اذهب الي المحتوي
أحلى نادي لأحلى أعضاء
البحث في
  • المزيد من الخيارات...
عرض النتائج التي تحتوي على:
إيجاد النتائج في:

مجموعة عامة  ·  24130 اعضاء

حفظ
نادي جامعة القاهرة للتعليم المفتوح
خالد عبد الله سليمان

هل يوجد علم اجتماع عربي؟

Recommended Posts


هل يوجد علم اجتماع عربي؟
ما هي أهم صعوباته؟
ما هي أهم مستلزماته؟

د. عبد الحكيم شباط    مجلة العلوم الإجتماعية     26-04-2012


تمهيد
يعتقد بعض الرومنسيين من أساتذة علم الاجتماع في عالمنا العربي اليوم أن كل من كتب في علم الاجتماع ومشاهيره ونظرياته واتجاهاته، أو كل من درّس ذلك في الجامعات أصبح عالم اجتماع. وإذا كان أي باحث اجتماعي عربي موضوعي لا يجرؤ على أن يزعم أنه يوجد اليوم علم اجتماع عربي، فإن المرء يتسائل حائرًا: هل يعتقد بعض أساتذة علم الاجتماع في العالم العربي أنهم علماء في علم الاجتماع الفرنسي أو الألماني أو الأمريكي مثلاً؟! وإذا جاء أحد هؤلاء الحالمين ليزعم أنه يوجد علم اجتماع عربي، فإننا ببساطة سوف نطلب منه أن يذكر لنا: بعض النظريات التي أنتجها علم الاجتماع العربي، والمشاكل التي استطاع أن يعالجها، والفروض التي يعمل على تطويرها. ونحن نزعم بدورنا أن الإجابة – غالباً- سوف تكون: صفراً مكعباً!
في تحليل أجري بمصر لرسائل الدكتوراه والماجستير في تخصص علم الاجتماع لـ 131 أطروحة حتى عام 1974، تبين أن منها فقط أطروحتين بحثتا إمكانية تشكيل نظرية علمية لعلم الاجتماع العربي، الأولى على أساس وظيفي، والثانية على أساس المادية التاريخية، في حين جاء الاهتمام بالمسائل المنهجية والأساليب الفنية في البحث بنسبة 3.2 % فقط. أما معظم الرسائل المتبقية فقد جاءت خليطاً بين التوليف والنقل والتناول لمسائل اجتماعية جزئية. (...) وورد في تقرير حول الأبحاث السوسيولوجية في دولة العراق أن معظم الدراسات التي أنجزت حتى 1970 كانت قصيرة، وجزئية، ولم ينشر معظمها. (...) أما في دولة الجزائر فقد أشار تقرير حول وضع البحث السوسيولوجي إلى أن الدراسات الجادة حول الأوضاع الاجتماعية في الجزائر لاتزال نادرة، ومحدودة. (...) وحول الدراسات السوسيولوجية التي تصدر في سوريا ولبنان والأردن والجزائر والمغرب والعراق ومصر ورد في نفس البحث الذي أعده أحد أساتذة علم الاجتماع، عام 1981، أن معظم هذه الدراسات قد غلب عليها طابع التأليف المدرسي المعتمد على النقل والترجمة والتركيز حول مشكلات جزئية، أو نظام اجتماعي محدود كالأسرة والتعليم (...)، لذلك فإن البحث السوسيولوجي في الوطن العربي بصفة عامة "يعاني من مأزق منهجي يرتبط مباشرة بأنماط التوجه النظري، وبنوعية الموضوعات الجزئية المحدودة التي يتناولها (...)". وعلى الرغم من أن البحث الاجتماعي يأخذ اليوم في دول الخليج العربي عموماً حيزاً كبيراً من الاهتمام ويعد بنتائج طيبة وآمال مرجوة إلا أننا لا نستطيع الزعم بعد بأننا بتنا قادرين على بناء نظرياتنا ومناهجنا الخاصة في هذا المضمار.
وفي ضوء هذا الواقع المخيب للبحث السوسيولوجي في الدول العربية، فإننا نرى أن استبدال سؤال: (ما هي عوائق تشكل علم اجتماع عربي؟) بسؤال: (هل يوجد علم اجتماع عربي؟)، سوف يكون أكثر نفعًا ومنطقيةً، وسوف يتيح لنا الفرصة لكي نسلط الضوء على بعض أهم الصعوبات التي حالت دون تأسيس علم اجتماع عربي - كما نراها على الأقل-، وسوف نقسم هذه العوائق إلى مجموعتين:

1- العوائق الخارجية.
2- العوائق الداخلية.

