اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

مجموعة عامة  ·  9231 اعضاء

نادي الفهلوى ديزاين للإبداع
benghazi

الحديث العطر والروض النضر من قصة موسى والخضر

Recommended Posts


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث العطر والروض النضر من قصة موسى والخضر


الحمدُ
لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتَّقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ
الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه
والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإنَّ
قَصص القرآن العظيم هو أحسنُ القَصص وأجمله؛ لما اشتمل عليه مِن أرْقى
أنواع الفصاحة، وأعلى أصناف البلاغة، مع سموِّ الغاية، وشرَف المقصد، فإنَّ
قصصه ليس لمجرَّد التسلية وإمضاء الوقت، كما هي عادة قصص الناس غالبًا،
ولكنَّها دروس وعِبَر، وأحكام وعِظات، تكون زادًا للعبد في حياته الدنيا؛
ليصلَ بها إلى برِّ الأمان، والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.


قال - تعالى -: ﴿
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
﴾ [يوسف: 3]، وقال - تعالى -: ﴿
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ
حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
﴾ [يوسف: 111]، وقال - تعالى -: ﴿ وَكُلاًّ
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِي
نَ
﴾ [هود: 120].





قِصَّةُ نَبِيِّ الله مُوسَى مَعَ عَبْدِ الله الخَضِر عليهما السلام


جاءتْ
هذه القصَّة بعد أن ذكَر الله - تعالى - قصص المشركين، وما كانوا عليه مِن
كِبْر واحتقار لضَعَفَة المؤمنين، منعهم ذلك من قَبول الحق والأخذ به، ثم
قفَّى على ذلك بذِكْر قصَّة موسى مع الخضِر - عليهما السلام - ليبيِّن لهم
أنَّ موسى مع كونه من أكابر الأنبياء، وأُولي العزم من الرسل، ذهَب هو
بنفسه إلى الخضِر؛ ليتعلمَ منه ما لم يَعْلَمْه، ولم تمنعْه مكانتُه من
التواضع للحق، وفي ذلك دليلٌ على أنَّ تواضعهم للحقِّ خير لهم مِن التمادي
في الباطِل لو كانوا يعلمون، فقال - تعالى -:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى ﴾؛
أي: واذكر أيها الرسول، حين قال موسى بن عمران - عليه السلام - أكبرُ
أنبياء ورسل بني إسرائيل، أُوذي في الله أذًى كثيرًا؛ لذا كان مِن أولي
العزم من الرسل، كلَّمه الله تكليمًا، وكان عندَ الله وجيهًا، فاصطنعه
لنفسه، وربَّاه تحت رقابته، وأحاطه بعنايته ورعايته.


قال يومًا ﴿لِفَتَاهُ ﴾؛ أي: )؛ لأنَّ الخدم أكثر ما يكونون في سِن الفتوة، وفتاه هذا هو (غلامه الذي يخدمه ويتعلَّم منه، والعَرَب تسمِّي الخادم (فتىيُوشَع بن نون)
كان شابًّا، وكان محبًّا لموسى، وخادمًا له، فاختصَّه موسى رفيقًا له،
وصار خليفةً من بعده على بني إسرائيل، وفتَح الله على يديه بيت المقدس،
ونصَره على القوم الجبَّارين، قال لفتاه يُوشَعَ:

﴿ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ ﴾؛ أي: لا أزال مستمرًّا في السير إلى أن أبلغ ﴿ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ ؛ أي: حتى أصِل إلى ملتقى البحرين ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾؛ أي: ولو أسير سنواتٍ طويلةً، حتى أصل إلى بُغيتي، وأحصِّل مطلبي.

وسبب
ذلك: أنَّ الله - تعالى - أوحى إلى موسى: أنَّ عبدًا من عبادي بمَجْمَع
البحرين عندَه مِن العلم ما لم تُحط به، فعزم موسى أن يرحَل إليه ليتعلم
منه، ولو طال به الزمنُ، وتحمَّل مِن العناء والمشقَّة ما تحمَّل، فانطلق
هو وغلامه يمشيان.


