلم تستعملها
فيما خلقت له، وهكذا انحرفوا بكل عن أصله، فسلبهم الله ما كان وهبهم وما
ورثوه من خيرات أسلافهم تأديباً لهم ولغيرهم، ثم رحمهم بأن أرسل إليهم خاتم
النبيين بهداية عامة تعرفهم سبب تلك العقوبات، وتحذرهم من العودة إلى
أسبابها. وقد امتثل المسلمون هذه الأوامر زمناً قصيراً فسعدوا، ثم تركوها
بالتدريج، فحلت بهم عقوبات الله، كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
﴾ [إبراهيم: 7]. فإذا عادوا عاد الله عليهم بما كان أعطى سلفهم، وإن بقوا
على ما هم عليه فلا يزدادون إلا شراً وشقاء وتعاسة بجميع معانيها.




كما قال الشاعر:







شرٌّ بشرٍ ومن يعمله يلق ومن
يزرع من الشوك لا يحصد من العنب








[1]
أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675/1) والترمذي (3603) وابن ماجه (3822)
وأحمد (2/252، 413، 480، 516) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.







الأعداد السابقة /










سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 120: 121 )
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات [122: 124]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات [125]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآية [126]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآية [127]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 128: 129 )
سلسلة /تفسير سورة البقرة الآيات [ 130: 134 ]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات [135: 137]




سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 138 : 140 )






سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 141 : 142 )

سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآية ( 143 )
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات [ 144: 147 ]
سلسلة / تفسير سورة البقرة .. الآيات [ 148 : 149]

















شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيـر
وجعله في موازين حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
آحترآمي
** alfahloy **

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان

×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.