أهم العوائق الخارجية

1- العوائق السياسية
تركز الأبحاث والنظريات الكبرى للعلوم الاجتماعية على إعادة النظر في القيم والتقاليد السائدة، أو تلك التي يرغب أصحاب القرار السياسي من الحكام وذوي الزعامات الدينية والاقتصادية والاجتماعية في فرضها كقيم مسيطرة أو قانونية. لذلك فمن الطبيعي أن تتعرض الأبحاث الاجتماعية الجريئة إلى رقابة شديدة، وإلى جميع أنواع الضغوط والقيود، في ظل جميع الأنظمة السياسية، وخاصة تلك الاستبدادية منها. وبالتالي فإن عالم الاجتماع الذي يعمل في ظل نظام شمولي- كالأنظمة الشيوعية في الفترة السوفياتية وكثير من الأنظمة في عالمنا العربي والإسلامي مثلاً- لإظهار محاسن نظام الأحزاب المتعددة ومخاطر السلطة الشخصية لن يمنح الفرصة لنشر أعماله أو الدفاع عنها. وبالعكس، فإن السلطات العامة في ظل نفوذ الطبقات ذات الامتيازات الخاصة- كما هو الحال في بعض الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة ودول أوربة الغربية- لا تشجع أبدًا الأبحاث الهادفة إلى إظهار الطابع المجحف لامتيازاتها السلطوية، وتفرد القلة بالنفوذ السياسي والاقتصادي في داخل المجموعات الاجتماعية. وغالبًا ما يتطلب نشر أبحاث تتضمن اكتشافات ثورية في العلوم الاجتماعية إلى ظروف مساعدة استثنائيًا تمامًا كي تستطيع الإفلات من رقابة السلطة. وحين كان يسعى عالم الاجتماع إلى اكتشاف كيفية تحول المجتمعات والأنظمة الاقتصادية والسياسية، وتحديد الحاجات والسلوك الإنساني فلا مفر له من طرح قضية النظام القائم، وسلطة رجال الحكم، والمجموعات المتنفذة في المجتمع، والتي غالباً ما تتحمل الوزر الأكبر في التسبب بمظاهر الفساد التي تبلى بها الدوائر الرسمية. ولا بد للباحث في العلوم الاجتماعية ليقوم بهذه المهمة الخطرة والضرورية من أن يعتمد أولاً على وعي الفاعل الاجتماعي. وكما هو الحال في الدول العربية فإن المرء يلاحظ خضوع البحث الاجتماعي عموماً لإرادة الحكومات السياسية وتوجهاتها، بل غالباً لا يوجد قدر كافي من الاستقلالية للباحث في اختيار موضوع بحثه، وعرض نتائجه بصورة موضوعية، فمعظم الباحثين في الدراسات الاجتماعية في البلدان العربية لا يعدون أن يكونوا موظفين حكوميين في الجامعات والمراكز البحثية التي تتبع للحكومة، وهم ينفذون ما يطلب منهم، وبالتالي فإن عملهم البحثي ينحصر في أحيان كثيرة في عمليات القص واللصق والترجمة الانتقائية، لتفادي الاصطدام مع السلطة القائمة، ولا شك أن دراسات اجتماعية من هذا النوع المشوه لن تفضي بأي حال من الأحوال إلى تأسيس علم اجتماع عربي.