﴿فَلَمَّا بَلَغَا ﴾؛ أي: موسى وفتاه ﴿ مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾؛ أي: مجمع البحرين، وهو المكان الذي وعَده الله أن يَلْقاه عنده، وقد اختلف في تعيينه، ولا فائدةَ مِن معرفة ذلك، ﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾؛ أي: نسيَا الحوت الذي تزوَّداه معهما في مجمع البحرين ﴿ فَاتَّخَذَ ﴾؛ أي: الحوت ﴿ سَبِيلَهُ ﴾؛ أي: طريقَه ﴿ فِي البَحْرِ سَرَبًا
﴾؛ أي: مسلكًا مثل السرب في الأرض، فجعل الحوت لا يمس شيئًا من الماء إلا
يبس، وصار الماء كالقنطرة عليه، فكان ذلك للحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا؛
لأنَّ حياة الحوت بعدَ موته، ثم دخوله في البحر بحيث يصير عليه سربًا
كالنَّفق لا يلتئم بعدَ مروره فيه - أمرٌ في غاية من العجب.


﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا ﴾؛ أي: جاوز موسى وفتاه مجْمعَ البحرين، وهو المكان المقصود لهما، أحسَّ موسى بالجوع ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾؛ أي: ما نتغدَّى به، وهو الحوت؛ ﴿ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾؛
أي: تعبًا ومشقَّة، وقد كان من الحكمة في حصول الجوع والتَّعب له حين جاوز
المكان أن يطلب الغداء، فيذكر الحوت، فيرجع إلى حيثُ يجتمع بمَن يريد.


﴿ قال ﴾ يوشعُ لموسى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ﴾؛ أي: أرأيتَ ما حدَث لي حين لجأْنا إلى الصخرة التي بمجمع البحرين، لنستريح عندها ﴿ فإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ ﴾،
وذلك أنَّ الله - تعالى - أوحى إلى موسى أن يأخُذ معه حوتًا، فحيث فارقه
الحوت فهو المكان الذي يجِد عنده هذا العبدَ، فأخذه وجعله في مِكْتَل،
فبينما هما في ظلِّ صخرة إذ تسرَّب الحوت، حتى دخل البحر، وموسى نائم، فقال
فتاه: لا أُوقظه حتى يستيقظ، فلمَّا استيقظ نسِي أن يخبرَه؛ ولهذا قال: ﴿ وَمَا أَنْسَانِيهُ ﴾؛ أي: وما أنساني ذِكْر الحوت ﴿ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ لك ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ ﴾؛ أي: وصيَّر الحوت طريقَه في البحر أمرًا ﴿ عَجَبًا ﴾؛ إذ صار الماء عليه سرَبًا.


إشْكَالٌ وَجَوابٌ

فإنْ قيل: ما وجْهُ نِسبة النسيان هنا للفتى وحده، حيث قال: ﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾، ونسبته قبل ذلك لهما معًا، حيث قال: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾؟

فالجواب:
هو أنَّ النسيان وقَع من فتى موسى؛ لأنه هو الذي كان تحتَ يده الحوت، وهو
الذي نَسِيه، وإنما أسند النسيان إليهما هنالك؛ لاهتمامِ موسى بشأن الحوت
أيضًا، فناسب أن ينسب النسيان إليهما معًا.


﴿ قَالَ ﴾ موسى ﴿ ذَلِكَ ﴾؛ أي: المكان الذي فقدْنا فيه الحوت ﴿ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾؛ أي: ما كنا نطلب فيه الخضِر؛ لأنَّه أمارة مطلوبنا ومقصودنا ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا
﴾؛ أي: فرجعَا ماشيين في الطريق الذي جاءَا فيه، يتبعان أثرَ أقدامهما؛
لئلاَّ يفوتهما الموضِع مرَّة أخرى، فأتيَا الموضع الذي نسيَا فيه الحوت.


﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ وهو الخضِر - عليه السلام - وجداه مسجًّى بثوب ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾؛ أي: رحمةً عظيمة خَصَصْناه بها، والرحمة هنا هي الولاية، وقيل: النبوَّة، ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾؛ أي: علمًا جليلاً، أيَّدْناه وأكرمناه به، لم نُطلِع عليه غيرَه من الناس.

﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾ بعد أن سلَّم عليه: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ ﴾؛ أي: أصْحَبك، والاستفهام المراد منه هنا الطلب، ولكنَّه برِفق وأدب، وكأنَّه قـال له: ائذن لي في أن أتَّبعك ﴿ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ﴾؛ أي: من بعضِ ما علَّمك الله ﴿ رُشْدًا
﴾؛ أي: هداية وخيرًا وصلاحًا، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب،
فاسْتجهل نفْسَه أولاً، ثم استأذن أن يكون تابعًا له ثانيًا، وسأل منه أن
يرشدَه ويُنعِم عليه بتعليم بعضَ ما أنعم الله عليه ثالثًا، وهكذا ينبغي أن
يكون حال المتعلِّم من العالِم.


