اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

مجموعة عامة  ·  24130 اعضاء

حفظ
نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح
أحمد فايز عبد القادر

تاكسى .. إلى يوم الأمس!

Recommended Posts

تاكسى.. إلى يوم الأمس!





لست أدرى لماذا خرجت فى هذه الليلة الماطرة؟ فشتاء العام لا ينافسه مثيل فى الأعوام الماضية.. لا تكاد ترى سوى الغيوم فى السماء، أما النجوم فقد تعاهدت على الاختفاء.. لترتدى كل لياليه ذات الثوب المظلم من السحب الكثيفة التى لا يخترقها سوى ضوء البرق الذى يحاول جاهدا أن يبعث معه قدرا من النور بعد أن خاصم القمر وجه السماء، أما الرعد فهو الشئ الوحيد الذى تستطيع كل الأذان سماع زئيره، وكأنه يتهيأ لاقتناص فريسته التى ربما تكون شجرة أو أحد المنازل، وربما يكون الإنسان فى أحيان كثيرة هو الفريسة.

وعلى الرغم من هذه الأمطار الغزيرة تجدنى أخرج فى هذه الليلة، وتلامس قدمى صفحة الماء على الشارع وكأننى أسبح واقفا، وأرشف بيدى قطرات المطر الذى لم تلوثه أيدى البشر، وفى هذه اللحظة تغمرنى السعادة، بل وأشعر بأن هذه الأمطار هطلت لتزيدنى سعادة ونموا تماما كالنباتات.

ومع كل ضوء يرسله البرق أرى أمامى إناس تحاول الفرار من تلك الأمطار، وكأنها أحجار تقذفها السماء على رؤوسهم وقلوبهم، فتقع عليهم وقع الطعنات ولكنها طعنات تحمل معها الحياة، لعل هذه الرؤوس وتلك القلوب تفيق من غيبوبتها التى طالت، والبعض فضلّ أن يرفع فوق رأسه حجب مظلية تقيه هذه الطعنات، وكأنه يرفض تلك الحياة مرتضيا بهذا الاغماء، وفى الوقت الذى أستمتع أنا بالأمطار، وربما تسمع قلبى يقول هل من مزيد!.....

أرى فى زاوية الطريق رجل طاله الزمن، فرسم على الوجه تجاعيده، واستبدل بقلمه لون الشعر فأحال السواد إلى بياض، وختم على ظهره بخاتم العمر، فأوكأه على عصا لا تقوى فى هذه الليلة على حمله، وقد لانت الأرض من تحتها، ومع كل خطوة يحاول أن يخطوها تتعثر إحدى قدميه، فيأخذ من رصيد قوته الذى أوشك على النفاذ ما يكفى لحفظ توازنه، ثم يقف للحظات يحاول أن يلتقط جزء مما تبقى له من أنفاس، ومن حوله الصبيان يهدرون من رصيد قوتهم المتجدد قدرا كبيرا فى تقاذف كل ما تطوله قدميهم من أحجار وزجاجات فارغة وكرات من المطر المثلج.

لم أشعر بنفسى وهى تهرول ناحية هذا الرجل المسن، ماداً يدى له فيطالعنى بنظرة شكر وهو يتكأ علىﱠ، لم أقوى على النظر لعينيه المكسورتين، فهربت بهما صوب هؤلاء الصبية اللاهون لعل أحداً يرانى ويرد لى الصنيع عند كبرى وهرمى، ولكن دون جدوى فمدمن الكرة لا يرى سواها!