2- الطبيعة الوصفية للعقلية البحثية العربية
إن معظم الأبحاث التي يقدمها الباحثون العرب في مختلف التخصصات تقف في أغلب الأحيان عند مرحلة الوصف دون أن تتجاوزها إلى مرحلة التفسير، فأغلب هذه الدراسات تدور في فلك السؤال: كيف حدثت الظاهرة؟ وكيف تتبدى في الطبيعة أو المجتمع؟ دون الانتقال إلى السؤال التفسيري: لماذا حدثت هذه الظاهرة؟ هذا فضلاً عن الوصول إلى سؤال التنبؤ: ماذا سيحدث في المستقبل أو كيف ستحدث الظاهرة؟
ونحن هنا لا نقلل من أهمية عملية الوصف في الدراسات العلمية بشكل عام، فكثيرًا ما يكون الوصف بمنزلة اكتشاف للظاهرة؛ لأنه عملية تعيين واختبار علاقات أكثر أو أقل عمومية بين خواص الظاهرة موضوع البحث، وهو اكتشاف؛ لأن هذه العلاقات لم تكن معروفة قبل الوصف العلمي الذي كشف عنها، لكن التفسير يتجاوز الوصف، إذ يستعين به، ويضيف إليه القوانين أو النظريات كي يحقق هدفه، فيمثل التقدم الحقيقي للعلم.
إذًا فالوصف هو أحد المراحل المنهجية المهمة لإنجاز العمل العلمي، لكن العمل العلمي حتى يكون مثمراً لابد له أن يتجاوز مرحل الوصف إلى مرحلة التفسير، ومن ثمة إلى مرحلة التنبؤ، وإذا كانت هذه المراحل المنهجية تعكس بشكل أو بآخر التطور التاريخي للعقل العلمي البشري بشكل عام، فإننا نعتقد أن العقل العربي لا يزال يمارس العملية البحثية وفق المعايير المنهجية للعمل العلمي العربي في القرون العربية المتأخرة. حيث كانت المنهجية العلمية التي يمارسها العقل العربي تركز على المنهجية الوصفية، وقد تتوجت الجهود العلمية للعقلية العربية في القرون الوسطى بأعمال بعض الرواد الذين استطاعوا أن يلامسوا الإرهاصات الأولى للمرحلة المنهجية التفسيرية، وهو كان مع الدراسة المميزة التي قدمها المؤرخ العربي عبد الرحمن بن خلدون (1406-1322) في كتابه المعروف (المقدمة)، وكذلك الدراسة التي قدمها عالم الرياضيات المسلم غياث الدين الكاشي ( 1465-1436) في كتابيه: (مفتاح الحساب) و(علم الهيئة)، اللذين اشتملا على اختراعه الرياضي لنظام الكسور العشرية.
وعلى حسب علمنا لم تقدم المجتمعات العربية أي عالم بالمعنى الحقيقي لكلمة عالم منذ نهاية القرن الخامس عشر تقريبًا، وطبعًا نحن هنا نستثني العلماء العرب الذين يعملون في المؤسسات العلمية الأوروبية والأمريكية؛ لأن هؤلاء هم ثمرة التقدم العلمي في البلدان التي استقبلتهم، وفتحت لهم جامعاتها؛ ليتعلموا فيها، ومخابرها؛ ليعملوا فيها، وليسوا بأي حال من الأحوال نتاجاً للمجتمعات العربية، وبمعنى آخر نريد القول: إن العقل العلمي العربي قد جمد عند مرحلة زمانية مكانية في حركة تطور الوعي والتاريخ، وهذه المرحلة تقابل على المستوى المنهجي: المرحلة المنهجية الوصفية.
وبالتالي فإن هذه الطبيعة الوصفية للعقلية العربية تنعكس بدورها على الأبحاث الاجتماعية، بحيث نستطيع الزعم دون التورط بموقف تعميمي صارم أن معظم الأبحاث السوسيولوجية العربية تراوح في المرحلة الوصفية، ولا تستطيع تجاوزها للمرحلة التفسيرية، فضلاً عن الوصول إلى المرحلة التنبؤية، على أنه لن ننسى هنا الإشارة إلى أن نظريات علم الاجتماع - بشكل عام- تعاني من إشكالية تجاوز المرحلة الوصفية إلى المرحلة التفسيرية والمرحلة التنبؤية، فذلك يعكس أحد أهم الإشكاليات المنهجية لعلم الاجتماع خاصة، والعلوم الإنسانية عامة، وبينما تنتج هذه الصعوبة في علم الاجتماع في البلدان المتقدمة من طبيعة الظاهرة الاجتماعية المعقدة، وإشكاليات البحث في العلوم الإنسانية عامة، فإنها في حالة الأبحاث الاجتماعية العربية - بالإضافة إلى كونها إشكالية تنتج من طبيعة الظاهرة الإنسانية، وخصوصية البحث الاجتماعي- أسلوب منهجي، تخلعه العقلية البحثية العربية سلفًا على مجرى البحث.
وبالإضافة إلى سيطرة العقلية الوصفية في الدراسات الاجتماعية العربية، كذلك يلاحظ المرء أن هذه العقلية تسيطر عليها المزاجية والعاطفية الواضحة في تناول المشاكل الاجتماعية المطروحة للمعالجة، وعدم مراعاة الحد الأدنى لشروط الدقة العلمية والموضوعية النسبية في جمع المعلومات، وتوثيقها، ومعالجتها والنتائج المتحصلة عنها. ونستطيع أن نزعم أن المعالجة العاطفية للمشاكل الاجتماعية، وضمور النزعة العقلية في البحث الاجتماعي، إنما هو انعكاس لمناهج التربية والتعليم في المدارس والجامعات العربية، وكذلك بتأثير التربية الاجتماعية التي تساهم في تكوين عقلية تقليدية، لا تمتلك الروح النقدية القادرة على تطوير العملية المعرفية، وتحريرها من قيود التبعية للموروثات في الحقل العلمي، وهذا يعكس ما يمكن تسميته بحالة الجمود والتخلف في الأدوات المنهجية للعقل العربي- العلمي. وفي هذا السياق نختم هذه الفقرة بذكر هذا الاقتباس: "إنّ الدماغ العربي الآن في مرحلة الدماغ الانفعالى والغريزي، وهما مرحلتان من مراحل تطور الدماغ (...) فنحن نتعامل مع حياتنا في معظم المجالات تعاملاً عاطفياً غرائزياً بعيداً عن إعمال العقل فيها. نحن لسنا أمة التحليل، والبحث، والدرس. نحن أمة الحب أو الكراهية، الدفاع أو الهجوم، الإيمان أو التكفير، اليمين أو اليسار. حركة الفكر لدينا هي حركة اجترار الماضي فقط، وليس استنطاق المستقبل. نحن سجناء الماضي بقوة قاهرة عابرة للتاريخ. تراثنا فقط هو ملجأنا الوحيد ضد الأخطار التي تحدق بنا، وحين تعصف بنا العواصف، وتشتد علينا الأعاصير."