﴿ قَالَ ﴾؛ أي: الخضر لموسى: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾؛ أي: لن تستطيع أن تصبر على متابعتي ومصاحبتي وملازمتي، ثم أكَّد ذلك معتذرًا ومشيرًا إلى السبب في عدم الاستطاعة بقوله: ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ ﴾؛ أي: إنْ صحبتني ﴿ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾؛ أي: على أمور يكون ظاهرها منكرًا، وباطنها معروفًا، لم تدركْه أنت، ولم تُحطْ به علمًا؟

﴿ قَالَ ﴾ موسى للخضِر: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا
﴾؛ أي: حابسًا نفسي على طاعتك، وعلَّق الأمر بالمشيئة؛ أدبًا منه - عليه
السلام - لأنَّه يعلم أنَّ الأمر كله لله، ما شاء الله كان، وما لم يشأْ لم
يكن، ثم أكَّد ذلك بقوله: ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾؛ أي: من الأمور.


﴿ قَالَ ﴾ الخضر لموسى: ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾؛
أي: فلا تُفاتحني بالسؤال عن شيءٍ أنكرتَه مني، ولم تعلمْ وجه صحته، حتى
أبتدِئَك ببيانه، فنهاه عن سؤاله، ووعَده أن يُوقِفه على حقيقة الأمر، وهذا
مِن آداب المتعلِّم مع العالِم، والمتبوع مع التابع.


﴿ فَانْطَلَقَا ﴾؛ أي: على ساحل البحر يطلبان سفينة، وجِيء هنا بصيغة التثنية (فَانْطَلَقَا) وكذا ما بعدها، والظاهر أن (يُوشَع) كان معهما، ولكنَّه لم يُذكَر؛ لأنَّه لا شأنَ له مع الخضر.

﴿ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾؛ أي: خرق الخضِرُ هذه السفينةَ التي ركباها، ﴿ قَالَ ﴾ له موسى مستفهمًا استفهام إنكار: ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ﴾؟! اللام في قوله: (لِتُغْرِقَ) للعاقبة لا للتعليل، والمعنى: لتكون عاقبة خرْقها غرق أهلها ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا
﴾؛ أي: عظيمًا؛ لما في ذلك من إتلاف السفينة أولاً، وتعريض أهلها للهلاك
ثانيًا، وكفران نعمة الحمل بلا أُجْرة ثالثًا، وهذا الاعتراض مِن عدم صبره -
عليه السلام.


﴿ قَالَ ﴾ الخضرُ لموسى مذكِّرًا إيَّاه الشرط المتقدِّم: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾؛
أي: أنا فعلت ذلك عمدًا، وهو مِن الأمور التي اشترطت معك ألا تُنكر عليَّ
فيها؛ لأنَّك لم تُحِطْ بها خُبرًا؛ لأن لها سِرًّا لا تعلمه أنت.


﴿ قَالَ ﴾ موسى للخضر معتذرًا: ﴿ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ﴾؛ أي: لا تَلُمْني ولا تُعاتبني على ما حصل مني نسيانًا ﴿ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا
﴾؛ أي: ولا تُحمِّلني شيئًا فيه عسر ومشقَّة؛ لئلاَّ يلجئني ذلك إلى
مفارقتك، والمعنى: لا تُعسِّر عليَّ متابعتك بالمؤاخذة على مِثل ذلك، بل
يسِّرها عليَّ بالمسامحة، وترْك اللوم والمعاتبة.


﴿ فَانْطَلَقَا ﴾؛ أي: بعد أن خرجَا من السفينة إلى الساحل ﴿ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا ﴾ كان يلعب مع أصحابه ﴿ فَقَتَلَهُ ﴾ الخضر، وذلك بقَلْع رأسه مباشرةً من غير سابق إنذار، كما وردَ في الحديث الآتي.

﴿ قَالَ ﴾ موسى للخضر مستفهمًا على وجه الإنكار الشديد: ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾؛ أي: بريئة ممَّا يوجب قتلَها، فهي لم تقتلْ نفسًا حتى تُقتَل بها ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾؛ أي: منكرًا عظيمًا، أعظم مِن الأول؛ لأنَّ خرق السفينة يمكن تداركُه بالسدِّ، أمَّا هذا فلا سبيلَ إلى تداركه.