وتلك إمراة مُسِنه خرجت لتبحث فى صناديق القمامة عن ما يسد جوعها، وهذه شابه متبرجة تخرج من إحدى العمارات، تظهر من جسدها ومفاتنها أكثر مما تخفيه، تخرج مسرعة بعد أن أفسدت عليها هذه الأمطار لذتها المحرمة، وهذا شاب يترنح يمنة ويسرة بعدما أخمدت المخدرات طاقات عقله الذى وهبه الله إياه، وذاك لص يهرول حاملاً فوق كتفيه بعضاً مما أسعفه الوقت لسرقته، قبلما تحل عليه طلقات المطر وتدوى من حوله صفارات الرعد، أما أغرب ما رأيته فذلك الرجل الذى يخرج من أحد الأزقة وقد تناثرت الدماء فوق ثيابه الرث فلطخته بالحمره، لابد أنه أدرك بأن هذه الليلة الماطرة هى الأنسب لارتكاب جريمته فالهدوء والسكون هو سيد الموقف.

لست أدرى أكنت محقاً حينما شعرت بجمال هذه الليلة، الذى دفعنى للخروج من المنزل لرؤية هذا الجمال على طبيعته، أم أن القدر يريد أن يقول لى شيئاً أخر، لم يطل تفكيرى فصفارات مدوية اخترقت طبلة أذنى، أفقدتنى بعضا من توازنى وألصقتنى بحائط لمبنى مجاور، وقفت أرقب المشهد.. إنها سيارات إسعاف، توقفت أمام إحدى المستشفيات ينزل منها رجال من الطاقم الطبى بملابسهم البيضاء، مرتدين كمامات فوق الأنف وقفازات باليدين، وانفتحت أبواب السيارات الخلفية، وبدأ بإنزال المرضى، لكنهم ليسوا كأى مرضى، لم أرى دماء تسيل ولا أجزاء هتكت، ينزل الواحد منهم على قدميه ويسير أمام المسعف والطبيب وكأنه متهم اقتاده الحراس إلى قسم شرطة، انتابتنى حالة من الفضول، لابد لى من تبيان الأمر، سرت ببطء نحو أحد الأطباء متسألا: هل هؤلاء الناس مرضى؟ فأجاب: طبعا.

ولكنى لا أرى إصابات، دفعنى بيديه لعدة أمتار للخلف وكأنه يريد أن يقول لى سرا بعيدا عن مسامع الحاضرين.. إصابتهم لا ترى ولكنها أشد فتكاً من الطعنات النافذة.. منهم المصاب بانفلونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير، وحاملى فيروسات فتاكة، وإيدز.......، لم أستطع أن أسمع بقية الإصابات.. فجأة رأيت السماء تحت قدمى، والأرض فوق رأسى، ولم أدرى هل أنا الذى دورت أم أن الأرض قد دارت بى، ارتجت صناديق عقلى، وارتعدت أوصالى، ومرت كل المشاهد أمامى من جديد.. لهو، إدمان، فحش، سرقة، تبلد مشاعر، قتل، فقر، وأخيرا أمراض تُدمى ولا تُنزف، تقتل ولا تترك وراءها أدوات أو حتى بصمات.

صوت صرير لفرملة قوية هى التى أفاقتنى من تلك الحالة، أصدرتها سيارة تاكسى توقفت فجأة عند منحنى الطريق وبالقرب منى، أخرج سائقها رأسه من النافذة، قائلاً لى:

- إلى أين يا استاذ؟ حضرتك أشرت لى بالتوقف.

لم أتذكر، لعل يدى أرادت أن تنقذنى من غياهب تلك الأفكار المظلمة والمخيفة.. تمالكت قواى ولملمت شتات نفسى وألقيت بهما على المقعد الخلفى، وقلت:

- إلى يوم الأمس!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

لغتك قوية ورائعة يااستاذ احمد

كانك ترسم بالكلمات لوحة فنية رائعة

سلمت أناملك علي ماخطته يداك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
كتابة رائعة وتعبيرات مؤدية للمعني ..تعايشنا الحدث بالفعل
سلمت اناملك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
شكرا لكى اخى احمد على كلمات وايضا على قصص لانها بجد بتديها فرصة لالتقاط انفسنا وتهدية اعصابنا من وش ان الامتحانات على الابواب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان

×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.