3- عائق التمويل والترجمة والنتاج العلمي
يوجد ضعف في تمويل الأبحاث العلمية بشكل عام في البلدان العربية، فقد ورد أن ما ينفقه المواطن العربي في مجال البحث العلمي لا يتعدى 4 دولارات سنويًا، في مقابل 930 دولارًا في أمريكا، و972 دولارًا في إسرائيل، و39 دولاراً في الصين و19 دولاراً في الهند، و حوالي 950 دولاراً في أوروبا، وأن ما يتم إنفاقه في 22 دولة عربية مجتمعة، على البحث العلمي لايتعدى مليار و700 مليون دولار سنويًا وهو يعادل ماتنفقه جامعة هارفارد وحدها في أمريكا.
وينصب الاهتمام بالدرجة الأولى على مشاريع البحث في مجال العلوم الطبيعية، في حين ينظر للأبحاث في مجال العلوم الإنسانية - بشكل عام- وعلم الاجتماع - بشكل خاص- على أنها ضرب من الترف، الذي يمكن تأجيله أو ليس له مبرر، بل يوجد اليوم في العالم العربي من يطالب بإغلاق أقسام علم الاجتماع في الجامعات؛ لأنها ليس لها أي دور أو أهمية في الحياة العلمية أو الاجتماعية، على حسب زعمهم. وقد دلت إحصائيات السنوات الخمس الماضية على أنه تم نشر ما يقرب من 305 مليون ورقة بحث علمية وتكنولوجية فى جميع أنحاء العالم، كان نصيب دول الاتحاد الأوروبي منها 37%، والولايات المتحدة 34%، و آسيا الباسفيك 21%، والهند 20%، وإسرائيل 10%، بينما اكتفت أكثر من 22 دولة عربية بنشر أقل من 1% من مجموع ما نشر من أوراق. مع العلم أن عدد الجامعات العربية الحكومية والخاصة يزيد على 200 جامعة، وعدد الأساتذة يزيد على 50 ألف أستاذ، وعدد خريجي الجامعات يزيد على 10 ملايين خريج، منهم ما يزد على 700 ألف مهندس.
ونستطيع أن نضيف أيضًا إلى ضعف التمويل وانخفاض المخصصات في ميزانيات الحكومات العربية للبحث العلمي ضعف حركة الترجمة، فقد ورد في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2003 أن 300 مليون عربي يترجمون أقل بسبع مرات من 20 مليون يوناني، وأن العالم العربي يمثل 5 بالمئة من سكان العالم لكنه ينتج فقط 1.1 بالمئة من الكتب العلمية والثقافية بينما ينتج ثلاثة أضعاف الكتب الدينية التي ينتجها العالم ككل. وربما يكون العرب اليوم هم أقل أمة تعنى بحركة الترجمة والثقافة المتبادلة مع بقية المجتمعات.