﴿ قَالَ ﴾ الخضِرُ لموسى: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ ذَكَّره بالشرط الأول مرَّةً أخرى، وزاد في قوله هنا: ﴿ لَكَ ﴾؛ زيادة في العتاب واللوم؛ لأنَّه تكرَّر منه ما يُوجِب ذلك.

﴿ قَالَ ﴾ موسى للخضر: ﴿ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا ﴾؛ أي: بعدَ هذه المرَّة ﴿ فَلاَ تُصَاحِبْنِي ﴾؛ أي: فاترُكْ مصاحبتي، ولا تجعلني صاحبًا لك؛ ﴿ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا
﴾؛ أي: قد وجدت مِن جهتي عذرًا؛ لأنَّك أعذرت إليَّ مرة بعد مرة، فخالفتُك
ثلاثَ مرات بمقتضى طبْع الاستعجال، فتكون قد بلغتَ الغاية التي تُعذَر
بسببها في فراقي، وهذا كلامُ شخص نادم أشدَّ الندم، قد اضطره الحال إلى
الاعتراف، وسلوك سبيلِ الإنصاف، وقد ثبَت في الصحيح أنَّ النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم - قال: ((رحمةُ الله علينا وعلى موسى، لو صَبَر على صاحبه لرأى العجب، لكن أخذتْه مِن صاحبه ذمامةٌ ]أي: إشفاق من الذم]، فقال: ﴿ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴾.


﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَة
﴾ اختُلِف في اسمِها، ولا فائدةَ من تعيينها ﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾؛
أي: طلبوا منهم أن يَقوموا معهما بحقِّ الضيافة فيُطعموهما ﴿ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا
﴾؛ أي: امتنعوا مِن استضافتهما، وذلك علامة على أنهم لم يكونوا مِن أهل
الكرم، ولا أهل الإيمان الكامِل؛ فإنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
قال: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِرِ، فليكرمْ ضيفَه))؛ متفق عليه.


﴿ فَوَجَدَا فِيهَا ﴾؛ أي: في هذه القرية ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾؛ أي: قاربَ أن يسقُط وينهدم ﴿ فَأَقَامَهُ ﴾؛ أي: عمَّره الخضرُ وأصْلَحه، ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
﴾؛ أي: لأخذتَ أُجرةً على إصلاح هذا الجدار لأهل هذه القرية، الذين
امْتَنعوا مِن استضافتنا؛ قال له ذلك تحريضًا وحثًّا على أخْذ الأجْر؛
لإنفاقه في الطعام والشراب وما يحتاجونه عوضًا عن ضيافتهم.


﴿ قَالَ ﴾؛ أي: الخضر لموسى: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾؛ أي: هذا وقت مُفارقتي إيَّاك، بحسب ما تَمَّ الاتفاق عليه، وشرطْتَه على نفسك من المفارقة بعدَ هذا السؤال ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ﴾؛ أي: الآن سأُخْبرك بمآل وعاقِبة ﴿ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾؛
أي: هذه الأمور التي صدَرَتْ مني، ولم تصبرْ عليها، وهي خلاص السفينة من
اليدِ الغاصِبة، ونجاة أبوي الغلام مِن شرِّه، مع الفوز بالبدَل الأحسن،
واستخراج اليتيمين للكَنْز.


ثم أخذ الخضِرُ في تفسير ما أَشْكل أمرُه على موسى ممَّا أنكر ظاهره، وقد أظهر اللهُ الخضِرَ على باطنه، فقال:
﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ ﴾؛ أي: التي خرقتُها بقَلْع لوح منها ﴿ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ﴾؛ أي: قوم عجَزة وضعفاء ومحتاجين ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾؛ أي: يحترِفون بالعمل والاكتساب بها ﴿ فِي الْبَحْرِ ﴾ بنقل الناس والبضائع من ساحِلٍ إلى آخرَ ﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ وذلك بخرقها.

ثم بيَّن السبب في ذلك بقوله: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ ﴾؛ أي: أمامهم، فإن كلمة (وراء) مِن الألفاظ المتضادة، تُطلق على الخلْف والأمام، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾؛ أي: أمامه، كالقُرْء يُطلق على الحيض والطهر معًا.

