اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

مجموعة عامة  ·  9231 اعضاء

نادي الفهلوى ديزاين للإبداع
Light Life

مشيئة القدر....

Recommended Posts

إلى أبى (رحمه الله)
لقد رقد أبدياً .. غطاء ابيض من الخام وتحته وجه مسبل .. عينان كانتا للحظات فقط كشباكين يطل منها نور متوهج . وقد امحي سوادها إلى احمرار خفيف وبدأ اللون الأصفر في صبغ ذلك الوجه الجميل ولم يختف لمعان شعر اللحية الأبيض آذ بقى متوهجاً أمام الضوء المشع في غرفة المغتسل . هنا نظرت نظرة ثاقبة حزينة للجسم الهادئ والوجه المعفر بالألوان الأبدية بقطعة الخام البيضاء التي كانت
(شرشفاً عتيقاً) وكأنني أراه وهو في طور الشباب ..وامتدت يد أخي إلى الجسد البليد وفجأة تحركت عضلة واحدة في بطنه ورجفت قليلاً ثم هدأت . هنا انتابني نوع من أمل سريع عاصف لثانية .. ثانية واحدة اختفى الأمل الذي انتابني . اقتربت بخطوات بطيئة نحو الجسد ... ولم أمد يدي ولم امسك به لا ادري ربما خوفي الطفولي وفزعي من حياة الظلام ... لقد هدأت كل حركة فكان الجسم مجرد من كل تفتح . سوى وجود الملامح , الرأس , الشعر الأشيب ,الثوب الأبيض الملصق بسكون الجسم , عدت واستندت ظهري للجدار كان أمام ذهني ملايين الكلمات وهي تخاطب الأحاسيس الدفينة من ثنايا عقلي . والصوت الممتد عبر الحشرجات تردد كلمات
(( إن لله وأنا إليه راجعون)) . هل يريد أن ينام نومته الأبدية .. أحقا يريد ذلك ؟ قبل عدة أيام احتضنته كامرأة مهدمه طيبة تعانق ولدها وألصقت خدي بخده وبكيت كثيراً حتى غمرت الدموع وجهي وأحس بي .. ببكائي , أحس بي تماماً فاحتضنني وبكى أيضا وضع يده ذات الأصابع الممتلئة والتي أحسست بها بدفئها , بنبضات العروق بلمسها الناعم بالحيوية المتدفقة لون من السعادة التي امتدت لمئات من الأيام بليلها ونهارها , بعرقها وقرها .. لقد تحولت إلى أحلام .. مطأطئاً راسي وخرجت من الباب وجلست على مصطبة خشبية عتيقة أمام المغتسل . انظر بعيناي التي اجتاحهما الظلام إلى التجمع الغريب والكثيف والاستغراب يلتصق بوجوههم
- ها ... ما الخبر؟؟؟؟
- لقد توفى !!!!!!
- لا ... وبعد صمت .. إلى رحمة لله
- وإذا بيد تمسح على رأسي ... هنا أحسست باليتم .. كلنا لهذا الدرب
لم اجبه ... بائع الأكفان لم يزل يحلم بحياة مثلي بعيدة عن الخام والكافور والقطن .. وحينما ظهر بثوبه الأزرق الباهت ورأسه الحليق بدا الغبار يلف المكان .. لقد اختفى الصباح وألوانه . كل شيء أصبح بلون التراب . وفي لحظة من السكون الذي عم المكان وإذا بالصوت المدوي يخرج ارفعوه على الأكتاف .. رفع الجثمان وبدأت الخطوات بالمسير . وكأننا في تشيع جثمان شهيد ... انزلوه في باحة الجامع .. وبدأت الصفوف بالتراصف بدأ بالصلاة .. وقفت وكأنني لم أقف بدء الأمل بالتلاشي ... قطعنا ساعات وكأنها سنين واقتربنا وإذا بموجة كبيرة عاصفة تحمل بين أعماقها ملايين من الذرات الترابية الدقيقة , بدأت تظهر معالم (المقبرة) والقبب الصغيرة المبلطة بالكاشي والمنائر ذات الرؤوس الرفيعة .. وفي بقعة رملية الأرض ذات مساحة مربعة اتكأت الجثة وهي مدرجة . الرمل احمر خشن . عيناي مثبتتان بوضعها وهي متكئة ماشبهها باليقظة . وتحركت الجثة بفعل انهيار الرمل تحتها , لقد كبرت الحفرة وتوسعت . وأقاربي يتطلعون لآلاف القبور وبصمت ..
جلس رجل مغبر اللحية سوداء مطعمة بالبياض وعلى رأسه عمامة لونها بلون الظلمة وهو يتلو سوراً قرآنية معهودة ... لم هذا المصير ؟؟؟؟ ... كادت أن تفلت مني ... لقد اعتراني اليأس ولف روحي الظلام المطبق في الأعماق السحيقة ... الموتى يتكلمون فيما بينهم كالأحياء تماماً , لهم لغتهم وأحاسيسهم , لا ادري من نطق بهذه العبارة قربي , فأشفقت على صاحبها انه أيضا بدأ يخاف المصير ويخشى الأرض . انزلوا الجثة وأرقدوها في كوة جانبية ثم أغلقوا عليها , ارض مطبقة تماما رملية حمراء منحوتة , لم يكن هناك فراغ حتى لمرور الذكريات أو تداعي الأيام .. (سبعة وأربعون ) سنة وكأنها ليلة واحدة من عمر الزمن . كلها ذكريات مهدمة في نفسي عتيقة مهجورة كهذا القبر أو كهذا اللحن الجنائزي الذي تبعثه الريح معزوفة حناجر النساء وعويلهن وهن متحلقات قرب شاهدة جديدة لقبر بني حديثاً , المقبرة عميقة عمق العدم وواسعة سعة الوجود الحافل بذكريات مئات الأيام .. كان جسمي يشق الهواء والعمق الطيني يبتلعني حتى الاختناق . لم أقاوم كانت الهاوية تدعوني إليها , وماتت الأعصاب قي ساقاي , كنت بحاجة لقوة , كان الصمت كسحابة شتوية حينما رجعنا , شفاهنا مطبقة وإقدامنا تغوص في الرمل ولا ادري كيف عدنا , انتهى كل شيء وكل ما حولي يوحي بسكون .. فكرت بالنوم ولكني كنت مستيقظاً , تحسست وحاولت أن يكون حلماً ... حاولت ... لكنها مشيئة القدر .

راقت لى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان

×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.