4- العوائق الدينية
لا تزال النظرة الحذرة والمتوجسة تجاه العلوم الاجتماعية، راسخة ومسيطرة في ذهنية بعض المجتعات العربية والإسلامية، فالمؤسسة الدينية بشكل عام تنظر بعين الريبة لكل نتاج معرفي وافد من الغرب، وعلى وجه الخصوص في مجال الفلسفة، وتقيمه من الناحية الدينية على أنه يشكل خطراً على المعتقدات الدينية والأخلاقية. والبعض من رجال الدين يكُّفرون من يعمل ويبحث في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع، بحجة أنهم يروجون للاتجاهات اليسارية والإلحادية في المجتمع، بل إن بعض حكومات الدول العربية تمنع تدريس بعض نظريات علم الاجتماع في جامعاتها. والمفارقة المثيرة للسخرية هنا أننا شاهدنا بعض رجال الدين يشجعون قراءة أعمال عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في نشوء الرأسمالية؛ لأنهم يعتقدون بأن فيبر ينتصر للقيم الدينية في مقابل الفكر المادي الإلحادي، على الرغم من أن ماكس فيبر شخصيًا كان علمانيًا أو ملحدًا، كما ذكر هو ذلك مرارًا في مؤلفاته. وكذلك منهم من يستغرق في أحلامه، ليزعم أن علم الاجتماع بالكامل لا يعدو أن يكون علما إسلاميًا أسسه المؤرخ العربي ابن خلدون سابق الذكر، وإذا كانت الأمانة العلمية لتاريخ نشوء علم الاجتماع يجب ألا تبخس ابن خلدون حقه في التمهيد لتأسيس علم الاجتماع، وفي وضع تصور مبدئي لموضوعه، ومنهجه، وغايته، تحت ما أسماه "علم العمران البشري"، في مؤلفه "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" الذي يعرف اختصاراً بـ "المقدمة"، فإننا بالمقابل لا نستطيع إلا أن نؤكد الدور الرئيسي المباشر للجهود التي قدمها أوغست كونت (1798- 1857)، وكارل ماركس (1818-1883)، ودوركهايم (1858-1917)، وماكس فيبر (1864-1920)، ومن أتى بعدهم، لتأسييس علم الاجتماع، وصبغه بالشكل الذي يعرف به اليوم.

أهم العوائق الداخلية

1- عدم امتلاك علم الاجتماع العربي لنظريات علمية اجتماعية عامة واضحة المعالم، يكون لها أنساق معرفية متكاملة، يمكن اختبارها واقعيًا، وتكون لها قدرات تفسيرية، وقدرات تنبؤية، كما هو الحال في علم الاجتماع في الغرب، أما معظم الدراسات الاجتماعية العربية فإنها تدور في فلك الدراسات الوصفية. فالنظرية تلعب دورًا أساسيًا في تحديد موضوع العلم، والفضاء المعرفي الذي يجب أن يتحرك به مجال البحث، وبالتالي تسهم في تراكم الخبرات العلمية والمعرفية، وتطويرها في اتجاهات محددة.

2- الفشل في تأسيس منهاج علمي خاص، يمكن تطبيقه في الدراسات الاجتماعية العربية، ويراعي طبيعة الإشكاليات الاجتماعية العربية وخصوصيتها. ولا شك أن المنهاج، والنظرية، بالإضافة إلى الموضوع، والمفاهيم، من أهم شروط تأسيس العلم.