والمعنى: وكان أمامَ أصحاب السفينة ملِك ظالم، يَعتدي على أصحاب السفن السليمة، فـ﴿ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ ﴾ صالحة ﴿ غَصْبًا ﴾ مِن أصحابها، فأردتُ أن أعيبها؛ لأرده عن سفينتهم هذه، وتسلَم مِن غصْبه، ولم أفعلْ ذلك لمجرد عيبها فقط.

﴿ وَأَمَّا الْغُلاَمُ ﴾ الذي قتلتُه ﴿ فَكَانَ ﴾ كافرًا، وكان ﴿ أَبَوَاهُ ﴾؛ أي: أبـوه وأمه ﴿ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا ﴾ لو تركناه حيًّا ﴿ أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾؛ أي: خِفْنا أن تحملهما محبَّتُه على متابعته في الكُفر، فيوقعهما في المشقَّة والهلاك.

والمعنى: لو بلَغ هذا الغلام فإنَّه سيدعو أبويه إلى الكُفر، ولفرط محبتهما له سيتابعانِه على ما فيه هلاكهما.

﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً ﴾؛ أي: طهارة ﴿ وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾؛
أي: رحمة بهما وصِلة لهما، والمعنى: أردْنا أن يرزق الله هذين الأبوين
ولدًا، يكون خيرًا من هذا الولد دينًا وصلاحًا، وأقرب عطفًا ورحمة، وبرًّا
وشفقةً بهما، وفي هذا تحقيقٌ لقوله - تعالى -: ﴿ وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا
شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ
﴾ [البقرة: 216]، فإنَّ أبويه يحبَّان بقاءَه وهو شرٌّ
لهما، ويكرهان وفاتَه وهو خيرٌ لهما، والله أعلم منهما بما فيه
صلاحُهماوسعادتهما.


﴿ وَأَمَّا الجِدَارُ ﴾ الذي أقمتُه ﴿ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ ﴾ (الغلام) هو الصغير، و(اليتيم) - مِن بني آدم - من مات أبوه قبلَ البلوغ، ومن غيرِه مَن ماتت أمُّه ﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ ﴾؛ أي: تحت الجِدار ﴿ كَنْزٌ لَهُمَا ﴾، و(الكنز) هو المال المدفون من ذهب أو فضة ونحوهما، ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا ﴾ رجلاً ﴿ صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا ﴾؛ أي: كمال قوتهما بالعقـل والرأي، ﴿ وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ﴾ ليتصرَّفَا فيه، وينتفعا به ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾؛ أي: حصل ذلك رحمةً مِن الله تعالى، وهو تسخيره الخضِرَ لإقامة الجِدار لهما.

﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ ﴾؛ أي: ولم أفعلْ ما رأيتَه مني ﴿ عَنْ أَمْرِي ﴾؛ أي: عن رأيي واجتهادٍ مني، وإنَّما فعلتُه بأمر الله تعالى، ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ ﴾؛ أي: تفسير ﴿ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾، يقال: (تسطِع) و(تستطِع) لُغتان، بمعنى تَقْدِر.


خُلاصَةُ قِصِّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ عليهما السلام



روَى الإمامُ البخاري ومسلم في"صحيحيهما"
عن سعيدِ بن جُبَير قال: قلتُ لابن عباس: إنَّ نوفًا البكالي يزعُم أنَّ
موسى صاحب الخضِر ليس هو موسى صاحِب بني إسرائيل، قال ابنُ عباس: كذَب
عدوُّ الله؛ حدَّثَنا أُبيُّ بن كعْب - رضي الله عنه - أنَّه سمِع رسولَ
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ موسى قام خطيبًا في بني
إسرائيل، فسُئِل: أيُّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتَبَ الله عليه، إذ لم
يردَّ العلم إليه، فأوْحَى الله إليه: أنَّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو
أعلمُ منك.