3- عدم التنسيق بين الدراسات الاجتماعية العربية، وعدم توحيد المفاهيم والمصطلحات، والاستناد إلى مدارس ومرجعيات اجتماعية وافدة من نتاج الشعوب الأخرى، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى والتضارب بين المشتغلين في الدراسات الاجتماعية العربية، نتج عنها ضياع الجهود، وخلق حالة هدامة، بدلاً من حالة بناءة، فقد يجتمع - على سبيل المثال- في أحد أقسام علم الاجتماع في إحدى الجامعات العربية مجموعة من الأساتذة، ينتمي كل واحد منهم لاتجاه اجتماعي مغاير أو منافس ومضارب للآخر (مثلاً: وظيفي، بنيوي، سلوكي، ماركسي، نقدي، إنشائي، توفيقي، تنظيمي، فوضوي ... إلخ)، فيسخر كل منهم طاقاته وجهوده البحثية للانتصار لمذهبه ومدرسته، التي هي بالأساس لا تنتمي للمجتمع العربي، فتكون النتيجة أن يساهم في تطوير علم الاجتماع الفرنسي أو الألماني أو الإنجليزي ... إلخ، وليس علم الاجتماع العربي!

4- إشكالية الإطار المرجعي الفكري الفلسفي للنظرية العلمية: فمعظم المحاولات التي قام بها بعض الباحثين العرب لتأسيس نظريات خاصة بعلم الاجتماع العربي، نراها قد اعتمدت على إطار مرجعي فكري ينتمي للفكر الفلسفي الغربي، أو الفكر الفلسفي اليساري في الفترة السوفياتية، أو وضعت في إطار تصور الباحث لما ينبغي أن يكون عليه الإطار الفكري الفلسفي العربي، وليس في ضوء ما هو عليه واقع هذا الفكر الحالي، وذلك دون مراعاة خصوصية أن تؤسس النظرية الاجتماعية في إطار مرجعية فلسفية تنتمي للمجتمع الذي يجب أن تعمل به هذه النظرية.

5- التركيز على الجوانب النظرية والتنظيرية في البحث الاجتماعي، وعدم القدرة أو الجدية في المضي قدمًا لاختبار واقعية البحث، وصدق افتراضاته من الناحية العملية، والكتابة والتأليف والترجمة بغاية التدريس الأكاديمي الصرف، ولغايات أيديولوجية، وتثقيفية، بدلاً من الاهتمام بتحقيق الأهداف العامة للبحث السيسولوجي، التي من شأنها محاولة فهم نشوء الظاهرة الاجتماعية، وتبديها في المجتمع، وتفسير عمليات تغيرها وتغييرها وتطورها وتطويرها، فجاءت معظم الدراسات الاجتماعية العربية في هذا السياق، أشبه بالخيال السيسولوجي أو التصور النظري المجرد، الذي يعوزه التثبت الاختباري لصحة افتراضاته.

6- إشكالية التعميمية، والتجزيئية، كصفة ملازمة لمعظم الأبحاث السوسيولوجية العربية، فإما أبحاث عامة سطحية تلامس الموضوعات المعالجة من الخارج دون الغوص إلى أعماق المشكلة لتحليلها وفهمها جيداً، وهذا غالبًا ما يتمثل بالنزعة المدرسية في التأليف، حتى نجد أن أستاذ علم الاجتماع العربي يمكن أن يكتب في أي شيء وفي كل شيء، دون مراعاة ضرورة التعمق في تخصص محدد. أو بالمقابل أبحاث تركز على مشكلات جزئية، ذات طابع أمبريقي، دون مراعاة ضرورة فهم الإطار النظري العام الذي يجب أن تعالج به هذه المشكلات، فنجد هنا نزعة ذات صبغة تبسيطية تميل للتطرف في التجزيئية والتخصصية.

لا شك أننا لا نستطيع بهذه الصفحات القليلة أن نستوفي دراسة جميع الصعوبات الداخلية والخارجية، التي حالت دون تأسيس علم اجتماع عربي، وأسباب عدم امتلاكه لنظريات ومفاهيم ومصطلحات خاصة به، والتي يمكنه استعمالها وتطبيقها في معالجة القضايا والإشكاليات التي تهم مجتمعه ومواطنيه. لكن نأمل على الأقل أن نكون قد قدمنا خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح من أجل تسليط الضوء على بعض هذه العقبات، التي بدون تجاوزها، وبدون تهيئة الأرضية المناسبة لعمل سوسيولوجي عربي جاد، لا يمكن الحديث عن علم اجتماع عربي، وعلماء اجتماع عرب، بالمعنى الحقيقي للكلمة.
دمتم سالمين موفقين