فقال موسى: يا ربِّ، وكيف لي به؟ قال: تأخُذ معك حوتًا، فتجعله في مِكْتَل [أي: زنبيل]
فحيثُما فقدتَ الحوت فهو ثَمَّ، فأخَذ حوتًا فجعله بمكتل، ثم انطلق وانطلق
معه فتاه يُوشَع بن نون - عليهما السلام - حتى إذا أتيَا الصخرةَ وضعَا
رؤوسهما، فنامَا واضطربَ الحوت في المكتل، فخرَج منه فسقط في البحر، فاتخذ
سبيله في البحر سَرَبًا، وأمسك الله عن الحوتِ جِريةَ الماء، فصار عليه
مِثل الطاق، وفي رِواية: [حتى انتهيَا إلى الصخرة، فنزلاَ عندها، قال: فوضع
موسى رأسه فنام، وفي أصل الصخرة عينٌ يقال لها: الحياة، لا يُصيب مِن
مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوتَ مِن تلك العين، فتحرَّك وانسلَّ من
المكتل، فدخَل البحر]، وفي روايةٍ: [فأمْسَك الله عنه جرية الماء حتى كأنَّ
أثرَه في حجر، قال: فقـال لي عمرو: هكذا كأن أثرَه في حجر، وحلَّـق بين
إبهاميه والتي تليانهما]، [
فقال فتاه: لا أُوقِظه حتى يستيقظَ].


فلمَّا
استيقظ نسِي صاحبه أن يُخبرَه بالحوت، فانطلقَا بقية يومهما وليلتهما، حتى
إذا كان من الغدِ قال موسى لفتاه: ﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا
مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ [الكهف: 62]، ولم يجِدْ موسى النصبَ حتى
جاوزَ المكان الذي أمرَه الله به، قال له فتاه: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ
أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ
عَجَبًا ﴾ [الكهف: 63]، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا، فقال: ﴿
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾
[الكهف: 64].


قال:
فرجعَا يقصَّانِ أثرهما حتى انتهيَا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجًّى بثوب،
فسلَّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنَّى بأرض قومِك السلام؟ قال: أنا موسى،
قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعَمْ، أتيتُك لتعلمني مما عُلمتَ رُشدًا ﴿
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 67]، يا موسى
إنِّي على عِلم مِن علم الله عَلَّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على عِلم مِن
عِلم الله علَّمكَه الله لا أعلمه، فقال موسى: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].


قال
له الخضر: ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى
أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 70]، فانطلقَا يمشيان على ساحلِ
البحر، فمرَّت سفينة، فكلَّموهم أن يحملوهم فعرَفوا الخضر، فحملوهم بغير
نَوْل [
أي: بلا أُجْرة
فلمَّا رَكِبا في السفينة لم يفجأْ إلا والخضر قد قلَع لوحًا من ألواح
السفينة بالقُدوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نول، عمدتَ إلى سفينتهم
فخرقْتَها؛ لتغرقَ أهلها؟ لقد جئتَ شيئًا إمرًا، ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا
نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾ [الكهف: 72، 73].


قال:
وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: وكانتِ الأولى مِن موسى
نسيانًا، قال: وجاءَ عُصفور فوقَع على حرْف السفينة، فنقَر في البحر نقرةً،
فقال له الخضر: ما عِلمي وعلمك، وفي رواية: [
وعِلم الخلائق]
في عِلم الله إلا مِثل ما نقَصَ هذا العُصفورُ من هذا البحْر، ثم خرجَا من
السفينة، فبينما هما يَمشيانِ على الساحل إذ أبْصَر الخضر غلامًا يلعب مع
الغِلمان، فأخذ الخضرُ رأسه بيده، فاقتلعه بيده فقتَله، فقال له موسى: ﴿
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا
نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْرًا ﴾ [الكهف: 74 - 75] قال: وهذه أشدُّ من الأولى، ﴿ قَالَ إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ
لَدُنِّي عُذْرًا ﴾ [الكهف: 76].


﴿
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا
أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا
يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ [الكهف: 77] قال: مائل، فقال الخضرُ بيده ﴿
فَأَقَامَهُ ﴾، فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يُضيِّفونا ﴿ لَوْ
شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي
وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ
صَبْرًا ﴾ [الكهف: 77 - 78]، فقال رسـولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((وَدِدْنا أنَّ موسى كان صبَر حتى يقصَّ الله علينا مِن خبرهما))، قال
سعيد بن جُبَير: كان ابن عباس يقرأ: (وَكان أمامَهم ملِك يأخذ كلَّ سفينة صالحة غصبًا)، وكان يقرأ: (وأمَّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين).

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الله يعطيك 1000 عافية
لروعة طرحك وعلى جهودك المشهودة
سلمت لنا وسلمت ذاتك الرائعة بكل معانيها
ماننحرم من جماال مواضيعك
ولامن عطائك الا محدود
وافر ودي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان

×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.