انظر عبد المعطي، عبد الباسط: اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، سلسلة عالم المعرفة الكوتية، عدد 44، 1981، ص.186.
القزاز، إياد: "انطباعات عامة حول علم الاجتماع في العراق مابين 1950-1970 " مجلة الخليج والجزيرة العربية، أكتوبر 1978، ص.55-64. نقلاً عن المرجع السابق ص 188.
عطية، بن فاروق وبوتفنوشان، مصطفى: "علم الاجتماع في الجزائر"، بحث مقدم لمؤتمر علماء الاجتماع العرب في الكويت، أكتوبر 1977. نقلا عن المرجع السابق ص.188.
انظر عبد المعطي، 1981، ص.188-189
انظر(أقتباس مع بعض التصرف لذلك لم نضعه بين مزدوجتين) كورغانوف، فلاديمير بالتعاون مع كورغانوف، جان كلود: البحث العلمي، ترجمة يوسف وميشال أبي فاضل، منشورات عويدات، بيروت – باريس، ط1، 1983، ص. 111 - 110
انظر. الخولي، يمنى: فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول- الحصاد- الآفاق المستقبلية، سلسلة عالم المعرفة، العدد 264، الكويت، 200، ص. 386- 381
انظر. النابلسي، شاكر: بؤس الفلسفة العربية الحديثة، مقال منشور في مجلة إيلاف الإلكترونية، 2004، ص. 4.
انظر تقرير ورد في صحيفة المدينة الإخبارية، منقول عن تقرير علمي لعام 2004 صادر عن جامعة هارفارد الأمريكية حول مخصصات ميزانية البحث العلمي في هذه الجامعة، تاريخ نشر المقال في صحيفة المدينة الإخبارية السعودية 2009.11.02
انظر سالم الشامسي، ميثاء: مقالة بعنوان "حصاد مراكز البحث العلمي في الدول العربية، ماذا أنفقت؟ وماذا قدمت؟ وهل هناك إنجاز علمي يمكن التحدث عنه؟"، ندوة مجلة العربي: ندوة منعقدة حول الثقافة العلمية في الوطن العربي، واستشراف المستقبل، الكويت، 2005، ديسمبر، اليوم الثالث.
انظر تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي لسنتي 2002 و2003 : ( نقلاً عن مقدمة العفيف الأخضر ص. 1-2 في الكتاب الذي نشرته مجلة إيلاف الإلكترونية في تاريخ 16 أبريل 2004).
من أجل مزيد من المعلومات راجع كتاب: كريب، إيان: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين غلوم، سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 244، 1999، الطبعة الإنكليزية 1992. وكذلك لمزيد من المعلومات حول أهمية دور النظرية الاجتماعية من الناحية التفسيرية والتنبؤية يمكن مراجعة كتاب: "الاتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية"، القسم الأول، العلوم الاجتماعية، المجلد الأول، تأليف مجموعة كبيرة من الأساتذة المتخصصين في العلوم الإنسانية، أشهرهم: جان بياجه، ترجمة مجموعة من المترجمين السوريين، دمشق، 1976.
للاطلاع على مزيد من المعلومات حول تاريخ إشكالية المنهاج في العلوم الاجتماعية وأهميته يمكن مراجعة كتاب، مصطفى أنور، علا: التفسير في العلوم الاجتماعية، دراسة في فلسفة العلم، القاهرة، 1988. وكذلك كتاب، سالم، علي: منهجيات في علم الاجتماع المعاصر، قرءات ونصوص، بيروت، 1992. وكذلك كتاب قنصوه، صلاح: "الموضوعية في العلوم الإنسانية، عرض نقدي لمناهج البحث"، القاهرة، 1980.
يمكن أن نأخذ نموذجاً – مجرد مثال لهذه المحاولات- لإشكالية الإطار الفكري الفلسفي المرجعي للدراسات الاجتماعاعية العربية، وهو ما يتمثل في الدراسات التي قدمها كل من الدكتور طيب تيزيني بالاستناد إلى المرجعية الفلسفية الماركسية، والدكتور محمد عابد الجابري، بالاستناد إلى المرجعية الفلسفية الليبرالية – البنيوية، إذا صح التعبير.
انظر عبد المعطي، 1981، ص.163-200
انظر المرجع السابق.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان

×
×
  • اضف...

Important Information

We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue.